كان لدى أتلتيكو مدريد في السنوات العشرين الماضية مهاجم صريح رائع، مثل لويس سواريز، الذي سجل 21 هدفاً في الدوري الإسباني الممتاز ليقود أتلتيكو مدريد للفوز باللقب في عام 2021، مدفوعاً برغبته الهائلة في أن يثبت لمسؤولي برشلونة أنهم كانوا مخطئين عندما سمحوا له بالرحيل. وهناك أيضاً دييغو كوستا، المهاجم القوي الذي سجل 27 هدفاً مع أول فريق يفوز باللقب تحت قيادة المدير الفني الأرجنتيني دييغو سيميوني في عام 2014.
وقبل ذلك كان هناك راداميل فالكاو، المهاجم الفذ الذي سجل 34 هدفاً في جميع المسابقات عندما فاز أتلتيكو مدريد بلقب كأس ملك إسبانيا عام 2013، وكان آخر من فاز بجائزة هداف الدوري الإسباني لكرة القدم مع أتلتيكو مدريد هو دييغو فورلان، برصيد 32 هدفاً في موسم 2008 - 2009. وقبل ذلك، انطلق المهاجم الشاب فرناندو توريس من قطاع الناشئين إلى الفريق الأول وأصبح أيقونة في تاريخ النادي، بعدما كان أفضل هداف في أتلتيكو مدريد على مدار خمسة مواسم متتالية.
إنها قائمة مدججة بالنجوم المتلألئة التي تبدو وكأنها قائمة بأفضل المهاجمين في القرن الحادي والعشرين! فقد أمضى كوستا وفالكاو وفورلان، على وجه التحديد، أفضل سنوات مسيرتهم الكروية بقميص أتلتيكو مدريد. لكن في مقابل كل نجاح ساحق، حسب تقرير نشره أليكس كيركلاند على موقع «إي إس بي إن»، كان هناك فشل زريع بالقدر نفسه، حيث تعاقد النادي أيضاً مع لاعبين بمبالغ مالية طائلة، لكنهم فشلوا في التكيف مع الطريقة التي يلعب بها سيميوني، ولم يقدموا المستويات المتوقعة منهم على الإطلاق.
كان جاكسون مارتينيز يُصنف ضمن أفضل المهاجمين في أوروبا عندما وصل من بورتو مقابل 35 مليون يورو في يوليو (تموز) 2015، وبعد ستة أشهر أحرز خلالها ثلاثة أهداف فقط، رحل إلى قوانغتشو إيفرغراند في الدوري الصيني الممتاز. وكانت عودة كوستا من تشيلسي في يناير (كانون الثاني) 2018 - مقابل مبلغ مالي ضخم وصل إلى 66 مليون يورو - بمثابة كارثة، حيث لم يسجل اللاعب سوى 12 هدفاً فقط في الدوري في ثلاث سنوات، وتم إنهاء عقده قبل ستة أشهر «لأسباب شخصية».
وهناك لاعبون آخرون لم يقدموا مستويات مقنعة، مثل نيكولا كالينيتش، ولوتشيانو فيتو، وراؤول خيمينيز. وعلى مدار الموسمين الماضيين، كان هداف أتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني الممتاز هو أنطوان غريزمان، وهو لاعب رائع حقاً، لكنه ليس ماكينة أهداف. وقبل ذلك بعام واحد عندما حصد الفريق لقب الدوري، كان الهداف الأول هو أنخيل كوريا برصيد 12 هدفاً. وكان هناك أيضاً ألفارو موراتا، الذي قال هذا الصيف على وسائل التواصل الاجتماعي إنه «لا يستطيع أن يتخيل كيف سيكون شعوره عندما يفوز ببطولة بهذا القميص، ولن أتوقف حتى أفعل ذلك»، قبل أن يرحل في نهاية المطاف إلى ميلان.
وضم أتلتيكو مدريد جوليان ألفاريز من مانشستر سيتي مقابل 75 مليون يورو في 12 أغسطس (آب) 2024 ليصبح النجم الأرجنتيني ثاني أغلى صفقة في تاريخ أتلتيكو مدريد. وكان ألفاريز هو الوافد الأبرز في فترة الانتقالات الصيفية الأخيرة التي عمل خلالها أتلتيكو مدريد على إعادة بناء فريقه من خلال التعاقد مع عدد من اللاعبين الجدد، بما في ذلك ألكسندر سورلوث وروبن لو نورماند وكونور غالاغر. وأشعلت صفقة ألفاريز حماس جماهير النادي، ووصفت صحيفة «إل باييس» ألفاريز بأنه «الزعيم الجديد لمشروع النادي».
