«صراع السلطة» يلقي بظلاله على منافسات الملاكمة في «باريس»

«اللجنة الأولمبية الدولية» منافسات الملاكمة في باريس (أ.ف.ب)
«اللجنة الأولمبية الدولية» منافسات الملاكمة في باريس (أ.ف.ب)
TT

«صراع السلطة» يلقي بظلاله على منافسات الملاكمة في «باريس»

«اللجنة الأولمبية الدولية» منافسات الملاكمة في باريس (أ.ف.ب)
«اللجنة الأولمبية الدولية» منافسات الملاكمة في باريس (أ.ف.ب)

كانت الملاكمة حاضرة دائماً تقريباً في «الألعاب الأولمبية»، لكن الصراع المرير حول إدارة الرياضة ألقى بظلال من الشك على مستقبلها؛ إذ تواجه منافسات هذا العام خطر أن تكون الأخيرة لفترة على الأقل.

ومثلما حدث في «طوكيو»، تنظم منافسات الملاكمة في «باريس» من قبل «اللجنة الأولمبية الدولية»، التي سحبت اعترافها بـ«رابطة الملاكمة العالمية» في يونيو (حزيران) الماضي.

وتسبب قرار «الاتحاد الدولي للملاكمة» منح جوائز مالية للملاكمين في «دورة ألعاب باريس» في إحداث أزمة أخرى في العلاقات بين الهيئات، وهناك مخاوف من احتمال استبعاد الرياضة من «الألعاب الأولمبية» المستقبلية، كما أنها ليست في البرنامج المبدئي لـ«ألعاب لوس أنجليس 2028».

ومن الصعب أن نتصور مشهداً أولمبياً من دون رياضة «الفن النبيل» التي كانت ضمن جميع الدورات الأولمبية منذ عام 1904 باستثناء «استوكهولم 1912».

وقال عمر كريمليف، رئيس «الاتحاد الدولي للملاكمة» لـ«رويترز»: «مستقبل الملاكمة هو الأفضل والألمع الذي يمكن أن نتخيله. في العالم، هناك رياضتان فقط يمكنهما ملء الملاعب دائماً: كرة القدم والملاكمة. نحتاج فقط لمواصلة العمل الذي كنا نقوم به وإثبات أن الملاكمة هي الرياضة الرائدة في جميع الرياضات الأولمبية».

داخل الحلبة، يبدو أن كوبا مستعدة مرة أخرى للتألق عندما تقام منافسات الملاكمة في «باريس» بين 27 يوليو (تموز) الحالي و10 أغسطس (آب) المقبل.

ورغم المشاركة بسبعة ملاكمين فقط في «أولمبياد طوكيو»، فإن القوة الكبرى في ملاكمة الهواة خطفت الأضواء بفوزها بـ4 ميداليات ذهبية لتعتلي منصة التتويج متفوقة على جارتها الكبرى حجماً والأعلى ثراء الولايات المتحدة.

وهذه المرة، ستشارك بعدد أقل من الملاكمين؛ إذ سترسل 5 ملاكمين فقط في رحلة عبر المحيط الأطلنطي إلى باريس. لكن مع وجود اثنين من الملاكمين سبق لهما الفوز بذهبيتين أولمبيتين، فسيكون من الحماقة استبعاد كوبا.

ويتطلع خوليو سيزار لا كروز وأرلين لوبيز كاردونا؛ البطلان في كل من «طوكيو» و«ريو»، إلى اقتطاع جزء صغير من التاريخ في «باريس» من خلال الفوز بالميدالية الذهبية الثالثة لكل منهما، والانضمام إلى نادٍ حصري يضم تيوفيلو ستيفنسون وفيليكس سافون ولازلو باب.

ومع ذلك، فستشعر الدولة الواقعة في أميركا الشمالية بخيبة أمل لعدم وجود أي سيدة في قائمتها الأولمبية، بعد أن أنهت حظراً استمر عقوداً على تنافس السيدات في البطولات عام 2022.

منذ إدخال ملاكمة السيدات في «دورة الألعاب الأولمبية عام 2012»، زاد المنظمون فئات الوزن تدريجياً؛ إذ تضم «باريس» 6 فئات للسيدات ضعف ما كانت عليه في «أولمبياد 2012» و«2016».

وتسعى الآيرلندية كيلي هارينغتون إلى الاحتفاظ بذهبيتها في الوزن الخفيف من «طوكيو»، لكن استعداداتها لم تكن مثالية بعد أن مُنيت بأول خسارة لها منذ أكثر من 3 سنوات في «بطولة النخبة الأوروبية» في أبريل (نيسان) الماضي.

