أعلنت الحكومة اليابانية، يوم الاثنين، أن اقتصادها يتعافى بشكل معتدل، لكن تأثير السياسات التجارية الأميركية كان واضحاً بشكل خاص في قطاع السيارات.
وعلى الرغم من أن طوكيو حسّنت نظرتها بشأن الإنفاق الخاص والإنفاق الرأسمالي، فإنها حذَّرت من مخاطر سلبية محتملة على التوقعات الاقتصادية نتيجة السياسات التجارية لواشنطن.
وشهد الاقتصاد الياباني نمواً أسرع من المتوقع في الفترة من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران)، مسجلاً بذلك خامس نمو ربع سنوي له على التوالي. لكن الرسوم الجمركية الأميركية وعدم اليقين السياسي المحلي قد يُعقّدان عملية صنع السياسات قبل انتخابات قيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي في أوائل أكتوبر (تشرين الأول) لاختيار خلف لرئيس الوزراء المنتهية ولايته شيغيرو إيشيبا.
وقال مكتب مجلس الوزراء في تقريره الشهري الصادر يوم الاثنين: «يتعافى الاقتصاد الياباني بشكل معتدل، على الرغم من أن تأثير السياسات التجارية الأميركية يُلاحظ بشكل رئيسي في قطاع السيارات».
وافقت الولايات المتحدة على فرض رسوم جمركية بنسبة 15 في المائة على الواردات اليابانية عندما توصلت واشنطن وطوكيو إلى اتفاق في يوليو (تموز)، وهي أقل من النسبة الأولية البالغة 27.5 في المائة التي هددت بها على السيارات، و25 في المائة على معظم السلع الأخرى. إلا أن التأثير يُنظر إليه على أنه كبير، لا سيما على صناعة السيارات، لأن الرسوم لا تزال أعلى بكثير من معدلها السابق البالغ 2.5 في المائة.
وفي أحدث تقرير اقتصادي، رفعت الحكومة تقييمها لإنفاق المستهلكين لأول مرة منذ أغسطس (آب) 2024.
ومع تحسن ثقة المستهلكين بعد اتفاقية الرسوم الجمركية الأميركية، أظهر الاستهلاك الخاص في اليابان، الذي يمثل أكثر من نصف الاقتصاد، «علامات انتعاش»، وفقاً للتقرير.
وأضاف التقرير أن اليابان تشهد «تعافياً معتدلاً» في الإنفاق الرأسمالي بفضل زيادة الاستثمار الرقمي ومعدات الآلات. كانت هذه أول ترقية منذ مارس (آذار) 2024. ويأتي هذا التقرير في أعقاب قرار بنك اليابان البدء في بيع حيازاته من الأصول الخطرة، ومعارضة عضوين من مجلس الإدارة لقرار البنك بالإبقاء على سعر الفائدة ثابتاً، مما يشير إلى تحول متشدد عن برنامجه التحفيزي النقدي الضخم.
انقسام في بنك اليابان
وفي أروقة بنك اليابان، أدى انقسام مجلس إدارته المتشدد، في اجتماع السياسة النقدية، هذا الشهر، إلى زيادة الضغوط على محافظه المتساهل كازو أويدا، للتحرك بسرعة أكبر بشأن رفع أسعار الفائدة، مما يزيد من احتمالية أن يأتي التشديد التالي في أكتوبر.
وأبقى البنك المركزي أسعار الفائدة ثابتة عند 0.5 في المائة في وقت سابق من هذا الشهر، كما كان متوقعاً، لكن دعوات معارضة من عضوين في مجلس الإدارة لرفع سعر الفائدة بربع نقطة مئوية فاجأت الأسواق، وفُسِّرت على أنها إشارة إلى أن بنك اليابان أقل قلقاً بشأن التحديات الاقتصادية مما كان يُعتقد في البداية.
وفي حين أنه من غير المؤكد ما إذا كانت هذه الخطوة مُصمَّمة كإشارة مقصودة للأسواق بقرب رفع سعر الفائدة، قالت ماري إيواشيتا، المُراقبة المُخضرمة لبنك اليابان، إنها تُمثل وجهة نظر مُتنامية داخل مجلس الإدارة بأن الظروف مُهيأة لرفع سعر الفائدة المُقبل.
