زيارة أمير قطر لباريس تدفع باتجاه تعزيز الشراكة الاستراتيجية

الاحتفاء بالزيارة يتوج بتوقيع اتفاقيات منها التزام الدوحة باستثمار 10 مليارات يورو في فرنسا

الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلا الأمير تميم بن حمد آل ثاني في قصر الإليزيه الثلاثاء (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلا الأمير تميم بن حمد آل ثاني في قصر الإليزيه الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

زيارة أمير قطر لباريس تدفع باتجاه تعزيز الشراكة الاستراتيجية

الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلا الأمير تميم بن حمد آل ثاني في قصر الإليزيه الثلاثاء (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلا الأمير تميم بن حمد آل ثاني في قصر الإليزيه الثلاثاء (أ.ف.ب)

عديدة الملفات التي تناولتها المحادثات بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في قصر الإليزيه، بمناسبة زيارة الدولة التي يقوم بها الأخير إلى فرنسا. وبرز ذلك من خلال البيان المشترك الذي وزعته الرئاسة الفرنسية ليلا وضمنته مواقف البلدين من القضايا الرئيسية وسعيهما للشراكة وتعزيز التعاون إن في المسائل الخارجية أو العلاقات الثنائية.

وينهي أمير قطر اليوم زيارته بجولة تشمل رئيسي مجلس النواب والشيوخ وبلدية باريس فيما التأم منتدى اقتصادي موسع بإشراف رئيسي حكومتي البلدين، غبريال أتال ومحمد بن عبد الرحمن آل ثاني تناول تعزيز الاستثمارات في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والصحة والتقنيات الخضراء والنقل والسياحة.

الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلا الأمير تميم بن حمد آل ثاني في قصر الإليزيه الثلاثاء (أ.ف.ب)

ملف غزة

وجاءت زيارة أمير قطر إلى باريس في وقت تجتاز خلاله المحادثات الجارية من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، بعد 145 يوما من الحرب، مرحلة شد وجذب. وتلعب الدوحة من خلال رئيس الحكومة ووزير خارجيتها الموجود في باريس بمعية الأمير تميم، دور الوسيط، إلى جانب مصر والولايات المتحدة الأميركية. وبحسب مصادر متابعة للمفاوضات في باريس، فإن الاتفاق النهائي «لم يوضع في صيغته النهائية وهناك نقاط ما زالت عالقة وتحتاج لمزيد من الاتصالات لحسمها». وكان لافتا، وفق هذه المصادر، رد الفعل الإسرائيلي على تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الاثنين بإعلانه أن الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ يوم الاثنين المقبل فيما سينطلق رسميا مع بداية شهر رمضان الكريم أي بحدود العاشر من مارس (آذار). ونقل عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن تصريحات بايدن «جاءت مفاجئة ولم تتم بالتنسيق مع قيادة البلاد».

الأمير تميم بن حمد متحدثا بمناسبة العشاء الرسمي الذي أقيم تكريما له وللوفد المرافق ليل الثلاثاء (أ.ف.ب)

أمير قطر يحذر من إبادة الفلسطينيين

وفي الكلمة التي ألقاها بمناسبة العشاء الرسمي في قصر الإليزيه، قال أمير قطر إن العالم «يرى عملية إبادة جماعية للشعب الفلسطيني. فالجوع والتهجير القسري والقصف الوحشي يستخدم كسلاح. ولم ينجح المجتمع الدولي حتى الآن في تبني موقف موحد لإنهاء الحرب في غزة وتوفير الحد الأدنى من الحماية للأطفال والنساء والمدنيين». وأضاف: «نحن في سباق مع الزمن لإعادة الرهائن إلى عائلاتهم، وفي الوقت نفسه يجب أن نعمل على وضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني».

