لويس سواريز... مهاجم عمره 37 عاماً يقدم أداءً كأنه في العشرينات

يبلغ لويس سواريز من العمر 37 عاماً، ويعاني آلاماً مزمنة في الركبة تتطلب حصوله على حقن بشكل منتظم، لكنه يقدم مستويات استثنائية تذكّرنا إلى حد كبير بتلك التي كان يقدمها عندما كان في أوج عطائه الكروي. ومنذ انضمامه إلى زميله السابق في برشلونة، ليونيل ميسي، في صفوف إنتر ميامي الأميركي، أظهر المهاجم الأوروغواياني أن قدميه ما زالتا تعرفان طريق الشباك، وأن بإمكانه أيضاً أن يصنع الأهداف. لقد أظهر سواريز بالفعل أنه لا يزال يمتلك ترسانة واسعة ومدمّرة من التقنيات التي تساعده على دكّ شباك الخصوم - هدف من ضربة رأس رائعة من كرة ثابتة في مرمى نيويورك سيتي إف سي، وهدف بمجهود فردي خرافي أمام أورلاندو سيتي، وهدف من تسديدة رائعة بالقدم اليسرى في مرمى دي سي يونايتد، فضلاً عن مهارته الفذّة في إنهاء الهجمات من أنصاف الفرص داخل منطقة الجزاء.

لقد تعرّض النجم الأوروغواياني المخضرم للكثير من الانتقادات عندما ظهر بشكل سيئ وبدا بطيئاً في أول مباراتين له مع إنتر ميامي، وتساءل الكثير من النقاد والمحللين عما إذا كان النادي المملوك للنجم الإنجليزي ديفيد بيكهام ارتكب خطأً عندما تعاقد مع لاعب في عمر سواريز وتاريخ إصاباته. لكن سرعان ما تبددت كل هذه الشكوك، ففي مباراته الثالثة مع إنتر ميامي، قدّم سواريز لوحة فنية رائعة وقاد الفريق لتحقيق أكبر انتصار في تاريخه القصير، عندما سحق أورلاندو سيتي بخماسية نظيفة. سجّل سواريز هدفين في أول 11 دقيقة في المباراة التي أقيمت على ملعب تشيس، وكان بإمكانه أن يحرز الهدف الثالث بسهولة في غضون نصف ساعة، لكنه بدلاً من أن يسدد في المرمى فضّل أن يمرر الكرة من دون أنانية لروبرت تايلور ليضع الأخير الكرة في الشباك بسهولة.

وصنع سواريز هدفاً آخر في الدقيقة الـ62، فيما كان أوضح إشارة حتى الآن على أن النجم الأوروغواياني لا يزال يمتلك إمكانيات وقدرات فنية هائلة، حيث أرسل كرة عرضية متقنة بخارج القدم من الجهة اليمنى إلى رأس النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي مباشرة. وقال ميسي عن أداء سواريز في ديربي فلوريدا: «أنا سعيد للغاية من أجله، وسعيد لأنه تمكّن من التسجيل. كنا نتحلى بالهدوء الشديد؛ لأننا نعرف جيداً من هو لويس ونعرف ما يمكنه القيام به، والجميع يعرفون ذلك جيداً. إنه دائماً هكذا، فعندما لا تتوقع منه شيئاً فإنه يظهر في الوقت المناسب ويفك ألغاز المباراة، تماماً كما فعل اليوم بالأهداف التي أحرزها والتمريرات الحاسمة التي صنعها».

وتم اختيار سواريز كأفضل لاعب في الدوري البرازيلي الممتاز العام الماضي بعدما سجل 26 هدفاً وصنع 17 هدفاً مع نادي غريميو، بما في ذلك ثلاثة أهداف في أول ظهور له مع الفريق. ومن الممكن أن يحصل سواريز على جوائز مماثلة في الولايات المتحدة إذا استمر في تقديم المستويات القوية نفسها. ويبدو أن المفتاح لاستمرار فاعليته هو القبول - من قِبل اللاعب والنادي أيضاً - بأنه يجب أن يختار المركز الذي يلعب به بعناية.

كان سواريز يختفي تماماً ويبدو غير نشِط بالمرة في أوقات طويلة خلال بعض المباريات، وكان ذلك يحدث عندما يعود للعب في وسط الملعب، بل وفي بعض الأحيان كان يعرج بشكل واضح. وبعد ذلك، وبشكل مفاجئ، كان ينطلق بسرعة إلى الثلث الأخير من الملعب ويتبادل الكرة مع أحد زملائه لتجاوز المدافعين واقتحام منطقة الجزاء وإحراز الأهداف من زوايا صعبة.

