ربما كان أكثر شيء ملحوظ في المقابلة، التي أجراها المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا مع مجلة «جي كيو» البريطانية، هو مدى التعب الذي بدا عليه. لم تعكس عناوين الصحف، التي تُشير إلى تفكيره في التوقف عن التدريب لمدة قد تصل إلى 15 عاماً تماماً، ما قاله، حيث قال: «لا أعرف كم من الوقت سأتوقف عن العمل: عام، عامان، ثلاثة أعوام، خمسة، عشرة، خمسة عشر عاماً، لا أعرف، لكنني سأتوقف عن العمل بعد هذه الفترة مع مانشستر سيتي؛ لأنني بحاجة إلى التوقف والتركيز على نفسي، وعلى جسدي». لكن التعب كان واضحاً تماماً عليه.
في الواقع، لم يكن الأمر مفاجئاً إلى حد ما. لقد كان المدير الفني الألماني يورغن كلوب منهكاً للغاية بعدما يقرب من 15 موسماً مع بوروسيا دورتموند وليفربول (بالإضافة إلى سبعة مواسم مع ماينز)، وهو الأمر الذي دفعه إلى الاستقالة من منصبه بصفته مديراً فنياً للريدز، الصيف الماضي. وكانت هناك أوقات، خلال الموسم الماضي، خصوصاً في تلك الفترة التي استمرت أربعة أشهر قبل وبعد فترة أعياد الميلاد، تَراجع فيها مستوى مانشستر سيتي بشكل مثير للقلق، وبدا فيها غوارديولا محطماً تماماً. واعترف المدير الفني الكاتالوني بأن قراره، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بتوقيع عقد جديد حتى صيف 2027 كان مدفوعاً جزئياً بشعوره بالذنب بعد تراجع مستوى الفريق ورغبته في إعادته إلى المسار الصحيح مرة أخرى. وقال: «المشكلات التي واجهناها، في الشهر الماضي، جعلتني أشعر بأن الآن ليس الوقت المناسب للرحيل». لكن هذه المشكلات تفاقمت بشكل أكبر.
وفي مثلِ هذه الحالات، من الممكن أن يحدث أمران. فمن ناحية أخرى، من النادر والمثير للإعجاب أن يشعر المدير الفني بمثل هذا الشعور بالمسؤولية تجاه ناديه. وبينما تجري إقالة كثيرين قبل أن تتاح لهم فرصة حل المشكلات، يشعر كثيرون أيضاً بالسعادة وهم يرحلون ويتركون الأزمة برُمتها إلى مدير فني جديد. لكن، من ناحية أخرى، ربما لا يكون من الجيد للمدير الفني أن يترك ناديه في مثل هذه الأوقات الصعبة ويرحل، رغم أن عقده لا يزال ممتداً لمدة عامين.
لكن الشيء المؤكَّد هو أن التدريب مهمة شاقة ومُرهقة. وكان من اللافت للنظر في المقابلة الصحافية أن الشيء الذي رأى غوارديولا أنه الأكثر إحباطاً يتمثل في هتافات جماهير الفرق المنافِسة بأنه سيُقال من منصبه في الصباح، وهو نوع من المزاح لا يقلل، على الإطلاق، من قيمة مدير فني بخبرة ونجاح غوارديولا. ومع ذلك، من المفيد أن نتذكر مدى صعوبة العمل في مجال التدريب، مع تأكيد أن الأمر يزداد صعوبة بمرور الوقت. وفي سيرته الذاتية، أشار برايان كلوف إلى مدى إصراره على مواجهة الصعوبات في عالم التدريب، قائلاً إنه لم يكن يجد وقتاً للاستمتاع بالفوز، يوم السبت؛ لأنه كان يضطر، على الفور، لبدء التفكير في المباراة التي سيخوضها الفريق، يوم الأربعاء. كان ذلك حتى قبل أن يكون جدول المباريات مزدحماً بالشكل الذي عليه الآن، وكان كلوف يشعر بالسعادة الغامرة عندما يذهب إلى مايوركا لقضاء عطلة خلال الموسم، وكان معروفاً عنه حتى في ذلك الوقت قلة ظهوره في ملعب التدريب.
