قصة مبابي... كل ما هو نادر فهو ذو قيمة!

الكتاب الكوميدي للنجم الفرنسي يحكي قصة لاعب ولد في كرة القدم

مبابي بدأ مسيرته مع موناكو في سن الرابعة عشرة (أ.ف.ب)
مبابي بدأ مسيرته مع موناكو في سن الرابعة عشرة (أ.ف.ب)
TT

قصة مبابي... كل ما هو نادر فهو ذو قيمة!

مبابي بدأ مسيرته مع موناكو في سن الرابعة عشرة (أ.ف.ب)
مبابي بدأ مسيرته مع موناكو في سن الرابعة عشرة (أ.ف.ب)

«لقد وُلدت في كرة القدم»، هكذا تقول نسخة كرتونية من كيليان مبابي في الكتاب الهزلي «Je M'appelle Kylian» الصادر عام 2020، والذي يبدأ بفقس اللاعب من بيضة على شكل كرة قدم.

بحسب شبكة The Athletic، تم نشر الكتاب الكوميدي من قبل فريق مبابي ومنذ البداية، تم صياغة قصته وتنظيمها بعناية فائقة. حتى قبل أن يغادر مبابي ضاحية بوندي الباريسية، حيث نشأ، للانضمام إلى موناكو في سن الرابعة عشرة، كان العمل قد بدأ. وقد استمر هذا العمل مع فوزه بكأس العالم مع فرنسا، وأصبح الهداف التاريخي لباريس سان جيرمان، والآن انتقل أخيراً إلى ريال مدريد الذي طال انتظاره.

اليوم يتم تقديمه لاعبا للريال في برنابيو الذي يمتلئ عن آخره.

على طول الطريق، كان مبابي والمقربون منه على دراية تامة بقيمته. هناك الكثير من التناقضات - طفل من «بانليو» (حي) فقير يعاشر الرؤساء؛ وسفير للعلامات التجارية العالمية الفاخرة يقول إن طعامه المفضل هو خبز الباغيت بلحم الخنزير - ولكن هناك أيضاً خيط أساسي.

ريال مدريد قام بعرض قميص مبابي في متاجره (أ.ف.ب)

يقول جان بابتيست جيجان، المؤلف المشارك مع كليمنت بيرنيا للسيرة الذاتية التي نُشرت مؤخراً: «لقد أدرك كيليان مبابي أنه لا يكفي النجاح على أرض الملعب. بدأت قصته قبل الملعب. إنها تبدأ بإتقانه لقنواته ووسائطه الخاصة، من خلال الشركاء والرعاة الذين اختارهم، والتي تتوافق مع قيمه وتستند إلى فكرة أن كل ما هو نادر فهو ذو قيمة».

معظم النجوم الصاعدة اليوم سرعان ما يتعاقدون مع وكيل أعمال كبير لإدارة شؤونهم، لكن مسيرة مبابي المهنية كانت تدار دائماً من قبل عائلته. فقد كان والده ويلفريد، وهو لاعب هاوٍ سابق، يشرف على الجانب الكروي. أما والدته، فايزة لعماري، التي لعبت كرة اليد على مستوى عالٍ في فرنسا، فقد اعتنت بصورته وأنشطته التجارية.

وقد استفاد كلاهما من الخبرة التي اكتسباها في توجيه شقيق مبابي بالتبني، جيريس كيمبو إيكوكو، الذي يكبره بعشر سنوات، حيث تطور من معجزة صغيرة موهوبة إلى محترف مع نادي رين في الدوري الفرنسي الدرجة الأولى لكرة القدم.

في عام 2017، عندما كان مبابي في سن المراهقة في موناكو، تم تأسيس شركة تدعى KEWJF، وهي اختصار لـكيليان وإيثنز شقيق مبابي الأصغر، وويلفريد وجيريس وفايزة، وكانت والدته رئيسة الشركة وكيليان مساهماً فيها بنسبة 100%.

