نجح المدير الفني لأولمبياكوس اليوناني، خوسيه لويس مينديليبار، في حصد لقبه الأوروبي الثاني خلال عامين بعد الفوز على فيورنتينا الإيطالي في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي في أثينا يوم الأربعاء الماضي.
وكان مينديليبار قد فاز بلقب الدوري الأوروبي مع إشبيلية قبل عام، ليصبح ثاني مدير فني يفوز ببطولتين أوروبيتين مع ناديين مختلفين في موسمين متتاليين بعد رافائيل بينيتيز، الذي فاز بكأس الاتحاد الأوروبي مع فالنسيا في عام 2004 ودوري أبطال أوروبا مع ليفربول بعد 12 شهرا.
وفي كلا الموسمين، اعتمد مينديليبار على مهاجم مغربي، حيث سجل يوسف النصيري ستة أهداف لإشبيلية في الدوري الأوروبي الموسم الماضي، بما في ذلك هدفان في المباراة التي فاز فيها فريقه بثلاثية نظيفة على مانشستر يونايتد في الدور ربع النهائي. لكن هذا الموسم، قدم أيوب الكعبي أداء أفضل، حيث أحرز الهدف الوحيد في المباراة النهائية في مرمى فيورنتينا وقاد فريقه لحصد اللقب الأوروبي، كما تألق بشكل لافت أمام أندية الدوري الإنجليزي الممتاز على وجه التحديد.
لقد تلاعب أسد الأطلس بأستون فيلا وقدم عرضا استثنائياً في الدور نصف النهائي، وأحرز ثلاثية (هاتريك) في الفوز على الفريق الإنجليزي بأربعة أهداف مقابل هدفين، ثم سجل هدفين في مباراة الإياب التي انتهت بفوز فريقه بهدفين دون رد. لكن الشيء الذي لا يُصدق حقا هو أن هذه الأهداف الخمسة لا تمثل سوى ثلث مجموع أهدافه في المسابقات الأوروبية هذا الموسم. وكانت مساهمة الكعبي الأكثر إثارة للإعجاب قبل مواجهة أستون فيلا قد جاءت في مباراتي دور الستة عشر ضد مكابي تل أبيب. لقد خسر أولمبياكوس على ملعبه بأربعة أهداف مقابل هدف وحيد، وبدا أنه في طريقه للخروج من المسابقة، لكنه حقق عودة (ريمونتادا) مذهلة في مباراة الإياب، وامتدت المباراة للوقت الإضافي بعد هدف من ركلة خلفية مزدوجة رائعة من النجم المغربي. فاز أولمبياكوس بنتيجة ستة أهداف مقابل هدف وحيد، ولم ينظر إلى الخلف منذ ذلك الحين.
وعاد الكعبي للتألق وأحرز هدف الفوز في المباراة النهائية، ليصبح أولمبياكوس أول فريق يوناني يفوز بلقب أوروبي. كان باناثينايكوس بقيادة النجم المجري فيرينك بوشكاش هو الأقرب لتحقيق ذلك الإنجاز، لكنه خسر أمام أياكس في نهائي كأس أوروبا عام 1971. ويدين مينديليبار، الذي قاد إشبيلية للفوز على روما بركلات الترجيح في نهائي الدوري الأوروبي قبل عام، بالكثير للكعبي بعدما قاده لمنصات التتويج الأوروبية مرة أخرى. لقد نجح الكعبي بالفعل في تحطيم الرقم القياسي لأكبر عدد من الأهداف للاعب أفريقي في موسم واحد في بطولة أوروبية. من المؤكد أن صامويل إيتو وديدييه دروغبا لم يلعبا أبداً 18 مباراة في موسم واحد، لكن يظل هذا إنجازاً مذهلاً للكعبي - وما يزيد من روعة هذا الإنجاز هو أن هذا هو الموسم الأوروبي الأول للكعبي.
سيكمل الكعبي عامه الحادي والثلاثين الشهر المقبل، وبالتالي فهو ليس نجماً صاعداً شاباً. لقد حصل على أول عقد احترافي له في وطنه عندما كان عمره 23 عاماً. وعلى مدار فترة طويلة، لم يكن الكعبي يتخيل أنه سيكون قادراً على ممارسة كرة القدم على المستوى الاحترافي. وفي بداية حياته، عمل النجم المغربي نجاراً وعامل بناء لمساعدة والده. ويقول عن ذلك: «لقد تعلمت أنه لا يمكن للمرء أن يحقق النجاح إلا من خلال العمل الجاد».
