عندما خسر مانشستر يونايتد أمام مانشستر سيتي 3 - 0 في الديربي قبل 10 أيام، واجه 13 تسديدة، ولم يتصدَّ لأي منها. لم يكن ذلك الرقم الأبرز في المباراة، لكنه كان كاشفاً. في مرتين فقط الموسم الماضي سمح فريق في الدوري الإنجليزي الممتاز بمرور هذا العدد الكبير من المحاولات: تشيلسي أمام فولهام، وولفرهامبتون أمام كريستال بالاس.
ووفق شبكة «The Athletic»، فتقليدياً يُحكَم على تصدي فريق للتسديدات من خلال نسبة المحاولات التي يتدخل اللاعبون لقطعها. لكن ليست كل عمليات التصدي متساوية. فالتدخل الحاسم لإنقاذ هدف من مسافة قريبة أكثر قيمة من إيقاف تسديدة بعيدة غير خطيرة. لفهم أفضل لطريقة كل فريق في التصدي للتسديدات وما يكشف عنه ذلك من أسلوب لعبه، نظرت صحيفة «The Athletic» بدلاً من ذلك إلى «القيمة المتوقعة للأهداف (إكس جي)»، وإلى التسديدات التي جرى التصدي لها بوصفها نسبة من إجمالي «إكس جي» المستقبَلة.
في الموسم الماضي، تصدى مانشستر يونايتد لـ10.7 في المائة فقط، بانخفاض حاد عن السنوات السابقة، وهو أدنى معدل في الدوري.
في المقابل، جعل برينتفورد ونوتنغهام فورست من التصدي نقطة قوة دفاعية، حيث تصدرا القائمة، وفي الوقت نفسه حدّا من فرص الخصوم، لتكون الأضعف في المتوسط، وفقاً لـ«مقياس الأهداف المتوقَّعة لكل تسديدة مستقبَلة».
جزء من ذلك يعود للأسلوب. خذ برينتفورد مثالاً، فقد قضوا، وفقاً لـ«فوت فيجين» النسبة الكبرى من الوقت دون استحواذ، متمركزين في كتلة دفاعية منخفضة. فرق مثل هذه تقف عميقاً وتسمح بمزيد من التسديدات، فقط ساوثهامبتون سمح بتسديدات أكثر من 647 تسديدة استقبلها برينتفورد، ولكن لأنهم مصطفّون بكثافة خلف الكرة، فإن قليلاً منها يأتي بشكل نظيف.
أما ليفربول، بطل الموسم الماضي، فيقع في الطرف المقابل. فقد جاء ترتيبه الثاني في الأسوأ للتصدي الموسم الماضي، لكنه امتلك ثاني أفضل دفاع في الدوري خلف آرسنال، حيث استقبل 41 هدفاً فقط. يُظهر ليفربول أن التصدي مفيد، لكن منع حدوث التسديدات من الأساس أكبر أهمية.
وللإنصاف، فإن قدرة مانشستر يونايتد على تقليل التسديدات تحسنت بشكل كبير تحت قيادة روبن أموريم. فالموسم الذي سبق وصوله، استقبل يونايتد 667 تسديدة، وهو رقم قياسي في تاريخه بالدوري الممتاز. تركيز أموريم على أسلوب أعلى منهجية، مع بناء اللعب ببطء من الخلف، وأمان إضافي بوجود مدافع ثالث، ساعد في إحكام دفاعهم. لكنهم ليسوا آمنين دفاعياً بما يكفي لتجاهل ضعفهم في التصدي.
الأمر لا يتعلق بعدد التسديدات التي تمر فحسب، بل بمكان انطلاقها أيضاً. داخل منطقة الجزاء، تصدى يونايتد لأقل من 10 في المائة من الـ«إكس جي» المستقبَلة، وهو أدنى معدل في الدوري الموسم الماضي.
بشكل عام، تقل نسب التصدي هنا، حيث يكون المهاجمون غالباً في وضع يسمح بإنهاء قريب من المرمى يصعب إيقافه. لكن عندما يتمكن المدافعون من التدخل، تكون القيمة كبيرة جداً: فالتسديدات التي يُتصدى لها داخل المنطقة تحمل نصف قيمة الأهداف المتوقعة مقارنة بـ«التسديدات النظيفة».
