يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بدءاً من الثاني من ديسمبر (كانون الأول)، السعودية، بدعوة من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.
وقبيل وصوله، وصفت مصادر الإليزيه زيارة ماكرون الثالثة إلى السعودية بأنها «استثنائية»، وعلَّلوا ذلك بأنها أولاً «زيارة دولة»، وهي الأعلى بروتوكولياً من بين الزيارات الرسمية كافة، ولأنها تعكس «نوعية العلاقات القائمة بين الطرفين، خصوصاً (العلاقات الخاصة والشخصية) التي تربط بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي».
تحلّ الزيارة، وفق باريس، في «لحظة مهمة»؛ بالنظر لتطور العلاقات، ولأن الطرفين يسعيان إلى ارتقائها إلى مرتبة «العلاقات الاستراتيجية» التي ستُطلَق رسمياً في هذه المناسبة.
وقالت مصادر الإليزيه إن هذا التطوُّر، في شقِّه السياسي، سيتيح «تظهير طموح مشترك ومتجدِّد» للأعوام العشرة المقبلة سينهض على أساس خطة عمل مشتركة. كذلك، شدَّد قصر الإليزيه على أن الزيارة تأتي «فيما السعودية، بدفع من ولي العهد، منخرطة في عملية تحول وانفتاح اقتصادي»، ولذا، فإنها تتيح الفرصة لتؤكد فرنسا «دعمها للدينامية المنطلقة، وللتأكيد على رغبتها في المساهمة بها» بما في ذلك المشاريع الكبرى التي أطلقتها الرياض في إطار «رؤية 2030».
يرى الإليزيه، بعملية الانفتاح والتحديث الاجتماعيين في السعودية تعبيراً من الرياض عن رغبتها بأن تلعب دوراً محورياً في الشرق الأوسط منفتحة على العالم والعولمة وكصلة وصل بين ثلاث قارات.
وترجمة ذلك، وفق باريس، تظهر في سياق مجموعة مشاريع وأحداث تستضيفها السعودية؛ أكان المعرض الدولي في عام 2030، حيث دعمت فرنسا ترشُّح الرياض لاستضافته أو «الألعاب الأولمبية الشتوية»؛ ما يمكِّن البلدين من العمل والاستثمار معاً بشأنها. وبخصوص هذه المشاريع وغيرها، فإن رغبة باريس «مواكبة» السعودية في تحقيق أهداف «رؤية 2030».
أهداف وتطلعات
تعدّ فرنسا زيارة الدولة تكتسب أهمية خاصة؛ بالنظر للوضع الدولي المتوتر والأزمات الناشبة في «جوار السعودية القريب»، و«وجود حالة من عدم اليقين حول التطورات المرتقَبة في المنطقة والعالم»؛ ما يوفر للطرفين الفرصة «لإطلاق مبادرات للسلام والأمن في المنطقة وأبعد منها، فضلاً عن العمل حول التحديات الشاملة» التي يواجهها العالم، مثل التحولات المناخية ومسألة المياه والغذاء ودفع النظام المالي العالمي لصالح النقلة البيئوية. وفي الجوانب السياسية، سوف تتناول المحادثات الملفات الساخنة، مثل الوضع في غزة ولبنان واليمن وسوريا، والمسائل الأخرى المرتبطة بالتصعيد في المنطقة، في إشارة إلى الملف الإيراني النووي ودور طهران الإقليمي.
وفي المحصلة، ترى باريس أن لزيارة ماكرون ثلاثة أهداف رئيسية، أولها: «تأكيد موقع فرنسا كشريك رئيسي وموثوق للسعودية» في مشاريعها التنموية ورؤيتها، سواء في القطاعات الاقتصادية، مثل الطاقة أو الاقتصاد عديم الكربون «حيث للسعودية طموحات مستقبلية كبرى»، بالتوازي مع تنويع اقتصادها، ومع طموحاتها الثقافية والسياحية.
وترى باريس أن تجربة تطوير محافظة العلا التي تساهم بها فرنسا «يمكن أن تكون مثالاً لما يستطيع الطرفان القيام به».
أما الهدف الثاني، فإنه سياسي بامتياز، وعنوانه «المساهمة في العمل من أجل حلول دبلوماسية للأزمات التي تضرب المنطقة»، مثل العمل مع السعودية بالنسبة لحرب غزة. ونوه الإليزيه بالمساهمات التي تقدمها الرياض في إطار الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ومنها التحالف الدولي، من أجل قيام الدولة الفلسطينية وحل الدولتين، عملياً، تريد باريس، وفق الإليزيه، العمل مع السعودية من أجل وقف النار في غزة «في أسرع وقت»، وإطلاق سراح الرهائن وحماية المدنيين والتوصل في نهاية المطاف إلى الخروج من الحرب بحل سياسي. ووفق باريس، فإن وقف النار في لبنان يمكن أن تكون له تداعيات على وقف النار في غزة.