وكتب في تغريدة له على منصة «إكس» أنه بحث مع الرئيس ماكرون مستقبل القضية الفلسطينية باعتبارها «حجر الزاوية» في الاهتمامات الدولية والإقليمية للدوحة. وسبق للشيخ تميم بن خليفة أن استقبل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لمراجعة ما وصلت إليه المفاوضات حول وقف إطلاق النار. وجاء في البيان المشترك أن ماكرون والشيخ تميم بن حمد «شددا على ضرورة التوصل إلى هدنة» ولم يقل وقفا لإطلاق النار «وإطلاق سراح الرهائن وتحديدا الفرنسيين الثلاثة الذين ما زالوا محتجزين» في قطاع غزة.

وأضاف البيان أن رئيسي الدولتين «شددا على أن وقفا فوريا ودائما لإطلاق النار ضروري وملح من أجل إيصال المساعدات الإنسانية على نطاق واسع وتوفير الحماية للمدنيين في قطاع غزة» كما عبرا عن معارضتهما لهجوم «إسرائيلي أرضي» على مدينة رفح ودعوا إلى فتح جميع المعابر لإيصال المساعدات والتمكن من توزيعها. وأعلنا التزامهما بتخصيص مبلغ 200 مليون دولار لدعم سكان غزة كما أعربا عن ارتياحهما للعمل المشترك الذي يقومان به في هذا المجال. وذكر البيان «تمسك الطرفين بإحراز تقدم بشكل حاسم في المفاوضات من أجل حل سياسي يفضي إلى سلام شامل، ودائم وعادل» مؤكدين أن حل الدولتين هو الوحيد القابل للحياة ويتمثل بإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967 إلى جانب إسرائيل وتوفير ضمانات أمنية في المستقبل بفضل المبادرات الهادفة لتعزيز التعايش السلمي. وأخيرا، أعرب الطرفان عن «تمسكهما القوي بالوضع القائم والتاريخي للأماكن المقدسة في القدس». وفصل البيان ما قاما به معا على الصعيد الإنساني وعزمهما على مواصلته.

رئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير خارجية فرنسا ستيفان سيغورني يتصافحان بعد التوقيع على اتفاقية تعاون بين بلديهما الثلاثاء (إ.ب.أ)

لبنان و التمسك بمؤتمر دعم الجيش

مثلما كان منتظرا، كان ملف لبنان رئيسيا في محادثات ماكرون ــ تميم. والجديد الذي تضمنه البيان المشترك التأكيد على استعداد الطرفين لمواصلة دعم للقوات اللبنانية المسلحة وتحديدا من خلال تنظيم مؤتمر دولي «لهذا الغرض» في باريس. وكان مفترضا لهذا المؤتمر أن ينعقد بمناسبة زيارة أمير قطر إلى فرنسا. إلا أنه طوي من غير أن تظهر الأسباب الحقيقية لسحبه من التداول، أقله مرحليا علما بأن مؤتمرا مشابها يفترض أن تستضيفه إيطاليا في الأسبوعين المقبلين. واللافت أيضا في البيان خلوه من الإشارة إلى الدور الذي تقوم به «اللجنة الخماسية» التي تشارك فيها فرنسا وقطر وتسعى، منذ شهور، لمساعدة اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية فيما المنصب شاغر منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2022. وشدد البيان على تمسك البلدين بـ«إيجاد حلول للمشكلات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون» والتأكيد على أنه ملح وطارئ انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات لتطبيق «الإصلاحات الضرورية من أجل مواجهة الأزمة». وفيما نبه البيان على «مخاطر التصعيد الإقليمي» في إشارة إلى جبهة الجنوب والمناوشات المتواصلة بين إسرائيل و«حزب الله»، ولضرورة تحلي الأطراف المعنية بضبط النفس، جدد البيان تمسك البلدين «بسيادة واستقرار لبنان ورغبتهما في المساهمة بخفض التصعيد الذي يمر بالاحترام الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1701». وفي هذا السياق، قدمت باريس مقترحات مكتوبة للبنان وإسرائيل تتضمن خطة زمنية مرحلية لوقف المناوشات وصولا إلى تنفيذ الـ1701. ووعد لبنان «الرسمي» بالرد على الخطة الفرنسية «قريبا» فيما لم يصدر عن إسرائيل أي تعهد بالرد السريع. بيد أن المتابعين للوضع اللبناني في باريس لا يرون أن أي حل على الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية يمكن أن يتم من غير الانخراط الأميركي. لذا، فإن مصادر رئاسية فرنسية أكدت الأسبوع الماضي أنها تعمل بـ«التنسيق» مع واشنطن، كما أنها أشارت إلى تواصل باريس مع كافة الأطراف المعنية بالملف اللبناني بما في ذلك إيران وأنها تواصل إيصال رسائلها إلى الجميع.

