وُلد خيفرين تورام، ابن مدافع يوفنتوس العظيم ليليان تورام، في إيطاليا ويدافع الآن عن ألوان «السيدة العجوز» أيضاً. يقول تورام مبتسماً عبر مكالمة فيديو من تورينو: «لا أعرف ما إذا كان ذلك قدراً محتوماً. إنها قصة جميلة. الناس في الخارج يرون أن هذه المسيرة تحمل قدراً من الرومانسية، لكنني أقوم فقط بعملي».
ويوم الأربعاء، توجه تورام مع فريقه إلى ملعب «فيلا بارك» لمواجهة أستون فيلا في دوري أبطال أوروبا، وهي المرة الأولى التي يلعب فيها اللاعب البالغ من العمر 23 عاماً بشكل تنافسي على أرض إنجليزية. لكن هذا لا يعني أنه لم يكن مستعداً بشكل كافٍ للمباراة التي انتهت بالتعادل السلبي، فقد أطلعه زميله في الفريق دوغلاس لويز على كل شيء يتعلق بالنادي الإنجليزي. يقول تورام: «أخبرني لويز أنه قضى وقتاً رائعاً في أستون فيلا، وأن الجماهير رائعة. وأنا أشاهد الكثير من مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز».
لقد كان تورام الصغير دائماً طالباً منتبهاً، لذا لم يكن من الغريب أن يكون متفوقاً أيضاً في التعليم الكروي. فوالده ليس مجرد فائز بكأس العالم، لكنه أحد المفكرين الرائدين في اللعبة؛ وشقيقه الأكبر ماركوس يلعب مع منتخب فرنسا وفاز بلقب الدوري الإيطالي الممتاز مع إنتر ميلان. لقد كانت كرة القدم تسيطر على حياته بالكامل، بدءاً من اللعب في الحديقة وحتى الحديث عنها أثناء الجلوس إلى المائدة لتناول العشاء.
عندما انتقل ليليان إلى برشلونة، كان تورام الصغير يلعب مع ليونيل ميسي وتييري هنري. وعلاوة على ذلك، فإن باتريك فييرا، الذي يعد أحد أفضل لاعبي خط الوسط في كرة القدم الحديثة، كان مدرباً لخيفرين في بداية مسيرته مع نيس، كما استفاد تورام الصغير كثيراً من اللعب تحت قيادة تياغو موتا في يوفنتوس. لقد تطور هذا التعطش للتعلم والتحسن والتطور وإيجاد جوانب جديدة في اللعبة، منذ سن مبكرة.
يقول تورام: «في البداية، كان الأمر يتعلق فقط بحب اللعبة. عندما تكون صغيراً، فإنك ترغب في القيام بما يفعله والدك. لم يكن الأمر يبدو وكأنه عمل، فقد كان عملي يتمثل في ممارسة كرة القدم دون أن أدرك ذلك. ثم عندما كبرنا، أصبح والدي أكثر تحديداً، فيما يتعلق بالمركز الذي سنلعب به، وما يتعين علينا أن نفعله داخل الملعب ويمكنني القول بأن والدي هو من صنع مني نجماً». ويضيف: «أنا أحب مشاهدة مباريات كرة القدم، وأحب مشاهدة اللاعبين الجيدين. لكن تييري هنري أخبرني دائماً، منذ أن كنت صغيراً، أنه عندما تشاهد مباراة، لا تشاهدها بوصفك مشجعاً، بل يتعين عليك أن تحلل ما يحدث: لماذا فعل اللاعب ذلك؟ ولماذا تحرك في هذا المكان؟».
ثم هناك النموذج الذي يحتذي به اللاعب الشاب. يتميز تورام بالطول الفارع؛ حيث يصل طوله إلى 1.92 متر، ويمتلك مجموعة متنوعة من القدرات الفنية، وكان هناك بعض اللاعبين الذين ينظر إليهم على أنهم مثل أعلى. يقول تورام: «لقد شاهدت الكثير من المباريات ليايا توريه وبول بوغبا وباتريك فييرا لأنهم كانوا لاعبين يتميزون بالطول الفارع. كانوا يتحركون من منطقة جزاء فرقهم وحتى منطقة جزاء الفريق المنافس، وكانوا يركضون بالكرة، ويمتلكون قدرات فنية كبيرة، فضلاً عن امتلاكهم الذكاء الكروي».