وفي الوقت الحالي، يحصل المديرون الفنيون على مساعدة أكبر بكثير مما كان عليه الأمر في السابق، فلديهم مدربون ومحللون متخصصون، وتتركز وظيفتهم، على الأقل في المستوى الأعلى، بشكل كبير، على إعداد الفريق. وباستثناء حالة واحدة أو حالتين، فإن الانتقالات والاستراتيجيات طويلة المدى تكون مسؤولية المدير الرياضي، وليس المدير الفني. لكن مع ذلك، من المعروف أن عالم التدريب صعب للغاية وتُنسى فيه النجاحات بسرعة كبيرة، ومن الممكن إقالة المدير الفني في حال تراجع النتائج لبضعة أسابيع. وعلى الرغم من أن غوارديولا لا يحب مزاح جماهير الفِرق المنافِسة، فإنه، على الأقل، لديه رصيد كافٍ لعدم الخوف من الإقالة. إنه مُحق تماماً في ذلك، وربما لا توجد وظيفة أخرى يواجه فيها الشخص مثل هذا التدقيق الذي لا ينتهي، ومثل هذا النقد الصريح، من أشخاص يعرفون عن كرة القدم أقل بكثير عما يعرفه المديرون الفنيون (بمن في ذلك الصحافيون، لكن هذا لا يعني أن كل الانتقادات مضللة بالضرورة).

لقد تحدث غوارديولا بدرجة من الحماس عن التحدي الذي يواجهه لإعادة بناء مانشستر سيتي. ونظراً لأن غوارديولا معروف بنبرته الساخرة، فلم يكن من السهل معرفة ما إذا كان يتحدث عن ذلك على محمل الجد أم لا. إن إحدى المشكلات التي يواجهها المدير الفني الذي يظل في منصبه لفترة طويلة، وخصوصاً عندما يكون ناجحاً مثل غوارديولا، تتمثل في إيجاد تحديات جديدة. ومن المؤكد أن بناء فريق قوي قادر على الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز يعد أمراً منعشاً ومحفزاً ومثيراً.
لقد كتب الممثل الكوميدي ستيوارت لي في سيرته الذاتية عن كيف كان يخسر عمداً جزءاً من جمهوره في الجولات الطويلة بسبب الحماس الذي يشعر به عندما ينجح في استعادة هذا الجمهور مرة أخرى. هذا لا يعني أن غوارديولا كان سيختار أن يكون في هذا الموقف ليقول إنه سيستمتع بالتحدي المتمثل في قيادة مانشستر سيتي للفوز بلقب الدوري مرة أخرى. وهناك عامل آخر، وهو أن عدداً قليلاً للغاية من المديرين الفنيين هم الذين ينجحون في البقاء في أعلى مستوى لأكثر من عقد من الزمان، وخير مثال على ذلك السير أليكس فيرغسون، حيث هناك فاصل زمني يصل إلى 20 عاماً بين لقبه الأول ولقبه الأخير مع مانشستر يونايتد، حتى بعد نجاحاته مع أبردين، لكنه استثناء بعيد كل البعد عن التوقعات. لقد استمر المدير الفني الإيطالي أريغو ساكي في القمة لمدة تصل لنحو أربع سنوات. وحتى جوزيه مورينيو ربما لم كان قد تجاوز بالفعل مرحلة القمة عندما فاز بآخر لقب له في الدوري الإنجليزي الممتاز، مع تشيلسي في موسم 2014 - 2015، بعد 12 عاماً من لقبه الأول مع بورتو البرتغالي.
