«أولمبياد 1988»: البلد المضطرب في آسيا أصبح الأبرز عالمياً

سيرغي بوبكا (رويترز)
سيرغي بوبكا (رويترز)
TT

«أولمبياد 1988»: البلد المضطرب في آسيا أصبح الأبرز عالمياً

سيرغي بوبكا (رويترز)
سيرغي بوبكا (رويترز)

سيول (9 ملايين نسمة)، عاصمة كوريا الجنوبية، بلاد بعيدة للغاية استضافت حدثاً كبيراً جداً، هو دورة الألعاب الأولمبية الرابعة والعشرون عام 1988.

كانت كوريا الجنوبية وقتذاك بلداً مضطرباً في آسيا، ومحور الاهتمام العالمي، بلد الترقب والمتناقضات، كان سكانها أناساً في إمكانهم أن يسحروا المرء أو أن يرعبوه. كانت بلداً لا يزال يبحث عن هوية، وعاصمة قفزت مباشرة من القرون الوسطى إلى عام 2000.

عندما وافقت اللجنة الأولمبية الدولية على منح سيول حق تنظيم الألعاب الأولمبية بـ52 صوتاً عام 1981 في مدينة بادن في ألمانيا الغربية، برزت كوريا الجنوبية بين عشية وضحاها في الواجهة السياسية لعالم الرياضة. وفجأة تبيّن أن الناس يعرفون قليلاً عنها باستثناء تذكّرهم الحرب الكورية التي اندلعت ما بين 1950 و1953.

أصبح البلد الهادئ مستعمرةً يابانيةً خلال الفترة ما بين 1910 و1945. ومع انفراط التحالف الأميركي - السوفياتي عام 1945، عرفت كوريا الاضطرابات، وقسّمت الدول العظمى كوريا إلى كوريتين، وكان هذا التقسيم أقسى من تقسيم ألمانيا وأشدّ رهبة.

في كوريا الجنوبية كانت الغالبية العظمى من المواطنين مصمّمة على إظهار أفضل وجه لبلادها (أ.ف.ب)

فهناك منطقة منزوعة السلاح على خط العرض 38، وليست فيها اتصالات بريدية، ولا هاتف ولا خط مواصلات. وتماماً مثل معجزة الصعود الألماني بعد الحرب العالمية الثانية، نهض الكوريون بقوة، ورغم قلقهم من الاضطرابات السياسية التي تعكّر نموهم الاقتصادي وحلفهم الوثيق مع الولايات المتحدة، فإن الكوريين الجنوبيين يعتمدون على أنفسهم في أمور كثيرة.

وهذه الناحية ليست جديدة على المجتمع الكوري، أرض التايكوندو، إحدى الرياضات القتالية القديمة التي مورست منذ أكثر من ألفي عام، إلى جانب السيسروم، أحد أنواع المصارعة الكورية القديمة.

وفي 17 سبتمبر (أيلول) 1988 تناست كوريا الجنوبية همومها ومشكلاتها على مدى 16 يوماً، وكانت سيول قبلة العالم وعاصمته، حيث أُقيمت أضخم دورة أولمبية حتى تاريخه، وكسبت الرهان بتقديم ألعاب باهرة.

وفي كوريا الجنوبية «أرض الصباح الهادئ»، كانت الغالبية العظمى من المواطنين مصمّمة على إظهار أفضل وجه لبلادها أمام العالم، وفي حفل الافتتاح تجلّى تاريخ البشرية كلّه في الاستعراض الذي أُقيم في الاستاد.

وللمرّة الأولى في تاريخ الألعاب، بدأت مراسم المهرجان من خارج الملعب وتحديداً من مياه نهر هان المجاور، حيث كانت سفينة كبيرة تتقدّم أسطولاً من 5 آلاف زورق، وتقوم باستعراضات رائعة.

تفوّق سوفياتي

وسُجّلت عودة كرة المضرب للمرة الأولى منذ 64 عاماً، ودخول كرة الطاولة (اللعبة الدبلوماسية).

