حكومات العراق المحلية اكتملت... إلا كركوك وديالى

الأوزان المتقاربة تعوق المفاوضات بين فائزين من قوميات ومذاهب مختلفة

قوات الأمن العراقية تقف بالقرب من تمثال البيشمركة في كركوك سبتمبر الماضي (رويترز)
قوات الأمن العراقية تقف بالقرب من تمثال البيشمركة في كركوك سبتمبر الماضي (رويترز)
TT

حكومات العراق المحلية اكتملت... إلا كركوك وديالى

قوات الأمن العراقية تقف بالقرب من تمثال البيشمركة في كركوك سبتمبر الماضي (رويترز)
قوات الأمن العراقية تقف بالقرب من تمثال البيشمركة في كركوك سبتمبر الماضي (رويترز)

ما زالت الصراعات المعقدة بين الأطراف السياسية في محافظتي كركوك وديالى تسهم في تعثر مفاوضات تشكيل الحكومة المحلية في هاتين المحافظتين ذات التنوع السكاني الإثني والقومي.

ورغم مرور 28 يوماً على مصادقة القضاء لنتائج الانتخابات المحلية التي جرت منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما زال الفشل في عقد الجلسة الأولى للمجلس حاضراً، وهو أمر يتقاطع مع قانون مجالس المحافظات الذي يحتم عقد الجلسة الأولى بعد 15 يوماً فقط من تاريخ المصادقة، لكن مصدراً موثوقاً به في محافظة كركوك، رأى «تجاوز المدد القانونية صار عرفاً شائعاً، سواء في البرلمان الاتحادي، أو في المجالس المحلية».

مع ذلك أكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن رأي المحكمة الاتحادية في هذا السياق يذهب إلى «انتفاء صفة المجلس مع عدم عقد الجلسة الأولى، وحين تنجح الأطراف في ذلك، فسيكون من الواجب انتخاب المحافظ ورئيس المجلس في غضون 30 يوماً».

وتبدو التعقيدات وانعكاساتها الخطيرة على أوضاع المحافظة والسكان بشكل عام أكثر وضوحاً في كركوك وديالى، خصوصاً إذا ما علمنا أن 13 محافظة من أصل 15 جرت فيها الانتخابات المحلية وضمنها العاصمة بغداد، نجحت في عقد جلساتها واختيار حكوماتها المحلية، وحصلت على مصادقة رئاسة الجمهورية، بينما بقيت الأطراف السياسية في كركوك وديالى تراوح في منطقة النزاع وعدم الاتفاق.

وتتمحور الخلافات السياسية في ديالى وكركوك حول منصب المحافظ، المسؤول التنفيذي الأول، بالدرجة الأساس، وبدرجة أقل حول منصب رئيس مجلس المحافظة المحددة مهمته بالمراقبة والإشراف على منصب المحافظ.

ما قصة كركوك؟

يتمثل الصراع السياسي في هذه المحافظة الغنية بالنفط في تنازع المكونات الثلاثة الأساسية فيها، وهم الكرد والعرب والتركمان إلى جانب أقلية مسيحية، حول منصب المحافظ، حيث يتمسك الكرد بحقهم في هذا المنصب بعد أن خسروه في عمليات إعادة فرض القانون التي نفذها رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي عام 2017.

وفي المقابل، يصر العرب على بقاء المنصب الذي حصلوا عليه بعد تلك العمليات في أيديهم، وبينما يتمسك كل طرف بمطالبه، تأتي نتائج الانتخابات المتقاربة لتزيد الأمور تعقيداً، وتفتح الطريق أمام مزيد من التناحر والتأخير في حسم الصراع حول المناصب، طبقاً لمصدر عربي مقرب من أجواء المفاوضات.

صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)

ويقول المصدر، إن «الكرد مجتمعين مع كوتا المكون المسيحي لهم 8 مقاعد من أصلاً 16 مقعداً في مجلس كركوك، وللعرب والتركمان المتحالفين نصف المقاعد المتبقية، ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً باتجاه الحسم، إذا ما عرفنا أن انعقاد الجلسة الأولى لمجلس المحافظة بحاجة إلى 9 مقاعد».

ويعتقد المصدر أن منصب المحافظ لن يغادر ساحة الكتلة العربية، لأسباب كثيرة وضمنها «الخلافات الكبيرة بين الحزبين الكرديين، الاتحاد والديمقراطي، إلى جانب الدعم العربي الواسع الممتد لبغداد لإسناد المنصب لمحافظ عربي».

