هناك عروض عادية - في كرة القدم كما في الحياة بشكل عام - وهناك عروض «لا يمكن رفضها»، كما يقولون في أفلام العصابات! لقد كان توتنهام مهتماً بالتعاقد مع المدير الفني لفينورد، آرن سلوت، وقام بالفعل ببعض التحركات من خلال وسطاء، وكان النادي الإنجليزي واثقاً تماماً بأنه إذا وصلت الأمور إلى التفاوض بشأن الشروط الشخصية، فلن تكون هناك أي مشكلة. ونظرا لأن النادي الذي يتفاوض هو توتنهام، أحد الأندية الأكثر تحقيقاً للدخل في إنجلترا، وبالتالي في العالم، ولأن النادي الآخر هو فينورد، أحد الأندية في الدوري الهولندي الأقل دخلاً، فمن الطبيعي أن يكون من السهل على توتنهام إغراء النادي الهولندي ومديره الفني بالأموال.
ويمكن لتوتنهام أن يفعل الشيء نفسه فيما يتعلق برسوم انتقال اللاعبين، ومع ذلك يبدو أن هناك سياسة للنادي فيما يتعلق بشراء مدافع أو لاعب خط وسط، على سبيل المثال، وسياسة مختلفة تماماً عندما يريد التعاقد مع مدير فني، وهو أمر غريب للغاية بالنظر إلى مدى أهمية المدير الفني الذي يتحكم في كل شيء تقريباً داخل النادي. لقد أبرم توتنهام صفقات تزيد قيمتها على 40 مليون جنيه إسترليني لضم عدد قليل من اللاعبين منذ الصيف الماضي وحده - كريستيان روميرو، وريتشارليسون، وبيدرو بورو - لكن عندما يتعلق الأمر بالتعاقد مع سلوت، لم تكن لدى النادي أي رغبة في الاقتراب من هذا المبلغ. ولا يقتصر الأمر على توتنهام وحده، لكنه ينطبق على بقية الأندية الأخرى أيضاً.
لقد كان فينورد محصناً ومحمياً تماماً بسبب عدم وجود شرط جزائي في عقد سلوت هذا الصيف. لم يكن النادي الهولندي يرغب في رحيل مديره الفني، وشعر بأنه في موقف قوة لكي يقول لا لتوتنهام أو، على الأقل، لكي يحدد المبلغ المالي الذي يريده للتخلي عن مديره الفني. لم يجرِ الكشف عن هذا المبلغ، لكنه بالطبع أقل كثيراً مما يدفعه أي نادٍ إنجليزي للتعاقد مع أي لاعب عادي، لكن خلاصة القول هي أن الأمور وصلت إلى طريق مسدودة؛ لذلك، قام سلوت صباح يوم الخميس الماضي بإرسال رسالة نصية إلى مجموعة من الصحافيين الهولنديين الموثوق بهم يقول فيها بصراحة إن المحادثات التي أجراها وكيل أعماله يوم الأربعاء مع فينورد كانت تتعلق فقط بتمديد عقده.
وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى فكرة العروض العادية والعروض التي لا يمكن رفضها، التي أشرنا إليها في بداية هذه المقالة. لقد كان بإمكان رئيس توتنهام، دانيال ليفي، أن يقدم عرضاً قوياً يجبر مسؤولي فينورد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ومن المرجح أن يدفع ليفي أموالاً أكثر للتعاقد مع لاعب واحد أو لاعبين هذا الصيف. لقد كان ليفي يؤمن بأن سلوت مستعد للتفكير بجدية كبيرة في الانتقال إلى العمل في شمال لندن، لكن ليفي نفسه لم يكن مستعداً لأن يبذل قصارى جهده من أجل تعويض فينورد عن رحيل مديره الفني.
فهل شعر توتنهام بأن فينورد يعبث به ويبالغ في مطالبه المالية؟ ربما يكون هذا صحيحاً، لكن هذا يبدو مثيراً للسخرية في حقيقة الأمر. وهل جرى التلاعب بتوتنهام فيما يتعلق بما تداولته وسائل الإعلام؟ هذا صحيح بالطبع، ففي هولندا يوم الأربعاء الماضي لم يكن كثيرون يتوقعون بقاء سلوت. وعندما جرى الإعلان عن الخبر، لم يكن هذا مفاجئاً، بل جرى الترحيب به بوصفه انتصاراً آخر لفينورد بعد فوزه بلقب الدوري المحلي. ويمكن للنادي الهولندي أن يتطلع إلى الأمام بتفاؤل، خصوصاً فيما يتعلق بمشاركته في دوري أبطال أوروبا.
