تراجع انكماش أسعار المنتجين بالصين في أغسطس (آب) الماضي، ما يشير إلى أن جهود بكين للحد من المنافسة المفرطة وخفض الأسعار في القطاعات الصناعية الرئيسية بدأت تؤتي ثمارها، على الرغم من أن المحللين يقولون إن المصنِّعين ما زالوا بعيدين بعض الشيء عن دورة إنعاش اقتصادي.
وأظهرت البيانات الصادرة من المكتب الوطني للإحصاء، يوم الأربعاء، أيضاً، انخفاض أسعار المستهلك بأسرع وتيرة في 6 أشهر، ما يعكس تقلبات أسعار المواد الغذائية، ولكن المؤشر الأساسي ارتفع إلى أعلى مستوى له في عامين ونصف عام.
وانخفض مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 2.9 في المائة على أساس سنوي في أغسطس، متراجعاً عن انخفاض بنسبة 3.6 في المائة في الشهر السابق. وكان الاقتصاديون الذين استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا انخفاضاً بنسبة 2.9 في المائة.
وقال شو تيانشن، كبير الاقتصاديين في وحدة «إيكونوميست إنتليجينس»: «بدأت آثار (التراجع الاقتصادي) الذي بدأ في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) تظهر». وأضاف شو: «لكن استمرار دورة النمو لا يزال بعيداً بعض الشيء بالنسبة للصين»؛ مشيراً إلى القيود المؤلمة المفروضة على الطاقة الإنتاجية، والتي لم تطبقها الشركات كاملة بعد، وإلى التباطؤ الاقتصادي العالمي.
ويأتي تخفيف انكماش أسعار المصانع بعد أن كثَّفت السلطات مؤخراً دعواتها للقطاعات الرئيسية للحد من المنافسة الشرسة. على سبيل المثال، أثَّرت حرب الأسعار المطولة في قطاع السيارات على المؤشرات المالية لشركات صناعة السيارات الكبرى.
واستمر انخفاض أسعار المنتجين في الصين لما يقرب من 3 سنوات، ما أضرَّ بأرباح الشركات المصنِّعة التي تواجه أيضاً ضعف ثقة المستهلك، وعدم اليقين الناجم عن السياسات التجارية الأميركية. وأظهرت بيانات الجمارك الصادرة في وقت سابق من هذا الأسبوع تباطؤ نمو الصادرات الصينية إلى أدنى مستوى له في 6 أشهر في أغسطس، مع تلاشي الدعم القصير الذي أعقب هدنة التعريفات الجمركية مع الولايات المتحدة.
• تحسن في القراءات
وقال محللو «مورغان ستانلي» في مذكرة: «شهدت قراءة التضخم لشهر أغسطس تحسناً طفيفاً، مدفوعاً بانخفاض أسعار السلع الاستهلاكية وتراجع أسعار النفط. ولا تزال الأسعار خارج نطاق الدعم السياسي منخفضة». وانخفض مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 0.4 في المائة الشهر الماضي مقارنة بالعام السابق، وفقاً لبيانات المكتب الوطني للإحصاء، وهو انخفاض أسوأ من توقعات استطلاع «رويترز» بانخفاض بنسبة 0.2 في المائة.
وقال زيتشون هوانغ، الخبير الاقتصادي الصيني في «كابيتال إيكونوميكس»، إن العودة إلى المنطقة السلبية «تعكس تقلُّب أسعار المواد الغذائية». وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 4.3 في المائة، مقارنة بانخفاض بنسبة 1.6 في المائة في الشهر السابق. وأثَّر ضَعف الطلب الاستهلاكي على النمو الاقتصادي الصيني، مع استمرار تباطؤ سوق العقارات وضغط الرسوم الجمركية الأميركية على الصادرات.
وعلى أساس شهري، استقر مؤشر أسعار المستهلك مقابل زيادة بنسبة 0.4 في المائة في يوليو، وهو معدل أبطأ من توقعات الاقتصاديين بارتفاع بنسبة 0.1 في المائة. وارتفع التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والوقود المتقلبة، بنسبة 0.9 في المائة في أغسطس مقارنة بالعام السابق، متسارعاً من ارتفاعه بنسبة 0.8 في المائة في يوليو، مسجلاً أعلى معدل له منذ فبراير (شباط) 2023. وقال شو: «يبدو أن تحفيز الطلب لعب دوراً في دعم الأسعار، حتى لو كان لا يزال بعيداً عن هدف التضخم الذي وضعته الصين».
