من المعروف أن كوبي ماينو ليس من نوعية اللاعبين الذين يُطلقون العنان لعواطفهم ومشاعرهم، لدرجة أنه عندما لوّح بذراعيه لتشجيع الجماهير خلال استبداله في نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2024، تعرّض لمزاح خفيف من زملائه في منتخب إنجلترا في غرفة خلع الملابس بعد ذلك. وبالنسبة لكثير من المديرين الفنيين الذين عملوا مع ماينو على مدار مسيرته الكروية، فإن هدوءه داخل الملعب وخارجه هو أكثر ما يميزه. وبالتالي، يُشير هذا إلى أن قراره بطلب انتقاله على سبيل الإعارة من مانشستر يونايتد في الأيام الأخيرة من فترة الانتقالات الصيفية الماضية لم يكن قراراً سهلاً على الإطلاق.
لقد ضغط ماينو وممثلوه من أجل التحدث مع المدير الفني لمانشستر يونايتد، روبن أموريم، ومدير الكرة جيسون ويلكوكس؛ بسبب مخاوف من أن قلة مشاركاته في المباريات تعيق تطوره وتقلص فرص مشاركته في كأس العالم الصيف المقبل. لقد لعبت الإصابات دوراً في ابتعاده عن المباريات، لكن منذ تعيين أموريم على رأس القيادة الفنية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شارك لاعب خط الوسط، البالغ من العمر 20 عاماً، في التشكيلة الأساسية في 12 مباراة فقط من أصل 30 مباراة لعبها مانشستر يونايتد في الدوري الإنجليزي الممتاز. وحتى الآن هذا الموسم، لعب لمدة 90 دقيقة في الهزيمة المفاجئة في كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة أمام غريمسبي تاون، و45 دقيقة ضد بيرنلي. وبالتالي، كان من المنطقي تماماً أن يغيب ماينو عن قائمة المنتخب الإنجليزي التي أعلنها توماس توخيل أخيراً.
وقبل بضعة أشهر، كان يُنظر إلى ماينو - حسب روب داوسون على موقع «إي إس بي إن» - على أنه مستقبل نادي مانشستر يونايتد ومنتخب إنجلترا. لكنه الآن أصبح لاعباً مهمشاً في كل من النادي والمنتخب، ويواجه أول مفترق طرق في مسيرته الكروية الواعدة. برز اسم ماينو في فبراير (شباط) 2023، عندما التقطت الكاميرات المدير الفني لمانشستر يونايتد آنذاك، إريك تن هاغ، وهو يتحدث مع اللاعب الشاب غير المعروف نسبياً، خلال احتفالات الفريق بالفوز بنهائي كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة أمام مانشستر سيتي.
وكان ماينو قد ظهر لأول مرة مع الفريق الأول وهو في الـ17 من عمره في يناير (كانون الثاني) السابق. وعلى ملعب «ويمبلي»، كان تن هاغ منشغلاً بإخباره بأنه على الرغم من عدم جلوسه على مقاعد البدلاء في المباراة التي فاز فيها الفريق على نيوكاسل بهدفين دون رد، «فإن وقته سيأتي». كان المدير الفني الهولندي محقاً تماماً. ففي يوليو (تموز)، تألق ماينو في مباراة ودية استعداداً للموسم الجديد ضد آرسنال في نيويورك. وفي نوفمبر، ظهر لأول مرة في الدوري الإنجليزي الممتاز ضد إيفرتون على ملعب «غوديسون بارك»، وتم اختياره أفضل لاعب في المباراة. وبحلول ديسمبر (كانون الأول)، أصبح لاعباً أساسياً في الفريق، وبدءاً من 26 ديسمبر 2023 وحتى نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي ضد مانشستر سيتي في مايو (أيار) 2024، لم يبتعد عن التشكيلة الأساسية إلا في مباراة واحدة من أصل 26 مباراة لمانشستر يونايتد.
