مدرجاتٌ خاوية، جماهيرٌ متناثرة وحالة من الصمت غير المعتاد في مباريات منتخب مصر لكرة القدم. رغم وجود نجوم من طراز محمد صلاح، وسماح الأمن بسعة شبه كاملة، يغيب المشجعون عن مواجهات «الفراعنة» البيتية في ظاهرة متكرّرة تجلّت مطلع تصفيات مونديال 2026.
لم يصدّق المدرّب البرتغالي روي فيتوريا ما رآه في مباراة جيبوتي لأنه كان ينتظر أن تمتلئ المدرجات عن آخرها في بداية مشوار تصفيات كأس العالم، حسب مدير المنتخب محمد خالد غرابة، الذي أكّد لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «حالة الغياب الجماهيري تسبّب ضيقاً كبيراً لدى إدارة المنتخب».
رغم البداية القوية في التصفيات الأفريقية بفوزين على جيبوتي (6-0) وسيراليون خارج أرضه (2-0)، دار الحديث بشكل أكبر حول مدرجات خاوية أصبحت مشهداً معتاداً في مباريات بطل القارة سبع مرّات.
على استاد القاهرة الذي تتسع مدرجاته لأكثر من 75 ألف متفرّج وكان يُعرف بـ«استاد الرعب»، إذ كان يغصّ سابقاً بالجماهير قبل ساعات من مباريات المنتخب، تناثر نحو خمسة آلاف مشجّع وسط حالة من الصمت غير المعتاد في أغلب فترات المباراة التي سجّل فيها صلاح، نجم ليفربول الإنجليزي، رباعية جميلة.
«فقدان الثقة»
يعبّر حازم إمام، نجم المنتخب الأسبق وعضو مجلس إدارة الاتحاد المصري، عن حزنه الشديد لهذه الظاهرة ويقول: «أي منتخب في العالم يلعب بصورة أفضل حين تسانده جماهيره في المدرجات. حين كنت لاعباً، كنا ننتظر مباريات المنتخب بفارغ الصبر لنرى 100 ألف مشجع في استاد القاهرة ليساندوا منتخب بلادهم دون التفكير في ألوان الأندية».
ويرى لاعب وسط الزمالك السابق أن فقدان الثقة هو السبب الرئيسي وراء الغياب: «أعتقد أنه مع النتائج الجيدة التي يحققها منتخب مصر في الفترة الأخيرة، ستعود الجماهير في المباريات المقبلة. أتمنى أن نحقق نتائج مميزة في كأس الأمم الأفريقية يناير (كانون الثاني) في ساحل العاج، وهذا سيعود بصورة إيجابية على الحضور».
وإذا كانت مباريات الدوري تشهد حضوراً جماهيرياً محدوداً بقرارات أمنية منذ سنوات عدة، إلا أن هذا الأمر يختلف في المباريات الدولية، حيث يسمح الأمن بحضور الجماهير بسعة شبه كاملة في مباريات الأندية في دوري أبطال أفريقيا وكأس الكونفدرالية، كما في مباريات المنتخب الرسمية والودية.
وفيما امتلأت مدرجات استاد القاهرة في مواجهة الأهلي والوداد المغربي في ذهاب نهائي دوري الأبطال في يونيو (حزيران) الماضي، أو قبلها في مباراة الأهلي والهلال السوداني، بدت المدرجات عينها خاوية تماماً في كل مباريات المنتخب المصري الأخيرة، باستثناء مواجهة السنغال في مارس (آذار) الماضي ضمن ذهاب الدور الحاسم من تصفيات مونديال 2022 التي أخفقت مصر في بلوغها.
«ظاهرة خطيرة»
ويرى لاعب المنتخب السابق والإعلامي راهناً أحمد حسام (ميدو) أن «هذه الظاهرة خطيرة للغاية، وقد يدفع المنتخب ثمنها مستقبلًا».
وأضاف: «في الماضي دفعنا ثمن الاستهتار بمباريات أمام فرق كنا نعتبرها صغيرة، وغياب الجمهور سيؤثر سلباً على المنتخب حتى لو كان المنافس سهلاً نظرياً».
واعتبر لاعب أياكس الهولندي وتوتنهام الإنجليزي السابق أن الأزمة تتمثل في ارتباط الجماهير بأنديتها بصورة أكبر من المنتخب، وهو مؤشر خطير «الجماهير تعاقب المنتخب بسبب خلافات أنديتها مع مسؤوليه أو مع اتحاد الكرة. المنتخب أهم من الجميع، وحالة الترابط التي كانت موجودة في الماضي يجب أن تعود مرة أخرى. لا بد أن ينسى الجمهور خلافات الأندية ويقف وراء منتخب مصر في أي ظروف».
وامتدت حالة الجفاء بين الجماهير والمنتخب إلى مبارياته الودية رغم قوتها أمام تونس في سبتمبر (أيلول) الماضي، وحتى في تصفيات كأس أمم أفريقيا أمام إثيوبيا.
«حالة استثنائية»
يفكّر الجمهور راهناً بصورة أكبر في مباريات الأندية، حسب القائد السابق لرابطة المشجعين محمد رفعت الشهير بـ«ريعو»، مشيراً إلى أن غياب الجماهير الذي امتد لأكثر من عشر سنوات أدى لخلق جيل جديد لا يهتم بحضور المباريات.
يضيف ريعو: «في الماضي، كانت مباريات المنتخب عيداً للجماهير. لكن الغياب الطويل والأزمات التي أحاطت بالمنتخب قلّلت من ارتباطها وأنشأت جيلاً جديداً غير مهتم بالحضور».
لكن جمال حمدون، أحد أشهر المشجعين في مصر يرى أن الأمر لا يعدو حالة استثنائية ستمرّ قريباً «رأينا في كأس الأمم الأخيرة الجماهير تسافر من مصر للكاميرون لحضور المباريات وتعود في اليوم نفسه. مع توالي المباريات والاقتراب من حلم الوصول لكأس العالم 2026، أعتقد أن المدرجات ستمتلئ من جديد، فالجمهور المصري لن يتأخر على الفراعنة حين يحتاجون لوجودهم في المدرجات».
يختم مدير المنتخب محمد غرابة متفائلاً: «بالتأكيد نرغب في عودة الجمهور في المباريات المقبلة لأنه عامل قوة لا غنى عنه. نتمنى أن يعود لمساندة المنتخب بأعداد كبيرة».