وأشار المصدر إلى أن «كفة العرب تميل أكثر بسبب تأثير اللاعبين الإقليميين مثل تركيا وإيران اللذين يرغبان بإسناد المنصب للعرب، بالنظر لخشيتهما من تمدد كردي جديد في كركوك».

لكن مسؤول مركز تنظيمات كركوك في حزب «الاتحاد الوطني» لوند ملا محمود، يلقي باللائمة على ممثلي العرب والتركمان في تعقيد مسار مفاوضات تشكيل الحكومة المحلية والتئام مجلس المحافظة.

ويقول ملا محمود لـ«الشرق الأوسط»، إن «الطرفين العربي والتركماني يميلان إلى عدم حضور مفاوضات التفاهم حول توزيع المناصب، وهذا أمر يعقد الأمور، ولا يساعد في حل المشكلة».

ويعتقد أن «الكرد أولى بمنصب المحافظ بحكم أغلبيتهم العددية، لكن ذلك بحاجة إلى أن يجلس الجميع إلى طاولة المفاوضات، كما أن أي طرف سياسي في كركوك غير قادر على إدارتها وحده».

وكانت الجبهة التركمانية التي لها مقعدان في مجلس كركوك، قد اقترحت في وقت سابق حلاً لازمة حكومة كركوك المحلية، يتضمن اختيار المحافظ بشكل دوري بين مكونات المحافظة (العرب والتركمان والكرد).

أزمة في ديالى

في هذه المحافظة التي تقع على الحدود شرقاً مع إيران، يتكرر سيناريو تعطيل عقد الجلسة الأولى لمجلس المحافظة وفشل الأطراف السياسية في التوصل لتفاهم حول منصب المحافظ ورئيس المجلس.

وتبدو الأمور في ديالى أكثر تعقيداً من كركوك، بالنظر لتوزع مقاعد المجلس المحلي بين نحو 7 ائتلافات سياسية، يتصدرها تحالف «ديالتنا الوطني» بأربع مقاعد فقط من مجموع 15 مقعداً إجمالي عدد مقاعد مجلس المحافظة. والتحالفات خليط غير متجانس من العرب الشيعة والسنة والكرد وبعض التركمان.

هادي العامري (رويترز)

وبرزت خلافات كبيرة حتى داخل التحالف الأكبر «ديالتنا الوطني» من خلال تمسك عضو التحالف المحافظ المنتهية ولايته مثنى التميمي في منصب المحافظ، في مقابل ترشيح رئيس التحالف ومنظمة «بدر» هادي العامري مرشحين جدد، كان أخرهم محمد العميري، نجل رئيس المحكمة الاتحادية جاسم العميري، لكن العامري، تراجع، السبت، عن دعم ترشيح العميري، ما يضيف مزيداً من الضبابية على مستقبل الحكومة المحلية في هذه المحافظة.

وقال العامري في بيان تعليقاً على ترشيح وسحب ترشيح العميري لمنصب المحافظ: «بخصوص ترشيح محمد جاسم العميري، محافظاً لمحافظة ديالى، ومرشح تسوية لمعالجة الانسداد السياسي في هذه المحافظة، وكنت أعتقد بيني وبين الله، وما زلت أعتقد أنه أفضل حل لمعالجة الانسداد السياسي».

وأضاف العامري: «مع شديد الأسف اصطدمنا بموضوع العمر القانوني، حيث ينص القانون (المرشح لإشغال منصب المحافظ يجب أن يكون قد أكمل الثلاثين عاماً)، لذلك قررنا سحب ترشيحنا لمحمد العميري»، الذي يبلغ 28 عاماً فقط.


مقالات ذات صلة

السلطات العراقية توضح ملابسات تسليم معارض كويتي إلى بلاده

المشرق العربي الخالدي كما بدا في صورة بثتها «الداخلية الكويتية» على منصة «إكس»

السلطات العراقية توضح ملابسات تسليم معارض كويتي إلى بلاده

أوضحت وزارة الداخلية العراقية ملابسات تسليم معارض كويتي إلى بلاده، بعد الضجة التي أثارتها عملية التسليم.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال جلسة لمجلس الوزراء (رويترز)

تضارب الأنباء بشأن زيارة السوداني إلى إيران

لم يصدر عن الحكومة العراقية رسمياً ما يؤكد زيارة وشيكة إلى إيران يقوم بها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فيما تشير أنباء إلى أنها ستبدأ غداً الخميس