لقد بدا الأمر مختلفاً بالنسبة لألفاريز، لأنه من أقوى صفقات النادي منذ سنوات، وبالتحديد منذ وصول جواو فيليكس مقابل 126 مليون يورو في عام 2019، وربما حتى قبل ذلك. لقد حصل ألفاريز على لقب كأس العالم مع منتخب الأرجنتين، كما أنه يمتلك خبرات كبيرة وقادم من ناد كبير، ولا يزال في الرابعة والعشرين من عمره، وبالتالي فإنه لم يصل إلى ذروة مسيرته الكروية حتى الآن. وإذا لم يكن ذلك كافياً، فإنه كان يعشق سيميوني وكان مشجعاً لأتلتيكو مدريد منذ نعومة أظافره. والآن، أصبح ألفاريز لاعباً في أتلتيكو مدريد.
وقال ألفاريز لشبكة «إي إس بي إن» هذا الأسبوع: «منذ اللحظة الأولى، عاملني الجميع بشكل جيد حقاً. الموظفون والمدربون وزملائي في الفريق... هناك أشخاص أعرفهم من قبل، رودريغو دي بول، وناهويل مولينا، وكوريا من المنتخب الأرجنتيني، وأصدقائي، ولدينا كثير من الذكريات الجيدة معاً، كما فزنا معاً بعدد من الألقاب، وهو الأمر الذي يجعل علاقتنا أقوى. ومن المؤكد أن الانضمام إلى مكان تعرف فيه الناس يجعل كل شيء أسهل كثيراً».
كان ألفاريز قد انضم إلى مانشستر سيتي في عام 2022 فقط، قادماً من ريفر بليت. لقد كان لاعباً أساسياً في صفوف مانشستر سيتي في الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي، حيث لعب 36 مباراة (31 مباراة بشكل أساسي) وسجل 11 هدفاً. وخلال موسمين له في مانشستر، فاز بلقبين للدوري الإنجليزي الممتاز، ولقب دوري أبطال أوروبا في عام 2023، وبالتالي لم يكن من السهل على الإطلاق الرحيل عن الفريق الذي يدربه جوسيب غوارديولا، واحتمال الفوز بعدد لا يحصى من البطولات والألقاب.
وقال ألفاريز لشبكة «إي إس بي إن»: «كان هناك كثير من الأشياء، وكان يتعين علي اتخاذ قرار. فكرت في الأمر بنفسي، ثم تحدثت إلى أقرب الناس إليّ، وإلى أفراد عائلتي وصديقتي وأصدقائي. ثم تحدثت مع بعض اللاعبين في أتلتيكو مدريد، الذين كنت أعرفهم بالفعل. طالبوني بالمجيء، وأكدوا أني سوف أشعر بالراحة هنا، وأن هذا النادي رائع. تحدثت كثيراً مع أنطوان غريزمان، وأخبرني بأن الجماهير رائعة، وأني سوف أقع في حب هذا النادي سريعاً».
ويُعد غريزمان هو السيناريو الأفضل لأي لاعب ينتقل إلى أتلتيكو مدريد، فهو مثال للاعب المبدع الموهوب الذي تألق بشكل لافت للأنظار تحت قيادة سيميوني وأصبح أسطورة للنادي، بعدما أظهر الصفات الضرورية للنجاح في هذا النادي، مثل التواضع والعمل بكل جدية من أجل مصلحة الفريق. وبالتالي، يتعين على ألفاريز أن ينظر إلى غريزمان بوصفه نموذجاً يحتذى به.
وفاز أتلتيكو، صاحب المركز الثالث بالدوري برصيد 17 نقطة، في مباراة واحدة بين آخر أربع بالدوري، وتعادل في الثلاث المتبقية. ويقدم ألفاريز أداءً جيداً، لكنه لم يصل إلى قمة مستواه منذ وصوله إلى أتلتيكو. من جانبه، دعا سيميوني إلى التحلي بالصبر، وقال مؤخراً: «إنه فتى جيد ومجتهد، ولديه كثير من الأشياء المهمة ليقدمها لنا. حصل على فترة راحة قصيرة في الصيف، وكانت هناك شكوك تتعلق بما إذا كان سيبقى مع مانشستر سيتي أم سيأتي إلى هنا. وصل إلى هنا ولعب من دون أن يتدرب كثيراً. ثم ذهب مع منتخب الأرجنتين خلال فترة التوقف الدولي ثم عاد. هذا ليس بالأمر السهل بكل تأكيد، ويتعين علينا مساعدته. إننا نحتاج إلى أن يكون في أفضل مستوياته. سنطالبه بذلك، ونحن نعلم جيداً ما يمكنه أن يقدمه لنا».