كان هذا لتولي جميع الترتيبات التجارية والتسويقية، وإحكام السيطرة على الصورة التي يتم عرضها. كان المستشار المهني الخارجي الوحيد للعائلة هو دلفين فيرهايدن، وهو محامٍ رياضي كبير مقيم في باريس.

يقول جيجان: «مشروع مبابي هو أولاً وقبل كل شيء مشروع عائلي بقيادة والدته ووالده. خلال موسم مبابي الاحترافي الأول، تم تنظيم فريق مبابي وإضفاء الطابع الاحترافي عليه تدريجياً. لقد أصبح مشروعاً عائلياً صغيراً ويقظاً وخيراً ومهتماً بعالم كرة القدم ونواقصه».

صور مبابي حضرت في كل مكان في مدريد (رويترز)

لطالما كان التواصل مهماً جداً بالنسبة للفريق مبابي. عندما كان صبياً، درس مقابلات النجوم الذين كان يخطط للاقتداء بهم، بما في ذلك كريستيانو رونالدو وتيري هنري. ومن أشهر الأمثلة على نباهته الإعلامية عندما كان عمره 14 عاماً. طُلب من المتدربين في موناكو أن يصمموا غلافاً لمجلة يظهرون فيها أنفسهم. كانت نسخة مبابي من مجلة «التايم» تبشر بأنه «أفضل لاعب شاب في العالم».

لعب مبابي أول مباراة له في الدوري الفرنسي مع موناكو في ديسمبر (كانون الأول) 2015، وكان عمره 16 عاماً و11 شهراً و12 يوماً. في موسمه الأول الكامل، 2016-2017، سجل 26 هدفاً وصنع 14 هدفاً في 44 مباراة في جميع المسابقات، بما في ذلك عروضه المثيرة في طريقه إلى لقب الدوري الفرنسي والدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا.

كان الصحافيون متحمسين لسماع أخباره، وكان هو أيضاً متحمساً لسرد قصته. بعد أن سرّع فوزه مع فرنسا في نهائي كأس العالم 2018 من صعوده إلى النجومية الكاملة، ظهر مبابي على الغلاف الحقيقي لمجلة «التايم»، وهذا يأتي بعد أربع سنوات فقط من ذلك التمرين المدرسي.

يقول «جيجان»: «حتى في مقابلته الأولى، كان مرتاحاً وحازماً ومستعداً ومتأهباً ويتحدث بالفعل تقريباً عما يدور في ذهنه. لذا، لا، لم يقم فريقه بإعداده، بل شجعوه، وقاموا بحمايته. إنه يعرف ما يتحدث عنه، ويعرف ما يجب أن يقوله، ولا يتردد في أن يكون صريحاً، في حين أن تواصل الآخرين يكون سلساً أو حتى غير متكلف.

من المرجح أن يتابع حفل تقديم مبابي الملايين من الجماهير العالمية (أ.ب)

لهذا السبب تحبه وسائل الإعلام الفرنسية، كما أن وسائل الإعلام الأجنبية تتهافت عليه».

أصبحت شركة «نايكي» أول شريك تجاري لفريق مبابي، حيث قدمت له حذاءً مجانياً منذ أن كان عمره 10 سنوات وأول عقد تجاري بعد عامين. ومع بزوغ نجمه، رفضت العائلة كثيرا من الفرص التجارية، مفضلين العمل فقط مع العلامات التجارية النخبوية التي اعتبروها مناسبة له.

في فبراير (شباط) 2020، بعد فترة وجيزة من بلوغه سن 21 عاماً، كتب مبابي مقالاً لصحيفة «منبر اللاعبين» وكان مليئا بالدروس المستفادة من نشأته في بوندي، وهي جزء من منطقة سين سان دوني، وهي منطقة في باريس ذات معدل فقر مرتفع ويعيش فيها عدد كبير من المهاجرين.

وكتب يقول: «في بوندي، تتعلم قيماً تتجاوز كرة القدم. ربما ليس هناك الكثير من المال. لكننا حالمون. ربما لأن الحلم مجاني».

