من اللعب في الشوارع إلى الدوري الإنجليزي: طريق نيكولاس جاكسون إلى تشيلسي

المهاجم السنغالي حوَّل فشل انتقاله إلى بورنموث إلى حافز للتألق وهز الشباك مع فياريال

جاكسون تألق امام أتلتيكو مدريد وهز شباكه (أ.ف.ب)
جاكسون تألق امام أتلتيكو مدريد وهز شباكه (أ.ف.ب)
TT

من اللعب في الشوارع إلى الدوري الإنجليزي: طريق نيكولاس جاكسون إلى تشيلسي

جاكسون تألق امام أتلتيكو مدريد وهز شباكه (أ.ف.ب)
جاكسون تألق امام أتلتيكو مدريد وهز شباكه (أ.ف.ب)

لم يتوقع فياريال كل هذا التألق من نيكولاس جاكسون لكنه استقبله بأذرع مفتوحة عندما عاد مرة أخرى إلى إسبانيا على متن الطائرة نفسها، التي غادر فيها. كان ذلك في أواخر شهر يناير (كانون الثاني) الماضي ولم تسر الرحلة، التي كان من المفترض أن تكون في اتجاه واحد، كما كان مخططاً لها. كان جاكسون قد سافر إلى إنجلترا للانضمام إلى بورنموث مقابل 25 مليون يورو، لكنه فشل في الاختبار الطبي واضطر إلى العودة، وضاعت فرصته الكبيرة.

كان جاكسون يبلغ من العمر آنذاك 21 عاماً ولا يزال لديه عقد لمدة ستة أشهر مع فريق الرديف منذ أن كان يلعب في دوري الدرجة الثالثة، ولم يشارك في التشكيلة الأساسية للفريق الأول سوى ثماني مرات فقط، وتعرَّض لإصابة قوية في أوتار الركبة جعلته لا يلعب سوى دقيقة واحدة فقط حتى شهر أبريل (نيسان)، ولم يكن يعرف ما إذا كانت ستتاح له فرصة أخرى أم لا. قال كيكي سيتين، المدير الفني لفياريال، آنذاك: «سنحاول العمل على دعمه وتشجيعه، لأنها كانت فرصة عظيمة. سندعمه، ونساعده في التغلب على هذا الإحباط، ونقويه حتى تتضاعف قيمته عندما يأتي الصيف».

لم يتخيل كثيرون أن الأمر سينتهي بهذا الشكل وبهذه السرعة. وعلى الرغم من كل ما حدث في يناير (كانون الثاني)، فقد سافر جاكسون إلى إنجلترا مرة أخرى بعد خمسة أشهر فقط، ولم تكن هناك عودة هذه المرة. ففي الأسبوع الماضي انضم المهاجم السنغالي الشاب إلى تشيلسي مقابل 32 مليون جنيه إسترليني في صفقة مدتها ثماني سنوات. يقول المقربون من جاكسون إن فشل صفقة انتقاله إلى بورنموث كان جيداً للغاية بالنسبة له، خاصة وأن الفرصة الثانية التي جاءته للعب في إنجلترا كانت أفضل من الأولى. في الحقيقة، لا يمكن للكثير من اللاعبين أن يتغلبوا على مثل هذا الإحباط بهذه السرعة والقوة، وكأن هذا الإحباط كان هو الدافع الأكبر للاعب نحو المزيد من التألق.

عندما بدأ جاكسون المشاركة في المباريات مرة أخرى، وللمرة الأولى منذ فشل انتقاله إلى بورنموث، تألق بشكل لافت للأنظار وأحرز تسعة أهداف في تسع مباريات. وبداية من شهر أبريل (نيسان) فصاعداً، توهَّج اللاعب الذي لم يكن ينظر إليه كثيرون على أنه مهاجم غزير الإنتاج، وسجل أهدافاً أكثر من أي لاعب آخر في الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا. كما سجل أهدافاً أكثر من كل الأهداف التي سجلها فريق تشيلسي بالكامل خلال تلك الفترة.

