في زمن مضى، كان من الطبيعي أن يصبح قائد منتخب إنجلترا تحت 21 عاماً، بعد قيادته بلاده للتتويج بلقب بطولة أوروبا، مرشحاً تلقائياً لشغل مكان أساسي في ناديه. أما اليوم، وفي عصر تعجُّ فيه تشكيلات الأندية بنجوم دوليين، وسط قواعد مالية تُشجّع على بيع خريجي الأكاديمية، فإن هذا الإنجاز لم يعد كافياً لضمان المستقبل، وذلك وفقاً لشبكة «The Athletic».
الحديث هنا عن لاعب الوسط جيمس مكاتي، الذي يستعد لمغادرة مانشستر سيتي، وسط اهتمام قوي من أندية بارزة في ألمانيا وإنجلترا. خروجه المحتمل يُسلّط الضوء على مدى صعوبة اختراق اللاعبين الشباب صفوف الفريق الأول في أندية النخبة، حتى لو كانوا من نتاج الأكاديمية.
مكاتي (22 عاماً) رفع كأس البطولة القارية مع منتخب إنجلترا الشهر الماضي، لكنه لم يكن ضمن بعثة سيتي إلى الولايات المتحدة لخوض كأس العالم للأندية، بل وجد في سلوفاكيا، وهو ما عُدّ مؤشراً واضحاً لموقعه في تسلسل اختيارات المدرب بيب غوارديولا.
اللاعب، الذي انضم إلى أكاديمية سيتي منذ أن كان تحت 11 عاماً، خاض 34 مباراة مع الفريق الأول، وبرز خلال فترة إعارته لشيفيلد يونايتد على مدار موسمين، في خطوة كانت تهدف لأن تكون جسر عبور إلى تشكيلة غوارديولا.
في الموسم الماضي، ظهر مكاتي في 27 مباراة بمختلف المسابقات، وسجّل 7 أهداف خلال 936 دقيقة، بينها ثلاثية في مرمى سالفورد سيتي من الدرجة الرابعة في كأس الاتحاد. ورغم ذلك، لم يكن هذا كافياً لإقناع الجهاز الفني بأهميته في المرحلة المقبلة.
ومع التعاقد مع الجناح الفرنسي ريان شرقي من أولمبيك ليون، باتت الصورة أوضح؛ إذ أصبح ترتيب مكاتي خلف كل من شرقي، وسافينيو، وجيريمي دوكو، وعمر مرموش، وفيل فودين، في مراكز الجناح أو الوسط الهجومي.
ورغم تقدير النادي لإمكاناته، فإن ذلك لا يصل إلى حد اعتباره قطعة أساسية في المشروع. وتُظهر قائمة الأندية المهتمة بخدماته -مثل آينتراخت فرنكفورت ونوتنغهام فورست- أنه لا يزال يتمتع بمكانة عالية في سوق الانتقالات.
وتُشير بعض المصادر إلى أن سيتي قد يوافق على بيع مكاتي مقابل 25 مليون جنيه إسترليني، إلا أن تجربة كول بالمر لا تزال حاضرة في أذهان إدارة النادي. فقد باعوا بالمر إلى تشيلسي مقابل 40 مليوناً فقط قبل عامين، وهي صفقة باتت تُعدّ الآن أقل من قيمتها الحقيقية، خصوصاً بعد أدائه الحاسم في نهائي كأس العالم للأندية.
الغريب أن مكاتي هو من حلّ بديلاً لبالمر في أول ظهور له بالدوري الإنجليزي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، والفارق بينهما لا يتعدى 5 أشهر من حيث العمر. صحيح أن البعض لا يرى في مكاتي الموهبة النادرة نفسها التي يمتلكها بالمر، لكن التخوّف من تكرار الخطأ يبدو حاضراً داخل أروقة النادي.
ويُقال إن سيتي لن يكرّر خطأه السابق، إذ لم يتضمّن عقد بالمر أي بند لإعادة الشراء، في حين يُتوقّع أن يدرج شرط مماثل في حال بيع مكاتي، تحسّباً لأي انفجار مرتقب في مستواه.
لقد تحوَّلت أكاديميات الدوري الإنجليزي الممتاز، في كثير من الأندية، من كونها منصة لتغذية الفريق الأول بالمواهب، إلى مصدر لتحقيق الأرباح وتمويل الصفقات الكبرى.