عائلة مبابي في حيّهم أصيلة، حيث عملت والدته في مشاريع شبابية مع المجلس المحلي، وهي مقربة من رئيسة بلدية بوندي السابقة رئيسة البلدية السابقة سيلفين توماسين. كما عايشت العائلة بشكل مباشر الاضطرابات الاجتماعية التي شهدتها بوندي في عام 2005، والتي شملت احتجاجات في الشوارع.

لطالما كانت عائلة مبابي واضحة جداً في رد الجميل حيث تم بعد الفوز بكأس العالم 2018، التبرع بمكافأة كيليان البالغة 350 ألف يورو إلى جمعية «بريميرز دي كوردي» (الأول في الصف)، وهي جمعية خيرية تساعد الأطفال المعاقين من خلال الرياضة.

اللعب في الدوري الفرنسي حد من انتشار مبابي (رويترز)

في عام 2020، تم إنشاء مؤسسة Inspired By KM التي تحصل على 30% من أرباح مبابي، ومن خلال أنشطتها تلقى 49 ولداً و49 فتاة تتراوح أعمارهم بين 13 و21 عاماً التعليم لإعدادهم لمهن مستقبلية.

لقد سعى مبابي إلى مزج هذا الضمير الاجتماعي مع شراكاته التجارية بطريقة تبدو جديدة للغاية، حيث أطلقت شركة «نايكي» في ديسمبر 2019، مجموعة ملابس تحمل العلامة التجارية «بوندي دريمز» التي تحمل الرقم 93، وهو الرقم الإداري لمنطقة سين سان دوني. وهي صفقة تتعلق بجمعية خيرية للأطفال الذين يعانون من ضعف البصر.

يقول غاريث بالش، الرئيس التنفيذي لشركة وكالة التسويق Two Circles: «مبابي يولّد قيمة للأشخاص الذين يعمل معهم من خلال تقديم شخصيته بطريقة أصيلة، حيث يدعم القضايا التي يؤمن بها. وهذا ما يجعل متابعيه الضخمة متحمسين للغاية بكل ما يتحدث عنه».

على غرار كثير من اللاعبين الفرنسيين الآخرين من أصول مهاجرة، لم يشعر مبابي دائماً بالقبول التام من الجميع في فرنسا. بعد إضاعته لركلة جزاء في ركلات الترجيح عندما خرجت فرنسا من «يورو 2020» على يد سويسرا في دور الـ 16، تلقى إساءات عنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي. كان مستاءً للغاية من عدم تلقيه المزيد من الدعم الرسمي، حتى إنه فكر علناً في الاعتزال الدولي في سن 22 عاماً.

مشجعو الريال ارتدوا قميص كيليان مبابي الجديد في المتجر الرسمي قبل حفل التقديم (رويترز)

ومع ذلك، بدا مبابي أيضاً مرتاحاً للاختلاط مع الأقوياء. كونه لاعباً لباريس سان جيرمان يعني الحصول على أموال من النادي. كما أنه أصبح ودوداً علناً مع الرئيس الفرنسي الوسطي إيمانويل ماكرون، إلى حد أنه سار على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي.

كيليان مبابي رجل ذكي يدرك أنه في يومنا هذا لا يمكنك أن تكون رياضياً رفيع المستوى يتمتع بنفوذ عالمي دون اتخاذ موقف.

في مارس (آذار) 2022، قاد مبابي مقاطعة بعض الأنشطة التجارية للمنتخب الفرنسي الأنشطة التجارية، لعدم رغبته في الارتباط بمنتجات مثل سلاسل الوجبات السريعة وشركات المراهنات. وقد كان سفيراً لعلامة تجارية لأغذية الأطفال الأكثر صحية تسمى «غود غوت».

مبابي بدأ مسيرته مع موناكو في سن الرابعة عشرة (أ.ف.ب)

كما اتخذ مبابي - وهو الآن قائد منتخب فرنسا - موقفاً من الانتخابات البرلمانية الفرنسية خلال «يورو 2024»، بعد فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف (التجمع الوطني) بمعظم الأصوات في الجولة الأولى، ووصف النتائج بـ«الكارثية» وقال: «نأمل أن يتجند الجميع ويصوتوا للجانب الصحيح» في الجولة الثانية.