ويضيف: «لكنني نظرت أيضاً إلى تياغو ألكانتارا، لأنني كنت بحاجة إلى النظر إلى لاعب أصغر حجماً، لأنني لم أكن أريد أن يقول الناس عني إنني لاعب طويل وقوي من دون مهارة أو قدرات فنية جيدة. لذلك نظرت إلى تياغو وما يمكنه القيام به في المساحات الضيقة. إنني أحاول أن أتعلم شيئاً بسيطاً من كل لاعب. لم أصل لمستوى هؤلاء اللاعبين حتى الآن، لكنني أحاول».
ومن الإنصاف القول إن الأمور تسير على ما يرام. فبعد أن أمضى تورام خمس سنوات في نيس لاكتساب الخبرات اللازمة، أصبح محط اهتمام العديد من الأندية الكبرى، وانتقل خلال الصيف الماضي إلى يوفنتوس، وهو نادٍ عريق يضم فريقاً شاباً مميزاً وأحد أكثر المديرين الفنيين الواعدين في أوروبا. يقول تورام: «الأجواء داخل النادي إيجابية للغاية. ونظراً لأننا جميعاً صغار في السن، فإننا نريد جميعاً أن نتعلم، ونتحدث عن الأشياء نفسها في غرفة خلع الملابس».
لقد انتشر مقطع فيديو لموتا من مباراة الديربي أمام إنتر ميلان الشهر الماضي. فبينما كان تورام يستعد للدخول بديلاً، سجل كينان يلديز هدف التعادل ليوفنتوس لتصبح النتيجة التعادل بأربعة أهداف لكل فريق. وعندئذ توجه موتا نحو تورام وصرخ فيه قائلاً: «هذا هو ما ينقصنا: القلب الشجاع! هل فهمت أم لا؟» يبتسم تورام وهو يتذكر ما حدث آنذاك، قائلاً: «إنه شخص يجبرك على الاستماع إليه عندما يتحدث، بسبب ما فعله وهو لاعب، وما فعله العام الماضي مع بولونيا، ولأنه يضع مصلحة الفريق في المقام الأول».
لم يتعرض يوفنتوس لأي خسارة تحت قيادة موتا، ولديه أفضل سجل دفاعي في الدوري الإيطالي الممتاز هذا الموسم. لكن الأمور لم تتحسن كثيراً في الناحية الهجومية، لكن الأمور تبدو مشجعة. وقد أثبت تورام نفسه لاعباً أساسياً في خط الوسط: منضبط تكتيكياً، وقوي دفاعياً، ويمنحه المدير الفني حرية التقدم للثلث الأخير من الملعب لتقديم الدعم اللازم للخط الأمامي.
وخير مثال على ذلك الهدف الأول في مرمى أودينيزي في المباراة التي انتهت بفوز يوفنتوس بهدفين دون رد هذا الشهر، عندما تقدم تورام للأمام وسدد كرة ملتوية اصطدمت بحارس مرمى أودينيزي مادوكا أوكوي، ليحتسب هدفاً من نيران صديقة. ويتجاوز تعليم تورام كرة القدم، فلم يكن والده مجرد رياضي، بل كان ناشطاً ورجل أعمال وكاتباً ومناهضاً للعنصرية، وقد غرس في ولديه نفس الروح. لقد سُمي ماركوس على اسم ماركوس غارفي، الناشط السياسي الجامايكي الذي نظم أول حركة قومية سوداء في الولايات المتحدة. أما خيفرين (خفرغ باللغة المصرية) فهو أحد فراعنة مصر القديمة. لقد كانت العائلة تقضي عطلات في الأهرامات بمصر وفي كوت ديفوار، لمعرفة التاريخ وفهم الحاضر. يقول تورام عن نشاط والده: «إنه شيء جميل. مجرد الوجود معه والاستماع إليه يجعلني أتطور». في الحقيقة، يمتلك خيفرين تورام كل الأدوات والإمكانات التي تجعله لاعباً كبيراً، فهو صغير في السن وموهوب ولديه رغبة هائلة في المنافسة بكل قوة، كما يمتلك سلاماً داخلياً ولديه رغبة في التطور والتحسن. ولعل الأهم من كل ذلك أنه يستمتع بما يفعل في كرة القدم.
*خدمة «الغارديان»