حجاج السودان... وجوه أثقلها الحزن وأمنيات تتمزق شوقاً لوطن آمن

في رحلة شاقة من دارفور عبر وسائل نقل متعددة قبل الوصول إلى جدة

جهود أمنية لتنظيم الحجاج وسلامتهم وأخرى إنسانية في مساعدة ضيوف الرحمن على أداء شعيرة رمي الجمرات (تصوير: عدنان مهدلي)
جهود أمنية لتنظيم الحجاج وسلامتهم وأخرى إنسانية في مساعدة ضيوف الرحمن على أداء شعيرة رمي الجمرات (تصوير: عدنان مهدلي)
TT

حجاج السودان... وجوه أثقلها الحزن وأمنيات تتمزق شوقاً لوطن آمن

جهود أمنية لتنظيم الحجاج وسلامتهم وأخرى إنسانية في مساعدة ضيوف الرحمن على أداء شعيرة رمي الجمرات (تصوير: عدنان مهدلي)
جهود أمنية لتنظيم الحجاج وسلامتهم وأخرى إنسانية في مساعدة ضيوف الرحمن على أداء شعيرة رمي الجمرات (تصوير: عدنان مهدلي)

غادروا بقلوب اعتصرها الألم على ما يجري في السودان من نزاع أسهم في تدهور الوضع الأمني والاقتصادي، سالكين طرقاً مختلفة للتوجه إلى الأراضي المقدسة بين «مطار أنجمينا الدولي» في تشاد و«ميناء عثمان دقنة» السوداني قاطعين من أجل الوصول إلى وجهتهم، البراري والقفار بدمعات ساكنة في المحاجر ووجوه أثقلها الحزن، وأمنياتهم مخنوقة شوقاً لوطن يسوده الأمن والسلام.

من مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور بالسودان، خرج محمد عيسى آدم مع مجموعة من البعثة السودانية للحج، في رحلة شاقة ومتعبة امتدت أياماً عبر وسائل تنقل متعددة؛ من عربات «الكارو» إلى سيارات الدفع الرباعي، مروراً بالحافلات التي أقلَّتهم إلى مطار العاصمة التشادية، ومنه إلى «مطار أديس بابا بولي الدولي» قبل أن يحطُّوا رحالهم في جدة.

محمد عيسى آدم والساير الحاج بن محمد (الشرق الأوسط)

يقول آدم، صاحب الـ46 عاماً: «أن يغادر حجاج سودانيون عبر تشاد، هي سابقة تاريخية في تاريخ بلادنا، والأمر يعود إلى انعدام الأمن في الطريق». ويضيف: «لم نتوقع، نحن في قرن دارفور، أنه سيمكننا أداء فريضة الحج هذا العام، لكن عزيمة الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة أحمد سر الختم، وحرصه على إتمام كل الإجراءات المطلوبة، أسهمت في أن يؤدي الحجاج مناسكهم».

وتابع: «غادرنا مدينة الجنينة الواقعة في الاتجاه الغربي للسودان رغم أن المعتاد أن نتجه شرقاً نحو ميناء بورتسودان، ونتيجة للمشكلات وإخلاء الطرق وانعدام الأمن، فضَّلنا الطريق الأخرى بالدخول إلى تشاد والمغادرة منها... حزمنا حقائبنا واتجهنا بالشاحنات نحو الحدود التي تبعد مسافة 30 كيلومتراً... أنهينا الإجراءات ودفعنا رسوم الدخول لدولة أجنبية وحملنا أمتعتنا واتجهنا بعربات الكارو في مجموعات، نحو أقرب منطقة تسمى أدري، ومنها صعدنا إلى سيارات دفع رباعي لبلوغ منطقة أخرى، حيث كانت الحافلات في انتظارنا لنتوجه بعدها إلى العاصمة التشادية أنجمينا التي وصلنا إليها في رحلة كانت متعبة وشاقة امتدت لساعات طويلة قبل مغادرتنا عبر مطارها، إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة».

أدوار أمنية متعددة في منشأة الجمرات تنظيمية وإنسانية لمساعدة الحجاج على أداء نسكهم (تصوير: عدنان مهدلي)

وبأوجاع تسكن داخل الأضلع وأنين تتلعثم معه الكلمات، يقول آدم: «الوضع الأمني في السودان مقلق، ولا يخفى على الجميع ما يدور في السودان من عدم استتباب الأمن الذي يعد ركيزة أساسية للحياة المدنية، وهي مسائل مقدَّرة ومكتوبة، ونحن كحجاج نقول إن السودان أمانة في أعناق جميع السودانيين... كنا نريد المغادرة عبر بلادنا، ولكن لعل في الأمر خيراً».

