عزّزت الرسائل الشفهية التي بعث بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى عدد من الزعماء الأفارقة، خلال الشهر الحالي، من توجّهات السياسة الخارجية السعودية خلال السنوات الماضية إلى تعميق التعاون وبناء مسار جديد للعلاقات الاستراتيجية مع دول من خارج محيطها الجغرافي، على غرار الدول الأفريقية ودول آسيا الوسطى.
وكان أحمد قطان، المستشار في الديوان الملكي السعودي، يجري جولةً واسعة في عدد من الدول الأفريقية، في الوقت نفسه الذي احتضنت فيه محافظة جدة (غرب البلاد) القمة الأولى من نوعها لدول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى، التي أفضت إلى الاتفاق على «تعزيز العلاقات السياسية والاستراتيجية بين الجانبين، وتطوير طرق النقل بين المنطقتين وبناء شبكات لوجستية وتجارية قوية وتطوير أنظمة فعالة تسهم في تبادل المنتجات»، فضلاً عن «تعزيز التعاون التجاري وتشجيع الاستثمار المشترك، وتعزيز التعاون في مجالات تنموية كثيرة»، والتقى ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي بزعماء آسيا الوسطى على هامش أعمال القمة.
وخلال الجولة التي يجريها المستشار قطان إلى عدد من بلدان القارة الأفريقية لنقل رسائل شفهية من الملك سلمان، أكّد الزعماء على دعمهم الكامل لطلب الرياض استضافة «معرض إكسبو 2030». فيما عبّرت السعودية في المقابل عن شكرها وتقديرها لهذا الدعم «الذي يأتي انطلاقاً من العلاقات المميزة بين السعودية وتلك البلدان».
7 دول أفريقية
وشملت جولة قطّان خلال يوليو (حزيران) الحالي دول «كينيا، وجنوب أفريقيا، وأفريقيا الوسطى، والكونغو برازافيل، والكونغو الديمقراطية، والغابون، وأخيراً تشاد»، حيث أعرب الزعماء الأفارقة للضيف السعودي عن ترحيبهم بعقد القمتين؛ «القمة السعودية الأفريقية»، و«القمة العربية الأفريقية» في السعودية هذا العام.
وأجرى قطان عدداً من الجولات السابقة، كان آخرها في مايو (أيار) الماضي، كما يتوقّع أن تصل جولة المبعوث السعودي الحاليّة إلى دول أفريقية أخرى في الفترة المقبلة.
وخلال كلمته في اجتماع «المجلس الوزاري التنفيذي للاتحاد الأفريقي»، أكّد المستشار أحمد قطان على التزام بلاده بـ«تعزيز الشراكة مع دول أفريقيا وأهمية المجلس الوزاري في تحقيق هذه الشراكة التي تعكس التقارب بين الرؤيتين؛ (السعودية 2030) والأفريقية (أجندة 2063)»، موضحاً أن السعودية هي «أول دولة دعمت تنفيذ الأجندة الأفريقية عام 2063 من خلال مشروعات التنمية الضخمة التي تنفّذها»
وأعرب قطان في الوقت ذاته عن أمل بلاده في «العمل خلال الحقبة الزمنية المقبلة مع كل الدول الأفريقية لتحقيق أهداف التنمية»، مشيراً إلى «تقدير السعودية البالغ لجميع قادة الدول الأفريقية لدعمهم الثابت لترشح المملكة لاستضافة معرض (إكسبو 2030)».
القيت كلمة في اجتماع المجلس الوزاري التنفيذي للإتحاد الإفريقي، أكدت فيها على التزام المملكة بتعزيز الشراكة مع دول إفريقيا وأهمية المجلس في تحقيق هذه الشراكة التي تعكس التقارب بين الرؤيتين السعودية ٢٠٣٠ - الإفريقية أجندة ٢٠٦٣. pic.twitter.com/bwRKX7SazU
— احمد عبدالعزيز قطان (@AmbKattan) July 13, 2023
علاقة تمتد لـ9 عقود
وتتمتّع العلاقات السعودية مع الجانب الأفريقي، التي انطلقت منذ 9 عقود، بعد افتتاح أول سفارة أفريقية في المملكة لدولة إثيوبيا عام 1943، بهامش من التطوّر، كما يرى مراقبون، حيث أجرى عدد كبير من زعماء القارّة السمراء زيارات كثيرة إلى السعودية خلال السنوات السبع الماضية، وعقدوا مباحثات رسمية مع الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
وبالرغم من أن الاهتمام السعودي بالقارة السمراء لم ينقطع على مدى عقود خلت، حيث سبقت جولة المبعوث السعودي أحمد قطّان جولات سابقة إلى دول أفريقية أخرى، أجراها قطان ومسؤولون سعوديون آخرون خلال السنوات القليلة الماضية، فإن مراقبين اعتبروا أن التطورات الإيجابية التي شهدتها العلاقات المشتركة منذ تولّي الملك سلمان بن عبد العزيز حُكم البلاد قد تجلّى أثرها في الطفرة التي شهدتها العلاقات وأنماط المبادرات لتعزيز الشراكات، وصولاً إلى الأمر الملكي في فبراير (شباط) 2018 بتعيين السفير أحمد قطان وزير دولة لشؤون الدول الأفريقية بمرتبة وزير في وزارة الخارجية، في خطوة نادرة من نوعها.