وقالت هارينغتون (34 عاماً)، التي ستعتزل بعد «دورة باريس»، إن الهزيمة عززت من تصميمها على الفوز، مضيفة: «لقد حفزتني كثيراً حتى أتمكن من العودة مرة أخرى».

وبدت ملاكمة وزن المتوسط بوسيناز سورمينيلي، التي انتزعت أول ذهبية لتركيا على الإطلاق بالملاكمة في «أولمبياد طوكيو»، قوية خلال الاستعداد لـ«باريس» بفوزها بـ«بطولة العالم» و«الألعاب الأوروبية» و«بطولات أوروبا» منذ عام 2021.

وتستحق فئة وزن «فوق الثقيل» للرجال المتابعة؛ إذ يواجه بطل «الأولمبياد» و«العالم» و«الألعاب الآسيوية» باخدير جالولوف من أوزبكستان ملاكمين أقوياء مثل البريطاني ديليشس أوري والأسترالي تريموانا جونيور.

ولم تفز الولايات المتحدة؛ الدولة الأكثر نجاحاً في تاريخ الملاكمة الأولمبية، بميدالية ذهبية في «طوكيو»، ومن المرجح أن تعاني مرة أخرى مع مشاركتها بفريق من الملاكمين الشبان؛ إذ يبدو «بطل العالم 2021» جمال هارفي أفضل ملاكميها.


مقالات ذات صلة

«دورة هامبورغ»: زفيريف يبلغ ثمن النهائي

رياضة عالمية احتاج زفيريف إلى ساعة و18 دقيقة فقط لتخطّي منافسه (د.ب.أ)

«دورة هامبورغ»: زفيريف يبلغ ثمن النهائي

تأهل الألماني ألكسندر زفيريف المصنف رابعاً عالمياً وحامل اللقب، إلى ثمن نهائي دورة هامبورغ الألمانية الدولية لكرة المضرب، بفوزه على الهولندي يسبر دي يونغ.

«الشرق الأوسط» (هامبورغ )
رياضة سعودية لؤي مشعبي رئيس شركة نادي الاتحاد (نادي الاتحاد)

مشعبي… رئيساً لشركة نادي الاتحاد

أعلنت الجمعية العمومية لشركة نادي الاتحاد عن تعيين مجلس إدارة الشركة، الأربعاء، برئاسة لؤي مشعبي.

علي العمري (جدة)
رياضة عالمية شفيونتيك خلال بطولة ويمبلدون الأخيرة حيث خرجت مبكراً (أ.ف.ب)

شفيونتيك... هل تعاني المصنفة الأولى عالمياً من مشكلة في الملاعب العشبية؟

سجل خروج واحد من بطولة ويمبلدون: الدور الأول؛ الدور الرابع؛ الدور الثالث؛ الدور ربع النهائي؛ الدور الثالث.

ذا أتلتيك الرياضي (لندن)
رياضة عالمية نادي أنغل سيتي لكرة القدم (رويترز)

أنجل سيتي... الفريق الرياضي النسائي الأعلى قيمة في العالم

أعلن نادي أنغل سيتي لكرة القدم الذي يقع مقره في لوس أنجليس اليوم الأربعاء أنه بات الفريق الرياضي النسائي الأعلى قيمة في العالم.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
رياضة عالمية خبراء قالوا إن تعلق وهوس المشجعين بكايتلين هو أحد أسباب الاهتمام المتزايد بالرياضات النسائية (أ.ب)

حملات تسويقية ضخمة للاعبات قبل ألعاب باريس

يستعين مُعلِنون عالميون بالمزيد من الرياضيات لإطلاق حملات تسويقية، قبل دورة الألعاب الأولمبية بباريس 2024، بهدف الاستفادة من الانتشار الموسّع للرياضات النسائية.

«الشرق الأوسط» (باريس)

أولمبياد برلين 1936: جيسي أوينز يقهر الدعاية للعقيدة والحزب

لفت مؤرخون إلى أن برلين عام 1936 كانت آخر مكان قد يستضيف الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)
لفت مؤرخون إلى أن برلين عام 1936 كانت آخر مكان قد يستضيف الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)
TT

أولمبياد برلين 1936: جيسي أوينز يقهر الدعاية للعقيدة والحزب

لفت مؤرخون إلى أن برلين عام 1936 كانت آخر مكان قد يستضيف الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)
لفت مؤرخون إلى أن برلين عام 1936 كانت آخر مكان قد يستضيف الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)

لفت عدد كبير من المؤرخين إلى أن برلين في عام 1936 كانت آخر مكان يمكن أن يستضيف الألعاب الأولمبية؛ نظراً لموجة العنصرية التي كانت سائدة في ألمانيا، وهي طبعاً عكس المُثل الأولمبية ومبادئها السامية.

