طُلب من الجميع أن يفتحوا المدافع الهوائية الصغيرة ويطلقوا قصاصات الورق الملونة بحذر وأن تُسكب زجاجات الشمبانيا بحذر مماثل، فهذه المباراة ستُذكر على الأرجح بسبب «ركضة إنزو» الشهيرة. فمع حلول الدقيقة الـ95، وبينما كان البديل البرازيلي الشاب إيستيفاو ويليان البالغ 18 عاماً يسجل هدف الفوز لتشيلسي قبل أن يتحول الصمت المشحون في أرجاء «ستامفورد بريدج» إلى هدير صاخب، وبحسب صحيفة «الغارديان» انطلق المدرب الإيطالي إنزو ماريسكا مسرعاً على خط التماس بسرعة مذهلة، يلوّح بذراعيه ويُعلي ركبتيه كما لو كان عدّاءً أولمبياً صغير الحجم يرتدي بزة رياضية، ثم قفز في أحضان لاعبيه وسط الجماهير.
كان ماريسكا حيوياً على نحو غير معتاد طوال المباراة، مرتدياً زيه الأزرق الضيق ومعطفه المنفوخ، أصلع الرأس لكنه لامع النظرة، يشبه «جيداي» عجوزاً في طريقه إلى صالة الألعاب الرياضية. وعندما تقدم تشيلسي في الشوط الأول، أخذ يُشعل المدرجات بيديه مطالباً بالمزيد من الضجيج والحماس، ولكن بإيماءات تحمل شيئاً من التحدي والاتهام في آن.
بعد ذلك عاد من بين الجماهير، قبل أن يُطرد بسبب اندفاعه على خط التماس في لحظة خروج عن المألوف من مدرب معروف بانضباطه التكتيكي. وغاب عن نهاية المباراة، ليحل مكانه أحد مساعديه ذوي الرؤوس الحليقة واللحى الكثيفة. وربما كانت الشائعات صحيحة بأنه واصل الركض خارج الملعب متجهاً إلى شارع «فولهام»، وربما وصل إلى «وايت تشابل» قبل أن تُغلق رشاشات المياه.
لكنّ هذه المباراة كانت محورية على عدة أصعدة، خاصة بالنسبة إلى ليفربول. فالفريق الذي بدا عصياً على السقوط طيلة عام كامل خسر الآن ثلاث مباريات متتالية، اثنتان منها في الدوري خلال أسبوعين، ولم يعد على قمة الترتيب للمرة الأولى منذ 24 سبتمبر (أيلول) 2024.
وجاءت الهزيمة بنتيجة 2-1 بمثابة تقرير شامل عن حال الفريق: قوته الواضحة، وثغراته المتكررة، ومعاناته الدائمة من الأخطاء الداخلية التي ترافق أداءه أسبوعاً بعد آخر.
هل هي أزمة؟ قد لا تكون كذلك، لكنها ليست وضعاً مطمئناً أيضاً. فالفوز بأداء سيئ في نهاية الموسم يمكن تبريره، أما حين يحدث ذلك في بدايته، فالمشكلة أعمق. ومع ذلك، فإن هذه «الأزمة» جذابة بطريقتها الخاصة، فالفريق ما زال يحافظ على توازنه بينما يعمل المدرب الهولندي آرنه سلوت جاهداً لإصلاح ما يمكن إصلاحه. ما يقلقه أن المدربين المنافسين بدأوا يكشفون أسرار منظومته التكتيكية تباعاً، كما فعل أوليفر غلاسنر الأسبوع الماضي، وماريسكا هذه المرة.
بدأت المباراة في أجواء باردة وغائمة، والرياح تتسلل من تحت القمصان. وقد جاء نجاح ماريسكا التكتيكي من فكرة بسيطة: إشراك مالو غوستو في وسط الميدان لتشكيل كتلة ضغط خانقة. فكلما تسلم أليكسيس ماك أليستر الكرة في العمق، كان غوستو يلاحقه كظله، مما حرم ليفربول من التحضير الهجومي منذ منبعه.
