أبو الغيط لـ«الشرق الأوسط»: طغيان غزة على «قمة البحرين» لا يمنع مناقشة أزمات أخرى

حذّر إسرائيل من اجتياح رفح و«زعزعة» علاقاتها مع مصر

الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في الاجتماعات التحضيرية لـ«قمة البحرين» (الشرق الأوسط)
الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في الاجتماعات التحضيرية لـ«قمة البحرين» (الشرق الأوسط)
TT

أبو الغيط لـ«الشرق الأوسط»: طغيان غزة على «قمة البحرين» لا يمنع مناقشة أزمات أخرى

الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في الاجتماعات التحضيرية لـ«قمة البحرين» (الشرق الأوسط)
الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في الاجتماعات التحضيرية لـ«قمة البحرين» (الشرق الأوسط)

أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة طغى على جدول أعمال «قمة البحرين» التي تستضيفها العاصمة المنامة، الخميس، بمشاركة القادة والزعماء العرب، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن ذلك «لن يمنع» القمة من مناقشة قضايا المنطقة، وعلى رأسها الأزمات في السودان واليمن وليبيا، وملفات الأمن المائي، وغيرها من ملفات العمل العربي المشترك.

وقال أبو الغيط، في حواره لـ«الشرق الأوسط» على هامش التحضيرات الجارية لـ«قمة البحرين»، إن ما تم بذله من جهود في هذا الملف خلال الفترة الماضية «نجح في تغيير بوصلة الرأي العام العالمي»، مؤكداً أن «نظام الاحتلال الإسرائيلي، هو نظام للفصل العنصري... لم يعد له مكان في هذا العصر».

وحذّر الأمين العام لجامعة الدول العربية مما عدّه «عملاً أحمق» قد تقدِم عليه إسرائيل باجتياحها مدينة رفح الفلسطينية، أو تنفيذها مخطط التهجير المرفوض فلسطينياً وعربياً ودولياً، لافتاً إلى أن «تبعات هذا العمل ستكون كبيرة على الاستقرار الإقليمي وعلى العلاقة مع مصر التي تتأسس في جوهرها على معاهدة السلام».

وأكد أن على «إسرائيل الانتباه» حتى لا تتسبب في «زعزعة علاقتها مع أكبر دولة عربية، وما لذلك من ارتداد كبير في الموقف الأمني الشامل لإسرائيل».

في حواره تطرق الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى موقف الجامعة من دعوات تشكيل قوة عربية مشتركة لإدارة قطاع غزة في اليوم التالي الحرب، وعلّق على التقارب العربي مع تركيا وإيران، ودافع عن جهود الجامعة وسعيها لحل أزمات المنطقة وتلبية طموحات الشارع العربي، وكان هذا نص الحوار:

غزة تطغى على القمة

* بدايةً، تُعقد القمة العربية في ظرف صعب ومعقد، فكيف أثر هذا الظرف على جدول أعمالها؟ وما أهم النقاط المُدرجة على جدول «قمة البحرين»؟

- بالتأكيد، القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة طغيا على أعمال القمة، بدايةً من الاجتماعات التحضيرية التي شهدت مناقشات لقرارات مختلفة تتعلق كلها بالوضع الصعب الذي يُعانيه الفلسطينيون في غزة.

نحن جميعاً نستشعر أن كل بيت في العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه يشعر بغضب وحزن حيال هذه المأساة، ومن الطبيعي أن تواكب القمة هذه المشاعر وتُعبّر عنها وتعكسها في مخرجاتها.

ومع ذلك، فإن جدول أعمال القمة يتناول مختلف القضايا التي تهم العالم العربي، من معالجة الأزمات في السودان واليمن وليبيا، إلى الأمن المائي والأمن السيبراني، إلى غير ذلك من القضايا السياسية والتنموية.

* منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بذلت الجامعة جهوداً متعددة، وعقدت اجتماعات عدة للاستجابة لها، فما أهم الأنشطة والجهود التي تمت في هذا الإطار؟

- القمة العربية - الإسلامية غير العادية التي عُقدت في الرياض في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أنشأت لجنة وزارية مكلفة متابعة التطورات في غزة برئاسة الأمير فيصل بن فرحان، وزير خارجية المملكة العربية السعودية (التي تولت رئاسة القمة الأخيرة)، وقامت هذه اللجنة المكلفة، والأمين العام للجامعة العربية عضو فيها، بزيارات مختلفة لعواصم القرار في العالم في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، لحشد التأييد لوقف إطلاق النار في غزة، والتأكيد علي ضرورة إنفاذ المساعدات الإنسانية. وعملت اللجنة كذلك على التحرك من أجل دفع الدول لاتخاذ خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبلورة أفق سياسي يُفضي إلى تجسيد الدولة الفلسطينية.

وأظن أن بوصلة الرأي العام الدولي تحولت بالفعل. ففي نوفمبر الماضي كانت الكثير من الدول الأوروبية، فضلاً عن الولايات المتحدة الأميركية، تُعطي إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة المذبحة في غزة، ولكن اليوم الجميع يتحدث عن وقف إطلاق النار، بل وعن انتهاكات ارتكبها الاحتلال لا يُمكن وصفها سوى بـ«التطهير العرقي».

هذه الكلمة لم يكن يجرؤ سوى القلة على استخدامها في وصف السلوك الإسرائيلي... الآن، وبعد فتوى محكمة العدل الدولية، أصبحت الكلمة مقبولة وتجري على الألسن.

وهذا بالتأكيد تحوّل واضح في المواقف الدبلوماسية... محصلته أن إسرائيل اليوم في جانب والعالم كله في جانب.

ولا ننسى هنا دروس التاريخ... ففرض العزلة على جنوب أفريقيا، ومحاصرتها بالعقوبات... أديا في النهاية إلى سقوط نظام الفصل العنصري.

وفي رأيي، أن نظام الاحتلال الإسرائيلي هو في جوهره، كما تمارسه إسرائيل اليوم، نظام للفصل العنصري... لم يعد له مكان في هذا العصر.

سيناريو التهجير

* أعلنت الجامعة العربية أكثر من مرة رفضها سيناريو التهجير... لكن مع تلويح إسرائيل بعملية عسكرية واسعة في مدينة رفح الفلسطينية... ومع بدء تنفيذ ما أُطلق عليه عملية محدودة... هل ترى أن إسرائيل عازمة على المضي قدماً في مخطط التهجير؟ وكيف يمكن مجابهة ذلك؟

- من الواضح أن العملية التي تقوم بها إسرائيل ليست محدودة... وهي تتعمد الخداع من أجل تهدئة الإدارة الأميركية التي عبّرت عن موقف واضح برفض عملية واسعة.

مخطط التهجير مرفوض فلسطينياً وعربياً ودولياً. هناك إشارات إلى أن إسرائيل فكّرت في هذا المخطط في بعض الأوقات، ربما في بداية العدوان على غزة... ولكنها فوجئت بصلابة المواقف الرافضة، وفي مقدمتها الموقفان الفلسطيني والمصري... واللذان يستندان إلى مواقف عربية بطبيعة الحال.

هناك خشية لقيام إسرائيل بعمل أحمق، ولكن أظن أنه صار واضحاً لدى قادتها الآن أن تبعات هذا العمل ستكون كبيرة على الاستقرار الإقليمي وعلى العلاقة مع مصر التي تتأسس في جوهرها على معاهدة السلام.

وأثق في أن مصر لديها أكثر من سيناريو لمجابهة خطة التهجير، ووأدها في المهد ومنع تجسيدها في الواقع. ومطلوب مواصلة الضغوط العربية على الساحة الدولية من أجل فضح التبعات الخطيرة لهذا المخطط وما يُمكن أن يفضي إليه من انفجار شامل في المنطقة.

الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في الاجتماعات التحضيرية لـ«قمة البحرين» (الشرق الأوسط)

* ما تأثير دخول قوات إسرائيلية معبر رفح... وإعلانها السيطرة عليه، على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، لا سيما أن تل أبيب قالت إن ما فعلته «ليس خرقاً للمعاهدة»؟

- إسرائيل تسعى، ومنذ ما أطلقت عليه الانسحاب الأحادي من غزة في 2005، إلى تحميل مصر مسؤولية القطاع. المصريون متنبهون لهذا الأمر، ولا يستقيم عقلاً أن تتحمل مصر تبعات الاحتلال الإسرائيلي. إذا أرادت إسرائيل التخلص من تبعات الاحتلال عليها إنهاؤه. هذا هو جوهر المسألة.