لقد فوجئ الجميع في فياريال أيضاً – أن عدد الأهداف التي سجلها في المباريات التسع كان أكثر من إجمالي عدد الأهداف التي سجلها طوال مسيرته الكروية منذ ذلك الحين. لقد كان جاكسون يتميز دائماً بالعناد والإرادة والتصميم، وكان عازماً على اللعب رغم معارضة والديه. لم يلتحق جاكسون بأي أكاديمية للناشئين، ومرت أربع سنوات فقط منذ أن كان يلعب في الشوارع وعلى الملاعب الترابية. ولد جاكسون في بانجول، غامبيا، ونشأ في زيغينشور، في منطقة كازامانس الريفية بجنوب السنغال، ولم يلعب كرة القدم على المستوى الاحترافي إلا لبضعة أشهر عندما لعب لفريق كاسا سبورت المحلي، عندما انضم إلى فياريال وهو يبلغ من العمر 17 عاماً في عام 2019.

وبعد أن رفض نادي بنفيكا التعاقد معه بعد خضوعه لفترة اختبار، لم يخبر جاكسون والدته حتى تم التوقيع على كل شيء. وفي بلده كان يطلقون عليه اسم «نيمار السنغالي»، وتشير التقارير إلى أنه في اليوم الذي لعب فيه مباراة تدريبية مع فريق الشباب تحت 19 عاماً، كان رئيس فياريال، فرناندو رويغ، هناك، وكان يشاهد الفريق لبضع دقائق، وأمر على الفور بالتعاقد مع هذا اللاعب. يقول ميغيل ألفاريز، المدرب الذي عُهد إليه بتنمية وتطوير جاكسون في فريق الرديف: «أتذكر تماماً المرة الأولى التي رأيته فيها مع فريق الشباب تحت 19 عاماً. لقد أدركت على الفور أن مستواه أعلى من مستوى جميع اللاعبين الذين يلعب معهم. لقد كان متفوقاً على الجميع، وكأنه رجل يلعب ضد مجموعة من الأطفال». في ذلك الصيف، لعب جاكسون ستة أسابيع مع فريق الرديف قبل أن ينتقل على سبيل الإعارة إلى ميرانديس، الذي يلعب في دوري الدرجة الثانية، في موسم 2020-2021.

يقول كارلوس خوليو مارتينيز، زميله في ذلك الفريق: «كان هادئاً وخجولاً بعض الشيء، ولم يكن يتحدث الإسبانية كثيراً على الرغم من أن البعض منا كان يتحدث إليه بالإنجليزية. لو كانت هذه التجربة قد ساعدته، فأنا سعيد بذلك، فهو فتى جيد. لكنه كان واضحاً تماماً، فكان يرغب في اللعب بالدوري الممتاز والحصول على الكثير من الأموال لمساعدة عائلته». ويضيف: «إنه مميز جداً، ومختلف عن الآخرين. وعندما ينطلق بالكرة يكون من الصعب للغاية إيقافه، ولا يمكنك استخلاص الكرة من بين أقدامه. لقد كان يتحلى بجرأة شديدة في اللعب، ولم يكن يهتم على الإطلاق بهوية المنافس، وكان يتفوق على المنافسين دائماً. لم يكن يجيد تسجيل الأهداف بالشكل الذي عليه الآن، لكنه كان يصنع الكثير من الفرص».

وعندما كان في التاسعة عشرة من عمره، كان معزولًا بسبب تفشي فيروس كورونا وكان يعاني من أجل التخلص من الإصابات، ويعيش في مدينة تصل فيها درجات الحرارة إلى حد التجمد، على العكس تماماً من الأجواء الحارة في بلده الأصلي. ونتيجة لكل هذا، لم يسجل جاكسون سوى هدف واحد فقط مع ميرانديس. كانت الأمور صعبة للغاية عليه في ذلك العام ولم يلعب سوى 17 مباراة، لكن هذه التجربة الصعبة ساهمت في بناء شخصيته وتطوير مستواه بشكل كبير. كما أن ما حدث بعد ذلك ساعده أيضاً، وخاصة في إيجاد حل لمشاكل العضلات التي كانت تهدد بتوقف نموه.