أما بالنسبة لليفي، فسيفكر في مدير فني آخر، وسيبرر موقفه بأن سلوت لم يكن الرجل المناسب في الدوري المناسب، لكن الحقيقة الواضحة للجميع هي أن رئيس توتنهام يواجه مشكلة كبيرة، خصوصاً أنه لا يبحث عن مدير فني عادي، لكنه يبحث عن شخص يمكنه إعادة بناء الفريق بعد هذا الموسم الكارثي. والآن، يواجه ليفي شبح قراراته العبثية المتعلقة باختيار المديرين الفنيين في السنوات الأخيرة. ففي عام 2021 استغرق الأمر 72 يوماً لكي يقرر ليفي التعاقد مع نونو إسبريتو سانتو بعد إقالة جوزيه مورينيو. كان نونو عاطلاً عن العمل لمدة خمسة أسابيع أو نحو ذلك عندما قبل بهذه الوظيفة، لكن الأمور لم تسر على ما يرام.
ورحل المدير الفني الإيطالي أنطونيو كونتي عن توتنهام في 26 مارس (آذار)، لذا فقد مر 60 يوماً حتى الآن دون أن يتوصل النادي لاتفاق بشأن مديره الفني الجديد، وهو الأمر الذي يجعل جمهور النادي يشعر بالقلق بشأن إمكانية تكرار ما حدث مع نونو. ومن المؤكد أن الأمور تصبح أكثر صعوبة عندما يجري استبعاد المرشحين للمهمة الواحد تلو الآخر. لقد وقع فينسينت كومباني على عقد جديد مع بيرنلي، وأكد توتنهام أن جوليان ناغيلسمان ليس خياراً بالنسبة لهم، والآن جرى استبعاد سلوت من قائمة المرشحين!
ويبدو أن المديرين الفنيين الآخرين ليسوا في المتناول الآن، مثل المدير الفني لبرايتون، روبرتو دي زيربي. وهناك شرط جزائي في عقد روبن أموريم مع سبورتنغ لشبونة بقيمة 15 مليون يورو (13 مليون جنيه إسترليني) هذا الصيف، وتتوقع مصادر من داخل النادي بقاءه، وهو ما كانت عليه الحال منذ فترة. وعلاوة على ذلك، فإن لويس إنريكي عاطل عن العمل منذ رحيله عن قيادة منتخب إسبانيا في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ولو كان توتنهام يريد التعاقد معه حقاً، لتفاوض معه وتوصل إلى اتفاق الآن!
وأكد توتنهام أنه ليس لديه مدير فني واحد يسعى للتعاقد معه، لكن لديه قائمة تضم عدداً من المديرين الفنيين الذين يمكن الاختيار من بينهم. لكن الأيام تمر بسرعة دون أي إشارة إلى إحراز تقدم في هذا الشأن! لقد أصبحت المشكلات التي يعاني منها توتنهام واضحة الآن، ولعل أبرزها هو عدم المشاركة في بطولة أوروبية قوية، أو حتى متوسطة، خلال الموسم المقبل. وسيكون أقصى ما يحققه النادي هو المشاركة في بطولة دوري المؤتمر الأوروبي، في أحسن الأحوال، بناءً على نتائج الجولة الأخيرة من الموسم.
وعلاوة على ذلك، يحتاج ليفي إلى مدير رياضي بعد استقالة فابيو باراتيشي في 21 أبريل (نيسان) الماضي؛ ومن الناحية المثالية يجب أن يحدث ذلك قبل التعاقد مع المدير الفني الجديد. وهناك قدر كبير من الغموض بشأن مستقبل نجم الفريق هاري كين، كما يجب إيجاد بديل لهوغو لوريس. وما هو المبلغ المتبقي الذي يمكن تخصيصه للصفقات الجديدة بعدما أنفق النادي 150 مليون جنيه إسترليني الصيف الماضي؟ والآن، هناك ثورة من جانب عدد من المشجعين الذين يطالبون بـ«رحيل ليفي». وهناك إحباط في توتنهام من أن سلوت ربما استغل النادي من أجل تحسين وضعه المالي مع فينورد. وينطبق الأمر نفسه على كومباني أيضاً، وهي الأمور التي تعكس حقيقة أن توتنهام يعاني بشكل كبير بسبب عدم وجود رؤية واضحة!
*خدمة الغارديان