لبنان وتداعيات وقف النار
أما في لبنان، فإن ما تريد فرنسا العمل بشأنه، بالتعاون مع السعودية، كما قالت مصادر الإليزيه «تدعيم وقف إطلاق النار، والعمل معاً على الملفات السياسية، والتوصل إلى إجراء الانتخابات الرئاسية لملء الفراغ على رأس الدولة اللبنانية، وقيام حكومة، وكذلك إطلاق إطار للحوار من أجل الإصلاحات التي ينشدها الشركاء الدوليون، ولكن أيضاً اللبنانيون».
وشدَّدت مصادر الإليزيه على أن الملف اللبناني «سيكون في قلب المحادثات»، التي سيجريها الرئيس ماكرون مع الأمير محمد بن سلمان، والتشديد على انتخاب رئيس للجمهورية، مرده أنه «جزء من توفير السيادة اللبنانية والاستقرار الإقليمي».
وأشارت المصادر المذكورة إلى الحاجة لدعم الجيش اللبناني، وإلى الالتفات لعملية إعادة الإعمار التي قدَّرها البنك الدولي بـ15 مليار دولار، منوهةً بالمشاركة السعودية في المؤتمر الذي استضافته باريس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لدعم لبنان، والمساعدات الإنسانية التي وفَّرتها. ومن بين المسائل السياسية التي أشار إليها الإليزيه تجدُّد الحرب في سوريا، من حيث تأثيرها على الاستقرار الإقليمي، فضلاً عن أنها أُثيرت في المفاوضات التي أفضت إلى وقف إطلاق النار في لبنان، من زاوية نقل السلاح من إيران إلى «حزب الله».
وتأمل باريس العمل مع السعودية فيما يخصّ جوانب الملف اللبناني، ومنها الملف الرئاسي، مشيرةً إلى الدور الذي تلعبه الرياض في إطار اللجنة الخماسية التي تجهد لتوفير أرضية مشتركة للانتخابات الرئاسية.
وبالنسبة لإيران، وصف الإليزيه الدور الذي تقوم به فرنسا بأنه «من أجل التوازن»، حيث إن ماكرون اتصل ثلاث مرات بالرئيس الإيراني بزشكيان، وكذلك فعل وزير الخارجية، وأن اجتماع ولي العهد السعودي والرئيس ماكرون «سيكون متركزاً على الاستقرار الإقليمي»، وأن رسائل باريس لطهران تدور حول «الحاجة لوقف دعمها للأطراف التي تساهم في ضرب الاستقرار بالمنطقة».
برنامج حافل
يصل الرئيس ماكرون إلى الرياض، بعد ظهر نهار الاثنين، حيث يلقى استقبالاً رسمياً. وأهم حدث لليوم المذكور اللقاء المغلق الذي سيجري بين ولي العهد والرئيس ماكرون، والذي يعقبه عشاء عمل بين الزعيمين بمشاركة الوزراء المعنيين. وسيكون لماكرون لقاء ثانٍ مع الأمير محمد بن سلمان، يوم الثلاثاء، في إطار عشاء ستتم خلاله متابعة المحادثات حول المسائل السياسية الرئيسية ومحتوى العلاقة الاستراتيجية التي سيعمل الطرفان على إطلاقها بين البلدين.
كذلك ستجري محادثات بين الطرفين تتناول المسائل الاقتصادية والاستثمارية المتبادلة ومشاريع التعاون المرتقبة في جميع المجالات.
وأُعِد للرئيس الفرنسي برنامج حافل، ومن أنشطته زيارة المسار رقم «4» لـ«مترو الرياض»، وحضور الجلسة الأخيرة من المنتدى الاقتصادي المشترك السعودي - الفرنسي، ومؤتمر «كوكب واحد»، وملتقى آخر عن المياه، فضلاً عن زيارة الدرعية ولقاءات ثقافية متنوعة.
ويخصص يوم الأربعاء لزيارة العلا، التي تشارك فرنسا في تطوير بعض مشاريعها، وأنشأت لذلك هيئة خاصة يرأسها في الوقت الحاضر وزير الخارجية الأسبق جان إيف لو دريان، وهو في الوقت عينه مبعوث ماكرون الشخصي إلى لبنان.