لقد تم تحليل كل مباراة تولى فيها غوارديولا المسؤولية منذ تعيينه في برشلونة عام 2008. وعلى مدار 17 عاما - باستثناء العام الذي ابتعد فيه عن العمل وبقي في نيويورك - كان المنافسون يبحثون عن طرق لإحباط خططه الهجومية ونقاط ضعفه الدفاعية. وتمت دراسة لقطات من المباريات التي أشرف على قيادتها لمعرفة نقاط القوة والضعف، لكنّ جزءاً من عبقرية غوارديولا يتمثل في التطور المستمر من أجل التفوق على المنافسين دائماً. ودائما ما كان ينجح في ذلك، ولكن ليس بالقدر نفسه الذي يحدث اليوم. في الواقع، لم يتم تدريب الفرق بهذه السرعة من قبل؛ فما كان يستغرق موسماً قبل 50 عاماً يحدث الآن في غضون أسبوعين فقط. كما أن البقاء في المقدمة يتطلب التطور والتحسن والتكيف باستمرار، وهذا أمر مرهق للغاية. وفي مرحلة ما، يفقد المدير الفني الطاقة والشغف، كما حدث مع مورينيو، وكما حدث مع أرسين فينغر، وبالتالي لا يكون قادراً على البقاء في القمة لفترة أطول. لكن غوارديولا لم يصل إلى هذه المرحلة بعد. نادراً ما تنتهي مسيرة أي مدير فني بشكل مفاجئ، لكن لا يمكن لأي مسيرة مهنية أن تستمر إلى الأبد. وبعد 17 عاماً في القمة، وبينما بدأ غوارديولا يشعر بالإرهاق، ربما يكون منحنى الهبوط قد بدأ بالفعل. ربما يتمكن غوارديولا من قيادة مانشستر سيتي للفوز بلقب الدوري مرة أخرى، لكن لا شيء يدوم إلى الأبد!

مما لا شك فيه أن غوارديولا مر بأوقات عصيبة في الموسم الماضي، حيث كان ذلك أصعب عام مر عليه منذ أن بدأ التدريب، بين الإصابات المتعددة والنتائج السلبية. وفي الوقت ذاته واجه المدرب الإسباني مواقف معقدة في حياته الشخصية، لكنه يبدو عازماً على المضي قدماً وقال في حواره مع مجلة «جي كيو »، إنه سيبتعد مؤقتاً عن التدريب بعد نهاية مسيرته مع سيتي رغم تجديد عقده مؤخراً. وقال غوارديولا: «أعلم أنه بعد تلك الفترة مع سيتي سوف أتوقف عن التدريب هذا مؤكد، لقد حسمت ذلك». وأضاف: «أعتقد أنني أعلم متى سوف أتوقف، الشيء نفسه حدث لي خلال مسيرتي مع برشلونة، وعند تلك النقطة قلت لنفسي إنه يكفي ذلك وسأبحث عن تحد جديد». ورد غوارديولا على الانتقادات الموجهة له قائلاً: «هل ينتظر الناس فشلي؟ نعم بالطبع وأنا سعيد بالترحيب بهم، هذا يمنحني الطاقة، حينما تفوز بالدوري الإنجليزي ست مرات ثم يأتي وقت تتراجع فيه فهذه طبيعة بشرية». وأوضح: «ثم بعد ذلك تحتاج إلى ضم كثير من اللاعبين، لكن من السهل قول ذلك بعد فوات الأوان».

ورغم أنه يعد أن الموسم الماضي لم يكن سيئاً إلى ذلك الحد، أكد غوارديولا أنه لم يسبق له أبداً أن خاض 13 أو 14 مباراة من دون تحقيق أي فوز، واعترف بأنه من كان من الصعب عليه إدارة فريقه العام الماضي. وقال غوارديولا: «لدي 23 لاعباً واختار 11 لاعباً كل ثلاثة أيام». وأضاف: «يبدو أن الـ11 لاعباً الآخرين لا يناسبونني، وهذا على العكس تماماً أنا أحبهم ولذلك أعاني من أجلهم، لكن هؤلاء الـ11 لاعباً يقولون لماذا لا تضمني وتضم لاعباً آخر ويكون عليك أن تقول لهم لا بأس أنتم تتدربون جيداً حسناً، ثم يقول ذلك اللاعب لنفسه حسناً سوف ألعب غداً ولا يحدث ذلك، كيف لا نختلف بعد ذلك هذا مستحيل».
*خدمة «الغارديان»