ويتحدث صاحب الـ46 عاماً بسعادة غامرة عمَّا وجدوه منذ أن وطأت أقدامهم الأراضي السعودية حتى أدائهم مناسك الحج، من حفاوة استقبال وكرم ضيافة أثلجا صدورهم، وبدَّدا الإرهاق والمشقة اللتين عانوا منهما طوال الطريق، حيث يقول: «وصلنا إلى مطار جدة فوجدنا الترحيب والحفاوة بنا كبيرة... أنهيت إجراءاتنا بطريقة سريعة جداً فكان الترحيب جميلاً، وسهولة الإجراءات أجمل... وصلنا إلى المشاعر المقدسة وأدَّينا الحج بكل يسر ولم تكن هناك أي مشقة كبيرة، على العكس كان كل شيء متاحاً لنا، وخدمات مميزة... شهدنا الوقوف على صعيد عرفات وابتهلنا بالدعاء أن يمنّ الله عزّ وجلّ على بلادنا بالخير ويعم الأمن والسلام ويعود السودان كما كان وأفضل».

المسجد الحرام (واس)

وتطرق آدم إلى الحديث عن التعليمات المنظِّمة للحج هذا العام، قائلاً: «حملة (لا حج بلا تصريح) كانت رائعة. وكان هناك تشديد كبير في هذا الجانب، وهو ما لاحظناه منذ وصولنا إلى المطار، حيث تسلمنا الأسورة التعريفية وبطاقة السكن وبطاقة نسك وسط حرص على أن تكون ملازمة لنا... وبصراحة أسهمت الحملة في تسهيل تنقلات جميع الحجاج بيسر في المشاعر وأداء المناسك براحة تحفّهم عناية الله ثم الخدمات الجليلة التي قُدمت للجميع وواكبتها جهود تنظيمية عظيمة».

وبدوره، قال الساير الحاج بن محمد، صاحب الـ43 عاماً، من ولاية شرق دارفور: «إن المشقة والتعب في سبيل أداء فريضة الحج أمر طبيعي»، واصفاً ما يجري في السودان بـ«الوباء»، مبتهلاً بالدعاء «أن يُجنِّب اللهُ العبادَ والبلاد الفتن وينزاح الوباء».

عانى ابن محمد أموراً عديدة خلال سفره برّاً إلى مدينة سواكن الساحلية للحاق بركب إحدى البواخر المغادرة من «ميناء عثمان دقنة» إلى «ميناء جدة الإسلامي»، إذ قال: «غادرت قريتي في شرق دارفور في عربة الكارو، إلى الأُبَيِّض، ومنها إلى القضارف بالحافلة، وعند وصولي إلى الضعين غادرتها بالحافلات الكبيرة المعدَّة للسفر بين المدن إلى سواكن، ومنها إلى الميناء لإنهاء إجراءات سفري إلى جدة».

موزِّعات رذاذ الماء لإنعاش الحجاج عند جبل عرفات (أ.ف.ب)

وأبدى الساير محمد، سعادة كبيرة بأداء الفريضة، مشيراً إلى الخدمات المتعددة التي حظي بها ضيوف الرحمن لتسهيل أدائهم مناسكهم بكل يسر وطمأنينة، ممتدحاً التنظيم الذي قال إنه «مميَّز» في إدارة الأعداد الكبيرة من الحجاج.

إلى ذلك، قال إبراهيم الصديق الحليو، منسق حملات ولاية شرق وغرب دارفور (سنار والشمالية)، إن عدد الحجاج السودانيين الذين أدوا مناسك حج هذا العام بلغ 8533.


مقالات ذات صلة

السعودية تدعو لشراكة جادة تحقق السلام في المنطقة

الخليج وزير الخارجية السعودي يتحدث خلال جلسة لمجلس الأمن بشأن غزة في نيويورك (الأمم المتحدة)

السعودية تدعو لشراكة جادة تحقق السلام في المنطقة

أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن بلاده تؤمن بأن تنفيذ حل الدولتين هو الأساس لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

جبير الأنصاري (الرياض)
الخليج وزير الخارجية السعودي يتحدث خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن حول القيادة في السلام بنيويورك (واس)

وزير الخارجية السعودي: الدولة الفلسطينية حق أصيل لا نتيجة نهائية

أكد الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، أن «الدولة الفلسطينية حق أصيل وليست نتيجة نهائية»، مشدداً على صعوبة تقييم الوضع في الشرق الأوسط الآن.

