لطالما ردد مشجعو مانشستر يونايتد عبارة شهيرة خلال الأوقات الصعبة مفادها أن النادي «لا يُتجاهل أبداً». ويبدو أن هذا المبدأ يثبت صحته هذا الصيف.
ووفقاً لشبكة «The Athletic» فرغم أن النادي مقبل من أسوأ موسم محلي له منذ نصف قرن، ومع غياب أي مشاركة أوروبية، وتقليص أعداد الموظفين، وتصريح أحد الملاك قبل خمسة أشهر فقط، فإن النادي كان «سيفلس بحلول عيد الميلاد» لولا إجراءات خفض التكاليف، فقد يتوقّع البعض صيف انتقالات هادئاً في ملعب «أولد ترافورد»... لكن ذلك لم يحدث.
صحيح أن النادي تعاقد رسمياً مع لاعبين فقط حتى الآن، هما ماثيوس كونيا وبرايان مبويمو، لكنهما كلّفا النادي مجتمعَين نحو 127.5 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل 169.5 مليون دولار) رسوم مضمونة.
ورغم ذلك، وغياب أي مبيعات دائمة حتى الآن باستثناء إعارة ماركوس راشفورد إلى برشلونة مع خيار شراء لا يزال اسم يونايتد يظهر بانتظام في محادثات الانتقالات الكبرى. وعلى الرغم من التراجع الأخير، يظل مانشستر يونايتد واحداً من أكبر الأندية في العالم، على الأقل خارج الملعب.
تعمل إدارة يونايتد حالياً على التعاقد مع المهاجم السلوفيني بينجامين سيسكو من نادي لايبزيغ، حيث أفادت تقارير صحافية في 30 يوليو (تموز) بأن اللاعب يُعد أولوية بالنسبة لصناع القرار داخل النادي. وقدّم يونايتد عرضه الافتتاحي بقيمة 75 مليون يورو، إضافة إلى 10 ملايين حوافز، بعد أن رفع نادي نيوكاسل عرضه للاعب، ويعتقد النادي الإنجليزي أن سيسكو يرغب في الانضمام إليه.
بالنظر إلى الظروف المالية الضاغطة التي مر بها النادي، يتساءل البعض كيف يستطيع مانشستر يونايتد الإنفاق بهذا الحجم. الواقع أن تفسير قدرة النادي على الإنفاق تنقسم إلى عنصرين: أولاً، قواعد الربحية والاستدامة المعروفة اختصاراً بـ«بي إس آر»، وثانياً، توفر السيولة النقدية.
من حيث قواعد «بي إس آر»، فإن المخاوف المتعلقة بها كانت مبالغاً فيها. فحسابات النادي تُستند إلى نتائج شركة «ريد فوتبول ليمتد»، مما يستثني بعض التكاليف الكبيرة على مستوى الشركة الأم، التي لا تُصنّف نشاطاً كروياً. وقدّرت مصادر اقتصادية أن النادي كان قادراً على تكبّد خسائر تصل إلى 141 مليون جنيه إسترليني في موسم 2024–2025 دون خرق للحد المسموح به، وذلك بفضل زيادة الإيرادات التجارية وتذاكر المباريات، وتراجع الرواتب بعد غياب المشاركة القارية، رغم انخفاض عوائد البث التلفزيوني.
وفقاً لتقرير الربع الثالث المالي، أنفق النادي 343.5 مليون جنيه إسترليني على تسجيل اللاعبين حتى 31 مارس (آذار)، وهو ثالث أعلى إنفاق في تاريخ كرة القدم الإنجليزية لموسم واحد. وشمل ذلك صفقة كونيا، التي تم تسجيلها قبل نهاية السنة المالية في 30 يونيو (حزيران)، لتدخل في حسابات موسم 2024–2025.
يونايتد أنفق أكثر من 200 مليون جنيه إسترليني في كل من المواسم الثلاثة الأخيرة، مقابل عائدات بيع لاعبين منخفضة نسبياً، إذ بلغت إيرادات المبيعات الموسم الماضي نحو 66.3 مليون جنيه فقط، وهي ثاني أعلى حصيلة مبيعات للنادي خلال العقد الماضي.
بحلول نهاية مارس، بلغ صافي ديون صفقات الانتقالات أي الفرق بين ما يدين به النادي وما يُدين له به الآخرون نحو 308.9 مليون جنيه إسترليني، مقارنة بأقل من 100 مليون في عام 2021. وتضمنت تلك الديون مستحقات مستقبلية تبلغ 175.5 مليون جنيه يجب سدادها قبل مارس 2026. وكانت صفقة كونيا تُدفع على ثلاث سنوات، بعد أن فشل النادي في تمديدها إلى خمس سنوات، وهو دليل على حرص الإدارة على إدارة السيولة بحذر.
بلغ رصيد السيولة لدى النادي 73.2 مليون جنيه إسترليني حتى نهاية مارس، رغم حصوله على 238.5 مليون تمويلاً من المالك الجديد، جيم راتكليف. ويمتلك النادي تسهيلات ائتمانية دوارة أي أشبه بخطوط سحب مالية يومية بقيمة إجمالية تبلغ 300 مليون جنيه إسترليني، منها 160 مليوناً تم سحبها حتى أبريل، ما يعني أن النادي كان يمتلك هامش اقتراض إضافي بقيمة 140 مليوناً إذا لزم الأمر، رغم أن ذلك قد يُرتب فوائد مالية إضافية.
وفي 10 يوليو، تم تسجيل ضمان مالي جديد لصالح بنك أوف أميركا، ما يشير إما إلى تمديد في فترة التسهيلات وإما إلى زيادة الحد الائتماني، لكن التفاصيل ستُعلن مع الحسابات السنوية الكاملة للنادي، والمتوقعة في سبتمبر (أيلول) المقبل.
ساهمت أيضاً إجراءات تسريح الموظفين وتقليص التكاليف في تخفيف الضغط المالي، كما أن رحيل راشفورد (رغم عدم تحقيق رسوم انتقال مباشرة) ساعد في تخفيض الرواتب بمقدار 14 مليون جنيه إسترليني في هذا الموسم. كما حصل النادي على أكثر من 20 مليون جنيه من «بنود إعادة البيع» لبعض لاعبيه السابقين، مثل ألفارو كاريراس وأنتوني إيلانغا وماكسي أويديلي. بالإضافة إلى 5 ملايين من نادي تشيلسي لعدم إتمام صفقة سانشو على أن يعود يونايتد لدفع راتبه الكامل إذا لم يُباع هذا الصيف.
لا يزال مانشستر يونايتد يملك القدرة على الإنفاق، لكن الأمر يتطلب إدارة دقيقة للنقد أكثر من ذي قبل. وتشير التحركات الأخيرة إلى أن النادي قادر على توسيع نشاطه في سوق الانتقالات، رغم الالتزامات الكبيرة السابقة.
مع ذلك، من المنتظر أن تشهد الفترة المقبلة عمليات بيع ضرورية لتحسين التوازن المالي. ويُعد كل من أليخاندرو غارناتشو وأنتوني من أبرز المرشحين لجلب إيرادات معتبرة في السوق. أما قدوم سيسكو، فيفتح الباب أمام رحيل راسموس هويْلوند، الذي كلف النادي 64 مليون جنيه قبل موسمين فقط. ورغم أنه أعرب عن رغبته في البقاء، فإن يونايتد مستعد لقبول عروض بقيمة 30 مليون جنيه، ما يعني خسارة محاسبية على الورق، لكنها قد توفر سيولة فورية.