وفي ثاني مدينة آسيوية تستضيف الألعاب بعد طوكيو عام 1964، وتحسّباً لأي ردود فعل بعد المظاهرات الطلابية التي قمعتها السلطات قبل الدورة، خُصّصت تدابير أمنية غير عادية.

وشهد أسبوعا المنافسات حصد الاتحاد السوفياتي 55 ذهبية، وحلّت ألمانيا الشرقية ثانية بـ37، والولايات المتحدة ثالثة بـ36. وبذلك كرّر الاتحاد السوفياتي إنجاز الصدارة للمرّة السادسة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

أما أبرز نتيجة عربية فكانت ذهبية للمغربي إبراهيم بوطيب في سباق 10 آلاف متر.

إبراهيم بوطيب (رويترز)

سباق القرن

وسَجّلت الدورة عودة علنية للمحترفين، ففازت الألمانية الغربية شتيفي غراف بذهبية كرة المضرب، ووصلت المنافسة بين الأميركي كارل لويس والكندي بن جونسون في سباق 100متر إلى القمة، فأُطلق عليه «سباق القرن».

وفاز جونسون مع رقم عالمي جديد مقداره 9.73 ثانية في 24 سبتمبر، ثم انفجرت أشهر فضيحة في التاريخ الأولمبي بعد 3 أيام، حيث تبيّن أن العداء الكندي تناول منشطات فقُدّمت الذهبية إلى غريمه وشُطب الرقم.

والأوفر ألقاباً بين الرجال كان السبّاح الأميركي مات بيوندي الذي أحرز 7 ميداليات، منها 5 ذهبيات في سباقات 50 و100 متر حرة، والتتابع 4 مرات 100 متر، و4 مرات 200 متر حرة، و4 مرات 100 متر متنوعة.

وكانت الألمانية الشرقية كريستين أوتو نجمة الأحواض والأولمبياد معاً، فقد انتزعت 6 ذهبيات من أصل ميداليات بلادها الـ37، أي أقلّ من السدس بقليل.

ووحده الأميركي غريغ لوغانيس تمكّن من الاحتفاظ بلقبين، وذلك بعد فوزه في مسابقتَي الغطس المثيرتين. وكاد يفقد حياته خلال المنافسات، إذ اصطدم رأسه باللوحة المخصّصة للقفز وهو في الهواء في اتجاه الحوض، فسقط في الماء الذي تعكّر بالدم. بيد أن السباح الأميركي نجح في الخروج بمفرده من دون مساعدة ووُضعت له 4 غرز.

وبعد نصف ساعة، عاد لوغانيس إلى المنصّة وأعاد القفزة ذاتها وحقق أفضل نقطة في الدور التمهيدي.

وإلى الميدالية الذهبية في سباق 100 متر بعدما عادت إليه حقوقه، اجتاز الأميركي كارل لويس 8.72 متر في الوثب الطويل، ما ضمن له الاحتفاظ بالذهبية أيضاً.

ورافق انتصار مواطنته فلورنس غريفيث جوينر ذات الصوت العريض والأظافر الطويلة الملونة في سباقَي 100 متر و200 متر ورقميها القياسيَّين العالميَّين المثيرين للجدل 10.54 ثانية و21.34 ثانية تساؤلات عدة. وفازت مواطنتها جاكي جوينر كيرسي بذهبية الوثب الطويل والمسابقة السباعية.

غريفيث جوينر (أ.ف.ب)

بوبكا عالياً

وأخيراً بات بطل العالم السوفياتي سيرغي بوبكا بطلاً أولمبياً في القفز بالزانة، وهو الموقع الطبيعي للقافز الفذ. في سيول، اجتاز ارتفاع 5.90 متر، فاهتزت العارضة ولم تقع ما ضمن له الميدالية الذهبية بعد مخاض عسير أمام مواطنيه روديون غاتولين، وسيرغي ايغوروف.

وتألق بطل الجمباز السوفياتي فلاديمير أرتيموف، وأضحى الرّباع التركي نعيم سليمان أوغلو بطل الملايين في بلاده الجديدة والمحرومين في موطنه السابق بلغاريا، الذي لم يستطع أن ينافس تحت رايته في لوس أنجليس 1984؛ بسبب «المقاطعة الشرقية».

