أطفال نازحون يعانون الإعياء والعطش بالحدود السودانية - المصرية

بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانتظارهم لأيام بمدينة حلفا ومعبر «أشكيت»

متطوعون مصريون يقدمون مساعدات للنازحين من الجانب السوداني
متطوعون مصريون يقدمون مساعدات للنازحين من الجانب السوداني
TT

أطفال نازحون يعانون الإعياء والعطش بالحدود السودانية - المصرية

متطوعون مصريون يقدمون مساعدات للنازحين من الجانب السوداني
متطوعون مصريون يقدمون مساعدات للنازحين من الجانب السوداني

خلال توقف شاحنة «موبيليا» مصرية تحمل على متنها نحو 60 طفلاً وسيدة، قادمين من مدينة حلفا السودانية بالقرب من «مستشفى أبو سمبل» (جنوب مصر)، لالتقاط الأنفاس وتناول وجبات ساخنة؛ تاهت الطفلة «عُلا» ذات الست سنوات، في شوارع المدينة، عندما ضلت الطريق إلى المستشفى الذي احتُجز فيه شقيقها الرضيع المريض بالسكري لتلقي العلاج لمدة ساعات.

لم تكتشف الأم السودانية البالغة من العمر 35 عاماً، ضياع ابنتها، إلا بعد عودتها من المستشفى قرب منتصف الليل، حيث ظلت تحمل رضيعها المريض على كتفها، في حين كانت تلح في سؤال الأطفال والنسوة بالحافلة بشأن «آخر مرة رأوا فيها الطفلة (عُلا)».

ووفق جمعيات أهلية مصرية تعمل في مجال الإغاثة الإنسانية بالمعابر الحدودية مع السودان، فإن الأطفال وكبار السن يعدون أضعف حلقة بين النازحين؛ إذ يتعرضون لحالات إعياء وإغماء، خصوصاً المصابين بأمراض مزمنة.

وبسبب نقص الخدمات بالجانب السوداني، وطول مدة الانتظار بمدينة حلفا ومعبر «أشكيت» السوداني؛ يعاني أغلب الأطفال من الجوع والعطش، لا سيما مع عدم توافر أماكن مريحة بالحافلات والشاحنات، وفق متطوعين بجمعية «الهلال الأحمر المصري»، و«جمعية شباب أبو سمبل».

وتعد مدينة أبو سمبل المصرية (جنوب البلاد) المطلة على الضفة الغربية لبحيرة «ناصر»، إحدى محطات الطريق الواصل بين ميناء «قسطل» البري، ومدينة أسوان، حيث تمر من داخلها الحافلات السودانية والجاليات الأجنبية بعد ركوب معدية من الجانب الشرقي لبحيرة «ناصر»، ويبحث فيها النازحون عن تجديد نشاطهم بالماء والطعام والراحة قبل استكمال رحلاتهم إلى القاهرة والتي تزيد على نحو 1300 كيلومتر.

وبحسب الدكتور محمد أبو الوفا، مدير «مستشفى أبو سمبل»، فإنه يتم علاج الحالات المصابة بالإعياء جراء طول السفر والبقاء طويلاً بالمعبر السوداني، خصوصاً بين صفوف كبار السن والأطفال المصابين بأمراض مزمنة، والذين يغادرون إلى أسوان بعد تحسن صحتهم وتلقي الرعاية اللازمة.

ووصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الوافدين من الدول العربية والأفريقية بسبب الأزمات والاشتباكات العسكرية بـ«الضيوف»، مؤكداً في حواره مع صحيفة «أساهي» اليابانية أخيراً، «وجود نحو 9 ملايين ضيف من ليبيا وسوريا واليمن ودول أفريقية أخرى، وسط الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، وارتفاع نسب التضخم بمصر».

ويقيم في مصر نحو 5 ملايين سوداني، وفق أرقام رسمية للسفارة السودانية في القاهرة، في حين يزيد عدد المسجلين السودانيين بصفتهم لاجئين لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة على 60 ألف شخص.

