مع إغلاق نافذة الانتقالات الصيفية في الدوري الإنجليزي الممتاز، بدا المشهد وكأنه فصل جديد من فصول الجنون الكروي الذي اعتاد عليه عشاق «البريميرليغ»، لكنه في هذا العام حمل طابعاً استثنائياً. الأندية بحسب شبكة «The Athletic»، أنفقت أكثر من 3.11 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل 4.2 مليار دولار، في صفقات توزَّعت بين تدعيمات هجومية ودفاعية، وصفقات مستقبلية، ورهانات محفوفة بالمخاطر.
المليارات تحرَّكت في سوق لم تعرف الهدوء يوماً، لكن ما جعل نافذة 2025 مختلفة لم يكن المال وحده، بل كانت قصص اللاعبين الذين رفضوا الاستسلام وفرضوا رحيلهم، والأندية التي تلاعبت بالقوانين المالية، والمدربين الذين وجدوا أنفسهم بين مَن حصل على كل ما يريد، ومَن تُرك وحيداً في مواجهة فراغات يصعب تعويضها.
كان المشهد الأبرز يتمثل في سلوك اللاعبين أنفسهم. ألكسندر إيزاك صار عنواناً لطريقة جديدة في الضغط، حين أصرَّ على الرحيل عن نيوكاسل متحدياً إدارته، ليحصل في النهاية على الانتقال الذي أراده.
هذه الخطوة فتحت الباب أمام نقاش واسع بين المحللين، حول ما إذا كانت كرة القدم ستشهد موجة جديدة من الإضرابات العلنية، حيث يختار اللاعب الامتناع عن اللعب والتدريب ليفرض شروطه. هناك مَن رأى أن الأمر حتمي، فالأندية نفسها تتعامل دون رحمة مع اللاعبين حين تراهم فائضاً عن الحاجة، وبالتالي لم يعد غريباً أن يرد اللاعب بالمثل. وهناك مَن أشار إلى أن هذا الأسلوب ليس جديداً، بل يعود إلى التسعينات مع حالات مشابهة، لكن نجاح إيزاك سيغري آخرين بتقليده.
في المقابل، طرح البعض جانباً قانونياً مهماً يتعلق بالمادة 17 من لوائح «فيفا»، التي تسمح بفسخ العقد من طرف واحد بعد 3 سنوات، مع دفع تعويض أقل من القيمة السوقية، مؤكدين أن لاعباً ما سيجرؤ على استخدامها قريباً.

النافذة حملت أيضاً أسماء بدت مرشحة لإحداث تأثير فوري. جماهير أستون فيلا تنتظر كثيراً من هارفي إليوت، الذي وُصف بأنه صفقة جاهزة للاندماج السريع مع الفريق. تشيلسي يترقب بروز جواو بيدرو القادم من برايتون ليبني على انطلاقته الواعدة. إيفرتون بدأ يرى في جاك غريليش بطلاً جماهيرياً سريعاً، بينما واصل غرانيت تشاكا إثبات قيمته لاعباً ذا خبرة، بعدما انتقل إلى سندرلاند ليمنح مشروعه الطموح دفعة معنوية. وبالمثل، فإن إيزاك نفسه يمثل صفقة قادرة على صناعة الفارق مباشرة حيثما يلعب، في حين برزت أسماء شابة مثل المدافع كويليندشي هارتمن في بيرنلي بوصفه رهاناً مستقبلياً مهماً.
لكن في المقابل، هناك صفقات لم تثمر بعد وربما تحتاج إلى وقت طويل قبل أن تبرر تكلفتها. المهاجم السلوفيني بنجامين سيسكو في مانشستر يونايتد لم يقدِّم ما كان متوقعاً، إذ بدا بعيداً عن الإيقاع في بداية الموسم، وهو ما فُسر بالتحضيرات غير المثالية والفوضى التي يعيشها النادي نفسه. في وست هام، يتوقع كثيرون أن يتألق المدافع السنغالي الحاج مالك ضيوف مستقبلاً، لكن الفريق المحيط به قد يحد من قدراته مؤقتاً.
