عبقرية محمد صلاح الثابتة أعادت ليفربول للمنافسة على القمة

المهاجم المصري يجعل الأمور الاستثنائية تبدو عادية ولا يزال النجم الأول في الفريق الذي أعيد بناؤه هذا الموسم

صلاح كأن أبرز لاعبي ليفربول ضد سيتي وصنع هدف التعادل لفريقه (د.ب.أ)
صلاح كأن أبرز لاعبي ليفربول ضد سيتي وصنع هدف التعادل لفريقه (د.ب.أ)
TT

عبقرية محمد صلاح الثابتة أعادت ليفربول للمنافسة على القمة

صلاح كأن أبرز لاعبي ليفربول ضد سيتي وصنع هدف التعادل لفريقه (د.ب.أ)
صلاح كأن أبرز لاعبي ليفربول ضد سيتي وصنع هدف التعادل لفريقه (د.ب.أ)

أصبح تألق النجم المصري محمد صلاح شيئاً ثابتاً ومعتاداً في ليفربول، لدرجة أن الأمر يتطلب في بعض الأحيان صوتاً جديداً لتذكيرنا بأن ما يقوم به هذا اللاعب شيء استثنائي، ويجب النظر إليه على هذا النحو. كان هذا الصوت يتمثل في المدير الفني لبرنتفورد، توماس فرنك، الذي قال قبل فترة التوقف الدولي: «يحظى محمد صلاح بإشادة كبيرة، لكني لا أعرف حقاً ما إذا كان يحصل على ما يستحق وما يكفي من الثناء أم لا. أعتقد الآن أنه أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز. لقد وصل إلى مستويات استثنائية من حيث إحراز وصناعة الأهداف. يجب أن يكون أحد أفضل المهاجمين في العالم، ليس من بين أفضل عشرة، بل من بين أفضل 3 لاعبين».

لقد اعترف فرنك خلال المؤتمر الصحافي بعد المباراة التي خسرها فريقه أمام ليفربول على ملعب «آنفيلد» بثلاثية نظيفة، بأنه عندما أدلى بهذه التصريحات فإنه كان يفكر بصوت عالٍ، ولم يكن يخطط لخداع إيرلينغ هالاند ومانشستر سيتي. لكن عندما يقوم مدير فني آخر في الدوري الإنجليزي الممتاز، غير المدير الفني لليفربول يورغن كلوب، بالإدلاء بهذه التصريحات بحق صلاح وأن يضعه في قائمة أفضل 3 لاعبين بالعالم إلى جانب هالاند البالغ من العمر 23 عاماً، وكيليان مبابي البالغ من العمر 24 عاماً، رغم أن صلاح في الحادية والثلاثين من عمره، فإن هذا يعني أن مشجعي ليفربول ليسوا هم فقط من يؤمنون ويستمتعون بعظمة وقيمة المهاجم المصري.

في الحقيقة، يُعد المستوى الثابت والرائع الذي يقدمه صلاح، من حيث الأهداف والتأثير واللياقة البدنية والدوافع، أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت ليفربول يتوجه إلى ملعب الاتحاد لمواجهة مانشستر سيتي، وهو واثق من قدرته على استعادة مكانته كأحد أبرز المنافسين على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم. لقد وصف كلوب هذه المباراة بأنها «أكثر مباراة يدفع العالم أموالاً لمشاهدتها»، في إطار انتقاداته لقرار تبديل موعد انطلاق المباراة إلى الساعة 12:30 ظهراً يوم السبت بعد فترة التوقف الدولية. لقد كان الجميع ينتظرون هذه المواجهة المثيرة بين هالاند وصلاح، وبالفعل لعب النجمان الكبيران دوراً حاسماً في نتيجة المباراة التي انتهت بالتعادل بهدف لكل فريق، حيث سجل هالاند هدف مانشستر سيتي، في حين صنع صلاح هدف التعادل لليفربول، الذي جاء من توقيع ترينت ألكسندر - أرنولد.

وتشير الأرقام والإحصاءات إلى أن هالاند هو اللاعب الوحيد الذي سجل أهدافاً أكثر من صلاح في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم (14 هدفاً لهالاند مقابل 10 أهداف لصلاح)، في حين يتفوق النجم المصري في عدد التمريرات الحاسمة، حيث صنع 5 أهداف، مقابل 3 لهالاند. جاءت أهداف صلاح من 14 «فرصة كبيرة» - وفقاً لمعايير الدوري الإنجليزي الممتاز - بينما استفاد هالاند من 23 فرصة كبيرة. أما من حيث «صناعة الفرص الكبيرة»، فقد صنع صلاح 11 فرصة، مقابل 3 لهالاند.