رعاية السلام الأفريقي
واستضاف الملك سلمان بن عبد العزيز قمةً جمعت زعيمي إثيوبيا وإريتريا، في سبتمبر (أيلول) 2018، رعى خلالها توقيع اتفاق سلام، أنهى حالة الحرب التي استمرت لأكثر من عقدين بين البلدين الجارين.
فضلاً عن ذلك أسّست السعودية بالشراكة مع 7 دول عربية وأفريقية «مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن» في يناير (كانون الثاني) عام 2020، الهادف إلى «تعزيز أمن الملاحة وحماية التجارة العالمية، والتعاون السياسي والاقتصادي بين أعضاء المجلس، وتعزيز الأمن الإقليمي والعالمي»، طبقاً لبيان التأسيس الذي وُقِّع ميثاقه في العاصمة السعودية الرياض.
وقامت السعودية بعمل عدة مناورات عسكرية بمشاركة دول أفريقية إسلامية وعربية ضمن إطار التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، ومناورات عسكرية أخرى.
وتلعب الرياض دوراً فاعلاً في التنمية داخل القارة الأفريقية، التي تعد ثاني أكبر قارة بعد قارة آسيا، حيث يساهم الصندوق السعودي للتنمية في عدد من المشروعات التنموية، ويقود مشروعات أخرى، كما يخطّط للقيام بمشروعات جديدة في عدد من الدول، ووصلت القروض والمنح التي يقدّمها «الصندوق السعودي للتنمية» لأكثر من 54 دولة أفريقية، بقيمة تقارب 14 مليار دولار، كما ينتظر أن تنفّذ الرياض مشروعات وقروضاً ومنحاً مستقبلية عبر الصندوق في الدول الأفريقية النامية تتجاوز قيمتها 800 مليون دولار خلال الفترة المقبلة، بحسب وزارة الخارجية السعودية.
التنمية الشاملة الاحتوائية
من جانبه، كشف تقرير صادر عن «مركز أسبار» للدراسات أن بعض الخبراء الأفارقة يرون أهمية «العمل على إعادة بناء العلاقات السعودية الأفريقية في مجالات التنمية الشاملة الاحتوائية، لتعود بالنفع المشترك على الشعب السعودي والشعوب الأفريقية». ومن أولويات هذا التعاون وفقاً للخبراء «الاستثمار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى تصل إلى المجتمعات الأفريقية بصفة ملموسة، وخاصة في مجالات تمكين المرأة والأسر المحتاجة، والاستثمار في الموارد البشرية والبنى التحتية، مثل بناء المستشفيات والمرافق العمومية والفنادق، وتمويل المشروعات أو تقديم القروض الميسرة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ وذلك من خلال بناء شراكات بين القطاع الخاص السعودي والأفريقي، بالإضافة إلى الاهتمام باستخراج واستغلال الموارد الطبيعية، بما فيها الطاقات المتجددة والمتوفرة، وكذلك استغلال موارد النفط والغاز والطاقة والذهب والنحاس والفسفور والحديد والمنتجات الزراعية والحيوانية».
نمو القدرات الاستراتيجية على الجانبين
واعتبر المحلل السياسي السعودي، عبد اللطيف الملحم، أن تطوّر العلاقات السعودية مع دول من خارج الشرق الأوسط «يعبّر عن القدرات الاستراتيجية التي تتمتّع بها السعودية، فضلاً عن تطلّعها للتأثير في محيط أبعد من الشرق الأوسط بالنظر إلى نمو قدراتها الاستراتيجية والاقتصادية في ضوء (رؤية السعودية 2030)». وأضاف الملحم، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «ارتباط السعودية بالتأثير الإيجابي في محيطها الإقليمي وبُعدها الدولي بالنظر لأهدافها المستقبلية كأحد أهم دول مجموعة العشرين، مثل تطلّعها لاستضافة معرض (إكسبو 2030)، يتطلّب الاهتمام بتعزيز العلاقات الثنائية مع دول ومكوّنات كان الاهتمام بها متواضعاً في المرحلة السابقة، وتتصدّر القائمة دول القارة الأفريقية بكل اتجاهاتها، بالإضافة إلى دول وسط آسيا بالنظر للمقدّرات التي تتمتّع بها دول تلك المناطق».
قمة سعودية - أفريقية نادرة من نوعها
ويُنتظر أن تستضيف السعودية «القمة السعودية - الأفريقية» الأولى من نوعها و«القمة العربية - الأفريقية» الخامسة من نوعها نهاية العام الحالي، وفق ما أشار إليه نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي في وقتٍ سابق.