وبينما درس النصيري في الأكاديمية الحديثة التي أنشأها الملك محمد السادس، لم يتلق الكعبي أي تعليم في كرة القدم، فقد لعب لفريق صغير في الدار البيضاء، قبل أن ينضم إلى فريق راسينغ في دوري الدرجة الثانية في عام 2016. وبعد عام، انتقل إلى فريق نهضة بركان المتواضع في الدوري المغربي الممتاز، وقدم مستويات رائعة أهلته للانضمام إلى قائمة المنتخب الوطني في بطولة كأس الأمم الأفريقية للاعبين المحليين في عام 2018 - وهي بطولة أنشئت خصيصا للاعبين الذين يلعبون في الدوريات المحلية في أوروبا، وهي بطولة مختلفة تماماً عن بطولة كأس الأمم الأفريقية.
سجل الكعبي تسعة أهداف في ست مباريات وقاد منتخب بلاده للفوز باللقب، وأبدت الأندية الأوروبية أخيراً بعض الاهتمام بالتعاقد معه. أشارت تقارير صحافية إسبانية إلى اهتمام أتلتيكو مدريد بالتعاقد معه، بينما كانت هناك خيارات أخرى أكثر واقعية مثل إسبانيول وملقة وسانت إتيان. لكن بعد المشاركة في كأس العالم 2018، انتقل الكعبي إلى الصين. وقال حنيف بن بركان، خبير كرة القدم المغربي، إن الكعبي، الذي جاء من أسرة متواضعة، أراد تأمين المستقبل المالي لعائلته، مضيفا: «كان عرض نادي هيبي جيداً جداً بحيث لا يمكن رفضه».
لكن اتضح أن هذا القرار كان خاطئا، فيما يتعلق بتطوير اللاعب كروياً. وبعد عام، عاد الكعبي إلى المغرب لينضم إلى الوداد البيضاوي. وكانت هذه هي تجربته الأولى في نادٍ كبير على الساحة المحلية، وكانت تجربة غير ناجحة إلى حد كبير. وعلى الرغم من تسجيله الكثير من الأهداف، فقد تعرض لانتقادات كبيرة بسبب إهداره للفرص السهلة أمام المرمى ومساهمته الضعيفة في اللعب الجماعي للفريق. وتم إلقاء اللوم عليه بعد الخسارة في نصف نهائي دوري أبطال أفريقيا أمام كايزر تشيفز، ليرحل عن الفريق في نهاية المطاف.
لم يُقدر جمهور الوداد الإمكانات الحقيقية للكعبي - فهو مهاجم شرس داخل منطقة الجزاء ويعرف كيف يتمركز بشكل صحيح ويصنع لنفسه كثيرا من فرص التهديف في كل مباراة. تطورت فعاليته أمام المرمى بشكل كبير بعد انضمامه إلى هاتاي سبور التركي في صيف 2021، وأصبح معشوقاً للجماهير هناك، حيث سجل 26 هدفاً في 53 مباراة في الدوري التركي الممتاز.
وقد وضع الزلزال الكارثي الذي ضرب تركيا في فبراير (شباط) 2023، والذي دمر المدينة وأودى بحياة الآلاف، بما في ذلك كريستيان أتسو وكثير من مسؤولي النادي، نهاية مأساوية لهذه المغامرة. وتعرض المغرب لزلزال هو الآخر في سبتمبر (أيلول)، وساعد الكعبي في جمع الأموال للناجين. وبحلول ذلك الوقت، كان يلعب مع أولمبياكوس، الذي تعاقد معه في الصيف ليحل محل سيدريك باكامبو. لقد كانت مهمة صعبة، لكن الكعبي كان على أتم الاستعداد لها، بل وتجاوز أكثر التوقعات تفاؤلاً. في البداية، لم يكن المشجعون متحمسين للتعاقد مع لاعب مجهول يبلغ من العمر 30 عاما ولم يقدم ما يكفي للانضمام إلى قائمة المغرب في كأس العالم 2022، لكنهم يعشقونه الآن ويشعرون بالقلق من إمكانية رحيله.
وقال كوستاس براتسوس، الناقد الرياضي المعروف: «يتميز أيوب بهدوء استثنائي أمام المرمى، لكن ربما يكون هذا هو موسمه الوحيد في بيرايوس، حيث توجد عروض كبيرة من قطر والمملكة العربية السعودية». في الحقيقة، يأخذنا كل هذا للتساؤل عما كان يمكن أن يحدث لو بدأ هذا النجم المغربي الرائع مسيرته الكروية في وقت مبكر. لقد انضم الكعبي في وقت متأخر إلى أحد أندية الدوري الممتاز، وهو ما يعني أن وجوده في دائرة الضوء ربما يكون قصيراً. قد تُصبح المباراة النهائية لدوري المؤتمر الأوروبي الأربعاء الماضي هي المباراة الأخيرة له في كرة القدم الأوروبية، لكن الشيء المؤكد هو أنه قدم أداءً مذهلاً، وقاد النادي اليوناني للحصول على أول بطولة أوروبية في تاريخه وأصبح معشوقاً للجماهير، ليكتب اسمه بأحرف من نور ويجعل من المستحيل نسيانه بعد رحيله.