أقرّت اللجنة الأولمبية الدولية منح برلين تنظيم ألعاب الأولمبياد الـ11 عام 1932، لكن الحزب النازي بقيادة أدولف هتلر تسلّم مقاليد حكم ألمانيا العام التالي واتخذ من إقامة الألعاب عنصر دعاية مهماً ودعماً وإلهاباً لحماسة الشعب وتقوية روح الاعتزاز بالعنصر الآري لدى أفراده.

هذا الأمر جعل الألعاب تفقد للمرة الأولى غايتها المُثلى وتحيد عن هدفها الحقيقي الذي أراده باعثها البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان. وللمصادفة، فإن دو كوبرتان توفي في العام التالي لاختتام الأولمبياد الـ11، ودُفِن قلبه في أولمبيا (اليونان).

ويذكر أن دولاً عدة سعت إلى نقل الألعاب إلى مدينة برشلونة الإسبانية، التي زاحمت برلين عند الترشّح. غير أن الحكم الفاشي الذي ساد إسبانيا وقتذاك عمل على أن تبقى المنافسات في برلين.

وتصدّرت «القوة الألمانية» ترتيب الميداليات بـ33 ذهبية، أمام الولايات المتحدة (24) والمجر (10)، لكن نجم الدورة التي حظيت بحضور مكثف (نحو ثلاثة ملايين شخص) لم يكن ألمانياً، إنما جيسّي أوينز (23 عاماً) القادم من ألاباما في الجنوب الأميركي والذي انتزع أربع ذهبيات في سباقات 100 م، 200 م، التتابع 4 مرّات 100 م والوثب الطويل.

ومنح الربّاعون المصريون بلادهم الميداليات من المعادن المختلفة؛ إذ فاز خضر التوني بذهبية وزن المتوسط، ومحمد مصباح بذهبية وزن الخفيف، وصالح سليمان بفضية وزن الريشة، وإبراهيم شمس ببرونزيته وإبراهيم واصف ببرونزية خفيف الثقيل.

وعكست الدورة في بعض فقراتها الصورة الإيجابية لـ«العنفوان الألماني»؛ إذ إنه رغم إصابته بكسر في ترقوته خلال سقوطه عن صهوة فرسه أثناء القفز على الحواجز في المسابقة الكاملة للفرق؛ اضطر الملازم كونراد فون فانغينهايم إلى المشاركة لأن انسحابه سيقصي منتخب بلاده.

شارك فانغينهايم في المسابقة، لكن فرسه تعرّضت للسقوط في أحد الحواجز، وهو «تدحرج» من فوقها. ونهض معتقداً أنها ماتت، لكنها وقفت بدورها. وتابع الفارس والفرس المسابقة من دون أن يرتكبا أي أخطاء في باقي الحواجز. توّجت ألمانيا بطلة أولمبية، وصفق مائة ألف متفرج بحرارة للملازم الشجاع.

رفعت ألمانيا سقف التحدّي عالياً، فشيّدت في أشهر معدودة ملعباً عملاقاً يتّسع لمائة وعشرة آلاف متفرج، ولا يزال صامداً حتى الآن وشاهداً على عصر الهندسة والتصاميم النازية.. وخُصّصت للرياضيين قرية أولمبية مترامية الأطراف وسط غابة ومناظر خلابة، واعتُمد حوض سباحة أولمبي تحيط به مدرجات تتسع لـ20 ألف متفرج.

أما التطوّر التلفزيوني والنقل المباشر فبدأ من خلال الموجات الهرتزية المبثوثة عبر الكابلات، وكانت أيضاً بداية اعتماد الكاميرات السائرة على سكّة خاصة إلى جانب مضمار الجري.

في 2 أغسطس (آب) 1936 استعرض هتلر في الاستاد 4 آلاف رياضي ممدودي الأيدي في تحية «أولمبية غير مألوفة» وبعضهم تصرّف على طريقته وبينهم الأميركيون الذين ساروا أمام المقصورة الرئيسية وقبعاتهم ملصقة بصدورهم.

