أحياناً لا يكون لكرة القدم أي منطق. بعد الانتقادات التي وُجِّهت لميكيل أرتيتا بسبب حذره المبالغ فيه في المباريات الكبيرة، قرر هذه المرة أن يكون أكثر جرأة في اختياراته، وبدا آرسنال بالفعل أكثر إقناعاً أمام نيوكاسل يونايتد. ومع ذلك، وجد الفريق نفسه متأخراً بهدف قبل 10 دقائق من النهاية. وبعد ربع ساعة فقط، كان يخرج من الملعب فائزاً 2-1 وفي جعبته 3 نقاط ثمينة.
«شعور لا يُصدَّق»، قالها المدرب الإسباني في المؤتمر الصحافي، مضيفاً: «هذه هي كرة القدم. عندما تنال ما تستحقه في اللحظات الأخيرة، لا يوجد شعور أفضل من ذلك» وذلك وفقاً لشبكة The Athletic.
تغييرات أرتيتا الجريئة؛ خصوصاً في خط الوسط، منحت الفريق بعداً مختلفاً. ديكلان رايس، ومارتن زوبيميندي، وإيبيريتشي إيزي، شكَّلوا ثلاثياً مختلفاً في طريقة اللعب؛ ليس فقط مقارنة بالمباريات أمام ليفربول ومانشستر سيتي حين لعب ميكيل ميرينو أساسياً؛ بل أيضاً مقارنة بأداء آرسنال في ملعب «سانت جيمس بارك» في الموسمين الماضيين. ففي موسم 2023- 2024 لم يسدد الفريق أي كرة على المرمى هناك، وفي الموسم التالي لم تتجاوز محاولاته الناجحة مرة واحدة في الدوري، وثلاث مرات حين خسر نصف نهائي كأس الرابطة. أما هذه المرة، فخلال نصف ساعة فقط أجبر إيزي الحارس نيك بوب على تصديين بارعين، وأصاب لياندرو تروسار القائم، وكان بوكايو ساكا يشكل خطورة متواصلة من الجهة اليمنى.
لكن كل ذلك كاد يضيع حين ارتكب كريستيان موسكيرا تمريرة خاطئة للخلف، تبعها تهاون من غابرييل في الرقابة، ليمنح نيك فولتماده فرصة التسجيل برأسية. ورغم أن آرسنال لعب بشكل أفضل مما قدمه أمام ليفربول وسيتي، فإنه وجد نفسه متأخراً من جديد. ومع قرار إلغاء ركلة الجزاء لفيكتور غيكرس، بدا القدر كأنه يعاند لاعبي أرتيتا.
المدرب شرح بعد اللقاء أن «فهم طبيعة المباريات هو العنصر الأساسي للفوز». وأكد أن هناك أموراً يمكن أن تكون غير متوقعة، مثل التشكيلة أو الرسم التكتيكي، ولكنَّ هناك أموراً ثابتة يجب الالتزام بها إذا أراد الفريق الفوز، مشيداً بكمية الفرص التي خلقها لاعبوه، وجودة أدائهم من البداية حتى النهاية.
أرتيتا كان قد عانى كثيراً في «سانت جيمس بارك» منذ تولي إيدي هاو تدريب نيوكاسل عام 2021. ففي مايو (أيار) 2022 تلقى خسارة مؤلمة بنتيجة 0-2، كانت بمثابة درس حول كيفية التعامل مع المباريات خارج الأرض. وفي الموسم التالي بدا أن العمل الذي أُنجز قد أتى بثماره؛ إذ تحسن الفريق كثيراً في مبارياته خارج ملعبه. لذلك، كان المدرب الإسباني حريصاً هذه المرة على التعامل مع أجواء الملعب الصاخبة بطريقة مختلفة، حتى إنه قال -قبل اللقاء- إنه تابع مباراة نيوكاسل الأخيرة في دوري الأبطال أمام برشلونة مع رفع الصوت، ليعيش التجربة كاملة؛ لأن «العامل العاطفي جزء أساسي من اتخاذ القرار».
جمالية انتفاضة آرسنال المتأخرة لم تكمن في الأهداف فقط؛ بل في قدرة الفريق على حل المشكلات التي واجهته خلال اللقاء، لا تلك التي استعد لها مسبقاً. وبعد حادثة ركلة الجزاء الملغاة، ظل اللاعبون هادئين، ثم جاءت التبديلات لتفتح سيناريوهات جديدة. فبدلاً من الاكتفاء بتغييرات متشابهة، غيَّر أرتيتا شكل الفريق.
دخول ميرينو وغابرييل مارتينيلي مكان ريكاردو كالاتشوري وساكا، كان بمثابة التخلي عن الرسم الأصلي. بعدها، أظهر رايس وإيزي براعة في تنفيذ ركنية قصيرة انتهت بتمريرة رايس ورأسية التعادل لزوبيميندي. وفي الوقت نفسه، أضاف مايلز لويس-سكيللي بعداً هجومياً جديداً، بعد دخوله مكان تروسار؛ إذ استغل تمريرة من أوديغارد ليصنع هجمة قادت إلى سلسلة من الركنيات انتهت بهدف غابرييل الحاسم.
في عطلة نهاية أسبوع شهدت تعثر ليفربول لأول مرة، كان يبدو أن آرسنال سيهدر الفرصة. ولكنه واصل القتال حتى النهاية، وانتزع فوزاً يشبه كثيراً انتصارات ليفربول هذا الموسم: صعبة، متأخرة، ولكن ذات قيمة معنوية كبيرة.
أرتيتا أقر بأن الفريق تعلَّم من تجارب الماضي، مؤكداً: «لكي نصعد إلى المستوى التالي، علينا أن نتعلم. مررنا بلحظات مختلفة وصعبة هنا، واليوم أثبت الفريق من نكون، وما طموحنا، والطريقة التي نريد أن نلعب بها. وقد فعلنا ذلك بشكل استثنائي».
كان الفوز بمنزلة استعراض للقوة الذهنية أكثر منه تفوقاً فنياً فقط، ورسالة بأن آرسنال لم يعد الفريق الذي ينهار عند أول اختبار صعب؛ بل بات قادراً على الصمود، والتكيف، وقلب الموازين، حتى في أكثر الملاعب صعوبة.