يقول أحد العاملين بالنادي: «عندما عاد من ميراندا، كان مختلفاً تماماً، فجاكسون الذي رحل يختلف كلية عن جاكسون الذي عاد. لقد أصبح يفهم اللغة بشكل أفضل، ووجد أنه من الأسهل أن يكون جزءاً من هذه البيئة». وقال ألفاريز: «التطور لا يقتصر على كرة القدم فقط، بل على كل النواحي والأمور الأخرى. لقد عانى من الكثير من الإصابات في ذلك الموسم مع ميرانديس، وكان الجانب النفسي مهماً جداً أيضاً. لكنني أعتقد أن نقطة التحول الكبرى تتمثل في تغيير مركزه داخل الملعب، حيث كان يلعب دائماً في مركز الجناح في بداية الأمر».

وأضاف: «من الناحية البدنية، يمكن وصفه بأنه آلة لا تتوقف عن العمل، لكن هذا المركز يتطلب القدرة على التحمل والركض ذهاباً وعودة بشكل مستمر. وعلاوة على ذلك، فإن اللعب في هذا المركز كان يبعده عن المناطق التي كان من الممكن أن يشكل فيها خطورة كبيرة على المرمى: آخر 30 متراً من الملعب. لقد اعتمدنا عليه في مركز المهاجم الثاني، وكان رائعاً. لقد تألق بشكل كبير وتم تصعيده إلى الفريق الأول في غضون بضعة أشهر».

كان بورنموث يقاتل من أجل البقاء ويبحث عن حل سريع، وتوصل إلى اتفاق لضم جاكسون، لكن في حين كان فياريال يعتقد أن إصابة جاكسون في أوتار الركبة ستبعده عن الملاعب لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، رأى النادي الإنجليزي أنها ستبعد اللاعب عن الملاعب لمدة تصل إلى ثمانية أو تسعة أسابيع على الأرجح. لم يكن بمقدور جاكسون أن يساعد بورنموث، الذي كان يعاني بشدة، على المدى القصير بسبب هذه الإصابة، لذلك انسحب النادي الإنجليزي من الصفقة. كان من الممكن أن يؤدي فشل هذه الصفقة إلى شعور اللاعب بالإحباط الشديد، لكن سيتين طمأن جاكسون بأن الوقت يقف في صالحه - كان لا يزال في الحادية والعشرين من عمره - ووعده بأن الطريقة التي يعملان بها سوياً ستكون جيدة بالنسبة له. ويقول المقربون من جاكسون إن هذه التجربة كانت بمثابة «دعوة للاستيقاظ» ربما كان في أشد الحاجة إليها، حيث جعلته يهتم بأدق التفاصيل.

جاكسون وهدفه الاول من ثنائية في مرمى قادش (إ.ب.أ)

كانت المشكلة تكمن في أن تشخيص بورنموث كان صحيحًا، وبالتالي جعلته هذه الإصابة يشارك في المباريات لمدة دقيقة واحدة في الدوري، ضد ريال بيتيس في مارس (آذار)، قبل أن يعود في الثاني من أبريل (نيسان) ليتألق بشكل لافت للأنظار وأحرز هدفاً في مرمى إسبانيول، وهدفين في مرمى سيلتا فيغو، وهدفاً آخر في مرمى فالنسيا، وهدفين في مرمى أتليتيك بلباو، وهدفين في مرمى قادش، وهدفاً في مرمى أتليتكو مدريد؛ كما صنع هدفين أمام جيرونا. وفي تلك المباريات التسع الأخيرة، فشل جاكسون فقط في التسجيل أو صناعة الأهداف أمام رايو فايكانو. لقد كان هناك شيء مميز في الطريقة التي يلعب بها، والحماس الشديد الذي يظهره داخل المستطيل الأخضر. وطوال الموسم بأكمله، لم يتفوق عليه سوى لاعب واحد فقط - نجم ريال مدريد فينيسيوس - فيما يتعلق بتسجيل الأهداف وهو يركض بالكرة.

