وصل «بورنموث» إلى أدنى مستوياته، في وقت مبكر جداً من هذا الموسم، فبعد أن خسر، بالفعل، برباعية نظيفة أمام «مانشستر سيتي»، وبثلاثية نظيفة أمام «أرسنال»، تعرَّض لهزيمة مُذلّة أمام «ليفربول» بـ9 أهداف دون ردّ، على ملعب «آنفيلد»، في أغسطس (آب). وبعد هذه الهزيمة القاسية، أعرب المدير الفني للفريق آنذاك، سكوت باركر، عن قلقه من أن الفريق «ليس جاهزاً» للعب في «الدوري الإنجليزي الممتاز»، وقال: «أشعر بالأسف للجماهير واللاعبين». وبعد 3 أيام، أقيل باركر من منصبه.
وجرى تعيين غاري أونيل مديراً فنياً مؤقتاً، وبدا الأمر وكأن المدير الفني الشاب، البالغ من العمر 39 عاماً، سيتولى هذه المهمة الصعبة، حتى يتم العثور على مدير فني دائم يقود الفريق على المدى الطويل. لكن اتضح أن أونيل نفسه هو الحل طويل الأمد، الذي كان النادي بحاجة ماسّة إليه. لقد تمكّن أونيل من تطوير وتحسين الفريق بشكل سريع - لم يخسر «بورنموث» في أول 6 مباريات تحت قيادة أونيل - وحصل على الوظيفة بشكل دائم، ووقّع عقداً مدته 18 شهراً قبل «كأس العالم» مباشرة.
لم يكن التعاقد مع أونيل بشكل مؤقت يمثل مغامرة؛ فقد كان في «بورنموث» منذ فبراير (شباط) 2021، حيث عمل تحت قيادة جوناثان وودغيت، ثم باركر، لكن منحه الوظيفة بشكل دائم كان بمثابة خطوة كبيرة؛ نظراً لأن أونيل لم تسبق له قيادة فريق كبير في مسيرته التدريبية، لكن «بورنموث» كان مستعداً لاتخاذ هذه الخطوة الجريئة، والاعتماد على لاعب خط الوسط السابق. ومع ذلك لم يكن الطريق مفروشاً بالورود أمام أونيل، حيث خاض «بورنموث» 7 مباريات، دون أن يحقق أي فوز بعد «كأس العالم»، وهو ما أثار مخاوف بشأن الهبوط مرة أخرى إلى دوري الدرجة الأولى، لكن النادي دعّم المدير الفني الشاب بشكل كبير.
والآن، وقبل نهاية الموسم بثلاث جولات، يبتعد «بورنموث» عن المراكز المؤدية للهبوط بـ9 نقاط. صحيح أنه لم يضمن البقاء بنسبة 100 في المائة، من الناحية الحسابية حتى الآن، لكن يكفيه الحصول على نقطة واحدة فقط من المباريات المتبقية حتى يستمر في «الدوري الإنجليزي الممتاز». وقد استفاد الفريق كثيراً من التدعيمات، التي أجراها في فترة الانتقالات الشتوية الأخيرة، حيث ضم كلاً من إيليا زابارني، ودانغو واتارا، وأنطوان سيمنيو، بمقابل مادي كبير، كما ضم كلاً من ماتياس فينا، وحامد تراوري، على سبيل الإعارة. لكن أونيل يستحق إشادة كبيرة، ويجب النظر إلى تلك التدعيمات في سياق أوسع. لقد أنفق النادي 22 مليون جنيه إسترليني فقط، في فترة الانتقالات، الصيف الماضي، مقارنة بالمبالغ الضخمة التي أنفقها الناديان الصاعدان معه إلى «الدوري الإنجليزي الممتاز»؛ وهما: «نوتنغهام فورست» (126 مليون جنيه إسترليني)، و«فولهام» (61 مليون جنيه إسترليني).
لقد تطوّر أداء «بورنموث»، بشكل مذهل، خلال الشهرين الماضيين، لقد كان الفريق يتذيل جدول ترتيب «الدوري الإنجليزي الممتاز»، في بداية شهر مارس (آذار) الماضي، كما كان لا يزال في منطقة الهبوط قبل شهر واحد فقط من الآن، لكن أهم ما يميز الفريق حقاً هو الروح العالية للاعبين، والقتال حتى الرمق الأخير، وعدم الاستسلام مهما كانت الظروف والتحديات، وهو الأمر الذي لعب دوراً حاسماً في تحسن مستوى ونتائج الفريق. لقد حصل «بورنموث» على نقاط حاسمة أمام أندية قريبة منه في جدول الترتيب. وفي أبريل (نيسان) وحده، فاز «بورنموث» على «ليدز يونايتد» و«ساوثهامبتون» و«ليستر سيتي».
