شهد نادي برشلونة خلال صيف 2024 بداية مشروع جديد بقيادة الألماني هانزي فليك، بعد موسم مخيّب مع تشافي هيرنانديز، لكن المدرب الجديد لم يكن سوى جزء من عملية إعادة هيكلة أوسع، فقد تعاقد النادي مع فريق كامل من مدربي اللياقة البدنية بقيادة خوليو توث، الذي سبق له العمل في أندية كبرى، مثل تشيلسي ويوفنتوس وإنتر ميلان، مع توقعات بأن تؤدي هذه التغييرات إلى رفع مستوى شدة التدريبات وتحسين الأداء البدني، مقارنة بما عدّته الإدارة قصوراً في مرحلة تشافي.
وعند وصوله، تحدث توث لوسائل إعلام النادي، مؤكداً أن منهجه التدريبي سيسهم في خفض الإصابات بنسبة قد تصل إلى 50 في المائة عبر إعداد العضلات تدريجياً لتحمّل التباطؤات وتغييرات السرعة، إلا إن الواقع كان مغايراً؛ إذ تعرّض 12 لاعباً للإصابة هذا الموسم، مقارنة بـ8 لاعبين في الفترة ذاتها من الموسم الماضي، وفق مصادر داخل غرفة الملابس تحدثت إلى شبكة «The Athletic».
ورغم أن عدد المباريات التي غاب عنها اللاعبون كان أقل، فإن زيادة عدد الإصابات أثّرت بشكل واضح على أداء الفريق وتوازنه.
وبعد مرور 13 مباراة في الدوري الإسباني، وجد برشلونة نفسه في المركز الثاني خلف ريال مدريد، مع تراجع حصيلة النقاط مقارنة بالموسم الماضي، فيما حصد الفريق 7 نقاط فقط من 4 مباريات في دوري أبطال أوروبا، مقابل 9 نقاط خلال الفترة نفسها الموسم الماضي.
وأسهمت هذه النتائج في زيادة الضغط على فليك، خصوصاً بعد خسارة الكلاسيكو الشهر الماضي. ورغم أن بعض الإصابات وُصفت بأنها «سوء حظ»، مثل إصابة الحارس خوان غارسيا بتمزق في الغضروف، فإن إصابات أخرى قد جاءت خلال المشاركة مع المنتخبات الوطنية، مثل إصابات لامين جمال وداني أولمو وروبرت ليفاندوفسكي، لكن مصادر عدة داخل النادي تشير بوضوح إلى مشكلات في مرحلة إعادة التأهيل التي تولّاها فريق توث بالكامل هذا الموسم، وهي المرحلة التي أثارت استياءً واضحاً لدى عدد من اللاعبين.
مثال ذلك ما حدث مع رافينيا، الذي تعرض لإصابة عضلية في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي أمام ريال أوفييدو. ورغم أن الإصابة بدت بسيطة، فإن مشكلة عضلية جديدة ظهرت قبل 4 أيام فقط من الكلاسيكو يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وذلك بعد انتكاسة أولى خلال فترة التوقف الدولي.
وتشير مصادر داخل غرفة الملابس إلى أن اللاعب خضع لحمل بدني مرتفع جداً خلال التأهيل؛ الأمر الذي ضاعف إصابته وأجّل عودته حتى المباراة الأخيرة أمام أتلتيك بلباو، حيث شارك لمدة 9 دقائق فقط. كما اشتكى لامين جمال، الذي يعاني من إصابة متكررة في العضلة الضامة، من طريقة تعامُل فريق توث مع برنامجه العلاجي. وبعد عودته من المنتخب الإسباني في سبتمبر الماضي، ثم تجدد آلامه بعد مواجهة باريس سان جيرمان، بقي اللاعب في برشلونة خلال فترة التوقف الدولي لاستكمال علاجه، لكن خلال تلك الفترة أخطر الإدارة بأنه غير راضٍ عن الإجراءات المتبعة، وطلب أن يتولى علاجه طاقم آخر داخل النادي، وهو ما وافقت عليه الإدارة.
الأمر لم يقتصر على ذلك؛ فقد تعرّض الظهير الأيسر أليخاندرو بالدي لإصابة عضلية خلال فترة التوقف الدولي، رغم عدم استدعائه إلى المنتخب.
وتفيد مصادر مقربة بأن الإصابة حدثت بعد استخدام جهاز تدريبي بطريقة خاطئة؛ نتيجة توجيه غير دقيق من أحد أفراد الطاقم البدني الجديد. كما أكدت مصادر أخرى أن لاعبين إضافيين عبّروا عن عدم رضاهم عن برامج إعادة التأهيل.
هذه الأخطاء، إلى جانب الانتكاسات المتكررة، أثارت غضب هانزي فليك، الذي رأى أن الأزمة بدأت تهدد تماسك الفريق. وبعد إصابة بيدري بتمزق عضلي في الكلاسيكو، اتخذ النادي قراراً بإبعاد فريق توث عن مهام «إعادة التأهيل»، وإعادة توزيع المسؤوليات كما كانت في الموسم الماضي، وهو قرار قوبل بارتياح كبير داخل غرفة الملابس.
لكن ما كشفت عنه شبكة «The Athletic» هو وجود صراع داخلي صامت بين فريق توث القادم في 2024، وأفراد الطاقمين الطبي والبدني السابقين للنادي، وامتد الخلاف إلى حد تقديم تقارير طبية متناقضة للمدرب في بعض الحالات. ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تلقى فليك تقريرين متعارضين بشأن جاهزية فيران توريس قبل مباراة أولمبياكوس في دوري أبطال أوروبا؛ مما اضطره إلى اتخاذ قرار شخصي بإدراج اللاعب في القائمة، دون إشراكه.
كما شهدت حالة غافي خلافاً مشابهاً بشأن طريقة التعامل مع إصابته في الغضروف؛ إذ رأى بعض أفراد الطاقم ضرورة التدخل الجراحي المبكر، فيما فضّل آخرون اتباع العلاج التحفظي، قبل أن يلجأ النادي لاحقاً إلى الجراحة بعد تفاقم المشكلة.
ورغم نفي برشلونة صحة بعض ما ورد في التقرير، واكتفائه بوصفه بأنه «معلومات جزئية وغير دقيقة»، فإن النادي لم يقدّم اعتراضات محددة على النقاط التي نشرتها «The Athletic». وقال النادي في بيان: «يواصل برشلونة العمل كما كان دائماً بالصرامة والوحدة والاحتراف من أجل الوقاية والعلاج، بما يخدم مصلحة الفريق طيلة الموسم».
هذه الأزمة الطبية، وتراجع المستوى الفني، وضعا فليك أمام تحدٍّ جديد يتعلق بإدارة العلاقات داخل جهازه الفني، بعد أن نجح خلال الأشهر الماضية في كسب ثقة اللاعبين بفضل أسلوبه في التعامل. ومع عودة لاعبين مؤثرين، مثل غارسيا ورافينيا إلى المشاركة، ستكشف الأسابيع المقبلة عن مدى نجاح المدرب الألماني في احتواء الأزمة وإعادة التوازن إلى الفريق.

