ها هو كأس العالم للأندية يحلّ على مدينة ميامي هذا الصيف، والعالم بأسره يتجه نحوها. ثم يأتي الحدث الأضخم: كأس العالم. وفي الحادي عشر من يونيو (حزيران)، وخلال احتفالية «عام على الانطلاق» في متحف بيريز للفنون، تحوّل الحلم إلى واقع ملموس.
وبحسب شبكة «The Athletic»، صرّح الفنان اللاتيني الشهير مارك أنتوني، وهو من أبناء ميامي، بحماسة قائلاً: «أولاً، نحن مؤهلون أكثر من أي جهة أخرى لاستضافة البطولة. لقد سبق لنا أن استضفنا كل شيء، من السوبر بول إلى الفورمولا 1». (وربما من الأفضل عدم التذكير بنهائي كوبا أميركا العام الماضي).
وفي مؤتمر صحافي عُقد في كورال غيبلز، تحدّث نيكولو زيني، أحد المسؤولين التنفيذيين في اللجنة المنظمة، عن «زخم حقيقي» وأهمية بطولة كأس العالم للأندية بوصفها محطة إشارية تمهّد لقدوم كأس العالم. وقال: «هذا ليس مجرد تفصيل هامشي».
تجدر الإشارة إلى أن مدينة ميامي لم تكن ضمن المدن المستضيفة لمونديال 1994؛ إذ قال أحد المنظمين: «الاستاد حينها لم يكن مؤهلاً. اذهبوا إلى أورلاندو».
وقد بدأ الحماس يتصاعد منذ لحظة نجاح إنتر ميامي في إقناع النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي بالانضمام إلى الدوري الأميركي.
بعيداً عن شواطئ ميامي بيتش ذات الأرصفة الذهبية، يُعدّ حي وينوود ساحةً نابضة بفن الغرافيتي، حيث تمتزج رائحة الطلاء بضجيج محركات الفيراري واللامبورغيني. وفي قلب هذا المشهد، يظهر وجه ميسي باسماً من على جداريات المطاعم والمقاهي، كما في مطعم «فيوريتو» الأرجنتيني الصغير في حي ليتل هايتي، والذي يُعدّ وجهة لـ58 ألفاً من أبناء الجالية الأرجنتينية في المدينة.
داخل المطعم، تُعرض بطاقات حمراء وصفراء موقّعة من الحكم الأرجنتيني الشهير هيكتور إليزوندو، الذي طرد زين الدين زيدان في نهائي مونديال 2006. وعلى الشاشة، تُعرض مباراة كرة سلة لفريق بوكا جونيورز - نكهة أرجنتينية أصيلة.
ورغم أن ميسي لا يعيش في قلب ميامي بل يتدرّب في ضواحي فورت لودرديل، فإن تأثيره حاضر في كل زاوية من زوايا المدينة: من جداريات الشوارع إلى لوحات الإعلانات الضخمة التي تتقاسم المساحة مع إعلانات للمحامين والأدوية وأجهزة التكييف.
وفي شوارع المدينة الملتوية والمتشابكة كأنها أفعى الأناكوندا البيضاء الخارجة من المستنقعات، تصبح قيادة السيارة ضرورة لا ترفاً. ولعل هذا ما يفسّر لماذا يُعدّ موقف السيارات متعدد الطوابق الذي صمّمه المعماريان هيرتزوغ ودو مورون أحد أبرز المعالم المعمارية في المدينة. ولهذا السبب أيضاً، يضم استاد «هارد روك» نحو 26,718 موقفاً للسيارات.
وعلى طول شارعَي دان مارينو ودون شولا، أسطورتَي فريق ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، يتضح أن «اللعبة الأخرى» ما زالت تهيمن على المشهد الرياضي في أميركا. ولكن جمهور ميامي لم يتخلَّ عن كرة القدم.
ورغم أن بطولة كأس العالم للأندية شهدت حضوراً متواضعاً في بعض الملاعب، فإن استاد «هارد روك» جذب ما معدله 60 ألف متفرج خلال الأسبوعين الأولين - ويعود ذلك جزئياً إلى ميسي؛ إذ جمعت مباراة الافتتاح بين إنتر ميامي والأهلي المصري.
لكن الرقم القياسي للحضور الجماهيري سُجّل في مباراة بايرن ميونيخ وبوكا جونيورز، في مشهد عبّرت فيه الجالية الأرجنتينية عن حماسها العارم، وقال المهاجم ميغيل ميرينتييل: «سنلحق ببوكا حتى إلى القمر».