قلق من تطورات البحر الأحمر

ما يصح بالنسبة للبنان لجهة التصعيد، يصح أيضا بالنسبة للبحر الأحمر. فقد جاء في البيان المشترك الإعراب عن «قلق الطرفين إزاء التهديدات التي تطأ بثقلها على الأمن البحري وحرية الملاحة في البحر الأحمر وعلى الحاجة لتنفيذ مضمون القرار 2722 الصادر عن مجلس الأمن من أجل تجنب التهديدات الإقليمية وتوفير الأمن البحري ووضع حد للهجمات التي تعوق التجارة الدولية وتمس حقوق وحرية الملاحة في البحر الأحمر». وتجدر الإشارة إلى أن باريس منخرطة في «المهمة الأوروبية» التي انطلقت قبل أسبوعين بالاشتراك مع عدة دول أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا واليونان... فيما رفضت إسبانيا المشاركة فيها.

نجم الكرة الفرنسي كيليان مبابي لدى وصوله إلى قصر الإليزيه للمشاركة في العشاء (إ.ب.أ)

الملفات الثنائية

في تغريدته على منصة «إكس»، كتب أمير قطر أنه أجرى «محادثات مثمرة مع الرئيس ماكرون في باريس اليوم لتعزيز شراكتنا الاستراتيجية وفق تعاون ثنائي شامل يرتقي بتطلعاتنا المشتركة». وتناولت المحادثات مسائل التعاون في مجالات الدفاع والأمن والتجارة والاستثمارات المتبادلة والطاقة والتنمية والتعاون الإنساني وما يسمى «التحديات الشاملة» وعلى رأسها التحديات البيئوية والوصول إلى اقتصاد عديم انبعاثات الكربون. وكترجمة لرغبة البلدين في دفع علاقاتهما قدما تم توقيع مجموعة من الاتفاقيات المتنوعة لعل أبرزها التزام الدوحة باستثمار مبلغ 10 مليارات يورو، وفق ما جاء في بيان صادر عن قصر الإليزيه، «لتمويل شركات ناشئة وصناديق استثمار في فرنسا بين عامي 2024 و2030 وما من شأنه تحقيق المنفعة المتبادلة للجانبين». وسيتم الاستثمار في قطاعات رئيسية تتراوح بين تحول الطاقة وأشباه الموصلات والفضاء والذكاء الاصطناعي والرقمنة والصحة والضيافة والثقافة. وتعد فرنسا المستثمر الأوروبي الأول في قطر، حيث استثمرت 9 مليارات دولار في مجالات الطاقة والطيران والبنية التحتية والسياحة، كما أنها واحدة من الدول الخمس الرئيسية المتلقية للاستثمارات من قطر. وكما أفادت مصادر رئاسية الأسبوع الماضي، فإن الزيارة لم تشهد توقيع عقود دفاعية. بيد أن محادثات حصلت بين الطرفين ونص البيان المشترك على تجديد تأكيدهما على «أهمية التعاون في مجال الأمن والدفاع وتحديدا في مجال سلاح الجو» وعن رغبتهما في «تعزيز وتحديث القدرات العسكرية» لقطر. وفي ميدان التعاون الأمني، أعرب الطرفان عن «ارتياحهما للتعاون في محاربة الإرهاب والتطرف المتسم بالعنف وبالاتفاق الجديد» الذي وقع بهذا الخصوص أثناء الزيارة إضافة إلى محاربة تبييض الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب وفق متطلبات مجموعة «غافي» الدولية. ووقع اتفاق آخر بين وزيري داخلية البلدين يتناول الفترة الممتدة ما بين العام 2024 و2027 والمختص بالتعاون في قطاع الشرطة القضائية ومحاربة التزوير والإجرام في الفضاء السيبراني والأمن المدني. وبالتوازي تم توقيع «إعلان نوايا» للتعاون في مجالي المساعدة الإنسانية والتدخل في حالات الطوارئ.

