أول ما سُمع في تلك الليلة كان صوت الطبول: طقطقة آلة الباندييرو، وزئير طبول السوردو الذي يهز العظام. وبعد أن انتقلت فرقة الإيقاع من الممرات إلى المدرجات، رفعت الجماهير راياتها، سوداء وبيضاء، كأنها رسائل حب معلقة على الممرات والحواجز.
وبحسب شبكة «The Athletic»، جاءوا وهم يحملون الأمل. أمل بأن يتمكَّن فريقهم، بطل أميركا الجنوبية، من توجيه ضربة قوية لأفضل فرق أوروبا. كانوا يعلمون أن المهمة شاقة، وأن باريس سان جيرمان قادر على تدمير خصومه بطرق عدة، لكنهم كانوا يؤمنون أيضاً بأن لديهم فرصةً ولو ضئيلة.
قال لاعب الوسط ألان، عشية اللقاء: «لا شيء مستحيلاً». بينما اختصر مدربه ريناتو بايفا الموقف بحدة قائلاً: «مقبرة كرة القدم مليئة بالمرشحين».
كان بوتافوغو قد تغلَّب بصعوبة على سياتل ساوندرز في مباراته الافتتاحية بكأس العالم للأندية بنتيجة 2 - 1. ووصف بايفا الأجواء في غرفة الملابس عقب تلك المباراة بأنها «كئيبة». لكن، تحت شمس كاليفورنيا، دخل الفريق المباراة وكأنه يريد أن يثبت شيئاً، حتى ولو لنفسه فقط.
امتلك باريس سان جيرمان الكرة معظم الوقت، كما هو متوقع، لكنه ظل يصطدم بجدار دفاعي منيع قاده ألكسندر باربوزا، والشاب غايير كونيا، البالغ من العمر 20 عاماً. وفي وسط الملعب، كان الثلاثي غريغوري، ومارلون فريتاس، وألان، مثل 3 أفخاخ متحركة. وكما قال مدرب باريس سان جيرمان لويس إنريكي قبل اللقاء: «سيتسببون لنا بمشكلات مختلفة عن الفرق الأوروبية». وقد صدق.
تراجع بوتافوغو للخلف، صمد، وتلقَّى الضربات واحدة تلو الأخرى، لكنه خرج منتصراً بهدف وحيد.

لم يكن متوقعاً أن يحصل لاعبو بوتافوغو على أكثر من فرصتين طوال المباراة، لكنهم لم يحتاجوا سوى واحدة. صانع الألعاب جيفرسون سافارينو - «ساحرنا»، كما وصفه الظهير الأيسر أليكس تيليس - أخرج الأرنب من القبعة، بتمريرة ساحرة شقَّت الدفاع الباريسي ووضعت الكرة أمام إيغور جيسوس، الذي أسكنها الشباك بعد أن ارتدت قليلاً، قبل أن يندفع نحو المدرجات ليعانق الجماهير، وسط هيستيريا خالصة.
بدأ الأمل يتحوَّل إلى إيمان. صمد بوتافوغو حتى نهاية الشوط الأول، وكاد يسجل مجدداً عبر سافارينو مع بداية الشوط الثاني. أشرك لويس إنريكي كل أوراقه الهجومية، لكن السيناريو لم يتغير: باريس يهاجم، وبوتافوغو يغلق الأبواب.
لكن لنضع الأمور في سياقها. صحيح أن بوتافوغو بطل البرازيل وأميركا الجنوبية، فإننا لا نتحدث هنا عن نادٍ عملاق. التاريخ يذكر أسماء مثل غارينشيا ونيلتون سانتوس، لكن غالبية العقود الماضية كانت مليئة بالهبوط والرتابة. بخلاف أندية مثل بالميراس وفلامنغو التي تنافس أندية أوروبا في البنية التحتية والمال، لا يقترب بوتافوغو من هذا المستوى. فهو، من حيث عدد الجماهير، لا يتجاوز المركز العاشر في البرازيل.
ما حققه الفريق في آخر 18 شهراً يُعدُّ قصة إعجازية. صحيح أن الدفع جاء من المالك الأميركي المشاكس جون تكستور، لكن اللاعبين أنفسهم كان لهم دور أساسي. فالفريق يفتقر للنجوم، وأبرز أسمائه مثل ألان وتيليس، في مراحل ما بعد الذروة. ومع ذلك، هناك وحدة مذهلة تجمعهم. حتى التغييرات الفنية المتكررة لم تهز هذا البناء.
لذلك، من الطبيعي أن تفهم المشاهد التي جرت عقب صفارة النهاية: لماذا سجد إيغور جيسوس باكياً؟، ولماذا كان تكستور يصرخ كالمجنون، ولماذا أشار باربوزا إلى السماء. هذا الفوز لم يكن مجرد انتصار لفريق صغير، بل لحظة من تحدي الإمبريالية الكروية. فصل جديد في قصة المستضعفين.

قال المهاجم الأوروغواياني سانتياغو رودريغيز، وهو يضحك: «جنون... لا نصدق ما حدث». وأضاف باربوزا: «تاريخي». أما الجناح آرتور، الذي أرهق دفاع باريس طوال الليل، فبدا وكأنه بحاجة لفراش. قال وهو يلهث: «إنها ليلة لا تُنسى... سنحملها معنا إلى الأبد».
ثم جاء فريتاس، القائد، بعينين دامعتين وصوت مرتجف من شدة التأثر: «إنه... شيء خارق للطبيعة. كنا نعلم أنها ستكون معركة صعبة. أعتقد أن فرصنا في الفوز لم تكن تتجاوز 1 في المائة. لكن هذا الـ1 في المائة بالنسبة لنا... كان كل شيء».
كان يتحدث والخلفية تعج بالإيقاع الصاخب نفسه، الذي انطلق قبل انطلاق اللقاء. وبعد نصف ساعة من النهاية، وبينما رحل كل مشجع لباريس مذهولاً، كانت جماهير بوتافوغو لا تزال هناك، متمسكة براياتها وآلاتها، تقرع الطبول... وتحلم.