خلال أول 15 دقيقة لم يُسجَّل أي تهديد حقيقي من الطرفين، ثم جاء ما هو غير متوقع. إذ وجد مويسيس كايسيدو نفسه أمام مساحة خالية، تقدم بخطوتين إضافيتين، ثم سدد كرة صاروخية من خارج المنطقة استقرت في الزاوية العليا للمرمى، ارتطمت بالقائم المعدني واهتزت الشباك بقوة، في واحد من أجمل أهداف الموسم.
واصل تشيلسي المنهج نفسه، فيما بدا ليفربول عاجزاً عن خلق الفرص. فقد سدد مرتين فقط في الشوط الأول دون أي كرة على المرمى. وهذا تحديداً ما يثير حماس ماريسكا: «الاختناق التكتيكي» العالي المستوى.لقد نفّذ فريقه خطة «الخنق النخبوي» ببراعة تامة.
في المقابل، كشف الشوط الأول أيضاً سبب تعاقد ليفربول مع فلوريان فيرتس، إذ كان الفريق بحاجة إلى صانع ألعاب مختلف. دخل فيرتس بين الشوطين وصنع فوراً فرصة لمحمّد صلاح بلمسة فنية مميزة، لكن النجم المصري سدد الكرة خارج المرمى، كما فعل مراراً، حتى خُيِّل للمشاهدين أنه يلعب بحذاء سباحة لا بحذاء كرة قدم.
تحسّن ليفربول نسبياً، وقدم فيرتس لمحات جيدة، فيما بدأ تشيلسي في تبديل لاعبيه بوتيرة سريعة، وكأنه يُعيد تدوير عناصره واحداً تلو الآخر. ومع ذلك، تمكن كودي غاكبو من إدراك التعادل، لكن تشيلسي عاد بقوة في الدقائق الأخيرة بفضل تألق ريس جيمس الذي قدم أداء دفاعياً بطولياً. وفي النهاية استحق «البلوز» الفوز بجدارة، بينما بدا ليفربول تائهاً رغم امتلاكه وفرة من النجوم والطاقة المكبوتة.
ربما يكون هذا الوضع جيداً للدوري الإنجليزي نفسه: فليس من المنطقي أن يبقى فريق يعاني تكتيكياً على القمة، وأن يواصل التقدّم بفضل عمق تشكيلته فقط. فالمنافسة تحتاج إلى توازن وردود فعل متبادلة.
السؤال الآن: هل دخل ليفربول في أزمة فعلية؟ الجواب: ليست أزمة خانقة، لكنها نذير خطر. فالفريق يملك طاقات هائلة لم تُستثمر بعد، لكنه يعاني في بعض المراكز؛ أبرزها الظهير الأيمن الذي يؤثر بدوره على توازن الوسط. كما أن دخول فيرتس غيّر شكل الهجوم وأحدث فجوات خلفه. أشبه ما يكون بنظام معقّد تتراكم فيه الأعطال من صمام إلى آخر، حتى تفقد المنظومة توازنها الداخلي.
أما صلاح، فقد تراجع مستواه بصورة مقلقة. تعرض للعديد من العرقلات في المباراة، لكنه لم يبدُ قادراً على فرض حضوره الهجومي. ثلاثة أهداف فقط في 21 مباراة من اللعب المفتوح هي حصيلة ضئيلة لنجم بحجمه. لا يمكن القول إنه المشكلة، لكنه بالتأكيد ليس الحل في الوقت الراهن.
ليست أزمة كاملة، لكنها فرصة ثمينة لآرسنال وبقية المنافسين، وكذلك لسلوت نفسه كي يُعيد ضبط إيقاع فريقه ويعالج مشاكله التكتيكية سريعاً. فليفربول لا يزال يملك المقومات ليعود فريقاً هجومياً قوياً، وإن لم يكن صلباً تماماً. ومع توقف الدوري الدولي القادم، تبدو هذه الهزيمة كأنها بداية جديدة حقيقية للموسم.