وبعد ساعات من البحث المكثف، عن الطفلة السودانية «عُلا» تم معرفة موقعها الجديد، حيث أخذتها أسرة سودانية معها إلى أسوان لدى العثور عليها وهي وحيدة وتبكي جراء فقد والدتها وأشقائها أمام إحدى كافتيريات مدينة أبو سمبل، وتركت الأسرة السودانية رقم هاتفها المصري بالكافتيريا لكي تتواصل والدة «عُلا» معها؛ إذ تم الاتفاق على مقابلة بعضهما في محطة «وادي كركر» بأسوان.

ويستقبل متطوعون مصريون من مدينة أبو سمبل المصرية الأطفال بالمياه والعصائر لدى عبورهم المنطقة المحايدة، في حين يجري تقديم الإسعافات الأولية في عيادات «الهلال الأحمر المصري».

ومع طول الانتظار بمدينة حلفا السودانية ومعبر «أشكيت»، يرسل الكثير من السودانيين أبناءهم وزوجاتهم إلى مصر، قبل أن يتبعوهم عقب إصدار تأشيرة الدخول إلى مصر؛ إذ تسمح مصر بدخول الأطفال والسيدات من دون تأشيرة، في حين تطلب تأشيرة للذكور بين عامي 16 و50 عاماً.

ونزح نحو 40 ألف سوداني إلى مصر، منذ بداية المعارك في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بين الجيش السوداني، وقوات «الدعم السريع»، بحسب السفير عبد القادر عبد الله محمد، القنصل السوداني بمدينة أسوان، الذي أشار إلى أن «السلطات المصرية والسودانية تعملان بشكل (مُكثف) لتسهيل إجراءات دخول السودانيين إلى مصر».

من جهتها، أشادت كريستين بشاي، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بما تقوم به الحكومة المصرية من تقديم خدمات الصحة والتعليم للنازحين واللاجئين كما تقدمها للمصريين، لافتة إلى «تقديم إعانات شهرية لأكثر الأسر احتياجاً، وإعانات تعليمية للأطفال في سن الدراسة، كما تعمل المفوضية على تعزيز قدرات المؤسسات التعليمية والصحية لاستيعاب اللاجئين».

ودشنت وزارة الصحة المصرية الأسبوع الماضي، وحدات «دعم نفسي» للأطفال النازحين من السودان تضم عيادات متنقلة وثابتة بمعبري «أرقين» و«قسطل» مع الجانب السوداني، بهدف تقديم الدعم النفسي للأطفال والمراهقين.

كما أرسلت 5 عيادات متنقلة يعمل بها 10 أطباء، و18 ممرضة، و3 صيادلة، بالإضافة إلى 4 فرق تقدم خدمات للصحة العامة، بمحطة «وادي كركر» التي تتمركز بها الحافلات السودانية القادمة من الخرطوم.

في السياق، أشادت المواطنة السودانية رفيدة السيد، 45 سنة، وهي أم لأربعة أطفال، بخدمات الدعم النفسي، التي تقدمها وزارة الصحة المصرية للأطفال النازحين من السودان، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «عانى أطفالي من أصوات الطائرات والقصف خلال معارك الخرطوم؛ لذلك فإنهم شعروا بالرعب لدى سماعهم صوت الطائرات المصرية بالقرب من مطار أسوان»، موضحة أنهم «عانوا العطش والجوع خلال رحلة الانتظار الطويل بالجانب السوداني».


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد تسعة عشر شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

صحيفة سودانية: «الدعم السريع» تشكل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم

أفادت صحيفة «سودان تريبيون»، اليوم (الجمعة)، بأن «قوات الدعم السريع» أعلنت تشكيل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

وزير الخارجية الفرنسي: «الأزمة الإنسانية في السودان تعد الأكبر في زمننا، والتدخلات الخارجية في الحرب الدائرة يجب أن تتوقف».