من اللافت للنظر أن صلاح ينافس هالاند بقوة فيما يتعلق بإحراز وصناعة الأهداف، رغم أن النجم المصري يلعب كجناح أيمن وليس مهاجماً صريحاً، كما استطاع صلاح أن يتأقلم مع طريقة لعب داروين نونييز بعد رحيل روبرتو فيرمينو، وفي ظل وجود خط وسط جديد بالكامل من خلفه. لكن معدل إحراز صلاح للأهداف تحسن هذا الموسم، وهو أفضل معدل له (0.83 هدف لكل مباراة) منذ الموسم الأول المذهل له مع ليفربول في 2017 - 2018، والذي سجل خلاله 32 هدفاً في 36 مباراة بالدوري الإنجليزي الممتاز (0.88 هدف لكل مباراة) وحصل خلاله أيضاً على جائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز من رابطة كتاب كرة القدم، واتحاد لاعبي كرة القدم المحترفين.

لقد أصبح صلاح على بُعد هدفين فقط من إحراز 200 هدف بقميص ليفربول بعد 321 مباراة، على الرغم من أنه وصل بالفعل إلى 200 هدف في كرة القدم الإنجليزية، نظراً لأنه أحرز هدفين بقميص تشيلسي. وخلال 117 مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز على ملعب آنفيلد، أسهم النجم المصري في 119 هدفاً، من حيث تسجيل وصناعة الأهداف. إنها أرقام مذهلة بكل تأكيد. ومن المؤكد أن المدير الفني لمانشستر سيتي، جوسيب غوارديولا، كان يدرك هذه الأمور جيداً ويفكر ملياً في كيفية القضاء على خطورة اللاعب المصري. لقد سجل صلاح في جميع المباريات الأربع التي لعبها فريقه أمام مانشستر سيتي خلال الموسم الماضي، الذي فاز فيه سيتي بالثلاثية التاريخية، كما سجل بشكل عام 11 هدفاً في 18 مباراة ضد مانشستر سيتي.

ثم هناك الأرقام القياسية الفردية التي يبدو أن صلاح أصبح يحققها بشكل أسبوعي، ولنأخذ على سبيل المثال المباريات الثلاث الأخيرة لليفربول على ملعبه، فضد تولوز الفرنسي شارك صلاح بديلاً ليسجل هدفه رقم 43 في المسابقات الأوروبية الكبرى مع ليفربول، ليتجاوز النجم الفرنسي تييري هنري بعدّه اللاعب الأكثر تهديفاً لنادٍ إنجليزي في البطولات الأوروبية.

وبعد 3 أيام أمام نوتنغهام فورست، أصبح صلاح ثالث لاعب في تاريخ ليفربول يسجل في أول 5 مباريات للنادي على أرضه بالدوري في موسم واحد، بعد هاري تشامبرز في عام 1922 وجون ألدريدج في عام 1987. وفي المباراة التالية أمام برنتفورد، انفرد صلاح بالرقم القياسي، عندما سجل هدفاً رائعاً بتمريرة استثنائية جعلت المدير الفني لبرنتفورد يكيل الثناء والمديح على خط هجوم ليفربول، ويصف هذا الهدف بأنه «جاء من بصمة مميزة لخط هجوم ليفربول».

وأضاف فرنك: «بمجرد أن خسرنا الكرة، شن ليفربول هجمة مرتدة سريعة ووصلت الكرة إلى صلاح الذي وضعها داخل الشباك. لكن لا يمكن لأي لاعب أن يحرز هدفاً من مثل هذه الكرة، فما حدث يعكس براعة وجودة اللاعب وفريق ليفربول ككل». كما يعني هذا الهدف تمديد مسيرة صلاح في التهديف أو صناعة الأهداف في مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز على ملعب «آنفيلد» إلى 15 مباراة، وهي المسيرة الاستثنائية التي بدأت في يناير (كانون الثاني) الماضي.

ولا تقتصر هذه الإنجازات على مستوى النادي، ففي مباراته التالية بعد برنتفورد، سجل صلاح 4 أهداف في المباراة التي فاز فيها منتخب مصر على جيبوتي بسداسية نظيفة، وهو الإنجاز الذي جعله يتجاوز محمد أبو تريكة بوصفه الهداف التاريخي لمنتخب بلاده في تصفيات كأس العالم برصيد 15 هدفاً.