وأضافت إيواشيتا: «ربما أراد المعارضون حث أويدا على التحرك بشكل أسرع وإنجاز رفع سعر الفائدة، نظراً لأنه أمرٌ سيحدث عاجلاً أم آجلاً».
ومنذ توليه رئاسة بنك اليابان في عام 2023، رفع أويدا سعر الفائدة لأول مرة منذ 17 عاماً، لكنه أصبح أكثر حذراً بشأن التوقعات خلال الأشهر الستة الماضية. ويتناقض نهج أويدا المتشائم مع تحول في آراء أعضاء مجلس إدارة بنك اليابان، المكون من تسعة أعضاء، خلال الأشهر الأخيرة، والذين يطالبون بمزيد من رفع أسعار الفائدة.
وفاجأ عضوا مجلس الإدارة، ناوكي تامورا وهاجيمي تاكاتا، الأسواق باقتراحهما رفع أسعار الفائدة في قرار بنك اليابان في سبتمبر (أيلول).
وأفادت مصادر مطلعة على تفكير البنك المركزي بأن التوقيت الدقيق لرفع الفائدة التالي يعتمد على مدى إقناع البيانات القادمة لصانعي السياسات في بنك اليابان بأن الولايات المتحدة ستتجنب الركود، وأن الرسوم الأميركية لن تعرقل الانتعاش الاقتصادي الهش لليابان.
في الوقت نفسه، ظل ازدياد ضغوط الأسعار يُقلق المجلس منذ يوليو (تموز). ففي حين توقع بعض الأعضاء تبدد تضخم أسعار المواد الغذائية، حذر آخرون من أن الارتفاع المستمر في أسعار الضروريات اليومية قد يُطلق العنان لتضخم واسع النطاق ومستمر، وفقاً لما أظهره محضر اجتماع 30-31 يوليو.
وفي الغالب، يبدو أن صانعي السياسات ينظرون إلى الضعف الاقتصادي الأخير بعين الاعتبار. ومن بين الآراء الستة حول آفاق السياسة النقدية، دعت جميعها، باستثناء رأي واحد، إلى رفع أسعار الفائدة في الوقت المناسب، مع توقع رأي واحد فقط إمكانية فعل ذلك بحلول نهاية العام، وفقاً لمحضر اجتماع يوليو.
ومنذ ذلك الحين، أظهرت البيانات أضراراً اقتصادية محدودة ناجمة عن الرسوم الجمركية الأميركية، حيث رأى بعض صانعي السياسات انخفاض الصادرات في أغسطس ردَّ فعل على الطلب المكبوت في الأشهر السابقة.
وفي حين أثارت بيانات الوظائف الضعيفة مخاوف من ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، فقد خفّت هذه المخاوف مع إظهار الاقتصاد مرونةً وتوقعاتٍ بأن تخفيضات أسعار الفائدة من «الاحتياطي الفيدرالي» ستدعم النمو.
وقال أحد المصادر إن المعارضين قد يجدون مزيداً من الحلفاء في المجلس المكون من تسعة أعضاء إذا خففت البيانات القادمة من المخاوف بشأن تباطؤ اقتصادي حاد في الولايات المتحدة، وأظهرت قدرة المصنّعين اليابانيين على تحمل تبعات الرسوم الأميركية.
وقال المصدر، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوَّل له التحدث علناً: «من الضروري وجود معارضَين اثنين، وليس معارضاً واحداً. قد يؤثر هذا على الأعضاء الآخرين بشكل أكبر لصالح رفع أسعار الفائدة في المدى القريب». في حين التزم صانعو السياسات في بنك اليابان الصمت بشأن وتيرة وتوقيت رفع أسعار الفائدة مستقبلاً، إلا أن هناك إجماعاً واسعاً على أنه سيُعقد في أحد الاجتماعات الثلاثة بحلول يناير (كانون الثاني) من العام المقبل، وفقاً للمصادر.
وقدّرت الأسواق احتمال رفع أسعار الفائدة في أكتوبر بنسبة 50 في المائة تقريباً. وأظهر استطلاع أجرته «رويترز» أن غالبية الاقتصاديين يتوقعون رفعاً آخر بمقدار 25 نقطة أساس بحلول نهاية العام، على الرغم من أن الاقتناع بالتوقيت كان أقل، حيث تركزت الرهانات على شهري أكتوبر ويناير.