وخلال هذه الفترة، سجَّل ماينو أهدافاً لا تُنسى ضد ولفرهامبتون - مسجلاً هدف الفوز في الوقت بدل الضائع بعد مجهود رائع - وضد ليفربول، وهو الهدف الذي جاء من لمسة رائعة وإنهاء متقن. وتوج ماينو مجهوده بإحراز هدف في مرمى مانشستر سيتي في نهائي الكأس، وهو ما أقنع المدير الفني للمنتخب الإنجليزي آنذاك، غاريث ساوثغيت، بضمه للقائمة المشارِكة في نهائيات كأس الأمم الأوروبية، على الرغم من تلقيه أول استدعاء لمنتخب تحت 21 عاماً في مارس (آذار) فقط.
وبالنسبة لكثيرين في مانشستر يونايتد، كان هذا بمثابة إنجاز على أرض الواقع لما كان متوقعاً دائماً من هذا اللاعب الشاب المميز. انضم ماينو إلى مانشستر يونايتد وهو في سن التاسعة، وكان لاعباً أساسياً في فريق النادي تحت 18 عاماً وهو في سن 16 عاماً فقط. وكان ثاني أصغر لاعب في الفريق الذي فاز بكأس الاتحاد الإنجليزي للشباب في عام 2022، والذي كان يضم أيضاً أليخاندرو غارناتشو. وفي صيف عام 2023، سُمح للاعبَي خط الوسط تشارلي سافاج وزيدان إقبال - وهما أكبر سناً، ومن الناحية النظرية أكثر خبرة - بالرحيل لأن ماينو كان بالفعل أكثر تطوراً منهما. وفي مرحلة ما، اضطر مانشستر يونايتد إلى بذل جهد كبير لإبعاد ماينو عن إغراءات مانشستر سيتي خلال سعيهما لضم أفضل اللاعبين الشباب في المنطقة.

أجرى مانشستر يونايتد تحسينات على قطاع الشباب، وعُدّ بقاء ماينو دليلاً على نجاح عملية التجديد. وبعد تصعيده للفريق الأول وانضمامه لمنتخب إنجلترا، أصبح ماينو يمثل قصة نجاح لأكاديمية الناشئين بالنادي. وخلال جولة الفريق استعداداً لموسم 2024، صرّح توم هيتون، وهو خريج آخر من أكاديمية مانشستر يونايتد، بأن ماينو «سيكون جزءاً أساسياً من هذا النادي لفترة طويلة». لذا، كان من غير المعقول أن تُطرح تساؤلات جدية بعد عام واحد حول فرص بقائه في النادي! (تم استدعاء توم هيتون حارس مرمى مانشستر يونايتد للمشاركة في يورو 2024. هيتون لم يوجد في القائمة لاعباً، ولكنه وُجد بالجهاز الفني المساعد لغاريث ساوثغيت مدرب حراس مرمى. صاحب الـ39 عاماً لم يعلن اعتزال كرة القدم حتى الآن).
غير مرغوب فيه تحت قيادة أموريم
بدأ ماينو مباراتين من أول 4 مباريات لأموريم في الدوري، حيث خصص المدير الفني البرتغالي وقتاً لإلقاء نظرة فاحصة على كل لاعب في التشكيلة التي ورثها من تن هاغ. ومنذ ذلك الحين، ظل ماينو خارج التشكيلة الأساسية في أغلب الأحيان. ويتمثل جزء من المشكلة في طريقة لعب 3 – 4 – 3 التي يعتمد عليها أموريم، وإيجاد مكان لماينو فيها. لقد جرّب المدير الفني البرتغالي ماينو بوصفه واحداً من لاعبي خط الوسط المدافعين وصانع ألعاب، كما دفع به في مركز المهاجم الوهمي. وكان من اللافت للنظر أنه مع نهاية الموسم الماضي، لم يبدأ ماينو أساسياً في إحدى مباريات مانشستر يونايتد في الأدوار الإقصائية بالدوري الأوروبي. وفي المباراة النهائية أمام توتنهام، تم إشراكه بديلاً في الدقيقة الأخيرة.

وأفادت مصادر لشبكة «إي إس بي إن» بأن ماينو بدأ يشعر بالقلق بشأن مستقبله مع مانشستر يونايتد منذ يناير الماضي. وقد طلب ماينو النصيحة من لاعب سابق بعد انتشار أنباء عن استعداد النادي لتلقي عروض له ولغارناتشو في فترة الانتقالات الشتوية، نظراً لأن بيع خريجي أكاديمية الناشئين يُسجَّل ربحاً صافياً ويساعد النادي كثيراً على الالتزام بقواعد الربح والاستدامة في الدوري الإنجليزي الممتاز. لكن لم ينتابه قلق شديد بشأن قلة مشاركاته في المباريات إلا قرب نهاية فترة الانتقالات الصيفية، لدرجة أنه طلب بالفعل الرحيل.