إسرائيل تحتاج إلى الانتباه لما يُمكن أن تؤدي إليه سياساتها الرعناء من زعزعة علاقتها مع أكبر دولة عربية. أظن أن هذا، إن حدث، سيكون ارتداداً كبيراً في الموقف الأمني الشامل لإسرائيل.

قوة مشتركة لغزة؟

* البعض يتحدث عن تشكيل قوة عربية مشتركة لإدارة قطاع غزة في اليوم التالي... فهل تمت مناقشة ذلك فعلاً... وما موقف الجامعة من القوة العربية المشتركة؟

- نحن معنيون أساساً بوضع حدٍ لهذه المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. الأولوية هي وقف إطلاق النار وإغاثة الفلسطينيين، وإعادة الحد الأدنى من عمل المؤسسات التي تخدم الحياة اليومية في قطاع غزة.

وخطة الاستجابة الطارئة التي ناقشها المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والمرفوعة إلى «قمة البحرين»، تتناول التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للعدوان الإسرائيلي على دولة فلسطين، وتشمل برامج تتعلق بالاستجابة الطارئة والإغاثة الشاملة والإنعاش المبكر.

غضب الرأي العام

* رغم الجهود المبذولة، سواء على صعيد الجامعة ككيان مؤسسي، أو من الدول الأعضاء بشكل فردي لوقف حرب غزة، والحد من تداعياتها الإنسانية الكارثية، كان لطول فترة الحرب تأثير كبير على الشارع العربي دفعه ربما إلى انتقاد تلك الجهود واعتبارها «غير فاعلة» في وقف الحرب أو «لا تعكس نبض الشارع»... فكيف ترد على تلك الانتقادات؟

- الشارع يشعر بالغضب ونحن نستشعر هذا. وبالمناسبة، هذا ليس وقفاً على العالم العربي. وإنما هناك رأي عام عالمي يشعر بالغضب الشديد إزاء استمرار هذه المذبحة. وحتى القوة الكبرى، أي الولايات المتحدة الأميركية، وهي أقرب أصدقاء إسرائيل... لا تستطيع وضع حدٍ لهذه المذبحة المستمرة.

مشاعر الغضب مفهومة ومبررة... ولكنها أحياناً تسعى إلى التعبير عن نفسها باتهام هذا الطرف أو ذاك بالتقصير أو عدم الفاعلية.

في حالة الجامعة العربية يصعب أن توجهي مثل هذا الاتهام لأن هناك تفاعلاً مباشراً مع هذه الأزمة منذ اندلاعها. نتحرك عربياً من خلال اللجنة الوزارية وغيرها من الأطر... استقبلتُ عشرات السياسيين والقادة ووزراء الخارجية بمقر الأمانة العامة عبر الأشهر الماضية، وزرتُ العديد من البلدان لهذا الغرض.

النتيجة هي ما نشهده من تحول واضح في بوصلة الرأي العام العالمي. نحن لسنا في النقطة نفسها التي كانت الدول تقف فيها مع بدء هذا العدوان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

* على صعيد الوضع في الصومال، اتخذت الجامعة موقفاً واضحاً بالدفاع عن سيادة الصومال عقب «مذكرة التفاهم» بين إقليم أرض الصومال وإثيوبيا... ما الخطوات التي تعتزم الجامعة اتخاذها في هذا الإطار مستقبلاً؟

- يوم الثلاثاء، وقبل انعقاد الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة... عقدت المجموعة الوزارية المعنية بدعم الصومال في مواجهة الاعتداء على سيادتها ووحدة أراضيها اجتماعها الثاني.

الهدف كان متابعة التحرك العربي الداعم للصومال منذ بداية هذه الأزمة في يناير (كانون الثاني) الماضي، ودراسة الخطوات المقبلة.