يدرك ألفاريز جيداً أن ظروف وصوله لم تكن مثالية، حيث جاء في صيف مليء بالنجاحات، الفوز بكوبا أميركا 2024 في الولايات المتحدة، والإخفاقات أيضاً، حيث تم إقصاؤه مع منتخب بلاده من دورة الألعاب الأولمبية في باريس. وقال ألفاريز: «لقد شاركت في كوبا أميركا، ثم لعبت في دورة الألعاب الأولمبية. وفي لحظة ما كنت أفكر في أنني بحاجة إلى تغيير في مسيرتي الكروية وخوض تحدٍ جديد، وكان أتلتيكو مدريد هو الخيار الأفضل. أسعى للوصول إلى أفضل مستوياتي، وبعد المحادثات التي أجريتها مع سيميوني، شعرت أن هذا هو القرار المناسب». وأضاف: «لا أعرف ما إذا كنت أفتقد شيئاً ما. لقد كان كل شيء على ما يرام دائماً في مانشستر سيتي، وكانوا يعاملونني جيداً للغاية خلال العامين اللذين قضيتهما هناك. لقد فزنا بكثير من البطولات، وعشت لحظات رائعة، لكنني كنت أريد شيئاً مختلفاً».
وفي مانشستر سيتي، لم يكن ألفاريز يلعب على الإطلاق بوصفه مهاجماً أساسياً، ويعود السبب في ذلك إلى وجود المهاجم النرويجي العملاق إيرلينغ هالاند. لكن مع أتلتيكو مدريد، وفي ضوء المقابل المادي الضخم للصفقة واسم اللاعب الكبير في عالم كرة القدم، فمن المتوقع أن يكون المهاجم الصريح الأساسي للفريق. فهل سيتمكن من القيام بذلك؟ لم يحصل ألفاريز على القميص رقم 9 مع أتلتيكو مدريد هذا الصيف، حيث سيرتدي هذا الرقم ألكسندر سورلوث، وهو مهاجم تقليدي أكثر، تم التوقيع معه بعدما أحرز 23 هدفاً في الدوري، وتألق بشكل لافت للأنظار مع فياريال الموسم الماضي.
وعندما نلقي نظرة على مساهمات ألفاريز ندرك على الفور أن سيميوني لا يزال يبحث عن أفضل مركز للاعب مع الفريق، سواء كان مهاجماً وحيداً أو جزءاً من خط هجومي مكون من لاعبين اثنين، أو اللعب في مركز متأخر والانطلاق إلى الأمام من الخلف، أو حتى اللعب على الأطراف. وتُظهر الخريطة الحرارية للمسات اللاعبين في الدوري الإسباني الممتاز هذا الموسم أن ألفاريز يتحرك في جميع أنحاء الملعب: في المقدمة، وعلى اليسار وعلى اليمين، ويتراجع إلى العمق.
وفي مواجهة جيرونا في 25 أغسطس، بدأ ألفاريز في مركز المهاجم الصريح، في حين لعب كل من غريزمان وصامويل لينو خلفه. وبعد ثلاثة أيام، ضد إسبانيول، بدأ في خط هجومي مكون من اثنين من اللاعبين إلى جانب سورلوث، وتم استبداله سريعاً مع نهاية الشوط الأول، بينما كانت النتيجة تشير إلى التعادل السلبي. وفي وقت لاحق من ذلك الأسبوع، ضد أتلتيك بيلباو، لعب إلى جانب غريزمان، ثم استبدل ولعب بدلاً منه سورلوث في الدقيقة 70. وضد رايو فاليكانو، بدأ في خط هجومي مكون من اثنين من اللاعبين، قبل أن ينتقل للعب في الجهة اليسرى.
إنها صورة تعكس بداية أتلتيكو مدريد هذا الموسم. لم يقدم ألفاريز أداءً جيداً، لكن الفريق ككل لم يقدم أداء مقنعاً، وخسر عدة نقاط أكثر مما يجب أن يفقدها فريق يسعى للمنافسة على اللقب، كما لم يلعب ألفاريز في مركز واحد بشكل مستقر لكي يقدم أفضل أداء لديه.
وقال ألفاريز لشبكة «إي إس بي إن»: «سيميوني يطلب من اللاعبين القيام بكثير من المهام، ويحاول أن يجعل كل لاعب يقدم أفضل ما لديه داخل الملعب. وهذا هو ما أريده، أن أتطور وأتعلم، وأنا منفتح دائماً على ذلك. لقد لفت انتباهي كثيراً بالطريقة التي يعيش بها كرة القدم، والشغف الذي يراها به، وما ينقله للفريق عامة».
ربما يستطيع المهاجم الأرجنتيني أن يستمد الإلهام من البداية البطيئة لغريزمان، عندما انضم إلى أتلتيكو مدريد لأول مرة في عام 2014. لم يسجل غريزمان في أول تسع مباريات له مع أتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني الممتاز، لكن بعد عقد من الزمان، أصبح هداف النادي على مر العصور، برصيد 184 هدفاً في جميع المسابقات، فهل يمكن أن يسير ألفاريز على الطريق نفسها؟