يقول جيجان: «إنه قادر على اتخاذ موقف ضد عنف الشرطة، وهو قادر على متابعة حركة (حياة السود مهمة)، لكننا لم نسمع منه الكثير بعد اندلاع أعمال الشغب في المدن (في فرنسا في يوليو/تموز 2023). في الانتخابات التشريعية الأخيرة، اتخذ موقفاً ضد النقيضين، في حين دعا زميلاه في الفريق ماركوس تورام وجول كوندي إلى التصويت ضد التجمع الوطني».

تتضمن قصة «Je m'Appelle Kylian» الهزلية مشاهد لمبابي الصغير وهو يتلقى قميص ريال مدريد في عيد الميلاد بسعادة غامرة، بينما انتشرت صورة لغرفة نومه في سن المراهقة مزينة بملصقات لكريستيانو رونالدو وهو يلعب للنادي الإسباني قبل سنوات.

من المعروف أيضاً أن مبابي البالغ من العمر 14 عاماً كان برفقة مواطنه ولاعب ريال مدريد السابق ولاحقاً مديره الفني الفائز بدوري أبطال أوروبا ثلاث مرات زين الدين زيدان في جولة في ملعب تدريب ريال مدريد، رغم أن هذا التعلق لم يمنعه من رفضه مرتين على الأقل، للبقاء في باريس سان جيرمان في عام 2022، ما أزعج رئيس النادي فلورنتينو بيريز بشدة،

من المقرر أن يحضر أكثر من 80 ألف مشجع متحمس الحفل (رويترز)

لن يتم التطرق إلى أي مشكلات سابقة خلال حفل تقديم فائق التنظيم اليوم في ملعب سانتياغو برنابيو الذي تم تجديده بتكلفة باهظة في مدريد. من المقرر أن يحضر أكثر من 80 ألف مشجع متحمس للحفل، ومن المرجح أن يتابع الحدث الملايين من الجماهير العالمية عبر الإنترنت.

يقول مارتن: «الانتقال إلى مدريد يمكن أن يرفع من شأنه مرة أخرى. إنه نجم كبير بالفعل، لكن اللعب في الدوري الفرنسي حد من انتشاره. مدريد على مستوى عالمي مختلف من الناحية التجارية. مثلما حدث مع (جود) بيلينغهام».

من بين الأسباب التي أدت إلى بقاء مبابي في باريس سان جيرمان لفترة طويلة الراتب الفلكي الذي لا يمكن حتى لمدريد أن يضاهيه. ومن الأمور ذات الصلة هو إصرار بيريز على أن يتقاسم اللاعبون، حتى أكبر نجوم المجرة السابقين مثل ديفيد بيكام وكريستيانو رونالدو، دخل حقوق صورهم مناصفة مع النادي.

مبابي سيحصل على 80% من حقوق الصور (أ.ف.ب)

لقد كان مبابي وفريقه حساسين للغاية بشأن حماية حقوق صورته، ما تسبب في توتر مع باريس سان جيرمان والاتحاد الفرنسي لكرة القدم.

كانت المفاوضات مع ريال مدريد حول حقوق الصورة معقدة، لكن يقال إن لاماري وفيراهيدن استخدما قوتيهما التفاوضية للحصول على ما يصل إلى 80% من تلك الأموال للاعب. وفي المقابل، وافق مبابي على الحصول على أجر أساسي لا يفوق كثيراً أجر زميليه في فريقه الجديد فينيسيوس جونيور وجود بيلينغهام. وتشير التقارير إلى أن اللاعب سيحصل على مكافأة توقيع بقيمة 150 مليون يورو، مع راتب سنوي قدره 15 مليون يورو.