وكانت الموهبة الفذّة أو هرقل العصر دجاجة ذهب لتركيا، وهو تمكّن في سيول من تحقيق 6 أرقام عالمية في وزن 60 كيلوغراماً، ورفع 3 أضعاف وزنه!.

وكما كان للدورة نجومها وأبطالها، فإن سجل الخاسرين ضم نجوماً بارزين في طليعتهم المغربي سعيد عويطة الذي خسر رهانه وتحديه، وبطل 400 متر حواجز الأميركي إدوين موزيس، وعملاق المسابقة العشارية البريطاني ديلي تومسون، وسلطان رمي المطرقة السوفياتي يوري سيديخ، وبطل التجديف الفنلندي بيرتي كاربنتينن الذي لم يخسر في الفردي منذ دورة مونتريال 1976.

وإذا كانت لا تمرّ دورة من دون مفارقات، يُسجّل في سيول بعض الاتهامات بالتلاعب بنتائج الرماية والملاكمة، والتهجم على الحكام وضربهم، ومن أبرزها تحوّل حلبة الملاكمة التي كانت تقام عليها مباراة الكوري الجنوبي بيون يونغ والبلغاري ألكسندر خريستوف، إلى مسرح لفوضى كبيرة واشتباكات عدة.

كما سُجِّلت محاولةُ سرقة تمثال من أحد الملاهي الليلية، قام بها بطلا السباحة الأميركيان في فريق التتابع 4 مرات 400 متر، تروي دلبي ودوغ جيرتسن.

شتيفي غراف (رويترز)

المنشطات تضرب

وإلى جانب الفضيحة المدوية في المنشطات وبطلها الكندي بن جونسون، أُثيرت فضيحة الرّباعين البلغار الذين عادوا إلى بلادهم بعدما اكتُشف تعاطي مواطنَيهم متكو غرابليف وأنجيل غونيتشيف الحائزَين ذهبيتَي وزنَي 56 و67 كيلوغراماً العقاقير الممنوعة.

ولحق بهم المجريون بعدما اكتشفوا أن رباعهم أندرو تشاين الحائز فضية وزن 100 كيلوغرام متنشط.

أما الاكتشاف الحسّي للحالات فشمل 6 رباعين، فضلاً عن لاعبين في الخماسي الحديث ولاعب جودو، و«أبطالها» من إسبانيا وإنجلترا وأستراليا.


مقالات ذات صلة

«أولمبياد باريس»: منع هولندي مدان بالاغتصاب من التحدث للإعلام

رياضة عالمية ستيفن فان دي فيلدي (يسار) ممنوع من الحديث لوسائل الإعلام (الاتحاد الهولندي)

«أولمبياد باريس»: منع هولندي مدان بالاغتصاب من التحدث للإعلام

قال بيتر فان دن هوغنباند، رئيس بعثة هولندا، إن اللجنة الأولمبية الهولندية تتخذ إجراءات للتخفيف من تأثير وجود لاعب مدان بالاغتصاب ضمن البعثة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية «الداخلية الفرنسية» رفضت آلاف طلبات الاعتماد لتغطية أولمبياد باريس (أ.ف.ب)

فرنسا ترفض 4 آلاف طلب اعتماد لتغطية الأولمبياد لمخاوف أمنية

قال وزير الداخلية الفرنسي، الأحد، إن الأجهزة الأمنية في البلاد رفضت أكثر من 4 آلاف طلب للحصول على اعتماد لأولمبياد باريس 2024.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية سحب زجاجات مياه غير مطابقة للمواصفات من «أولمبياد باريس» (أ.ب)

سحب قوارير مياه تحمل علامة «أولمبياد باريس 2024» لأسباب صحية

استدعت السلطات الفرنسية قوارير مياه معدنية تحمل العلامة التجارية لـ«أولمبياد باريس 2024» بسبب احتوائها على مستويات مرتفعة من مادة «بيسفينول إيه».