ريال مدريد والهلال أيضاً أكّدا أن جماهير ميامي لا تقتصر على ميسي وحده. فالملكي يبقى الملكي، والجمهور الأميركي يعشق النجوم.
وقال جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، عشية انطلاق البطولة: «ميامي مدينة لاتينية تعشق كرة القدم، وقد حظيت مؤخراً بسحر ميسي ورفاقه. كما أنها أيضاً المقر الجديد للفيفا والكونكاكاف».
الكاتبة الأميركية الكبيرة، جوان ديديون، وصفت ميامي بأنها ليست مدينة أميركية، بل «عاصمة استوائية، عاصمة لاتينية تنتظر حكومة جديدة».
ورغم أن الحكومة الأميركية لن تُطاح، فإن «الفيفا» قرّر لأسباب لوجيستية وجغرافية نقل قسمه القانوني إلى كورال غيبلز. وبعد كوبا أميركا، وكأس العالم للأندية، ستأتي بطولة كأس العالم للرجال، ثم كأس العالم للسيدات، التي ستُقام في البرازيل، تليها في أميركا.
ويشعر الكثيرون أن ميسي و«الفيفا» جعلا من ميامي عاصمة كرة القدم في أميركا؛ الأمر الذي قد يثير امتعاض مدن مثل سياتل، ولوس أنجليس، وأتالانتا، وسانت لويس.
لكن ميامي تمتلك مقومات هائلة. فأكثر من نصف سكان مقاطعة ميامي-ديد من المهاجرين، واللغة الإسبانية هي اللغة الأولى في المدينة.
ورغم الصورة النمطية السائدة بأن الكوبيين لا يحبون كرة القدم، فإن التاريخ يروي غير ذلك؛ فقد شاركت كوبا في مونديال 1938، وهزمت رومانيا وتأهلت إلى ربع النهائي.
اليوم، أصبحت ميامي ملاذاً للطبقات الثرية القادمة من أميركا اللاتينية. ومَن يعشق كرة القدم يجد في إنتر ميامي انعكاساً لهذا التنوع: كريماشي من أصول أرجنتينية، وسيغوفيا من فنزويلا، وسواريز وفالكون من أوروغواي، وألفونسو من البرازيل، ومارتينيز من الباراغواي، وأوباندو من الإكوادور.
وقال خافي أسينسي، مدير العمليات التجارية في نادي إنتر ميامي، خلال مؤتمر في الأرجنتين: «أجمل ما في ميامي، كما ترون، أنها قريبة جداً من أميركا!».
هذا المزج الثقافي جعل من إنتر ميامي فريقاً يُمثّل القارتين معاً؛ أميركا الشمالية والجنوبية. وقد صرّح خورخي ماس أنه يطمح لأن يشارك النادي يوماً ما في بطولة كوبا ليبرتادوريس.
لكن الفضل في النجاح العالمي للفريق يُعزى إلى ميسي. فقميصه الوردي رقم 10 هو الأكثر مبيعاً في الدوري، ويمكن رؤيته في كيب تاون، وهونغ كونغ، وبوينس آيرس، ولندن. وكما قال أسينسي: «ليو أكبر من النادي».
ومنذ انضمامه، تضاعفت إيرادات النادي ثلاث مرات. وحتى الفرق الأخرى مثل كولومبوس كرو، نقلت مباريات إنتر ميامي إلى ملاعب أكبر لاستيعاب الإقبال الجماهيري.
لكن هذا يطرح تساؤلاً: لماذا ستبلغ سعة ملعب «فريدوم بارك» الجديد 25 ألف متفرج فقط؟ ربما للحفاظ على الطابع الموحد لملاعب الدوري الأميركي، وربما أيضاً لأن ميسي احتفل مؤخراً بعيد ميلاده الثامن والثلاثين - والاعتزال بات وشيكاً.
متى سيتوقف ميسي؟ قال خلال هذه البطولة: «هذه هي مبارياتي الأخيرة».
فمن سيشتري قميص إنتر ميامي بعد رحيله؟ ومن سيملأ المدرجات حين يكون ميسي جالساً في المقصورة بدلاً من وجوده فوق العشب؟
الأمل يبقى أن «تأثير ميسي» سيظل قائماً كإرث خالد. أن يتحوّل الأطفال الذين جاءوا لرؤيته إلى مشجّعين دائمين للعبة والنادي، لا لشخصه فقط. أن تكتب ميامي اسمها بـ«حروف من ذهب» كما تمنّى إنفانتينو.
العالم، وكل ما فيه، جاء إلى ميامي. لكن بعد ميسي، وبعد كأس العالم... هل سيبقى؟