أرقام صلاح القياسية ستظل خالدة في تاريخ ليفربول (ا ب ا)

لكن لا يمكن للأرقام وحدها أن تلخص أو تعكس المستويات الرائعة التي يقدمها صلاح، فالعمل الشاق الذي يقوم به وسلوكه الرائع وقدراته القيادية، كل ذلك أسهم في تعافي ليفربول هذا الموسم بعد التراجع الكبير الذي طرأ على مستوى الفريق الموسم الماضي. وحتى خلال الأيام الصعبة التي لم يكن فيها الفريق بمستواه المعهود، مثل ديربي الميرسيسايد على ملعب «آنفيلد» الشهر الماضي، كان المهاجم المصري حاسماً. ويبدو أن صلاح، إلى جانب المدافع الهولندي العملاق فيرجيل فان دايك والظهير الأيمن المميز ترينت ألكسندر - أرنولد وباقي الركائز الأساسية للفريق، عازمون على تعويض فشل الفريق في التأهل لدوري أبطال أوروبا، وقد نجح هؤلاء اللاعبون بالفعل في إعادة ليفربول إلى مستوياته ونتائجه الجيدة.

وتجب الإشارة أيضاً إلى أن صلاح لم يغِبْ عن مباريات ليفربول في الدوري سوى في 10 مباريات فقط منذ انضمامه للنادي قبل 7 سنوات، منها مباراتان عندما كان يلعب مع منتخب مصر في نهائيات كأس الأمم الأفريقية عام 2022. ويتعين على كلوب أن يجد حلاً لهذه المشكلة مرة أخرى في يناير المقبل، عندما سيغيب صلاح عن 4 مباريات في الدوري بسبب مشاركته مع منتخب بلاده في كأس الأمم الأفريقية - بما في ذلك ضد تشيلسي وآرسنال - اعتماداً على تقدم مصر في البطولة. لكن اللاعب المصري يتمتع بلياقة بدنية كبيرة ويقدم مستويات مميزة، ولا توجد أي علامات على تراجع المستوى. وقال المدير الفني لليفربول مازحاً في الآونة الأخيرة: «أعتقد أننا إذا قمنا بفحصه، فسنجد أن غالبية عظامه ستكون بعمر 19 أو 20 عاماً. إنه يحافظ على نفسه في حالة جيدة دائماً».

لقد أثبت ليفربول أنه كان محقاً تماماً عندما رفض عرضاً بقيمة 150 مليون جنيه إسترليني من نادي الاتحاد السعودي للتعاقد مع النجم المصري قبل أقل من 3 أشهر. لكن لا يزال التهديد مستمراً، نظراً لأن الأندية السعودية قد تواصل سعيها للتعاقد مع أبرز لاعب كرة قدم مسلم على هذا الكوكب، وسيدخل صلاح الأشهر الـ12 الأخيرة من عقده مع ليفربول في الصيف المقبل. لكن من يستطيع أن يقول إن فكرة اللعب أمام أعداد محدودة من الجماهير في الدوري السعودي للمحترفين تروق لصلاح؟

إن أرقام صلاح الاستثنائية وإنجازاته ودوافعه التي لا تنتهي تُشكل حجة مقنعة لتمديد عقده مع ليفربول، حتى لو كانت المفاوضات الأخيرة مع النادي الإنجليزي قد استغرقت وقتاً طويلاً للغاية، ولم يتم التوصل إلى حل إلا قبل 17 شهراً فقط. وبغض النظر عن الخطوة التالية، فإن ما حققه صلاح مع ليفربول يُعد شيئاً استثنائياً لا يمكن لأحد أن ينساه أو ينكره. وكما قال كلوب: «نحن نُقدره، وسيقدره الجميع بشكل أكبر بعد نهاية مسيرته، لأنهم سيقولون آنذاك: يا إلهي، لقد كنا نرى شيئاً مميزاً حقاً».

*خدمة «الغارديان»


مقالات ذات صلة

بوستيكوغلو: غوارديولا في طريقه لأن يصبح أحد عظماء التدريب

رياضة عالمية بوستيكوغلو مدرب توتنهام (رويترز)

بوستيكوغلو: غوارديولا في طريقه لأن يصبح أحد عظماء التدريب

قال أنجي بوستيكوغلو مدرب توتنهام هوتسبير إن بيب غوارديولا رفع سقف المنافسة مع مدربي الدوري الإنجليزي الممتاز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية غوارديولا (أ.ف.ب)

غوارديولا بعد تجديد عقده: لم يحن وقت الرحيل

قال المدرب الإسباني بيب غوارديولا الخميس عقب تمديد عقده مع مانشستر سيتي بطل إنجلترا لعامين اضافيين حتى العام 2027 إنّه «لم يستطع الرحيل الآن».