يقول سيمون أوليفيرا، المدير الإداري لوكالة KIN Partners: «بعد أن عملت مع ريال مدريد ومع كيليان، فكلاهما يفكر بالطريقة نفسها في التعامل مع العلامات التجارية. وهذا يعني أن يكونا انتقائيين ويعملا بشكل أساسي مع العلامات التجارية المتميزة، لذلك أرى الكثير من التآزر بينهما. وحتى عندما كان بيكام هناك، فإن 95% من الصفقات كانت تتمحور حول الفريق وليس حول الفرد».

الانتقال إلى مدريد سيعزز من حضور مبابي عالمياً (رويترز)

في فبراير الماضي، ومع تأكد خروجه من باريس سان جيرمان بالفعل، تحرك فريق مبابي لحماية علامته التجارية من خلال تسجيل اسمه وشعار شركته ووضعية الاحتفال بالهدف وحتى مقولة «لو فوتبول تغيرت» كعلامات تجارية على المستوى الأوروبي.

كل ذلك يعني فصلاً جديداً في هذه القصة المصممة بعناية. فمع وجود فريق كرة قدم جديد على أرض الملعب، وفريق معزز يدعم علامته التجارية، يمكن أن يصبح مبابي أحد أشهر الرياضيين في التاريخ وأكثرهم دخلاً.

يقول جيجان: «الأمر متروك له الآن ليؤكد ما إذا كان حقاً في فئة بيليه أو جوردان أو روجيه فيدرر أو تايغر وودز».

«هذه القصة تبدأ الآن».



كيف ضلت البرازيل طريقها ووصلت إلى الحضيض؟

المدرب البرازيلي دوريفال جونيور يتقدم مسيرة لاعبيه المهزومين (أ.ف.ب)
المدرب البرازيلي دوريفال جونيور يتقدم مسيرة لاعبيه المهزومين (أ.ف.ب)
TT

كيف ضلت البرازيل طريقها ووصلت إلى الحضيض؟

المدرب البرازيلي دوريفال جونيور يتقدم مسيرة لاعبيه المهزومين (أ.ف.ب)
المدرب البرازيلي دوريفال جونيور يتقدم مسيرة لاعبيه المهزومين (أ.ف.ب)

إذا لم يكن هذا هو الحضيض بالنسبة لمنتخب البرازيل، فمن المؤكد أنه بات قريبا جدا، بعد الخروج المبكر مرة أخرى من إحدى البطولات الكبرى! لقد صنع المنتخب البرازيلي التاريخ، ولكن بشكل سلبي غير مرغوب فيه، حيث كانت هزيمته أمام أوروغواي بركلات الترجيح في الدور ربع النهائي لـ«كوبا أميركا» تعني أن هذه هي المرة الثامنة التي يودع فيها «السيلساو» بطولة تقام خارج البرازيل قبل الدور نصف النهائي منذ عام 2000. قد لا تكون هذه الخسارة بقسوة الهزيمة نفسها في المباراة النهائية لكأس العالم عام 1950، أو الخسارة أمام ألمانيا بسبعة أهداف مقابل هدف وحيد في مونديال 2014 بالبرازيل، لكن الهزيمة الأخيرة ترسم صورة قاتمة لكرة القدم البرازيلية بنفس قدر هاتين الهزيمتين الشهيرتين.

وقبل انطلاق بطولة «كوبا أميركا» الحالية، لم تكن هناك توقعات كبيرة بأن تفوز البرازيل بلقبها العاشر. لكن كان من الممكن أن تستغل البرازيل هذه البطولة كفرصة لبناء الزخم واستعادة الثقة. وبعد سنوات من الاضطرابات في الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، كان هناك أمل في أن يكون الأداء القوي بمثابة نقطة تحول قبل الجولة التالية من تصفيات كأس العالم، التي تحتل فيها البرازيل المركز السادس في الترتيب، وهو ما يقربها بشكل خطير من الغياب عن مونديال 2026.

