بدأت جماهير بوروسيا دورتموند تتدفق على ملعب «سيغنال إيدونا بارك» بدءاً من الساعة السادسة صباحاً تقريباً، وبدأت الأكشاك تبيع الأوشحة والقمصان التي تحمل عبارة «أبطال ألمانيا 2023»، وأرسل النادي بريداً إلكترونياً إلى المشجعين ليشرح لهم بالتفصيل توقيتات ومسارات احتفالات الفوز بلقب الدوري الألماني الممتاز (البوندسليغا) يوم الأحد، وبأن الحافلة المفتوحة ستنطلق من ويستفالينهوت وتتجه نحو بورسيغبلاتز، حيث تأسس النادي في عام 1909.
وكانت كل التوقعات تشير إلى أن بوروسيا دورتموند سيكون بطلاً للدوري الألماني الممتاز هذه المرة، حيث كان يكفيه الفوز على ملعبه أمام ماينز للفوز باللقب. وتحدث سيباستيان كيل – ذلك الرجل الذي يعرف جيداً ما يتطلبه الأمر من أجل التفوق على بايرن ميونيخ في صراع الفوز باللقب – والمدرب إدين ترزيتش بكل جرأة وثقة قبل المباراة، وأشار ترزيتش إلى أن الفريق والمشجعين والمدينة يتخذون «الخطوة النهائية» في انسجام تام. وبعد أن حقق بوروسيا دورتموند أفضل نتائج له على الإطلاق على ملعبه هذا الموسم، وبالنظر إلى أنه كان سيواجه ماينز الذي كان سيلعب هذه المباراة من دون أي هدف وبعد أن خسر في آخر أربع مباريات متتالية، فقد كانت كل التوقعات تشير إلى أن بوروسيا دورتموند سيفوز وسيتوج باللقب.
لكن ذلك لم يحدث. وسوف يقوم لاعبو بوروسيا دورتموند بإعادة أحداث الشوط الأول من مباراة فريقهم أمام ماينز في أذهانهم لفترة من الوقت، إذا استطاعوا تحمل ذلك! إن هذا اليوم، الذي كان من المفترض أن يكون احتفالياً للنادي ومشجعيه، تحول يوماً حزيناً بسبب التوتر الذي سيطر على اللاعبين الذين عادة ما يقدمون مستويات رائعة على ملعبهم. وقال ماثياس ديرش في صحيفة «كيكر»: «كان الأمر يبدو وكأن ركبتيك ترتعشان، وقدميك ترتعشان!» لقد كانت المدينة بأكملها تثق في قدرة الفريق على تحقيق الفوز، لكن اللاعبين خذلوا الجميع وخذلوا أنفسهم، تماماً كما فعلوا عندما فشلوا في الحفاظ على تقدمهم بهدفين دون رد على شتوتغارت، وعندما فشلوا في تحقيق الفوز على بوخوم حين كانوا يتصدرون جدول الترتيب لآخر مرة.
لقد أصيب لاعبو بوروسيا دورتموند بالصدمة بعدما تقدم ماينز بالهدف الأول في الدقيقة الـ16 برأسية من أندرياس هانش أولسن من ركلة ركنية. وفي المقابل، كان بايرن ميونيخ لا يزال في حاجة إلى تحقيق الفوز على كولن، ومنحه كينغسلي كومان التقدم مبكراً بهدف من تسديدة صاروخية، لكن بوروسيا دورتموند كان يحمل مصيره بين يديه وكان يكفيه الفوز لحصد اللقب بعيداً عن أي حسابات أخرى. وصنع بوروسيا دورتموند العديد من الفرص، وحصل على ركلة جزاء أهدرها سيباستيان هالر، كانت كفيلة بأن تجعل النتيجة التعادل بهدف لكل فريق، لكن الشوط الأول انتهى بتقدم ماينز بهدفين دون رد، لتتعقد الأمور تماماً على بوروسيا دورتموند.