استثمار الغاز

أما في قطاع الطاقة «غاز وبترول»، فقد أشادت باريس بـ«عزم قطر المستدام» في تزويد السوق الأوروبية وخصوصا الفرنسية بإمدادات الطاقة «ما يساهم في توفير الضمانات لاستمرار التزود بها. وتجدر الإشارة إلى وجود عقد صالح لـ27 عاما بين شركة «توتال أنرجيز» الفرنسية وهيئة قطر للطاقة تتعهد به الثانية ببيع كميات من الغاز المسال للأولى على المدى الطويل. إضافة إلى ما سبق، توصل الطرفان إلى تفاهمات واتفاقات في مجالي التعاون الثقافي والرياضي ما يعكس شمولية الزيارة وتناولها مختلف نواحي العلاقات الثنائية بين الجانبين.


مقالات ذات صلة

الخليج وزير الخارجية الإيراني خلال لقائه في طهران رئيس الوزراء وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني (وكالة «مهر» الإيرانية)

وزير الخارجية الإيراني يلتقي نظيره القطري في طهران

أجرى رئيس الوزراء، وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في طهران، اليوم، مباحثات مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. ووفق وسائل إعلام…

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
رياضة عربية لاعبو الإمارات يحتفلون بالفوز الكبير على قطر (أ.ف.ب)

«تصفيات المونديال»: رباعية ليما تقود الإمارات لفوز كبير على قطر

سجّل فابيو ليما 4 أهداف، وأضاف يحيى الغساني الهدف الخامس، في فوز الإمارات 5 - صفر على ضيفتها قطر.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات يلتقي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر (وام)

مباحثات إماراتية قطرية حول العلاقات الثنائية وقضايا المنطقة

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات يلتقي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر، ويبحث معه العلاقات الثنائية وقضايا المنطقة.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
رياضة عربية باولو بينتو مدرب الإمارات (الشرق الأوسط)

مدرب الإمارات يرشّح إيران وقطر لبلوغ المونديال

أكد البرتغالي باولو بينتو، مدرب منتخب الإمارات لكرة القدم، على صعوبة مباراة الثلاثاء ضد نظيره القطري.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

الطائرة الإغاثية السعودية الـ24 تصل إلى لبنان

تحمل الطائرة على متنها مساعدات إغاثية متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)
تحمل الطائرة على متنها مساعدات إغاثية متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)
TT

الطائرة الإغاثية السعودية الـ24 تصل إلى لبنان

تحمل الطائرة على متنها مساعدات إغاثية متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)
تحمل الطائرة على متنها مساعدات إغاثية متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)

وصلت إلى مطار رفيق الحريري الدولي في مدينة بيروت بالجمهورية اللبنانية، اليوم، الطائرة الإغاثية السعودية الـ24، التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.

وتحمل الطائرة على متنها مساعدات إغاثية متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية.

الجسر الإغاثي السعودي يتواصل إلى الشعب اللبناني (واس)

يأتي ذلك انطلاقاً من الدور الإنساني الرائد وتجسيداً للقيم النبيلة والمبادئ الثابتة للمملكة ممثلة بذراعها الإنسانية مركز الملك سلمان للإغاثة، بالوقوف مع الدول والشعوب المحتاجة لمواجهة جميع الأزمات والصعوبات التي تمر بها.