وبعد تقديم أداء قوي في مباراتين وديتين أمام إسبانيا وإنجلترا في مارس (آذار) الماضي، بدا أن المدير الفني دوريفال جونيور، الذي تم تعيينه لوقف هذا التدهور، قد نجح في تحقيق الاستقرار المطلوب داخل صفوف الفريق. لكن ما قدمه المنتخب البرازيلي في «كوبا أميركا» لم يكن كافيا لإسكات المشككين في دوريفال. لقد تعرض لانتقادات لاذعة لفشله في التعامل بشكل جيد مع أحداث المباريات ولإجراء التغييرات في أوقات متأخرة جداً. وفي مؤتمره الصحافي بعد مباراة الدور ربع النهائي التي ودع بعدها البطولة، بدا دوريفال منزعجاً من عدم قدرة فريقه على استغلال النقص العددي للأوروغواي التي لعبت الشوط الثاني بعشرة لاعبين بعد طرد أحد لاعبيها. وكان الأمر الأكثر إثارة للقلق يتعلق بأن سيطرته على هذا الفريق المدجج بالنجوم أصبحت موضع شك. وقبل تنفيذ ركلات الترجيح، تم استبعاد دوريفال من دائرة اللاعبين الذين كانوا مجتمعين معا. وعلى الرغم من أنه رفع يده لكي يتحدث، فإنه قد تم تجاهله تماما.

لاعبو البرازيل بعد توديعهم «كوبا أمريكا» (أ.ب)

وتحدث المدير الفني البرازيلي طوال البطولة عن تركيزه على ركلات الترجيح. وخصص المنتخب البرازيلي وقتا في كل الحصص التدريبية قبل المباريات للتدريب على ركلات الترجيح، مع العلم بأن احتمالات اللجوء لركلات الترجيح زادت مع إلغاء الوقت الإضافي والاحتكام لركلات الترجيح مباشرة بعد نهاية الوقت الأصلي للمباريات الإقصائية في «كوبا أميركا». ومع ذلك، فعلى الرغم من التقارير التي تفيد بأن إيدير ميليتاو أهدر كل ركلات الترجيح في التدريبات، فقد تم اختياره لتسديد أول ركلة ترجيح، لكنه أهدرها أيضا، تماما كما فعل دوغلاس لويز.

وبعد الغضب الجماهيري العارم في فندق الفريق والمطالبة برحيل دوريفال والقائد دانيلو، قال دانيلو إن البرازيل «فريق شاب أظهر أنه قادر على القيام بأشياء عظيمة» وأنه «يأمل فقط أن يتحلى الناس بالقليل من الصبر». لكن لا يتفق مع ذلك سوى قليلين، حيث كان الصبر قد بدأ ينفد بالفعل قبل انطلاق البطولة، وأشارت النتائج في «كوبا أميركا» والأداء إلى أن الفريق قد ضل طريقه مرة أخرى. ولم تفز البرازيل سوى مرة واحدة في البطولة الحالية، وكان ذلك عندما سحقت الباراغواي المتواضعة بأربعة أهداف مقابل هدف وحيد في مباراتها الثانية بدور المجموعات. وفي مبارياتها الثلاث الأخرى، ضد كوستاريكا وكولومبيا والأوروغواي، تعادلت في الوقت الأصلي وفشلت في تسجيل أي هدف من اللعب المفتوح.

لقد اشتهرت البرازيل طوال تاريخها بالتحركات السلسة والسريعة، لكن الفريق الحالي بقيادة دوريفال كان بطيئا ومفككا. حتى اللاعبون الذين كان من المتوقع أن يضيفوا النشاط والحيوية للفريق - رودريغو، وإندريك، وفينيسيوس جونيور - إما تُركوا على مقاعد البدلاء أو أصيبوا بالإحباط وخيبة الأمل. وأصبح الفريق يعتمد بشكل مبالغ فيه على فينيسيوس، الذي يسمع الانتقادات من جميع الاتجاهات.

