في شوارع مدينة زفوله الهولندية، كان شاب في التاسعة عشرة من عمره يكدّ في عمله بين ترتيب الرفوف وتشغيل ماكينة الدفع في سوبر ماركت «ألدي». لم يكن المارة ليتخيلوا أن هذا الفتى، تيغاني رايندرز، سيقف بعد سنوات قليلة على أرضية «سان سيرو» بقميص ميلان، قبل أن يحط رحاله في مانشستر سيتي بصفقة قيمتها 45 مليون جنيه إسترليني.
وحسب شبكة «The Athletic»، فإن رايندرز، البالغ اليوم 27 عاماً، نشأ في عائلة كروية؛ والده مارتن لعب 250 مباراة محترفة، وحرص على أن يعرف أبناؤه معنى «الحياة الطبيعية» بعيداً عن كرة القدم. لذلك شجعهم على العمل في وظائف عادية. فبينما كان تيغاني يعمل في «ألدي»، اشتغل شقيقه الأصغر إليانو في «ليدل». كانت والدتهما أنجيلينا هي من دفعت بهما إلى التقديم للعمل، وأصرّت أن يخوضا التجربة.
مع صديقيه باس فان فيينين وستاين فان آرك، كان يقسّم وقته بين التدريبات مع بي إي سي زفوله، والعمل خلف الرفوف. هذه التجربة زرعت بداخله تواضعاً وإصراراً على أن يجعل من كرة القدم مسيرته الوحيدة.
بدأ رايندرز في فريق «دابليو في إف» المحلي، حيث برزت موهبته مبكراً. رغم بنيته الصغيرة آنذاك، كان يمتلك فطنة تكتيكية ومهارة فنية لافتة. انتقل بعدها إلى تفينتي، قبل أن يعود إلى فريق الهواة الذي كان يدربه والده. ومع بلوغه 19 عاماً، شارك لأول مرة مع الفريق الأول لزفوله، ثم فجّر موهبته لاحقاً مع إي زد ألكمار، حيث لفت أنظار أندية أوروبا الكبرى.
في صيف 2023، اختار ميلان على حساب برشلونة، ليعيش حلم طفولته مرتدياً قميص النادي الذي مثّله أساطير مثل كاكا ورونالدينيو. هناك تألق بشدة، وحصد جائزة أفضل لاعب وسط في الدوري الإيطالي بتسجيله 15 هدفاً. ومن ميلان، كانت الخطوة التالية إلى مانشستر سيتي، حيث يبحث بيب غوارديولا عن خليفة لكيفين دي بروين.
رغم الشهرة، ظل تيغاني مرتبطاً بجذوره؛ ما زال في مجموعة «واتساب» مع ستة من أصدقائه القدامى، يزور مدينته باستمرار ليصطحب شقيقته الصغرى من المدرسة، وهو متزوج بصديقته منذ الطفولة مارينا، وله طفل اسمه كساڤين، وكلبه المفضل «ميسي» (من نوع بومسكي) يحمل اسم أسطورته الكروية. قصصه العائلية تعكس بساطته. حتى أول استدعاء لمنتخب هولندا ذهب إليه بسيارة والدته. لم يرَ في الأمر أي حرج، بل عدّه أمراً طبيعياً.
أصدقاؤه القدامى يتذكرون هدفاً مذهلاً سجله بحركة «الدراجة» الشهيرة، وهو في الثامنة من عمره، في حين معلمته في المدرسة الابتدائية ما زالت تحتفظ بصورة له بابتسامته العريضة، وتقول: «قلت له يوماً إنه سيصبح لاعباً محترفاً. وطلبت توقيعه. كتب اسمه لي، لكن للأسف فقدت الورقة... أما ابتسامته فهي كما هي».
اليوم، بعد 25 مباراة دولية مع هولندا، وجائزة فردية في إيطاليا، وانتقال إلى أحد أكبر أندية العالم، يبقى تيغاني كما عرفه الجميع: «شاب عادي، بموهبة استثنائية».
