جاءت النسخة الأخيرة من بطولة أمم أوروبا للسيدات التي اختُتمت في سويسرا، لتؤكد أن كرة القدم النسائية باتت تملك ما يكفي من الدراما والإثارة؛ لتفرض حضورها على أجندة البطولات الكبرى. فقد امتدت خمس مباريات إلى الأشواط الإضافية، في سابقة تعكس احتدام التنافس، فيما شهدت البطولة لحظات فريدة تركت أثرها في وجدان المتابعين، وذلك وفقاً لشبكة «The Athletic».
إنجلترا، التي لم تتقدم سوى لأربع دقائق فقط طوال الأدوار الإقصائية، نجحت رغم ذلك في التتويج بلقبها القاري الثاني على التوالي، مؤكدة مجدداً أنها تملك القدرة على العودة في أصعب الظروف. أما إسبانيا التي سقطت في النهائي فقدمت نسخة خالية من الجدل للمرة الأولى منذ سنوات، وظهرت بصورة متزنة على المستويين الفني والإداري.

الدولة المضيفة، سويسرا، أحرزت نجاحاً تنظيمياً لافتاً؛ إذ بلغ عدد الحضور الجماهيري 657 ألفاً و291 مشجعاً، على الرغم من أن الملاعب كانت أصغر من تلك التي استُخدمت في النسخة الماضية، ما يعكس تصاعد الاهتمام الشعبي باللعبة.
من بين أبرز الأسماء التي سطعت خلال البطولة كانت كلوي كيلي التي شكّلت ورقة رابحة لمنتخب إنجلترا، وأسهمت بأكبر عدد من الفرص والكرات العرضية الناجحة بين جميع البدلاء، فيما واصلت باتري غيخارّو أداءها المتزن في وسط ميدان إسبانيا، لتجمع بين الأناقة الفنية والدور القيادي.
من اللحظات اللافتة التي علقت في الذاكرة تصدي آن كاترين بيرغر المذهل أمام فرنسا، والاحتفال الجماعي المؤثر لإيطاليا عقب الفوز على النرويج.

وفي مقابل ذلك، حضرت الخيبات، وأبرزها استمرار تعثّر منتخب فرنسا رغم كل التوقعات، فضلاً عن الإخفاق الجماعي للنرويج الذي بات يتكرر بلا تفسير واضح.
شهدت البطولة أيضاً غياب لاعبات مؤثرات، مثل: لينا أوبردورف بسبب الإصابة، في وقت لفتت فيه المواهب الصاعدة الأنظار، مثل الإسبانية فيكي لوبيز التي أتمّت عامها التاسع عشر خلال البطولة وقدّمت أداءً واعداً.

من خارج الملعب، حضرت لحظات إنسانية عميقة؛ منها مشاهد الجماهير في جنيف وبازل، ومواقف يومية أعادت للصحافيين والمشاركين إحساساً نادراً بالهدوء وسط صخب العمل. كما ألقت البطولة الضوء على تحولات ثقافية ومجتمعية، أبرزها الطريقة التي احتفلت بها لاعبات إيطاليا بانتصارهن، وهو ما حمل رسالة واضحة بأن كرة القدم النسائية باتت جزءاً أصيلاً من الوعي الرياضي في البلاد.

على المستوى التنظيمي، طرحت البطولة نقاشاً بشأن عدد الفرق المشاركة. فبينما دعا البعض إلى التوسعة لإفساح المجال أمام منتخبات جديدة، رأى آخرون أن الإبقاء على 16 فريقاً يحافظ على التنافسية، ويحدّ من المباريات ضعيفة القيمة.
بطولة «يورو 2025»، بهذا الشكل، لم تكن مجرد منافسة كروية، بل تجربة إنسانية ورياضية متكاملة، أعادت رسم ملامح كرة القدم النسائية في أوروبا، وأكدت أن المستقبل يحمل الكثير من التحولات التي تستحق الرصد.