لقد كان هذا الأداء يكفي لعودة اهتمام الأندية الإنجليزية به، ليبدأ رحلة أخرى. وفي تلك المباريات التسع الأخيرة في إسبانيا عندما تفوق على جميع المهاجمين في أوروبا بأكملها، بما في ذلك تشيلسي الذي سيدافع عن ألوانه، بدا الأمر وكأن جاكسون ليس بحاجة إلى فرصة ثانية، لكنه حصل على هذه الفرصة وسنرى ما سيمكنه القيام به في هذا المستوى!


مقالات ذات صلة

بنتانكور نجم توتنهام يستعيد وعيه بعد إصابة مثيرة للقلق

رياضة عالمية الأوروغواياني تم نقله إلى المستشفى ليخضع للملاحظة الطبية (رويترز)

بنتانكور نجم توتنهام يستعيد وعيه بعد إصابة مثيرة للقلق

استعاد رودريغو بنتانكور، لاعب وسط توتنهام هوتسبير، وعيه ويخضع للملاحظة الطبية في المستشفى بعد تعرُّضه لإصابة مفاجئة في وقت مبكر من مباراة ذهاب الدور قبل النهائي

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية غراهام بوتر (رويترز)

غراهام بوتر مدرباً جديداً لوست هام

أعلن نادي وست هام يونايتد المنافس في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، اليوم الخميس، تعيين غراهام بوتر مدرباً جديداً للفريق خلفاً ليولن لوبتيغي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية رودريغو بيتانكور لحظة تعرضه لفقدان الوعي (إ.ب.أ)

«كأس الرابطة»: إصابة بيتانكور تعكر فرحة توتنهام أمام ليفربول

قطع توتنهام هوتسبير خطوة مهمة نحو التأهل لنهائي بطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة (كأس كاراباو) بتغلبه 1 / صفر على ضيفه ليفربول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية ميكيل أرتيتا (رويترز)

أرتيتا: «الكرة» التي لعبنا بها أمام نيوكاسل سبب خسارتنا

قال ميكيل أرتيتا، المدير الفني لفريق آرسنال، إن خسارة فريقه أمام نيوكاسل صفر-2 في ذهاب الدور قبل النهائي بكأس رابطة الأندية الإنجليزية، لا تعكس أداء فريقه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية إيدي هاو مدرب نيوكاسل يونايتد (رويترز)

هاو: بقيت خطوة لضمان التأهل لنهائي كأس الرابطة

حثّ إيدي هاو، مدرب نيوكاسل يونايتد، فريقه على توخي الحذر رغم الفوز 2-صفر على مستضيفه آرسنال، الثلاثاء، ليصبح على بُعد خطوة من التأهل لنهائي كأس رابطة الأندية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

نيوكاسل يواصل التألق... وإيساك «جوهرة تاج» التشكيلة

إيساك (يسار) يسجل هدف نيوكاسل الاول في مرمى أرسنال بذهاب نصف نهائي كأس الرابطة  (رويترز)
إيساك (يسار) يسجل هدف نيوكاسل الاول في مرمى أرسنال بذهاب نصف نهائي كأس الرابطة (رويترز)
TT

نيوكاسل يواصل التألق... وإيساك «جوهرة تاج» التشكيلة

إيساك (يسار) يسجل هدف نيوكاسل الاول في مرمى أرسنال بذهاب نصف نهائي كأس الرابطة  (رويترز)
إيساك (يسار) يسجل هدف نيوكاسل الاول في مرمى أرسنال بذهاب نصف نهائي كأس الرابطة (رويترز)

قبل عامين واصل نيوكاسل يونايتد تألقه منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ووضع قدماً نحو التأهل لنهائي كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة لكرة القدم بفوزه 2-صفر على مضيفه آرسنال مساء أول من أمس، في وقت وصل فيه مهاجمه السويدي ألكسندر إيساك، إلى أعلى مستوى وبات يُنظَر إليه على أنه جوهرة التاج في تشكيلة المدرب إيدي هاو.