في ظل الحاجة إلى تقليص قوائم اللاعبين، والامتثال لقواعد الاستدامة المالية (PSR)، أصبحت المواهب المحلية الضحية الأولى. ذلك لأن بيع لاعب ناشئ يُسجّل بوصفه ربحاً صافياً على الورق، لعدم وجود رسوم سابقة لشرائه، في حين تُقسّم صفقات الشراء الجديدة على مدى سنوات العقد.
قد يبدو الأمر محبطاً للبعض، لكن آخرين يرونه انعكاساً لواقع تنافسي شرس، خصوصاً في ظل تمكّن سيتي من جمع أكثر من 280 مليون جنيه من بيع لاعبي الأكاديمية خلال السنوات الثماني الماضية.
ففي عام 2017، جنى النادي أكثر من 40 مليون جنيه من بيع جادون سانشو وكيليتشي إيهيناتشو. وفي 2018، باع بابلو مافيو، وأنغوس غَن، وجيسون ديناير مقابل 25 مليوناً. وفي 2019، رحل إبراهيم دياز إلى ريال مدريد مقابل 15 مليوناً.
بعد فترة ركود قصيرة، عاد النادي في 2022 ليجني نحو 55 مليوناً من بيع روميو لافيا، وخوان لاريّوس، وصامويل إيدوزي، وغافين بازونو، وأريجانيت موريتش. وفي 2023، أضاف بالمر، وجيمس ترافورد، وكارلوس فوربس مبلغاً إضافياً قدره 70 مليوناً. أما في الموسم الماضي، فقد بيعت أسماء مثل تايلور هاروود-بيليس، وويليام ديلاب، وشيا تشارلز، وتومي دويل، وميكا هاميلتون، وأليكس روبرتسون مقابل ما يقارب 60 مليوناً أخرى.
ويعتمد سيتي على نظام دفع مرن عند بيع لاعبي الأكاديمية، مع نسب مئوية مستقبلية تُدِرُّ دخلاً متكرراً على المدى الطويل.
في المقابل، هناك مَن رحلوا دون تحقيق استفادة تُذكر، مثل جيمي غيتنز وفيليكس نميشا، أو بأرقام زهيدة جداً، مثل توسين أدارابيويو ومورغان روجرز.
لكن يبقى فيل فودين الاستثناء الأوحد؛ اللاعب الوحيد من الأكاديمية الذي حجز لنفسه مكاناً دائماً في التشكيلة الأساسية.
وفي أغسطس (آب) الماضي، بدأ غوارديولا مباراة درع المجتمع ضد مانشستر يونايتد، بتشكيلة ضمّت ريكو لويس، ونيكو أورايلي، ومكاتي، وأوسكار بوب. بدا الأمر علامةً فارقةً، لكن بعد عام فإن مكاتي في طريقه للمغادرة، وأورايلي بات احتياطياً لريان آيت نوري وتيجاني رايندرز، ولويس يتنافس مع ماتيوس نونيس على مركز الظهير الأيمن، وسط حديث عن نية النادي التعاقد مع ظهير إضافي.
ريكو لويس يبدو كأنه «منتج مُصنّع على مقاس غوارديولا»، بفضل فهمه العميق للمراكز، وهو الآن على بعد 6 مباريات فقط من بلوغ 100 مشاركة، لكنه لا يزال يسعى لتثبيت أقدامه.
أما أوسكار بوب، فمن غير المتوقع رحيله هذا الصيف، لكنه بحاجة إلى وقت لعب حقيقي لتطوير مستواه. إذ على الشباب أن يُقرّروا بين الصبر في الانتظار، أو الرحيل لمكان يوفّر لهم فرصاً أكبر للتطور.
منذ تولي غوارديولا تدريب الفريق، شارك 28 لاعباً من الأكاديمية في مباريات رسمية. وفي الموسم الماضي، خاض ياهماي سيمبسون-بوسي وأورايلي أول مباراة لهما بصفتهما أساسيين.
لكن الحقيقة القاسية تظل قائمة: القليل فقط يصل إلى القمة. ومثلما حصل مع كول بالمر، وربما قريباً مع مكاتي، فإن عدم توفير المساحة لهؤلاء الشباب في التشكيلة يُجسّد التحوّل في نظرة الأندية تجاه لاعبيها المحليين.
ففي السابق، كان مجرد وجود لاعب ناشئ في الفريق الأول يُعد إنجازاً في حد ذاته.