وتعهد صانعو السياسات مراراً وتكراراً بتعزيز الاستهلاك، وفي أغسطس، أطلقوا برامج لدعم الفائدة للمقترضين الأفراد من قروض المستهلكين، بالإضافة إلى الشركات في 8 قطاعات لخدمات المستهلكين، بما في ذلك المطاعم والسياحة، في محاولة لتحفيز الاقتراض والإنفاق.
• ارتفاع الأسهم
وفي الأسواق، واصلت أسهم هونغ كونغ مكاسبها يوم الأربعاء، بينما ارتفعت الأسهم الصينية بشكل طفيف، مدعومة بمؤشرات مشجعة من بيانات التضخم وقوة أسهم التكنولوجيا. ومع استراحة منتصف النهار، ارتفع مؤشر «هانغ سنغ» القياسي في هونغ كونغ بنسبة 1.19 في المائة ليصل إلى 26.246.13 نقطة، متجهاً نحو أعلى مستوى إغلاق له منذ سبتمبر (أيلول) 2021.
وقفزت أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة المدرجة في هونغ كونغ بنسبة 1.8 في المائة، كما ارتفع مؤشر «سي إس آي 300» الصيني للأسهم القيادية بنسبة 0.22 في المائة، بينما ارتفع مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 0.17 في المائة.
وقادت أسهم التكنولوجيا المكاسب بفضل تفاؤل المستثمرين بشأن عائدات الذكاء الاصطناعي المستقبلية؛ حيث ارتفعت أسهم «أوراكل» في الولايات المتحدة بعد الإغلاق، بفضل قوة طلبات الحوسبة السحابية. وفي هونغ كونغ، قفزت أسهم «جيه دي كوم»، ذات الثقل في المؤشر، بأكثر من 4 في المائة، و«بايدو» بنسبة 3.8 في المائة، بينما تقدمت أسهم «علي بابا» بنسبة 2.1 في المائة.
وعلى صعيد الأسهم الصينية من «الفئة أ»، تفوقت أسهم أجهزة الإرسال والاستقبال الضوئية على غيرها من الأسهم، بعد أن أعلنت «سيتي غروب» عن توقعات إيجابية لشركات الإرسال والاستقبال الرائدة في الصين. وقفزت أسهم «زونغجي إنولايت» بنسبة 7.8 في المائة. وارتفع مؤشرا خدمات الاتصالات الأوسع نطاقاً بأكثر من 3 في المائة.
• تراجع حاد لسندات الخزانة
ومن جانبها، انخفضت سندات الخزانة الصينية بشكل حاد يوم الأربعاء؛ حيث حفَّز انحسار انكماش أسعار المنتجين وانتعاش سوق الأسهم عمليات بيع. كما عزا المتداولون عمليات البيع إلى قواعد جديدة للصناديق، من شأنها أن تدفع المستثمرين إلى شراء صناديق الأسهم بدلاً من أدوات الدخل الثابت.
وانخفضت السندات بشكل عام؛ حيث عانت الديون طويلة الأجل من عمليات بيع مكثفة. وانخفضت العقود الآجلة لسندات الخزانة الصينية لأجل 30 عاماً بنسبة 0.9 في المائة، لتصل إلى أدنى مستوياتها في 4 أشهر، مواصلة أسابيع من الضعف مع انتهاء موجة ارتفاع أسعار السندات الصينية التي استمرت عامين.
كما شهدت أسواق السندات العالمية الرئيسية عمليات بيع مؤخراً، مدفوعة بمخاوف بشأن السلامة المالية للاقتصادات الكبرى، مثل اليابان والولايات المتحدة. ولكن المتداولين يقولون إن المنطق وراء إغراق السوق الصينية يختلف.
وقال هوانغ شيويفنغ، مدير بحوث الائتمان في شركة «شنغهاي أنفانغ برايفت فاند»: «تتدفق الأموال في الصين تدريجياً إلى الأسهم، من الودائع ومنتجات إدارة الثروات». وأضاف: «هناك إقبال ضعيف على الشراء في سوق السندات. لا نشهد سوى عمليات بيع واستنزاف للمال... هناك دلائل على تعافي الاقتصاد الصيني، ما يُغذي بهدوء توقعات إنعاش الاقتصاد، وهذا أمر سيئ للسندات».