وقال النجم البرازيلي الكبير روماريو مؤخراً: «فينيسيوس ليس هو اللاعب الذي يجعلك تقول إن البرازيل ستفوز بالبطولة لو لعب بشكل جيد! لكن الحقيقة هي أنه إذا لعب بشكل جيد، فسوف يساعد البرازيل كثيراً فقط». وفي ضوء ما حدث خلال الصيف الجاري، يبدو روماريو محقا في وجهة نظره، حيث لم يتمكن فينيسيوس مرة أخرى من تقديم أداء مقنع في البطولات الكبرى مع منتخب بلاده، وغاب عن مباراة الدور ربع النهائي بداعي الإيقاف بعد حصوله على إنذارين ساذجين في دور المجموعات.

إيدير ميليتاو يهدر ركلة ترجيح كما فعل خلال التدريبات (أ.ف.ب)

لقد سجل هدفين في المباراة التي فازت فيها البرازيل على الباراغواي، لكنه اختفى تماما في مباراتي كوستاريكا وكولومبيا اللتين انتهتا بالتعادل. وفي المقابل، يُقدم فينيسيوس مستويات استثنائية مع ناديه ريال مدريد، ويتميز بالسرعة الفائقة، والابتكار في الثلث الأخير من الملعب، وعندما ينطلق بالكرة لا يستطيع أي مدافع أن يوقفه. لكن كل هذه الأشياء الرائعة تختفي تماما بمجرد ارتدائه قميص المنتخب البرازيلي! وعلاوة على ذلك، فشل فينيسيوس تحت قيادة مديرين فنيين متعاقبين في إيجاد مركز واضح له مع الفريق: فهل يجب أن يلعب في الناحية اليسرى؟ أم يجب أن يلعب في منتصف الملعب؟ أم يعود إلى الخلف قليلا؟ وهل يتعين عليه أن يعمل بنفسه على الربط بين خطوط الفريق المختلفة، أم يجب أن يكون هو من يبدأ الهجمة؟ إنه يتردد كثيرا خلال المباريات، فأحيانا يدخل لعمق الملعب من دون خطورة تذكر، أو يشن هجمات غير مؤثرة أو يدخل في أماكن مزدحمة باللاعبين بحيث لا يمكنه المرور. وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أنه خلال 251 دقيقة في بطولة «كوبا أميركا» هذا الصيف، كان عدد لمساته غير الناجحة ضعف عدد تمريراته التي أدت لتسديدات على المرمى.

لكن لا ينبغي إلقاء اللوم على فينيسيوس وحده، فزملاؤه من حوله يجب أن يتعاونوا معه بشكل أكبر، حيث لا يمكن لأي مهاجم أن يتألق ويظهر قدراته وإمكاناته الحقيقية إلا إذا كان يلعب في فريق منظم ومستقر. ومع عدم تطور فينيسيوس ليصبح اللاعب الأكثر تأثيراً في البرازيل، تراجع مستوى باقي اللاعبين من حوله بشكل غريب. وقبل مباراة الأوروغواي، قال لاعب خط الوسط البرازيلي أندرياس بيريرا إن منتخب البرازيل الحالي لا يمكن أن تصل إليه الأوروغواي حتى في أفضل أحلامها! لقد كان تصريحا غريبا في حقيقة الأمر، بالنظر إلى أن خط وسط البرازيل، المدجج بلاعبين يلعبون في الدوري الإنجليزي الممتاز، ظهروا بشكل مخيب للآمال تماما أمام خط وسط كولومبيا الذي يضم لاعبين عاديين يلعبون في الدوري البرازيلي المحلي. لكن هذا التصريح كان أيضاً بمثابة حافز كبير للاعبي الأوروغواي الذي حصد المركز الثالث!