وفاقت الهستيريا الجماهيرية كل حد، وكان لها رد فعل معاكس على الأبطال الألمان المطالبين بالفوز ولا شيء غيره؛ ما ولّد ضغطاً كبيراً على كاهلهم، فكانت الصيحات ترتفع من كل صوب توجّه وتحفّز.

ولعلّ الألمان عموماً وهتلر وأركانه خصوصاً ارتاحوا لنتائج منافسات القوّة التي أظهرت أن الشعب يسير إلى الأمام. ففي رمي الكرة الحديد رمى الشرطي هانس وولكي الثقل مسافة 16.20 م معزّزاً الرقم الأولمبي ورُقّي إلى رتبة ملازم... وحطّم مواطنه كارل هاين الرقم الأولمبي لرمي المطرقة مسجلاً 56.49 م، وحلّ مواطنه أرفين بلاسك ثانياً (55.04 م). ونال ذهب رمي الرمح غيرهارد شتوك (71.84 م)، وكان حل ثالثاً في الكرة الحديد.

للمرّة الأولى في الألعاب ارتفع حاجز الوثب العالي إلى مترين، وقد اجتازه الأميركيان الأسود كورنيليوس جونسون والبيريتون. وعاد جونسون وتجاوز 2.03 م وهو رقم أولمبي جديد صمد 16 عاماً. وبات أوّل اسود يقطف الذهب في برلين تحت أنظار هتلر.

كما شهد سباق 800 م، صراعاً بين عدّائين أسودين، هما الكندي فيليب ادواردز والأميركي جون ورودورف الذي فاز مسجلاً 1:52.09 دقيقة.

هذه المؤشرات كانت «تمهيداً» لسطوع نجم جيسّي أوينز، فقبل عام واحد حطّم أو عادل ستة أرقام عالمية، وسبقته شهرته إلى برلين كونه «ملك سباقات السرعة والوثب الطويل».

في نصف نهائي سباق 100 م خطف أوينز البريق والاهتمام كليهما؛ إذ سجل 10.2 ثانية، لكن الزمن القياسي العالمي الجديد لم يُعتمد بسبب تجاوزه سرعة الريح المعدل.

انتقل أوينز إلى الدور النهائي ليواجه العدّاء الألماني بورش ماير الفائز في نصف النهائي الثاني ومحط أنظار مواطنيه، لكن فتى ألاباما عادل الرقم العالمي 10.3، وحلّ مواطنه رالف متكالف (أسود أيضاً) ثانياً (10.4 ث).

ثم فاز أوينز في سباق 200 م (20.7 ث). وفي التتابع 4 مرات 100 م، أعطى أوينز العصا لزميله الرابع متكالف الذي هبّ كالريح إلى خط النهاية، والحصيلة رقم قياسي عالمي جديد من صنع أميركي (39.8 ث).

كظم هتلر غيظه لعل وعسى يتمكن لوتس لونغ من النيل من أوينز في الوثب الطويل، لكن أوينز استجمع قواه ليقول كلمته في مسك الختام ووثب 8.60 م.

رقم عالمي صمد 24 عاماً وغادر هتلر الاستاد على الفور، في حين كانت ترتفع على السواري أعلام الولايات المتحدة وألمانيا واليابان التي حلّ مواطنها ناوتو تاجيما ثالثاً... أعلام دول أركان في حرب بدأ الإحماء لها.

وكان الاستاد الأولمبي في برلين محطة ذكريات لأوينز بعد أربعة عقود من انتصاره المدوي، وهو اعتبر أن سباق المائة متر كان «ساعة الحقيقة التي دقت. هذا النهار انتظرته تسع سنوات، تسع سنوات من التدريب المضني والسباقات التي لا تحصى».

وحضرت في بال أوينز خاطرة رواها مبتسماً: «طلبت لجنتنا الأولمبية أن أُكرّم بالجلوس في المقصورة في استاد برلين فرفض النازيون طلبها، وأنا كنت سعيداً جداً بالرد السلبي صدقوني...».

«نجحت» الألعاب وتلقى الفوهرر الشكر من رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الكونت باييه لاتور، وطلب من الرياضيين الاستعداد للألعاب الأولمبياد الـ12 بعد أربعة أعوام في طوكيو... لكن شعلة الحرب وأعلامه تقدّمت كل ما عداها من جديد وحرقت المُثل والأهداف النبيلة... ومثلما أُلغيت ألعاب طوكيو 1940، حذفت ألعاب لندن 1944... فلا وقت إلا للقتل والدمار.