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا سودانيون فروا من العنف المتصاعد بولاية الجزيرة يستريحون في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

«الخارجية الفرنسية» تحث طرفي الحرب في السودان على وقف القتال

حثّ وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الذي زار مخيمات لاجئين سودانيين في تشاد، الخميس، طرفي النزاع بالسودان على وقف الأعمال القتالية والدخول في مفاوضات.

«الشرق الأوسط» (أدري (تشاد))
أفريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

إلى جانب الحربين اللتين تصدَّرتا عناوين الأخبار خلال عام 2024، في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تستمر نزاعات لا تحظى بالقدر نفسه من التغطية الإعلامية.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
TT

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد تسعة عشر شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم بما في ذلك القصر الرئاسي والوزارات، وتكليف عبد اللطيف عبد الله الأمين الحسن رئيساً لها، وتسمية مجلس تأسيس مدني (مجلس تشريعي ولائي) من 90 شخصاً برئاسة نايل بابكر نايل المك ناصر، لتقديم الخدمات وبسط الأمن وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

وتضم ولاية الخرطوم سبع محليات أو تقسيمات إدارية هي: «الخرطوم، وجبل أولياء، والخرطوم بحري، وشرق النيل، وأم درمان، وأم بدة، وكرري»، ويسيطر الجيش منها في الخرطوم على «القيادة العامة، وسلاحَي الذخيرة والمدرعات»، ومناطق في منطقة مقرن النيلين، متاخمة لأم درمان، في حين تسيطر «الدعم السريع» على باقي الأنحاء والأحياء، والتي تضم القصر الرئاسي والوزارات.

وفي الخرطوم بحري يسيطر الجيش على بعض المناطق الشمالية وجسر الحلفايا التي استعادها مؤخراً، إلى مقراته العسكرية في شمال ووسط وشرق النيل، في حين تسيطر «الدعم السريع» على معظم الأنحاء، بما في ذلك مركزها.

وفي أم درمان يسيطر الجيش على كامل «محلية كرري شمال أم درمان، ومحلية أم درمان القديمة، وأجزاء من محلية أم بدة»، وتقع فيها منطقة كرري العسكرية ومطار وادي سيدنا وسلاح المهندسين، في حين تسيطر «الدعم السريع» على بقية أنحاء المحلية، وجنوب وغرب الولاية حتى جبل أولياء غربا.

ووفقاً للخريطة الجغرافية، فإن «قوات الدعم السريع» تسيطر بشكل شبه كامل على الولاية، لا سيما مدن الخرطوم والخرطوم بحري، وتفرض حصاراً مشدداً على الوحدات العسكرية الموجودة فيها، وتجعل منها جيوباً محاصرة.

منازل تعرضت للقصف في معارك دارت أخيراً بالخرطوم (أ.ب)

وفي مؤتمر صحافي عُقد بالخرطوم، الجمعة، أكد رئيس مجلس التأسيس المدني، المك ناصر، تشكيل برلمان ولائي أطلق عليه اسم «مجلس التأسيس المدني» من 90 عضواً يمثلون محليات الولاية المختلفة، بما في ذلك الشباب والمرأة والإدارة الأهلية والمهنيون والطرق الصوفية. وانتخب المجلس في جلسة إجرائية نايل بابكر نايل المك ناصر رئيساً له.

مجلس تأسيسي

وقالت «الدعم السريع» إن «مجلس التأسيس انتخب مجلساً للقضاء، وبدوره اختار رئيساً له، أدى أمامه رئيس مجلس التأسيس المدني (رئيس الإدارة الجديدة) اليمين الدستورية»، متعهداً بمباشرة مهامه في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وحمايتهم وتقديم المساعدات المدنية لهم، واستعادة «أجهزة الدولة» التي انهارت بسبب الحرب لمدة عامين.