وقال لويس سواريز بعد فوز الأوروغواي: «عندما تتحدث عن الأوروغواي، يتعين عليك أن تتحلى بمزيد من الاحترام. يجب عليك أن تعرف تاريخ الأوروغواي جيدا قبل أن تقول إن هناك لاعبين يرغبون في اللعب مع منتخب البرازيل». لقد أصبحت تصريحات بيريرا تبدو مضحكة ومثيرة للسخرية بعد نهاية المباراة، حيث لم يتمكن لوكاس باكيتا وجواو غوميز وبرونو غيماريش وبيريرا من التعامل مع الضغط العالي الذي يمارسه لاعبو الأوروغواي، تماماً كما حدث أمام كولومبيا. ونظراً لعدم قدرة البرازيل على بناء اللعب من خلال خط الوسط في أي من المباراتين، فقد لجأت إلى حارس المرمى أليسون بيكر لإرسال كرات طويلة من الخلف، وهو ما أدى إلى تدمير أي محاولة لبناء اللعب.

وبدا دوريفال عاجزا تماما وهو يقف بجوار خط التماس، وفشل في إيجاد الحلول المناسبة. وبينما كان بإمكان البرازيل في السابق الاعتماد على كاسيميرو أو فرناندينيو لتقديم القوة اللازمة في خط الوسط، فإنها تعتمد الآن على ثلاثي في خط الوسط - غوميز وغيماريش وباكيتا - يكتفون غالبا برؤية ما يحدث من حولهم دون التدخل لاستخلاص الكرة.

ويُعد إندريك هو اللاعب الوحيد الذي يقدم بصيصاً حقيقياً من الأمل. لقد شارك اللاعب البالغ من العمر 17 عاماً في التشكيلة الأساسية للبرازيل للمرة الأولى تحت قيادة دوريفال في مباراة الدور ربع النهائي بدلا من فينيسيوس الموقوف. لكن من الصعب للغاية أن تتوقع من لاعب في مثل هذه السن الصغيرة أن يقود فريقا بمفرده في مثل هذه الأوقات الصعبة. وأمام الأوروغواي، أكمل إندريك تمريرتين فقط (واحدة من ركلة البداية)، وكان يعاني كثيرا في التعامل مع اللياقة البدنية للخط الخلفي للأوروغواي.

الحارس البرازيلي أليسون واحزان الهزيمة (أ.ف.ب)

قد يُنظر إلى إندريك باعتباره المنقذ، لكنه لا يستطيع بمفرده أن يُصلح المشكلات الواضحة للجميع في خط الوسط أو التفكك الكبير في جميع صفوف الفريق. وتتمثل الحقيقة في أن البرازيل أصبحت الآن رابع أفضل فريق في أميركا الجنوبية، خلف الأرجنتين والأوروغواي وكولومبيا، التي لم تخسر في 28 مباراة متتالية قبل الخسارة أمام الأرجنتين في نهائي البطولة. لا تمتلك هذه الفرق بالضرورة مواهب أكثر من البرازيل، لكنها جميعا تلعب بطريقة واضحة ولديها مديرون فنيون أقوياء. وإذا لم تتحسن الأمور بسرعة، فإن البرازيل ستكون مهددة بالغياب عن كأس العالم 2026. وإذا لم يتمكن دوريفال من إيقاف هذه الدوامة، فمن المرجح أن يقال من منصبه وتبحث البرازيل عن خامس مدير فني منذ عام 2022!

لكن ما حدث بعد توديع البرازيل البطولة هو أن طالب دوريفال بمزيد من الوقت لإكمال ثورة التصحيح في صفوف «راقصي السامبا». وقال دوريفال: «نحن نمر بعملية تجديد أو إعادة اختراع مهمة للغاية لهذا الفريق». وأضاف: «لقد دربت هذا الفريق لثماني مباريات فقط، وهذا مسار ينبغي أن نمر من خلاله». وأوضح: «نحن على دراية بالصعوبات التي ستواجهنا طوال الطريق، لكننا خسرنا الآن مباراة في الأدوار الإقصائية ولم يكن هذا ما نتوقعه». وأشار مدرب البرازيل: «لدينا متسع كبير لمواصلة النضوج والتطور، وهدفنا الرئيسي الآن هو التأهل لكأس العالم». وأوضح: «نحن الآن في المركز السادس بالتصفيات، لا نشعر بالراحة إزاء ذلك».

* خدمة «الغارديان»