رفضت مصادر مقربة من ماينو التقارير التي تفيد بأنه طلب الرحيل بشكل دائم، وأصرَّت على أنه كان يبحث فقط عن انتقال مؤقت يمكن أن يساعد على إقناع توخيل بضمه مجدداً إلى قائمة المنتخب الإنجليزي. وتقدَّم نابولي بعرض للتعاقد معه على سبيل الإعارة، لكن مانشستر يونايتد رفض، على الرغم من وجود احتمال بعودة النادي الإيطالي لمحاولة التعاقد معه في يناير المقبل، إذا لم يتغير وضع ماينو. سيحتاج مانشستر يونايتد إلى بديل، وهو أمر يصعب القيام به دائماً في منتصف الموسم.
وقَّع ماينو عقداً جديداً في عام 2023 يربطه بمانشستر يونايتد حتى عام 2027، مع وجود بند يتيح تمديد التعاقد حتى عام 2028. كانت هناك محادثات أولية بعد كأس الأمم الأوروبية 2024 لمناقشة زيادة في الراتب تعكس مكانته المتزايدة بعد البطولة التي أُقيمت في ألمانيا. ومع ذلك، تعثَّرت تلك المفاوضات في ظل حرص النظام الجديد - بقيادة المالك المشارك السير جيم راتكليف - على مراقبة فاتورة الأجور من كثب.
تاريخ مانشستر يونايتد العريق
مع اللاعبين الشباب في خطر
أثار وضع ماينو تساؤلات أوسع حول أكاديمية الناشئين بمانشستر يونايتد. فعلى مدار أكثر من 85 عاماً، كان لدى النادي خريج واحد على الأقل من أكاديمية الناشئين في قائمة الفريق لكل مباراة، وهي السلسلة التي تمتد لأكثر من 4300 مباراة ويعود تاريخها إلى أكتوبر (تشرين الأول) 1937. وعندما احتفل مانشستر يونايتد بالمباراة رقم 4 آلاف ضد إيفرتون في ديسمبر 2019، كان هناك 7 من خريجي الأكاديمية في القائمة، هم: ماركوس راشفورد، وسكوت مكتوميناي، وجيسي لينغارد، وماسون غرينوود، وأكسل توانزيبي، وأندرياس بيريرا، وبراندون ويليامز. لكن في المباراة التي فاز فيها مانشستر يونايتد على بيرنلي بـ3 أهداف مقابل هدفين قبل فترة التوقف الدولي الحالية، كان ماينو هو اللاعب الوحيد في القائمة من خريجي أكاديمية الناشئين!

يُقال لكل مدير فني لمانشستر يونايتد، خلال المقابلة الشخصية معه، إن مهمته هي «الفوز بالبطولات والألقاب، ولعب كرة قدم هجومية، وتصعيد لاعبين من أكاديمية الناشئين». قد يواجه أموريم رد فعل عنيفاً من الجماهير إذا أصبح هو المدير الفني الذي يوقف هذا الرقم القياسي، مع أنه قد يُجادل بأن قواعد الربح والاستدامة، التي تُحفز الفرق على بيع لاعبيها المحليين، قد قلصت خياراته: كان من الممكن أن يشارك كل من دين هندرسون، وسكوت مكتوميناي، وأنتوني إيلانغا، وألفارو فرنانديز كاريراس مع الفريق الأول لو لم يرحلوا عن النادي قبل مجيء أموريم. ومع ذلك، وبينما يعاني أموريم لتحسين سجله بعد بدايته الصعبة، فمن المؤكد أنه لا يرغب في أن يصبح أول مدير فني منذ نحو 9 عقود يختار فريقاً دون لاعب واحد من خريجي أكاديمية الناشئين. وإذا رحل ماينو، فقد يحمل معه جزءاً من تاريخ مانشستر يونايتد!