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي تجمُّع عشائري أُقيم في جنوب بغداد مؤخراً (أ.ف.ب)

العراقيون يطوون سنة 2024... وينتظرون توقعات المنجمين للعام الجديد

غالباً ما تأخذ نظريات المؤامرة حيزاً واسعاً من تفكير، بل حتى تطلعات العراقيين لأسباب تتعلق إما بانقسامات سياسية أو مجتمعية.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك (يسار) يتحدث مع رئيس الوزراء البريطاني حينها توني بلير بعد لقائهما في 11 مايو 2007 أمام قصر الإليزيه في باريس (أ.ف.ب)

وثائق: شيراك أغضب بريطانيا برفضه عملاً عسكرياً في العراق عام 2003

كشفت وثائق بريطانية، نُشرت الثلاثاء، عن غضب رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير من الرئيس الفرنسي جاك شيراك بسبب عرقلة عمل عسكري على العراق سنة 2003.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي صورة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على غلاف تقرير فوق مكتب بمقر «حزب البعث» حيث ينتظر جنود سابقون تسجيل أسمائهم في «عملية المصالحة» في دمشق الاثنين (أ.ب)

حزب «البعث» السوري يتداعى

بعد أيام قلائل من الإطاحة بالرئيس بشار الأسد أعلن «حزب البعث» الحاكم تجميد أنشطته، ما يمثل تغييراً صادماً في حظوظ الجماعة السياسية.

«الشرق الأوسط» (لندن - دمشق)

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا في دمشق... و«شروط» للحكام الجدد لاستئناف العلاقات

قف أحد أعضاء حكومة الإنقاذ السورية حارسًا أمام علم في ساحة باب توما (رويترز)
قف أحد أعضاء حكومة الإنقاذ السورية حارسًا أمام علم في ساحة باب توما (رويترز)
TT

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا في دمشق... و«شروط» للحكام الجدد لاستئناف العلاقات

قف أحد أعضاء حكومة الإنقاذ السورية حارسًا أمام علم في ساحة باب توما (رويترز)
قف أحد أعضاء حكومة الإنقاذ السورية حارسًا أمام علم في ساحة باب توما (رويترز)

في حين تشهد دمشق انفتاحاً دبلوماسياً كبيراً، بعد نحو 4 أسابيع من سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، وصل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، اليوم (الجمعة)، إلى سوريا، في أوّل زيارة مماثلة على هذا المستوى من دول غربية إلى دمشق.

وتهدف الزيارتان لإجراء محادثات مع الحكام الفعليين الجدد، بتكليف من الاتحاد الأوروبي. ومن المقرر أن يلتقي بارو وبيربوك معاً قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع.

وأكدت بيربوك أنها تسعى لمساعدة سوريا على أن تصبح «دولة قادرة على القيام بوظائفها وتسيطر بالكامل على أراضيها»، وذلك في بيان صدر قبيل وصولها إلى العاصمة السورية من قبرص.

وقالت إنه رغم «الشكوك» حيال «هيئة تحرير الشام» التي تقود تحالفاً من فصائل معارضة أطاحت بالأسد، مطلع ديسمبر (كانون الأول)، «فعلينا ألا نضيع فرصة دعم الشعب السوري في هذا المنعطف المهم».

وحدَّدَت بيربوك شروطاً للحكام الفعليين الجدد في سوريا لاستئناف العلاقات مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي، وقالت: «من الممكن حدوث بداية سياسية جديدة بين أوروبا وسوريا، بين ألمانيا وسوريا»، مضيفة أنها تأتي إلى العاصمة السورية رفقة نظيرها الفرنسي، وبالنيابة عن الاتحاد الأوروبي «بهذه اليد الممدودة، ولكن أيضاً بتوقعات واضحة من الحكام الجدد».

ونيابةً عن منسِّقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، تعتزم بيربوك وبارو إجراء محادثات مع ممثلي الحكومة الانتقالية.

وكان بارو احتفل بالعام الجديد رفقة وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو في لبنان مع الجنود الفرنسيين من بعثة مراقبي الأمم المتحدة «يونيفيل» المتمركزة هناك. وبيربوك وبارو هما أول وزيري خارجية من الاتحاد الأوروبي يزوران سوريا منذ سقوط الأسد.

وقالت بيربوك: «لا يمكن أن تكون هناك بداية جديدة إلا إذا أفسح المجتمع السوري الجديد لجميع السوريين (نساء ورجالاً وبغض النظر عن المجموعة العرقية أو الدينية) مكاناً في العملية السياسية، ومنحَهم حقوقاً، ووفَّر لهم الحماية»، مضيفة أن هذه الحقوق يجب حمايتها و«لا ينبغي تقويضها عبر فترات طويلة للغاية لحين إجراء انتخابات أو اتخاذ خطوات لأسلمة نظام القضاء أو التعليم».

وكان الشرع قال مؤخراً إن تقديم مسودة الدستور الجديد قد يستغرق نحو 3 سنوات، ذلك إلى جانب عام آخر لإجراء الانتخابات. وبعد أكثر من 10 سنوات من الحرب الأهلية، أصبحت سوريا مجزَّأة ومنقسمة على أسس طائفية. وحتى بعد سقوط الأسد، تواصل ميليشيات مسلحة متعادية القتال من أجل السلطة.

وأشارت بيربوك إلى الرغبة في دعم سوريا، خلال انتقال سلمي للسلطة والمصالحة في المجتمع، وإعادة الإعمار؛ ذلك إلى جانب المساعدات الإنسانية التي تم تقديمها للشعب في سوريا بالسنوات الأخيرة.

وأكدت بيربوك أنه لا يمكن أن تكون هناك بداية جديدة إلا إذا تمَّت معالجة الماضي وإرساء العدالة وتجنُّب الأعمال الانتقامية ضد فئات من الشعب، مشددة على أنه ينبغي ألا يكون للتطرف والجماعات المتطرفة مكان في سوريا.

وتابعت: «نحن نعرف من أين تنبثق (هيئة تحرير الشام) آيديولوجياً، وما فعلته في الماضي». لكنها أشارت في المقابل إلى أنه يمكن أيضاً رؤية الرغبة في الاعتدال والتفاهم مع جهات فاعلة أخرى مهمة، مضيفة أن بدء محادثات مع «قوات سوريا الديمقراطية» التي يهيمن عليها الأكراد تُعتَبَر إشارة مهمة في هذا الاتجاه.

تجدر الإشارة إلى أن «هيئة تحرير الشام» انبثقت من «جبهة النصرة»، وهي فرع من تنظيم «القاعدة». ورغم أنها تنصَّلت من «القاعدة» وتنظيم «داعش»، فإنه هناك، حتى يومنا هذا، تقارير تفيد بأن قيادة «هيئة تحرير الشام» تقيم اتصالات مع «القاعدة».

وفي ضوء تلك التقارير، قالت بيربوك: «سنستمر في تقييم (هيئة تحرير الشام) من خلال أفعالها. وعلى الرغم من كل الشكوك، يجب ألا نفوِّت الآن الفرصة لدعم الشعب السوري في مفترق الطرق المهم هذا».

وأوضحت بيربوك أن ألمانيا تعمل أيضاً من أجل ضمان عدم تعطيل العملية السورية الداخلية من الخارج، لافتة إلى أن هذا يشمل أيضا احترام السيادة والسلامة الإقليمية من قِبَل جميع الدول المجاورة، وذلك في إشارة واضحة إلى تركيا وإسرائيل المتهمتين بالسعي لتحقيق مصالحهما الخاصة في سوريا.

وذكرت بيربوك أنه قد حان الوقت أيضاً لأن تغادر روسيا قواعدها العسكرية في سوريا.

تجدر الإشارة إلى أن روسيا كانت واحدة من أهم حلفاء الأسد لسنوات. وعقب ما يقرب من 14 عاماً من الحرب الأهلية، تعرَّضت سوريا للدمار والتلوث إلى حد كبير بالألغام الأرضية وغيرها من الذخائر.

وتعاني البلاد الآن من نقص في القوة العاملة والعمال المهَرة، إلى جانب انكماش الاقتصاد وفقدان العملة لأكثر من 90 في المائة من قيمتها منذ عام 2020، وقد انهارت الخدمات العامة. ويعتمد أكثر من 16 مليون شخص هناك على المساعدات الإنسانية.

ومن المرجَّح أيضاً أن تدور محادثات بيربوك في دمشق حول عودة اللاجئين السوريين من ألمانيا، وهو ما تؤيده الحكومة الانتقالية. ووفقاً لوزارة الداخلية الألمانية، يعيش حالياً نحو 975 ألف سوري في ألمانيا. وقد جاء معظمهم إلى البلاد منذ عام 2015 نتيجة للحرب الأهلية.