وعند التدقيق أكثر، جاء أكبر تراجع لهم في مركز منطقة الجزاء، حيث تصدوا لـ7 في المائة فقط من الـ«إكس جي» المستقبَلة. وهو أمر غير منطقي؛ إذ إن وجود مدافع إضافي من المفترض نظرياً أن يوفر حماية أكبر هناك. لكن أموريم يفرض متطلبات أكبر على قلوب الدفاع. فمع تقدم الأظهرة الجانبية، يضطر المدافعون الخارجيون إلى التحرك بعرض الملعب والدفاع عن مساحات أوسع بكثير. وهذا يترك فجوات كبيرة لاستغلالها، خصوصاً في الهجمات المرتدة مع ترك الأظهرة متقدمة. يوضح المثال أدناه لقطة أمام تشيلسي الموسم الماضي، حيث انطلق نوني مادويكي بين خط دفاع يونايتد الممدود ليمرر لكول بالمر تمريرة خطيرة وسهلة. في نظام أعلى تقليدية بوجود قلبَي دفاع، ربما كانوا سيحافظون على خط أضيق ويدفعون اللعب إلى الأطراف.
يونايتد أفضل حالاً خارج المنطقة، حيث جاء ترتيبه أعلى من سيتي وتشيلسي وليفربول. لكن ليفربول يثبت أن التصدي من بعيد ليس ضرورياً: فقد جاء في المركز الأخير بهذا المقياس في 4 من المواسم الخمسة الماضية، ومع ذلك بقي واحداً من أنجح الفرق في الدوري.
تشير تحليلات سابقة إلى أن نهج ليفربول مقصود؛ إذ يغري الخصوم بالتسديد من بعيد، ويقبل هذه المحاولات ضعيفة القيمة مقابل استعادة الكرة بسرعة. كما أن التسرع في التصدي قد يعوق رؤية الحارس، أو يحرف الكرة نحو المرمى، أو يتسبب في ارتدادها إلى منطقة أعلى خطورة.
وكما يشير مايكل كوكس، فإن ذلك يعكس أيضاً أسلوب قلب الدفاع فيرجيل فان دايك. فبدلاً من الاندفاع، فإنه يوجّه المهاجمين نحو مناطق يمكنهم التسديد منها بالفعل، لكن من مواقع أقل خطورة.
مثال لا يُنسى جاء في تعادل ليفربول 1 - 1 مع سيتي في مارس (آذار) 2024، فبدلاً من الاشتباك، رافق فان دايك إيرلينغ هالاند خطوة بخطوة، وعندما وجد المهاجم أخيراً مساحة، تصدى الحارس كاويمهين كيليهر لتسديدته بسهولة.
بعيداً عن دفاع فان دايك، فإن فكرة أن التسديدات البعيدة يمكن تركها دون اعتراض لأنها منخفضة القيمة المتوقعة، غير دقيقة. فقيمتها تبقى منخفضة جزئياً بفضل وجود المانعين؛ وبإزالتهم، يرتفع التهديد.
على العكس، لا يقبل آرسنال، المنافس على اللقب، مثل هذه المجازفات مع التسديدات البعيدة. في الموسم الماضي، تصدوا لنحو نصف الـ«إكس جي» من خارج المنطقة، وهو أعلى معدل لأي فريق خلال المواسم الـ7 الماضية.
ميكيل أرتيتا مدرب دقيق لا يترك شيئاً للصدفة، وهذا النهج «العدواني» ليس استثناء. وقد قال لشبكة «سي بي إس سبورتس» العام الماضي: «لا يمكنك أن تسمح للاعبين بالتسديد نحو مرماك. علينا منع كل سيناريو محتمل قبل حدوثه».
ويظل هذا الشغف بإغلاق المساحات خارج المنطقة قوياً هذا الموسم. ها هو ميكيل ميرينو يندفع للإغلاق على نيكو ويليامز أمام فورست الشهر الماضي، رغم أن آرسنال كان متقدماً 3 - 0 في الوقت بدل الضائع.
قد تكون اللعبة قد تطورت، لكن الدفاع التقليدي القائم على «الأجساد في الخط» ما زال جزءاً أساسياً من كرة القدم الإنجليزية؛ إذ يتصدر الدوريُّ الإنجليزي باستمرار نسبَ التصدي، مقارنة ببقية الدوريات الأوروبية الأربعة الكبرى، بنسبة تصل إلى نحو 18 في المائة من التسديدات.
آرسنال تبنى هذا النهج. ليفربول ابتعد عنه. ومانشستر يونايتد يقف في منطقة وسطى مربكة. إنها مشكلة يدركها أموريم جيداً. قبل الفوز على تشيلسي الأسبوع الماضي، قال للصحافيين إن يونايتد «بحاجة إلى أن يكون أكثر عدوانية داخل منطقتي الجزاء». ويرجع ذلك جزئياً، على حد قوله، إلى أن الفريق ما زال يتأقلم مع تكتيكاته، لكنه أضاف: «أحياناً يكون الأمر عقلياً؛ الطريقة التي تندفع بها إلى منطقة الجزاء لتسجيل هدف، أو لتغطية مرماك... في بعض الأحيان يتعلق الأمر بالعقلية أكثر منه بمسألة تكتيكية».
إصلاح هذه العقلية يبدو خطوة سهلة ليونايتد وهو يحاول قلب أوضاعه.