وسجل إيساك الهدف الأول قبل نهاية الشوط الأول لمباراة الذهاب على ملعب الإمارات ثم لعب دوراً كبيراً في الهدف الثاني لنيوكاسل الذي سجله أنتوني جوردون في الشوط الثاني. وسيكون نيوكاسل، الذي لم يفز بأي لقب كبير منذ 1955، الآن، المرشح الأبرز لاستكمال المهمة في مباراة الإياب الشهر المقبل علماً بأنه يعيش أياماً جيدة بعد فوزه 2-1 على توتنهام اللندني أيضاً قبل ثلاثة أيام، ليصبح أقرب إلى أول أربعة مراكز في الدوري الإنجليزي الممتاز.

لقد أُثيرت شكوك كثيرة في بداية الموسم حول نيوكاسل بسبب عدم ثبات المستوى وتراجع الفاعلية الهجومية، لكنَّ الفريق عاد بقوة وحقق سبعة انتصارات متتالية في جميع المسابقات، ويعود الفضل الأول في ذلك إلى المستويات الاستثنائية التي يقدمها المهاجم السويدي البالغ من العمر 25 عاماً.

لقد أحرز إيساك 10 أهداف مع نيوكاسل هذا الموسم ورفع رصيده إلى 50 هدفاً مع الفريق منذ قدومه قبل عامين.

دائماً ما واجه إيساك ضغوطاً هائلة بسبب التوقعات الكبيرة لما يمكن أن يقدمه. فعندما كان في السادسة عشرة من عمره أصبح أصغر هداف في تاريخ نادي أيك السويدي، وسرعان ما أثبت نفسه أحد أبرز المواهب في جميع أنحاء أوروبا، وهو الأمر الذي جعل كثيرين يشبِّهونه بمواطنه الأسطوري زلاتان إبراهيموفيتش، رغم الاختلاف الهائل بين الاثنين، فشخصية إيساك الهادئة والمتواضعة بعيدة كل البعد عن شخصية إبراهيموفيتش التي تتسم بالغرور الشديد.

وُلد إيساك لأبوين إريتريين في استوكهولم، ونشأ طفلاً متواضعاً ومنطوياً، وتطوَّر في نهاية المطاف حتى أصبح ذلك اللاعب والشخص الذي أراد نيوكاسل أن يبني مشروعه حوله.

وغالباً ما يجري تشبيهه بأسطورة آرسنال تييري هنري، بسبب قدرته الهائلة على التحكم بقدميه، وذكائه في التحرك في وسط الملعب وعلى الأطراف، ناهيك بأنه يفعل كل ذلك بسهولة كبيرة.

في عام 2017، انتقل إيساك إلى بوروسيا دورتموند، المعروف بأنه «أرض خصبة» لتطوير النجوم الصاعدين، لكن على عكس جادون سانشو وغود بيلينغهام وإيرلينغ هالاند، لم ينجح المهاجم السويدي في التأقلم مع الحياة في ألمانيا. لقد اعترف المديرون الفنيون الذين عملوا معه بأنه يمتلك فنيات وقدرات هائلة، لكنّ خجله منعه من إظهار هذه الإمكانات كما ينبغي.