وظلت الخرطوم بلا حكومة أو إدارة مدنية منذ انتقال العاصمة إلى مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، في حين يحكم «والي الخرطوم» المكلف من قبل قائد الجيش بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 من مدينة أم درمان ومحلية كرري على وجه الخصوص، ولا يستطيع الوصول إلى معظم أنحاء الولاية.

وقال رئيس مجلس التأسيس المدني، المك ناصر، في المؤتمر الصحافي بالخرطوم، الجمعة، إن الفراغ الناتج عن الحرب أدى لغياب الخدمات الأساسية والضرورية؛ ما دفع مواطني الولاية للمطالبة بتكوين إدارة مدنية. وأضاف: «تداعى نفر كريم من مواطني ولاية الخرطوم، وأخذوا على عاتقهم تحمل المسؤولية التاريخية من أجل المواطن، وتواصلوا مع قيادات (الدعم السريع) بالولاية، وطلبوا منهم الموافقة على تأسيس إدارة مدنية تتولى تقديم الخدمات الأساسية، واستجابت (الدعم السريع) لمطلبهم».

وأوضح أن رئيس الإدارة المدنية، عبد اللطيف عبد الله الأمين الحسن، سيقوم بالتعاون مع مجلس التأسيس المدني بتشكيل جهاز تنفيذي يتولى تقديم الخدمات وتأمين وصول المساعدات الإنسانية لمواطني الخرطوم.

وقال رئيس الإدارة المدنية عبد اللطيف الحسن، إن تكليفه جاء انحيازاً لما أسماه «المواطن المغلوب على أمره، ومن أجل حفظ الأمن، وتوفير الخدمات الأساسية، وبناء السلام المجتمعي، وتوفير وإيصال المساعدات الإنسانية»، ودعا المهنيين والفنيين العاملين في ولاية الخرطوم لما أسماه «تحمل المسؤولية» بالعودة الفورية للعمل، ليقدموا الخدمات للمواطنين.

دعوة لوقف الحرب

وحضر المؤتمر عن «الدعم السريع» حذيفة أبو نوبة، رئيس المجلس الاستشاري لقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والعقيد حسن محمد عبد الله الترابي رئيس دائرة التوجيه، ممثلاً للقوات.

ودعا المسؤول المدني الجديد من أطلق عليهم «أطراف الصراع»، إلى الحكمة وإنقاذ البلاد بوقف الحرب عاجلاً والعودة للتفاوض، وإلى التزام القانون الدولي الإنساني، وإلى الكف عن القصف الجوي للمستشفيات والأسواق ودور العبادة، واستهداف المدنيين وإلقاء البراميل المتفجرة عليهم، وناشد المنظمات العاملة في المجال الإنساني تقديم المساعدات لمواطني الخرطوم والسودان بالسرعة الممكنة.

من جهته، قال العقيد حسن محمد عبد الله الترابي، إن قواته تقدم الشهداء من أجل تحقيق الحكم المدني الديمقراطي في السودان، وتعهد بدعم الإدارة المدنية وحمايتها وحفظ الأمن، وبعدم التدخل في سير أعمال الإدارة المدنية لتعبر عن إرادة المواطنين، وأضاف: «قادة النظام القديم اختطفوا الخرطوم وذهبوا بها إلى بورتسودان مثلما اختطفوا الجيش؛ لذلك فإن انتخاب قيادة ميدانية يوقف عبث اختطاف الخرطوم سياسياً واقتصادياً، ويؤكد بقاء الخرطوم عاصمة للسودان».

وسبق أن شكّلت «قوات الدعم السريع» إدارات مدنية في عدد من مناطق سيطرتها في ولايات دارفور الأربع وولاية الجزيرة، ويُخشى على نطاق واسع من تطور الأوضاع إلى «حكومتين» تتنازعان السلطة في البلاد، أسوة بـ«الأنموذج الليبي».