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية أوسكار بياستري سائق مكلارين بطل سباق «جائزة المجر الكبرى» (رويترز)

«جائزة المجر الكبرى»: بياستري سائق مكلارين يفوز بالسباق

فاز أوسكار بياستري، سائق مكلارين، بجائزة المجر الكبرى، ضمن بطولة العالم لسباقات «فورمولا 1» للسيارات، الأحد.

«الشرق الأوسط» (بودابست)
رياضة عالمية الشاب جواو نيفيز خلال مشاركته في «يورو 2024» (أ.ف.ب)

رئيس بنفيكا: آرسنال ويونايتد وسان جيرمان مهتمون بضم جواو نيفيز

قال روي كوستا، رئيس نادي بنفيكا البرتغالي، إن النادي تلقى عرضاً من أجل الحصول على خدمات لاعب الوسط جواو نيفيز، البالغ من العمر 19 عاماً.

«الشرق الأوسط» (برلين )

فرنسا ترفض 4 آلاف طلب اعتماد لتغطية الأولمبياد لمخاوف أمنية

«الداخلية الفرنسية» رفضت آلاف طلبات الاعتماد لتغطية أولمبياد باريس (أ.ف.ب)
«الداخلية الفرنسية» رفضت آلاف طلبات الاعتماد لتغطية أولمبياد باريس (أ.ف.ب)
TT

فرنسا ترفض 4 آلاف طلب اعتماد لتغطية الأولمبياد لمخاوف أمنية

«الداخلية الفرنسية» رفضت آلاف طلبات الاعتماد لتغطية أولمبياد باريس (أ.ف.ب)
«الداخلية الفرنسية» رفضت آلاف طلبات الاعتماد لتغطية أولمبياد باريس (أ.ف.ب)

قال وزير الداخلية الفرنسي، الأحد، إن الأجهزة الأمنية في البلاد رفضت أكثر من 4 آلاف طلب للحصول على اعتماد لأولمبياد باريس 2024 بسبب مخاوف تتعلق بالتجسس والهجمات السيبرانية.

وقال جيرالد دارمانان إن السلطات الفرنسية قامت حتى الآن بفحص ما يقارب مليون طلب اعتماد للألعاب التي ستنطلق يوم 26 يوليو (تموز) الحالي، وإنها رفضت 4340 طلباً، بعضها بسبب صلات بجماعات إسلامية متشددة، أو للاشتباه في كونهم جواسيس أجانب.

وجرى رفض ما يقرب من 100 طلب بسبب مخاوف التجسس أو مخاوف من كونهم عملاء يحاولون الحصول على اعتماد باستخدام مهنة مختلفة.

وقال دارمانان لصحيفة «جورنال دو ديمانش» الأسبوعية: «ربما لن يكونوا هنا لتنفيذ هجمات، لكن بالإضافة إلى الاستخبارات والتجسس التقليدي، هناك إمكانية الوصول إلى نقاط الدخول إلى شبكات الكمبيوتر لتنفيذ هجوم سيبراني».

وأضاف أنهم تقدموا بطلبات للعمل صحافيين أو موظفين تقنيين، وأن بلدانهم الأصلية هي روسيا وروسيا البيضاء، من بين دول أخرى لم يذكرها.

وقال: «على سبيل المثال، رفضنا عدداً كبيراً من (الصحافيين) الذين زعموا أنهم يغطون الألعاب. من ناحية أخرى، قبِلنا حضور الروس الذين يعملون في اللجنة الأولمبية الدولية. نحن نطبق مبدأ الاحتراز».

وسُمح للصحافيين الروس بالحصول على اعتماد لتغطية الألعاب، ووصلوا بالفعل إلى العاصمة الفرنسية.

وستنشر باريس 45 ألف فرد أمن لضمان سلامة الألعاب، وحفل الافتتاح الفريد من نوعه الذي سيقام على طول نهر السين، حيث ستطفو قوارب تحمل الرياضيين أمام مئات آلاف المتفرجين.

وخفض المنظمون العدد المبدئي للمتفرجين في حفل الافتتاح من 600 ألف إلى نحو 300 ألف شخص.