أسهم إيساك ارتفعت في سوق الإنتقالات بعد تسجيله 10 اهداف هذا الموسم (رويترز)cut out

ومع ذلك، أدى اجتماع واحد بين إيساك والمدير الفني للفريق الرديف بنادي بوروسيا دورتموند آنذاك، يان سيويرت، إلى تحويل مسيرته الكروية. ففي أثناء تناول القهوة، أظهر سيويرت للمهاجم السويدي الشاب صورتين جنباً إلى جنب -واحدة له وهو جالس على مقاعد البدلاء في بوروسيا دورتموند، وأخرى له وهو يبتسم بعد تسجيل هدف بقميص منتخب السويد. وسأله سيويرت عن الفارق بين الصورتين. اعترف إيساك بأن الفارق يتمثل في الثقة التي يفتقر إليها مع ناديه، وبدأ يشعر براحة أكبر بعد ذلك.

وعلى الرغم من نجاحه في تقديم مستويات جيدة في هولندا خلال الفترة التي لعب فيها لفيليم تيلبورغ على سبيل الإعارة في عام 2019 -سجل 13 هدفاً في 16 مباراة بالدوري الهولندي الممتاز- فإنه انضم إلى ريال سوسيداد لكي ينتقل إلى المستوى التالي.

أحرز إيساك 10 أهداف مع نيوكاسل هذا الموسم ورفع رصيده إلى 50 هدفاً منذ قدومه

لم يكن إيساك قد وصل إلى مرحلة النجومية آنذاك، لكنَّ موهبته لم تكن موضع شك أبداً. ولم ينسَ يوماً من أين أتى، وكان يتواصل بشكل دائم مع معلِّم اللغة الإسبانية في مدرسته في السويد ليشكره على مساعدته في فهم اللغة. وبمجرد استقراره في مدينة سان سيباستيان، سجَّل إيساك 17 هدفاً في موسمه الثاني، واستمر في إثارة الإعجاب في بطولة كأس الأمم الأوروبية 2020 مع منتخب السويد. وعلى الرغم من أنه لم يسجل أي هدف في البطولة، فإنه قدم أداءً ساحراً في دور المجموعات، خصوصاً أمام سلوفاكيا عندما تلاعب بالمدافعين وساعد فريقه على الفوز بهدف دون رد.

ازدادت التكهنات حوله، لكنه لم يُحرز سوى ستة أهداف فقط في 32 مباراة في موسم 2021-2022، وهو ما عزز فكرة أنه لم يكن مستعداً للانضمام إلى نادٍ من أندية القمة مقابل الرسوم المطلوبة للاستغناء عنه، التي تجاوزت 60 مليون جنيه إسترليني. رفض نيوكاسل في البداية إبرام الصفقة بهذا السعر، لكنَّ إصابة كالوم ويلسون جعلت مسؤولي النادي يُغيِّرون رأيهم وتعاقدوا معه في صفقة قياسية في تاريخ النادي في أغسطس (آب) 2022.

أعطت هذه الخطوة انطباعاً كاذباً عن سياسة نيوكاسل في سوق الانتقالات، خصوصاً بعد أن انتقلت ملكية النادي إلى صندوق الاستثمار السعودي، وقيل إن النادي كان متهوراً إلى حدٍّ ما للتعاقد مع إيساك بهذا المقابل المادي الكبير -وهو أمر لن يفعله أي نادٍ آخر. لكن لم يكن الأمر كذلك أبداً، فقد تمت دراسة هذه الصفقة بعناية حتى لا يتم انتهاك قواعد الربح والاستدامة، كما كان مسؤولو النادي يتابعون اللاعب عن كثب منذ فترة ويعرفون قدراته وإمكاناته جيداً.

شكّلت شخصية إيساك المتواضعة عاملاً كبيراً أيضاً، حيث كانت إدارة نيوكاسل حريصة على أن يتناسب كل لاعب جديد مع أخلاقيات العمل الجماعي وروح الفريق، وبات من الواضح الآن أن انطواء اللاعب لم يعد عائقاً أمام تألقه، وأثبت أنه يستحق ذلك المبلغ تماماً، على الرغم من أن الإصابات تسببت في غيابه عن الملاعب لمدة خمسة أشهر من موسمه الأول.