تحسن مستوى بوروسيا دورتموند في الشوط الثاني، ونجح رفائيل غيريرو في إحراز هدف لتصبح النتيجة تقدم ماينز بهدفين مقابل هدف وحيد، وأجرى تيرزيتش تغييرات جريئة على أمل العودة في النتيجة، وأتيحت للفريق العديد من الفرص. ربما لم يكن بوروسيا دورتموند في حاجة إلى هذه الفرص أو لإحراز هدف التعادل؛ لأن كولن، على بُعد 95كم، كاد أن ينقذ حلم بوروسيا دورتموند، حيث سجل ديان ليوبيتشيتش هدفاً من ركلة جزاء في الدقائق العشر الأخيرة لتصبح النتيجة التعادل بهدف لكل فريق. لم يكن التعادل كافياً لبايرن ميونيخ للفوز باللقب، الذي عاد مرة أخرى إلى بوروسيا دورتموند لمدة ثماني دقائق.
لكن بايرن ميونيخ لم يستسلم ونجح جمال موسيالا في إحراز هدف الفوز الثمين في الدقيقة الـ89 من عمر اللقاء ليهدي فريقه اللقب. ومع ذلك، أعلن بايرن ميونيخ فور نهاية المباراة إقالة الرئيس التنفيذي أوليفر كان، والمدير الرياضي حسن صالح حميديتش. وإذا كان هناك شعور بالتعاطف من قِبل الكثيرين مع بوروسيا دورتموند - مع تيرزيتش وماركو ريوس، وهالر بعد نجاحه في الانتصار في معركته مع السرطان – فمن المناسب تماماً أن هدف الفوز الذي أحرزه بايرن ميونيخ جاء عن طريق موسيالا، الذي يعدّ أحد اللاعبين القلائل في المجموعة الحالية الذين يمكن التأكيد بشكل قاطع على أنهم جزء من مستقبل هذا النادي.
لقد ذكرنا ما حدث بالانتصارات المثيرة التي حققها بايرن ميونيخ في الجولة الأخيرة على الرغم من كل الصعوبات والتحديات - خاصة عام 2000، عندما دخل ليفركوزن الجولة الأخيرة وهو في متصدر لجدول الترتيب، لكنه خسر بهدفين دون رد أمام أونترهاتشينغ، ليفوز بايرن ميونخ باللقب بفارق الأهداف. وهذه المرة، كان بوروسيا دورتموند قريباً للغاية من الفوز باللقب، لكنه لم يتمكن من استغلال الفرصة التي أتيحت له. وحتى هدف التعادل الذي أحرزه نيكلاس سوليه في الوقت المحتسب بدل الضائع جاء بعد فوات الأوان.
وبينما انخرط ريوس وتيرزيتش على وجه الخصوص في البكاء، كان من الصعب التفكير في المستقبل، حيث كان هذا الجمهور العظيم يحاول تشجيع اللاعبين ويعمل على رفع روحهم المعنوية بعد هذا الانهيار. وكتب هوملز على «إنستغرام» يوم الأحد «هذا هو بوروسيا دورتموند. العمل الجماعي ومساعدة بعضنا بعضاً بعد الفشل وخيبات الأمل. سنعود مرة أخرى». ورغم كل ذلك، يبدو أن هذا النادي وهذا الفريق في أيدٍ أمينة تعرف كيف تدير الأمور بشكل جيد. لقد خلق تيرزيتش أجواء استثنائية، وبنى فريقاً رائعاً يمزج بين اللاعبين المخضرمين أصحاب الخبرات الهائلة واللاعبين الشباب الموهوبين، ووقّع ريوس هذا الأسبوع وهوملز على عقود جديدة للاستمرار مع الفريق لمدة عام آخر، ولم يشتكيا من قلة المشاركة في المباريات أو انخفاض المقابل المادي.
وفي المقابل، سيتعين على بايرن ميونيخ، تحت قيادة الرئيس التنفيذي الجديد جان كريستيان ديسن، إعادة ضبط الأمور، لكن من المؤكد أن ذلك سيكون صعباً للغاية وسيكون بتكلفة كبيرة جداً. لكن التوتر الكبير الذي ظهر عليه توماس توخيل في الأسابيع الأخيرة يجعلنا نطرح أسئلة مشروعة حول ما إذا كان هو الرجل المناسب لقيادة بايرن ميونيخ أم لا. وبغض النظر عما حدث، فإن ما نتمناه هو أن نشاهد هذه الإثارة والمتعة وهذه المنافسة الشرسة على اللقب حتى الجولة الأخيرة من الموسم المقبل أيضاً!
* خدمة «الغارديان»