برايتون استثمر في المهاجم اليوناني الشاب كوستولاس بمبلغ كبير، لكن العائد لن يظهر إلا بعد سنوات من الصقل والخبرة. وحتى مانشستر سيتي لم يسلم من علامات الاستفهام، بعدما تراجع الحارس جيمس ترافورد عن الواجهة عقب التعاقد مع دوناروما، في خطوة عكست التخبط في استراتيجية حراسة المرمى.
أما الأسعار، فكانت حديث الساعة. كثيرون أجمعوا على أن جميع الأندية دفعت أكثر مما يجب. بعض الصفقات بدت مبالغاً فيها على نحو صارخ، مثل إنفاق برينتفورد 42 مليوناً على أواتارا الذي لم يكن أكثر من لاعب بديل في بورنموث، أو دفع نيوكاسل 55 مليوناً مقابل ويسا وهو يقترب من الثلاثين. حتى نوتنغهام فورست خاطر بدفع 34 مليوناً لدان ندوي، وسط شكوك إن كان سيكرر نجاحه السابق خارج منظومة بولونيا. لكن الأصوات التي دافعت عن هذه الأسعار عدّت أن التضخم في كل شيء انعكس على كرة القدم، وأن مبلغ 50 مليوناً بات مجرد نقطة بداية في تقييم أي مهاجم في الدوري الإنجليزي الممتاز.
وسط هذا كله، وجد بعض المدربين أنفسهم في مواقف صعبة. فيتور بيريرا في ولفرهامبتون فقد اثنين من أبرز لاعبيه، واضطر للاعتماد على صفقات غير مضمونة، بينما تركت مبيعات برينتفورد الكبيرة مدربه الجديد كيث أندروز أمام مهمة عسيرة لتعويض النقص. روبن أموريم في مانشستر يونايتد حصل على الأسماء التي أرادها، من مبومو إلى سيسكو، لكن هذا جعله تحت ضغط أكبر لتحقيق النتائج. على النقيض، كان ميكيل أرتيتا في آرسنال في وضع مثالي بعد أن حصل على مهاجم صريح ولاعب وسط دفاعي وإضافة إبداعية، ليبقى أمامه تحدي تحويل هذا الكم من المواهب إلى فريق قادر على المنافسة حتى النهاية.
أما مانشستر سيتي فواصل سياسة الإمداد اللامتناهي بلاعبين جدد في الوسط والدفاع، وإن بقي ملف حراسة المرمى مثار جدل.
وعند السؤال عن الرابح الأكبر في هذه النافذة، انقسمت الآراء. هناك مَن رأى أن ملاك تشيلسي فازوا باللعبة بعدما أنفقوا منذ 2022 نحو 1.5 مليار جنيه، ونجحوا في إبرام بعض الصفقات الجيدة هذه المرة.
آخرون عدّوا أن إيزاك نفسه كان الفائز لأنه حصل على الانتقال والراتب الذي أراده. البعض رشح إيبيريشي إيزي الذي عاد إلى آرسنال في قصة وُصفت بأنها «الحلم الذي تحقق»، بينما رأى آخرون أن إدارة ليفربول، من مايكل إدواردز إلى أرني سلوت، هي الرابح الحقيقي بفضل صفقات متوازنة وتجديدات ناجحة. في المقابل، كان هناك مَن عدَّ أستون فيلا الخاسر الأكبر بصيف باهت عوضه جزئياً التعاقد مع إليوت، بينما أشير إلى كالڤين فيليبس بوصفه لاعباً عالقاً دون دور في مانشستر سيتي، وإلى جورن ستراند لارسن الذي لم ينجح في الخروج من ولفرهامبتون.
وهكذا بدا ميركاتو صيف 2025 مرآة كاملة لتناقضات كرة القدم الحديثة: إنفاق يفوق الخيال، صفقات كبرى تنجح وأخرى تتأخر، أندية تبني طموحاتها على قواعد مالية مضطربة، ولاعبون يثبتون أن زمن الصمت انتهى وأن وسيلة الضغط الأكثر فاعلية هي الامتناع عن اللعب. ومع أن الصيف قد أسدل ستاره، فإن الجميع يعرف أن يناير (كانون الثاني) ليس ببعيد، وأن قصصاً جديدة ستُكتب، وربما يتصدرها لاعب آخر يقرر أن يخطو على خطى إيزاك ليعيد رسم ملامح سوق الانتقالات من جديد.