كما كان «بورنموث» نداً قوياً لأندية تحتلُّ مراكز أفضل منه في جدول الترتيب، وفاز على «ليفربول» و«توتنهام»، اللذين يسعيان لإنهاء الموسم، ضمن المراكز الأربعة الأولى المؤهِّلة لـ«دوري أبطال أوروبا». لقد قلّل كثيرون من مستوى «بورنموث» - بما في ذلك المدير الفني السابق للفريق نفسه - لكنه الآن بات لا يبتعد سوى نقطتين عن «تشيلسي»، الذي أنفق مبالغ مالية طائلة لتدعيم صفوفه، الذي خسر أمامه 1-3. ولن تكون هناك أية مفاجأة إذا تمكّن «بورنموث» من إنهاء الموسم الحالي في مركز أفضل من «تشيلسي»، بالنظر إلى مسار الفريقين حتى الآن: فاز «بورنموث» 6 مرات في آخِر 9 مباريات، في حين لم يحقق «تشيلسي» سوى فوز واحد في آخِر 8 مباريات.
ومع ذلك، لا يزال هناك مجال لمزيد من التحسن والتطور في مستوى «بورنموث»، الذي يعاني بشكل واضح في الخط الخلفي، هذا الموسم، حيث اهتزت شِباك الفريق 64 مرة في «الدوري الإنجليزي الممتاز»، هذا الموسم. وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أن «بورنموث» هو أكثر فِرق «الدوري الإنجليزي الممتاز» استقبالاً للتسديدات، هذا الموسم، (16.6 تسديدة في المباراة في المتوسط)، كما أن «ليدز يونايتد» هو الفريق الوحيد في الدوري، الذي استقبل أهدافاً أكثر من «بورنموث» (67 هدفاً). لكن «بورنموث» يمتلك لاعبين قادرين على هز الشباك أيضاً، ويقدم دومينيك سولانكي - الهدّاف الأول للفريق - وفيليب بيلينغ، مستويات استثنائية. سجل سولانكي 7 أهداف، وصنع 7 أهداف أخرى، كما نجح بيلينغ في تحويل 25 في المائة من تسديداته إلى أهداف، وهو معدل رائع، بكل تأكيد.
سجل «بورنموث» 37 هدفاً في 35 مباراة، في الدوري، حتى الآن. قد يبدو هذا العدد ضئيلاً - خصوصاً أنه أكثر بهدف واحد فقط عن عدد الأهداف التي سجلها إيرلينغ هالاند في 31 مباراة - لكن الأهم هو أن الفريق سجل أهدافاً أكثر من عدد الأهداف التي سجلتها الأندية الثلاثة الأخيرة في جدول الترتيب، بل أكثر من أندية؛ مثل «وولفرهامبتون»، و«تشيلسي»، و«كريستال بالاس». وتشير الإحصائيات إلى أن «بورنموث» سجل 8 أهداف في أول 15 دقيقة من بداية الشوط الثاني - وهي الإحصائية التي لا يتفوق فيها على «بورنموث» سوى 7 أندية فقط في الدوري - وهو ما يؤكد أن أونيل يجيد تنظيم وتحفيز لاعبي فريقه.
وبناء على كل هذا، يجب أن يكون أونيل أحد المرشحين لنيل جائزة أفضل مدير فني في الموسم. صحيح أنه قد لا يكون الاسم الأبرز في هذا الصدد، وصحيح أن هناك مديرين فنيين لديهم فرصة أكبر للفوز بالجائزة؛ مثل جوسيب غوارديولا، وميكيل أرتيتا، وإيدي هاو، لكن أونيل قام بعمل رائع، بل إعجازي في أول مهمة له بصفته مديراً فنياً. إن قيادة فريق من مؤخرة جدول الترتيب إلى مراكز الأمان تُعدّ إنجازاً كبيراً، لأي مدير فني، فكيف تكون الحال عندما يكون هذا المدير الفني في بداية مسيرته التدريبية؟