وعلاوة على ذلك، لا يُطلب من سواريز أن يشارك في التشكيلة الأساسية للفريق في كل مباراة، حيث يمنحه المدير الفني، تاتا مارتينو، قسطاً من الراحة وسط جدول المباريات المزدحم. وقال مارتينو بعد أن شارك سواريز بديلاً وسجل هدفين ليقود الفريق للفوز على دي سي يونايتد بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد في مارس (آذار) الماضي: «إحدى مهام المدير الفني تتمثل في إقناع اللاعبين بـمتى يجب أن يتوقفوا عن اللعب ومتى يسمحون لأنفسهم بالحصول على فترة راحة. لقد لعب لويس المباراة السابقة، وفهم أنه من الجيد أن يشارك بديلاً حتى يكون في حالة أفضل».

وأضاف: «وضع لويس يشبه كثيراً وضع ليو ميسي وسيرجيو بوسكيتس وجوردي ألبا. ويتعين على لويس أن يفعل هذا الأمر طوال مسيرته الكروية. لقد تحدثنا عن أنه سيلعب لمدة نصف ساعة، وقد نجح خلال هذه الفترة في حسم نتيجة اللقاء لصالحنا. إنه لاعب محوري بالنسبة لنا». ولعب سواريز أيضاً دوراً أساسياً في قيادة الفريق لتحقيق نتائج جيدة خلال فترة يفتقد فيها الفريق لخدمات الكثير من لاعبيه الأساسيين بداعي الإصابة، حيث لم يكن ميسي هو الوحيد الذي غاب عن المباريات بسبب الإصابة في أوتار الركبة، بل اضطر لاعب خط الوسط المهم فيديريكو ريدوندو أيضاً إلى الجلوس على مقاعد البدلاء، إلى جانب الكثير من اللاعبين الآخرين.

سواريز تألق بشدة مع إنتر ميامي في ظل غياب ميسي (أ.ف.ب)

وعانى إنتر ميامي بدون ميسي، وهي الفترة التي شهدت الخسارة المذلة برباعية نظيفة أمام نيويورك ريد بولز. لكن من دون سواريز، كان من الممكن أن تكون نتائج إنتر ميامي أسوأ من ذلك بكثير - بدءاً من الهدفين الذين سجلهما في مرمى دي سي يونايتد، وحتى تسجيله مرة أخرى في المباراة التي انتهت بالتعادل أمام نيويورك سيتي إف سي بهدف لكل فريق مؤخراً. وقال سواريز مؤخرا: «ميسي لاعب يصنع الفارق، ونحن نعرف ذلك جيداً. وعندما يشارك في المباريات، فإننا نستمتع بشكل أكبر. لكن لدينا فريقاً كبيراً ولدينا الكثير من اللاعبين الجيدين الذين يمكنهم تعويض الغائبين».

وعلى الرغم من أن ميسي هو الفائز بجائزة «فيفا» لأفضل لاعب في العالم، لكن هناك جدلاً الآن حول ما إذا كان هو أفضل لاعب في فريقه بالدوري الأميركي هذا الموسم. ولحسن حظ إنتر ميامي، فإنه لا يتعين عليه الاختيار بين ميسي وسواريز، حيث يضم الفريق كلاً منهما، على عكس فترة صعبة محتملة في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) عندما يكون اللاعبان في مهمة دولية في كأس أمم أميركا الجنوبية (كوبا أميركا). وفي ظل وجود هذين النجمين اللامعين، يمتلك إنتر ميامي فرصة إضافة المزيد إلى كأس الدوري الذي فاز به العام الماضي.

وقال سواريز في المؤتمر الصحافي الذي عُقد لتقديمه كلاعب في إنتر ميامي قبل موسم 2024: «أفضل كلمة يجب أن نتحلى بها كلاعبين هي الحلم: الحلم الكبير. الحلم يعني الرغبة في تحقيق الفوز. فلماذا لا نحلم بالفوز بالألقاب الأربعة؟». لقد مرّت تسع سنوات منذ أن قاد سواريز - إلى جانب ميسي ونيمار - برشلونة للسيطرة على الساحتين المحلية والقارية في عام 2015. ويبدو أن طموح النجم الأوروغواياني لم يتراجع، كما لم تتراجع قدرته على تغيير نتائج المباريات، سواء من خلال إحراز أو صناعة الأهداف.

* خدمة «الغارديان»