جبير الأنصاري (الرياض)
يوميات الشرق محمد حسن أكد أن السعودية لديها سلالة «نادرة» للنحل لم يشاهدها في أي منطقة أخرى (الشرق الأوسط)

السعودية أول دولة عربية تخصص طبيباً متنقلاً للنحل

أصبحت السعودية، عبر وزارة البيئة والزراعة، أول دولة عربية «تخصص عربات متنقلة للنحل» تُعنى بعلاج آفاته وأمراضه، وكل ما يخص «الحشرة الاقتصادية».

ناصر العمار (الرياض)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان لدى ترؤسه الاجتماع الوزاري الطارئ في نيويورك (واس)

«الوزاري العربي الإسلامي» يبحث وقف التصعيد في فلسطين ولبنان

بحث اجتماع وزاري طارئ لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في نيويورك وقف تصعيد الهجمات العسكرية الإسرائيلية ضد فلسطين ولبنان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الوزير بندر الخريف يتحدث خلال افتتاح فعالية «الليلة السعودية» في لاس فيغاس (واس)

السعودية تروّج في لاس فيغاس لفرصها التعدينية الواعدة

استضافت لاس فيغاس فعالية «الليلة السعودية» التي تهدف إلى ترويج الفرص الاستثمارية التعدينية الواعدة بالمملكة أمام مجموعة مستثمرين أميركيين وعالميين.

«الشرق الأوسط» (لاس فيغاس)

محمد بن زايد يلتقي ترمب خلال زيارته الرسمية للولايات المتحدة

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ودونالد ترمب خلال اللقاء (وام)
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ودونالد ترمب خلال اللقاء (وام)
TT

محمد بن زايد يلتقي ترمب خلال زيارته الرسمية للولايات المتحدة

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ودونالد ترمب خلال اللقاء (وام)
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ودونالد ترمب خلال اللقاء (وام)

بحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، مع الرئيس السابق للولايات المتحدة والمرشح الحالي دونالد ترمب، العلاقات الاستراتيجية التي تجمع البلدين، وتبادلا وجهات النظر بشأن عدد من الموضوعات والقضايا محل الاهتمام المشترك.

وجاء اللقاء، بحسب وكالة أنباء الإمارات (وام)، ضمن إطار زيارة رئيس الإمارات الرسمية إلى الولايات المتحدة، حيث أكد الشيخ محمد بن زايد أن العلاقات الإماراتية - الأميركية ترتكز على رؤية مشتركة للتقدم والازدهار منذ قيامها قبل أكثر من 50 عاماً، وتشكّل الشراكة التنموية ركيزةً أساسيةً لهذه العلاقة.

وعبّر رئيس الإمارات في هذا السياق عن تقديره لجهود دونالد ترمب في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وأكد الجانبان أن هذه الزيارة تجسّد الحرص المشترك على استمرار العمل من أجل ترسيخ الشراكة الدائمة بين البلدين.

وفي سياق الزيارة، أعلنت حكومتا الإمارات والولايات المتحدة توقيع اتفاق بين وزارة الداخلية الإماراتية ووزارة الأمن الداخلي الأميركية، يقضي بإدراج الإمارات ضمن برنامج «الدخول العالمي»، على أن يبدأ تنفيذ الاتفاق في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، حيث إن البرنامج هو مبادرة أميركية تهدف إلى تسهيل إجراءات دخول المسافرين عبر موانئ ومطارات الولايات المتحدة.

وقال يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، إنه وبمجرد استكمال المشاورات الجارية بين البلدين، سيتمكّن المواطنون الإماراتيون الذين يقدمون طلبات للحصول على خدمات البرنامج ويتم اعتمادها، من دخول الولايات المتحدة باستخدام هذا النظام عبر 75 منفذ دخول على حدود الولايات المتحدة ودول أخرى.

يذكر أن هذا البرنامج يتيح سرعة إنهاء إجراءات دخول المسافرين إلى الولايات المتحدة، مع تعزيز الجوانب الأمنية. وسيقوم المسافرون الحاصلون على بطاقة الدخول بموجب هذا البرنامج، الذي يفحص الخلفية الأمنية للمتقدمين، بإنهاء إجراءات الدخول مباشرة عبر أجهزة التحقق الآلية المثبتة في المنافذ الخاصة بالمسجلين، التابعة لإدارة الجمارك وحماية الحدود الأميركية، أو عند وصولهم لأي منفذ دخول أميركي آخر.

وكان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان التقى جورج دبليو بوش الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأميركية، وعدداً من المسؤولين الأميركيين خلال الزيارة.

عاجل الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على «قائد شبكة حماس» في جنوب سوريا