نسيت البرازيل المضيفة قبل يوم من انتهاء ألعابها الأولمبية عام 2016 جميع مشكلاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، وحتى الفشل الرياضي الذي اختبرته من ناحية النتائج والميداليات، وذلك بعدما توّجت باللقب الوحيد الذي يغيب عن خزائنها؛ أي ذهبية مسابقة كرة القدم.
استعد البرازيليون حينها لاستضافة الألعاب بالمظاهرات والإضرابات والمشكلات السياسية التي آلت إلى إقصاء رئيسة البلاد ديلما روسيف والاستبدال بها، وإن لفترة انتقالية، غريمها ونائبها ميشال تامر، ثم ازداد غضبهم بسبب فشل رياضييهم في الارتقاء إلى مستوى الطموحات، خصوصاً أن البلد الذي يعاني اقتصادياً أنفق أموالاً طائلة من أجل استضافة الحدث.
لكن نهاية «الألعاب» حملت معها فرحة كبيرة لهذا البلد الذي احتضن «الألعاب الأولمبية» الأولى في أميركا الجنوبية؛ لأن نيمار قاده أخيراً إلى تحقيق الحلم الأولمبي وإحراز «الذهبية» التي كانت تفتقدها خزائن الـ«سيليساو».
ونجح نيمار في اختباره الأولمبي الثاني بعد 2012 في تحقيق ما عجز عنه نجوم كبار آخرون، مثل فافا ودونغا وبيبيتو وروماريو ورونالدو ورونالدينيو وريفالدو وألكسندر باتو، وقاد الـ«سيليساو» إلى المجد الأولمبي الذي طال انتظاره.
كان نيمار البطل في المباراة النهائية بتسجيله هدف التقدم أمام ألمانيا من ركلة حرّة رائعة، ثم الركلة الترجيحية الحاسمة التي أهدت بلاده «الذهبية».
جاء التتويج الأولمبي بنكهة خاصة؛ إذ إن المباراة أقيمت على ملعب «ماراكانا» الأسطوري الذي عاد بالزمن إلى عام 1950 عندما اعتقد البرازيليون أن لقبهم العالمي الأول في «الجيب»، لكن الجمهور، الذي بلغ عدده حينها 199854 متفرجاً، مني بخيبة كبيرة بعدما خسر الـ«سيليساو» مباراة لقب «موندياله» أمام جاره اللدود المنتخب الأوروغوياني 1 - 2 في مباراة كان خلالها صاحب الأرض البادئ بالتسجيل.
وما زال البرازيليون يتحسّرون على تلك المباراة الحاسمة حتى الآن، رغم أنهم عوضوا تلك الخيبة بإحرازهم الكأس الغالية 5 مرات منذ حينها.
سنحت أمام البرازيل فرصة تعويض جمهورها عندما استضافت «مونديال 2014» على أرضها لثاني مرة، إلا إن الخيبة تجدّدت بالخسارة التاريخية المذلّة أمام الغريم التقليدي المنتخب الألماني 1 - 7 في نصف النهائي، ثم اكتملت المذلة بخسارة مباراة المركز الثالث أمام هولندا بثلاثية نظيفة.
لكن نيمار ورفاقه في فريق المدرب روجيريو ميكالي عوضوا أبناء بلدهم الذين يتنفسون كرة القدم وكانوا ينتظرون تلك اللحظة طويلاً حتى وإن لم تكن كرة القدم من المسابقات «المهمة» في العالم الأولمبي.
وأصبحت البرازيل أول بلد مضيف يتوج باللقب الأولمبي منذ 1992 حين فازت إسبانيا في «أولمبياد برشلونة»، كما أصبحت ثالث بلد يضم اللقب الأولمبي إلى ألقاب كأس العالم وكأس القارات والبطولة القارية («كوبا أميركا» أو كأس أميركا) بعد الأرجنتين وفرنسا.
«إنه من أفضل الأمور التي حدثت في حياتي. على كل من انتقدني أن يبتلع لسانه»، هذا ما قاله نيمار الذي تعرّض لكثير من الانتقادات بعد المباراتين الأوليين من «الألعاب» ضد جنوب أفريقيا والعراق (0 - 0) لأنه لم يقدّم شيئاً يُذكر، مما دفع بالجمهور إلى الغناء في الملعب خلال المباراتين: «(مارتا) أفضل من نيمار» في إشارة إلى قائدة منتخب السيدات الذي خرج من نصف النهائي وفشل حتى في الحصول على البرونزية.
وانتظر نيمار حتى الدور ربع النهائي ليقول كلمته ضد كولومبيا (2 - 0)؛ المنتخب الذي حرمه من مواصلة المشوار مع بلاده في «مونديال 2014» بسبب إصابته في ظهره خلال مباراة الطرفين في ربع النهائي، ثم تسبّب في حرمانه من إكمال المشوار في «كوبا أميركا 2015» بعد طرده أمامه في الدور الأول.
واكتملت استفاقة نيمار في نصف النهائي بتسجيله ثنائية ضد هندوراس (6 - 0)، قبل أن يحسم نهائي التتويج ضد الألمان الذين أذلوا بلاده قبل عامين في «مونديالها».
يؤكد ميكالي: «إنه زمن مختلف مع لاعبين مختلفين وأعمار مختلفة. الجمهور يلعب دوره، ونحن بحاجة إلى الجمهور؛ لأننا نواجه منتخباً ألمانياً قوياً جداً. الجمهور يريد ما يريده، لكن ليس هناك أي رابط بين تلك المباراة وهذه المباراة».
وقال ميكالي: «قلت لنيمار إن الربّ أعطاه فرصة ثانية. الربّ يحبّ نيمار كما يحبّ كل هذا الفريق»، وهذا ما قاله الحارس ويفرتون الذي لعب دوراً أساسياً في هذا التتويج بصده الركلة الترجيحية الخامسة للألمان، مضيفاً بإيمان كبير: «اللعب باركني».
ومن المؤكد أن «القدرة الإلهية» أرادت تجنيب نيمار اختبار خيبة أخرى يضيفها إلى الخيبات الكثيرة التي اختبرها بقميص المنتخب الوطني؛ إن كان على الصعيد العالمي أو القاري أو حتى الأولمبي؛ لأنه كان الركن الأساسي في التشكيلة التي خسرت «نهائي 2012» أمام المكسيك.
وتجنب نيمار أن يعيش خيبة أولمبية ثانية على التوالي وأن ينضم إلى نجوم كبار آخرين سقطوا في النهائي؛ إنْ كان في «لوس أنجليس 1984» أمام فرنسا أو «سيول 1988» أمام الاتحاد السوفياتي حين كان المنتخب يضم في صفوفه تشكيلة مرعبة جمعت روماريو وبيبيتو وكاريكا وفالدو ومازينيو.
«قد حققت حلمي»؛ أكد نيمار بعد المباراة، مضيفاً: «وأن أحقق حلمي في موطني؛ فهذا الأمر يجعلني فخوراً جداً»، متطرّقاً إلى الركلة الترجيحية الأخيرة التي نفذها بالقول: «كل ما فكرت فيه هو أنه علي فعل ذلك (التسجيل)».