الرسالة واضحة. الجانب العربي لا يقبل الاتفاقية التي وقّعتها إثيوبيا مع ما يُعرف بـ«أرض الصومال»؛ في يناير من العام الماضي، ويعتبرها ملغاة وباطلة. وسوف يتم التحرك على هذا الأساس على أكثر من صعيد.

التقارب مع إيران وتركيا

* كانت التدخلات التركية والإيرانية في الشؤون العربية إحدى النقاط الرئيسية على جدول أعمال الجامعة العربية... لكن مؤخراً بدا أن هناك إشارات إيجابية على تقارب عربي مع تركيا وإيران... فكيف ترى هذا التقارب... وما المطلوب من تركيا وإيران الآن لدعمه؟

- التقارب، بمستويات مختلفة، مع هذين الجارين الإقليميين له نتائج إيجابية، أولاها تخفيض التصعيد الإقليمي وإتاحة الفرصة للحوار حول مختلف القضايا التي تهم الإقليم. هو عملية مستمرة بالطبع، ويجري تقييمها من الجانب العربي في إطار الجامعة.

أتصور أن العنصر الحاكم في تطور هذه العلاقات هو احترام سيادة الدول، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. إذا ترسخ هذا المبدأ وجرى احترامه، يمكن البناء على ذلك لتطوير العلاقات على مستويات مختلفة.


مقالات ذات صلة

عراقجي: إسرائيل تهدد أمن العالم كله وليس المنطقة فقط

شؤون إقليمية وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (أ.ف.ب)

عراقجي: إسرائيل تهدد أمن العالم كله وليس المنطقة فقط

قال محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الإيراني اليوم (السبت) إن العملية العسكرية التي تشنها إسرائيل على غزة وعلى لبنان ستتوسع إذا لم يتم كبح إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي إصابة عسكريين سوريين في غارات إسرائيلية على محيط حلب

إصابة عسكريين سوريين في غارات إسرائيلية على محيط حلب

استهدفت غارات إسرائيلية محيط مدينة السفيرة بريف حلب، حسبما وكالة الأنباء السورية (سانا)، التي أشارت إلى «معلومات أولية عن عدوان إسرائيلي» على محيط المدينة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (إ.ب.أ)

السوداني وترمب يتفقان على التنسيق لإنهاء الحروب في المنطقة

أجرى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الجمعة، محادثات هاتفية مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، واتفقا على التنسيق لإنهاء الحروب في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال لقاء سابق في البيت الأبيض (صفحة الرئيس الفلسطيني عبر «فيسبوك»)

الرئيس الفلسطيني لترمب: مستعدون لتحقيق السلام العادل

أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، استعداده لتحقيق السلام العادل القائم على أساس الشرعية الدولية.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي فتى فلسطيني نازح من شمال قطاع غزة يجلس على أنقاض منزل مهدم على مشارف مدينة غزة (أ.ف.ب)

خبراء في الأمن الغذائي: المجاعة الوشيكة في شمال غزة «احتمال قوي»

حذّرت لجنة من الخبراء في الأمن الغذائي العالمي من «احتمال قوي بحدوث مجاعة وشيكة في مناطق» شمال قطاع غزة، فيما تواصل إسرائيل هجومها على حركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (لندن)

اجتماع سعودي - فرنسي يبحث مستجدات غزة ولبنان

الأمير فيصل بن فرحان لدى استقباله كلير لوجندر في الرياض (واس)
الأمير فيصل بن فرحان لدى استقباله كلير لوجندر في الرياض (واس)
TT

اجتماع سعودي - فرنسي يبحث مستجدات غزة ولبنان

الأمير فيصل بن فرحان لدى استقباله كلير لوجندر في الرياض (واس)
الأمير فيصل بن فرحان لدى استقباله كلير لوجندر في الرياض (واس)

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، الأربعاء، مع كلير لوجندر مستشارة الرئيس الفرنسي للشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية، المستجدات الإقليمية، وفي مقدمتها التطورات بقطاع غزة ولبنان، والجهود المبذولة بشأنها.

جاء ذلك خلال استقبال الأمير فيصل بن فرحان للمستشارة لوجندر بمقر وزارة الخارجية في الرياض، حيث استعرضا العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها.