سيلين حيدر... أيقونة منتخب لبنان التي دفعت ضريبة الحرب

والدتها تتعلق بأمل سلامتها... وتحكي الروايات بجوار سرير مرضها

TT

سيلين حيدر... أيقونة منتخب لبنان التي دفعت ضريبة الحرب

الفتاة الطموح كانت تقترب من أن تمثل لبنان في منتخبه الوطني وتخوض أولى مبارياتها (أ.ف.ب)
الفتاة الطموح كانت تقترب من أن تمثل لبنان في منتخبه الوطني وتخوض أولى مبارياتها (أ.ف.ب)

سيلين حيدر، لاعبة منتخب لبنان للشابات وقائدة فريق أكاديمية بيروت، قصة رياضية شابة خطفتها أقدار الحرب من ملاعبها إلى سرير المستشفى. في لحظة واحدة، تحوَّل حلم اللاعبة التي تعشق الحياة وتعيش من أجل كرة القدم إلى صراع مرير مع إصابة خطيرة في الرأس، نتيجة قصف إسرائيلي استهدف منطقة الشياح، مكان إقامتها.

سيلين ليست فقط لاعبة موهوبة، هي ابنة الوطن الذي دفعها لتحمل مسؤوليات أكبر من عمرها، وهي مَن رفعت راية لبنان في بطولات غرب آسيا، وحملت معها طموحات جيل يؤمن بأن الرياضة أداة تغيير، لا ضحية للظروف. أصابتها شظايا الحديد التي اخترقت سلام بيتها، لكن صوت والدتها، سناء شحرور، لا يزال يردد: «ابنتي بطلة، ستعود لتقف وتكمل حلمها».

 

والدة سيلين حيدر تمنى نفسها بسلامة ابنتها (الشرق الأوسط)

 

وسط الألم، تقف عائلتها وزملاؤها ومدربوها كتفاً بكتف، يعزفون لحن الأمل. من كلمات صديقاتها عن شخصيتها الحنونة وضحكتها التي لم تفارق وجهها، إلى حملات الدعم التي نظمها زملاؤها في الفريق، الكل يترقب اللحظة التي تستيقظ فيها سيلين لتُكمل رحلتها، ليس فقط على أرض الملعب، بل في الحياة نفسها.

في ظل ظروفٍ مأساوية، تسرد والدتها، سناء شحرور، تفاصيل لحظة لا تُنسى، لحظة اختلط فيها الخوف بالأمل. رسالة بسيطة من سيلين تطلب وجبتها المفضلة تحولت إلى كابوسٍ بعد دقائق، عندما أُصيبت إثر تطاير شظايا الحديد. وبينما كانت الأم تمني نفسها بتحضير الطعام، وجدت نفسها تواجه الحقيقة المُرّة في المستشفى في قسم العناية الفائقة.

 

عباس حيدر والد اللاعبة سيلين (الشرق الأوسط)

القصة بدأت عندما اضطرت عائلتها للنزوح من منزلهم بسبب الحرب، في حين بقيت سيلين وحدها في المنزل لتكمل دراستها الجامعية، بعد قرار وزير التربية اللبناني عباس الحلبي باستكمال التعليم، رغم الحرب. وفي إحدى الليالي، أرسلت سيلين رسالة لوالدتها عبر تطبيق «واتساب»، تطلب منها إعداد وجبتها المفضلة. بضحكة خفيفة، ردَّت الأم: «وجهك فقري، سأقوم بإعدادها لك». دقائق بعد ذلك، تلقت الأم اتصالاً غيّر حياتها؛ الرقم الغريب على الهاتف أخبرها بأن ابنتها تعرضت لإصابة في الرأس.

جمع من أصدقاء اللاعبة يلتفون في المستشفى الذي ترقد فيه (الشرق الأوسط)

 

لم تصدِّق الأم ما سمِعَتْ، لا سيما أن سيلين كانت قد أبلغت بأنها ابتعدت عن مكان الاستهداف. شعرت بالذعر والارتباك وبدأت تبحث عن معلومات متضاربة حول حالتها، وتقول شحرور: «لم أعد أعرف ماذا أفعل وكنت في موقف لا أحسد عليه صرت أتجول في البيت من دون جدوى. اتصلت بوالدها وذهب لمستشفى السان جورج قبلي، لأنني كنت بعيدة جداً عنها».

وتكمل شحرور بأنها حين وصلت إلى المستشفى، وجدت ابنتها مغطاة بالدماء، لا تستطيع الحركة، وقد أُصيبت بكسر في الجمجمة ونزف في الرأس. المشهد كان مرعباً، لكن الأم لم تفقد الأمل. وقفت بجوارها وهي تصرخ: «قومي يا سيلين!»، ولكن الأطباء كانوا يؤكدون أن وضعها حرج للغاية، وأن المسألة مسألة وقت.. وتضيف: «الأطباء يقولون لنا إنها مسألة وقت؛ سأنتظرها سنة واثنتين وثلاثاً لكي تستيقظ».

في المستشفى، تجلس الأم يومياً بجانب سرير سيلين، تتحدث معها، تخبرها عن زيارات الأصدقاء، وتعدها بأطيب الأكلات عندما تستيقظ، وتخبرها بأنها ستشتري لها دراجة نارية جديدة، تحاول أن تمنحها القوة بالكلمات، رغم أن سيلين لا تستجيب. تقول الأم: «قلت لها إنني رأيتُ في الحلم أنها استيقظت وغمرتني. أنا أنتظر هذا الحلم يتحقق، حتى لو استغرق الأمر سنوات».

 

هنا خلف هذا الباب الموصد ترقد لاعبة منتخب لبنان نتيجة إصابتها (الشرق الأوسط)

 

أما والدها عباس حيدر، فيصف وضعها بالمستقر دون تحسُّن كبير. يحكي عن شظية حديد أصابت رأسها نتيجة القصف الإسرائيلي، مما تسبب بكسر في الجمجمة ونزف داخلي أدى إلى دخولها في غيبوبة. ويشيد والدها بدعم الاتحاد اللبناني لكرة القدم قائلاً: «منذ اللحظة الأولى، لم يترك الاتحاد اللبناني لكرة القدم عائلة سيلين وحدها؛ قام رئيس الاتحاد السيد هاشم حيدر بتأمين نقلها من مستشفى سان جورج إلى مستشفى الروم، وتابع حالتها بشكل مباشر. الأمين العام للاتحاد جهاد الشحف، رغم غيابه عن لبنان، ظل على اتصال مستمر مع العائلة».

عباس يحاول جاهداً أن تتماسك أعصابه عند الكلام، يحكي ويفضفض لعله يخفف من وطأة الألم؛ فابنته المدللة وآخر العنقود بحالة فُرِضت عليها بسبب الحرب التي يعيشها لبنان منذ شهرين تقريباً، ويقول بحرقة: «سيلين تنتظر دعاء الجميع لتعود لحياتها وفريقها ومنتخب لبنان، وكي تعود أقوى، وتُتوَّج بلقب غرب آسيا، وترفع اسم لبنان، وسننتظرها لترفع علم لبنان مجدداً مع أصدقائها. هذا الجيل الذي يجب أن يبني لبنان وطناً حراً علمانياً بعيداً عن كل الطوائف والمذاهب التي خربت بلدنا».

زملاؤها في فريق أكاديمية بيروت كانوا أيضاً في صدمة كبيرة. ميشال أبو رجيلي، صديقتها وزميلتها في الفريق، قالت إنها لم تصدق في البداية أن إصابة سيلين خطيرة، لكنها أدركت حجم الكارثة بعد سماع الأخبار. تروي كيف أن سيلين كانت دائماً مبتسمة داعمة لزميلاتها ومحبة للحياة. تتذكر رسالتها في عيد ميلادها: «عقبال المليون دولار»، وتقول إنها تنتظر عودتها لتعيد البهجة إلى الفريق.

 

حلم اللاعبة الشابة بات ضحية الحرب (الشرق الأوسط)

 

مدربها في الفريق سامر بربري تحدث عن التزامها العالي وتطورها المذهل كلاعبة. انضمت إلى أكاديمية بيروت منذ ثلاث سنوات، وتدرجت من فريق دون الـ17 عاماً إلى ما دون الـ19. وحققت مع الفريق عدة بطولات، من بينها لقب بطولة الشابات في الموسم الماضي ولقب السيدات، وصفها بأنها قائدة بالفطرة، محترفة في الملعب، وضحكتها لا تفارق وجهها.

رغم الألم الذي تعيشه العائلة، لا تزال والدة سيلين تحتفظ بأمل كبير: «رسالتي للعالم أن سيلين ليست مجرد لاعبة، بل هي رمز لجيل يحب الحياة. أتمنى أن تنتهي الحرب، وأن نعيش أياماً أفضل. الشعب اللبناني لا ينكسر، وسيلين ستعود لتكمل حلمها وترفع علم لبنان مجدداً».

زملاء سيلين نظموا حملة تبرعات لدعم الناس المحتاجة، وأطلقوا دعوات للصلاة من أجل شفائها. الجميع ينتظر اللحظة التي تفتح فيها سيلين عينيها وتبتسم مجدداً، فكما قالت زميلتها ميشال إن الحياة تليق فقط بأولئك الذين يحبون الحياة كسيلين.


مقالات ذات صلة

بيروت تحتفل بـ«التناغم في الوحدة والتضامن»... الموسيقى تولّد الأمل

يوميات الشرق يهدف الحفل إلى تزويد اللبنانيين بجرعات أمل من خلال الموسيقى (الجامعة الأميركية)

بيروت تحتفل بـ«التناغم في الوحدة والتضامن»... الموسيقى تولّد الأمل

يمثّل الحفل لحظات يلتقي خلالها الناس مع الفرح، وهو يتألّف من 3 أقسام تتوزّع على أغنيات روحانية، وأخرى وطنية، وترانيم ميلادية...

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)

«كريسماس أون آيس» المُنتَظر... نجاةٌ بالأمل

حين غنّى آندي ويليامز «إنه أروع أوقات السنة»، صَدَق؛ وهذه الروعة تتجلّى بتعميم الجمال. فالفريق ذلَّل الصعاب، ولـ9 أشهر واصل التحضير.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)

من سيارة «ليرة» إلى «تاكسي طائرة»... هشام الحسامي شعارُه «صُنع في لبنان»

الشاب اللبناني المهندس هشام الحسامي موّلها بنفسه، وهي تسير بسرعة 130 كيلومتراً في الساعة، كما تستطيع قَطْع مسافة 40 كيلومتراً من دون توقُّف.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق كلارا ماي سلفيتي صوَّرت حياة الحقول البقاعية وبهجتها (حسابها الشخصي)

من لبنان إلى باريس... جائزة لـ«الحياة البسيطة والمُبهجة للحقول»

تُنتَج التقارير المصوَّرة في فرنسا أو خارجها، وفيها شهادات حيّة ونبض بشريّ. التمثيل ممنوع، وتحريف النصّ والسياق أيضاً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
الخليج الطائرة السعودية الإغاثية حملت مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)

قوافل الإغاثة السعودية تواصل التدفق إلى لبنان

واصلت قوافل الإغاثة السعودية التدفق إلى لبنان، إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

كاساس مدرب العراق: اليمن لم يكن سهلاً

كاساس خلال المؤتمر الصحافي (الشرق الأوسط)
كاساس خلال المؤتمر الصحافي (الشرق الأوسط)
TT

كاساس مدرب العراق: اليمن لم يكن سهلاً

كاساس خلال المؤتمر الصحافي (الشرق الأوسط)
كاساس خلال المؤتمر الصحافي (الشرق الأوسط)

قال الإسباني خيسوس كاساس، مدرب العراق، إن فوز فريقه على اليمن في بداية مشواره بكأس الخليج العربي لكرة القدم «خليجي 26»، التي تستضيفها الكويت، لم يكن سهلاً.

ووفقاً لـ«رويترز»، قال كاساس، خلال مؤتمر صحافي بعد المباراة: «كانت مباراة صعبة؛ لأن المنافس كان يدافع بكل خطوطه، كان مستواه الدفاعي جيداً، وأجنحة الفريق لم تتمكن من إكمال عملية المراوغة، لكننا في الشوط الثاني غيّرنا طريقة اللعب بزيادة عدد المهاجمين وتمكنّا من التسجيل».

وأضاف: «فزنا في النهاية، وهذا الفوز لم يكن سهلاً، وهذا شيء إيجابي للفريق... سنقوم بتحليل الأخطاء، اليوم، ودراسة اللقاء مرة أخرى من أجل الاستعداد للمباراة المقبلة».

وتابع: «كانت مباراة صعبة؛ لأن اليمن كان يدافع بشكل كامل، وكان علينا التأقلم مع طريقة لعب المنافس الذي لم يترك لنا أي مساحات».

وقال الجزائري نور الدين ولد علي، مدرب اليمن، لقناة «إيه تي في» الكويتية: «الأداء لم يكن مخيباً، لكن الواقع أننا تعرضنا لخسارة بسبب خطأ... سنقاتل حتى آخِر دقيقة (في البطولة)».