في موسمه الأول سجَّل أكثر من 10 أهداف، وقاد نيوكاسل إلى التأهل لدوري أبطال أوروبا، وفي موسم 2023-2024، أصبح إيساك أول لاعب في نيوكاسل منذ آلن شيرار، قبل عقدين من الزمان، يسجل 20 هدفاً في الدوري خلال موسم واحد.

وقال شيرار عنه لبرنامج «مباراة اليوم» على قناة «بي بي سي» العام الماضي: «إنه يشكل تهديداً مستمراً على مرمى المنافسين طوال الوقت. إنه يُنهي الهجمات بشكل ممتاز، ويتميز بالثقة والهدوء، ويؤمن بكل ما يفعله. إنه يفعل كل شيء بأعلى مستوى ممكن من الجودة».

بدأ نيوكاسل هذا الموسم بصعوبة، ولم يكن يلعب بالهوية التي يريدها المدير الفني إيدي هاو، وكان الفريق يفتقر إلى الطاقة والحيوية في منتصف الملعب، لذا بدا إيساك معزولاً بمفرده في الخط الأمامي.

لقد كان أحد أسباب معاناته في نهاية مسيرته مع ريال سوسيداد يتمثل في تغيير طريقة اللعب بعد رحيل مارتن أوديغارد إلى آرسنال، حيث لم يعد إيساك يتواصل مع خط الوسط كما كان الأمر من قبل. لكن المستويات الاستثنائية التي يقدمها إيساك حالياً مع نيوكاسل تأتي في الوقت الذي يلعب فيه ساندرو تونالي دوراً دفاعياً أكبر في خط الوسط، مع تقدم برونو غيماريش إلى الأمام، وهو الأمر الذي أعطى الفريق مزيداً من التحكم والتوازن.

وقال هاو بعد أن سجل المهاجم السويدي أول ثلاثية له مع نيوكاسل في المباراة التي فاز فيها على إيبسويتش تاون برباعية نظيفة في ديسمبر: «ألكسندر موهبة عالمية. الطريقة التي يسجل بها الأهداف تُظهر أنه يمتلك الهدوء والاتزان اللذين لا يمتلكهما سوى عدد قليل جداً من اللاعبين. وعندما تضيف مهاراته الفنية إلى هذا المزيج، فهذا يجعلك تؤمن بأنه يمتلك كل شيء».

لكنْ ما الخطوة القادمة لإيساك؟ سيكون نيوكاسل حريصاً على الاحتفاظ بخدمات نجمه السويدي، وفي ظل بقاء ثلاث سنوات ونصف على نهاية عقده، فإن موقف النادي قوي للغاية. تشير تقارير إلى أن هناك اهتماماً من جانب آرسنال لضمه، ربما بسبب تشابهه مع هنري، لكن سيتعين على آرسنال أن يدفع مبلغاً باهظاً من أجل التعاقد معه. وفي ظل قواعد الربح والاستدامة، فإن أندية قليلة فقط هي التي تستطيع تحمل قيمة هذه الصفقة، التي قد تتخطى 100 مليون جنيه إسترليني.

عندما اضطر نيوكاسل إلى بيع بعض لاعبيه من أجل الالتزام بقواعد الربح والاستدامة الصيف الماضي، جرت محادثات مع ليفربول بشأن بيع أنتوني غوردون، وكان هناك حديث عن إمكانية تفعيل الشرط الجزائي الموجود في عقد غيماريش والبالغ 100 مليون جنيه إسترليني، لكن جرى إغلاق الحديث عن إمكانية رحيل إيساك، فهو اللاعب الذي لا يريد النادي خسارته تحت أي ظرف من الظروف والفتى المدلل للفريق، كما أن إمكاناته الفريدة تجعل من المستحيل تقريباً تعويضه.

وتعلّق جماهير نيوكاسل آمالها على مهاجمها السويدي لفك عقدة التتويج بالبطولات خصوصاً بعد أن اقترب الفريق كثيراً من التأهل لنهائي كأس الرابطة.