«الشرق الأوسط» (مانشستر)
رياضة عالمية غوارديولا مدد عقده لعامين مقبلين (أ.ف.ب)

ماذا يعني بقاء بيب غوارديولا لمانشستر سيتي؟

في وقت تسود فيه حالة كبيرة من عدم اليقين حول مانشستر سيتي والدوري الإنجليزي الممتاز، فإن العقد الجديد لبيب غوارديولا يمثل دفعة كبيرة للنادي.

The Athletic (مانشستر)
رياضة عالمية غوارديولا مدد تعاقده مع سيتي معلنا التحدي بإعادة الفريق للقمة سريعا (رويترز)

غوارديولا أكد قدرته على التحدي بقرار تمديد عقده مع مانشستر سيتي

يُظهر توقيع جوسيب غوارديولا على عقد جديد لمدة عام واحد مع مانشستر سيتي أن المدير الفني الإسباني لديه رغبة كبيرة في التغلب على التحديات الكثيرة التي تواجه فريقه

جيمي جاكسون (لندن)
رياضة عالمية رودريغو بينتانكور خلال مشاركته مع منتخب الأوروغواي في مواجهة البرازيل الأخيرة بالتصفيات (د.ب.أ)

بوستيكوغلو: سندعم بينتانكور بالطرق الصحيحة للمضي قُدماً

وصف أنجي بوستيكوغلو، مدرب فريق توتنهام هوتسبير، لاعب خط وسط الفريق، رودريغو بينتانكور بأنه «شخص استثنائي»، بعد معاقبة الأوروغواياني؛ لاستخدامه لغة عنصرية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

دي تزيربي: لم أترك شاختار وهو تحت قصف بوتين... فكيف بمرسيليا؟!

تزيربي قال إنه مستمر في منصبه مدرباً لمرسيليا (أ.ف.ب)
تزيربي قال إنه مستمر في منصبه مدرباً لمرسيليا (أ.ف.ب)
TT

دي تزيربي: لم أترك شاختار وهو تحت قصف بوتين... فكيف بمرسيليا؟!

تزيربي قال إنه مستمر في منصبه مدرباً لمرسيليا (أ.ف.ب)
تزيربي قال إنه مستمر في منصبه مدرباً لمرسيليا (أ.ف.ب)

أكد المدرب الإيطالي لنادي مرسيليا الفرنسي لكرة القدم روبرتو دي تزيربي، الجمعة، أنه لم يفكر قط في الاستقالة من منصبه، مذكراً بأنه لم يغادر أوكرانيا وفريقه السابق شاختار دونيتسك «عندما قصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كييف».

وجاء تصريح دي تزيربي الذي كان غاضباً جداً قبل أسبوعين بعد الهزيمة أمام أوكسير في المرحلة الحادية عشرة على ملعب فيلودروم عندما قال: «إذا كنتُ أنا المشكلة، فأنا مستعد للرحيل، سأترك المال وأعيد عقدي، في مؤتمر صحافي عشية مواجهة مضيفه لنس في المرحلة الثانية عشرة».

وقال الجمعة: «إذا فهم البعض أنني سأستقيل، فليطمئنوا أنني لن أهرب».

وأكد دي تزيربي أيضاً: «لم أغادر أوكرانيا حتى عندما قصف بوتين كييف (كان مدرباً لشاختار دونيتسك). أؤمن بشدة بنادي مرسيليا واللاعبين الذين أدربهم. ليس لدي أي نية للذهاب إلى أي مكان».

وتابع المدرب البالغ من العمر 45 عاماً: «هذه الكلمات، لا أعتقد أنها كانت قوية. إنها مجرد كلمات شخص يتحمل مسؤولياته. لعبنا 5 مباريات في فيلودروم: فوز واحد وتعادلان وهزيمتان. لذلك من الطبيعي أن أتحمل مسؤولياتي».

وعيِّن دي تزيربي مدرباً لشاختار دونيتسك في عام 2021، وكان على رأس الإدارة الفنية للنادي خلال بداية الهجوم الروسي ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وغادر شاختار أخيراً في يوليو (تموز) 2022، وأشرف على تدريب برايتون الإنجليزي قبل الالتحاق بمرسيليا هذا الصيف.

ويحتل الفريق الجنوبي حالياً المركز الثالث في الدوري.