لماذا حلّق الذهب مع تنامي الحديث عن خفض الفائدة؟

مُصنِّع يُكدس سبائك الذهب بعد إخراجها من المصبوبات في مصهر مصفاة بسيدني (أ.ف.ب)
مُصنِّع يُكدس سبائك الذهب بعد إخراجها من المصبوبات في مصهر مصفاة بسيدني (أ.ف.ب)
TT

لماذا حلّق الذهب مع تنامي الحديث عن خفض الفائدة؟

مُصنِّع يُكدس سبائك الذهب بعد إخراجها من المصبوبات في مصهر مصفاة بسيدني (أ.ف.ب)
مُصنِّع يُكدس سبائك الذهب بعد إخراجها من المصبوبات في مصهر مصفاة بسيدني (أ.ف.ب)

في عالم الاقتصاد المعقد، تتحرك أسعار الذهب في رقصة دقيقة ومتشابكة مع أسعار الفائدة. هذه العلاقة العكسية، التي تبدو أحياناً بسيطة وأحياناً أخرى معقدة، هي محور اهتمام المستثمرين، خصوصاً عندما تتجه البنوك المركزية الكبرى نحو تغيير سياساتها النقدية.

كيف تؤثر الفائدة المنخفضة على الذهب؟

عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة، يصبح الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين لعدة أسباب:

أولاً: تكلفة الفرصة البديلة

يُعتبر الذهب أصلاً لا يدر دخلاً، أي إنه لا يمنح حامله أي فائدة أو أرباحاً دورية. في المقابل، توفر الأصول الأخرى مثل السندات الحكومية أو شهادات الإيداع عوائد تعتمد بشكل كبير على أسعار الفائدة.

  • عندما تكون الفائدة مرتفعة: تصبح الاستثمارات التي تدر دخلاً، مثل السندات، أكثر جاذبية للمستثمرين لأنها تقدم عائداً مجزياً. في هذه الحالة، يقل اهتمام المستثمرين بالذهب كونه لا يقدم أي عائد، وبالتالي تزيد «تكلفة الفرصة البديلة» لحيازته.
  • عندما تكون الفائدة منخفضة: تقل العوائد على السندات والأصول الأخرى، مما يجعلها أقل جاذبية. هنا، تصبح «تكلفة الفرصة البديلة» لحيازة الذهب منخفضة، لأن الفرق بين عائده الصفري وعائدات الأصول الأخرى يصبح ضيقاً أو معدوماً. هذا يدفع المستثمرين إلى البحث عن الذهب كبديل لحماية ثرواتهم.

ثانياً: ضعف الدولار الأميركي

بما أن الذهب يُسعر في الأسواق العالمية بالدولار الأميركي، فإن العلاقة بينهما غالباً ما تكون عكسية أيضاً.

  • عندما يقرر البنك المركزي خفض أسعار الفائدة، فإن ذلك يقلل من جاذبية الدولار للمستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن عوائد أعلى، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار.
  • ضعف الدولار يجعل الذهب أرخص للمستثمرين الذين يحملون عملات أخرى، مما يزيد من الطلب عليه وبالتالي يرفع سعره.

ثالثاً: الملاذ الآمن والشكوك الاقتصادية

غالباً ما يتم خفض أسعار الفائدة استجابةً لتباطؤ اقتصادي أو لزيادة حالة عدم اليقين في الأسواق. ففي مثل هذه الأوقات، يبحث المستثمرون عن أصول تُعتبر «ملاذاً آمناً» للحفاظ على رؤوس أموالهم.

يُعد الذهب أحد أبرز الملاذات الآمنة التقليدية، حيث يُنظر إليه على أنه يحافظ على قيمته في أوقات الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية.

لذلك، عندما يلمح البنك المركزي إلى خفض الفائدة، يُفهم ذلك كإشارة إلى وجود مخاطر اقتصادية، مما يدفع المستثمرين للتوجه نحو الذهب.

دور البنوك المركزية في تحريك الأسعار

توازياً، تزيد البنوك المركزية من احتياطياتها من الذهب في أوقات معينة لعدة أسباب، أبرزها التحوط ضد المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية. وهو ما تعتبره البنوك أداة مهمة لتعزيز استقرار العملات الوطنية وتنويع احتياطياتها بعيداً عن العملات الرئيسية مثل الدولار الأميركي.

أبرز أسباب زيادة احتياطيات البنوك المركزية من الذهب:

  • الملاذ الآمن: في أوقات عدم اليقين الاقتصادي أو التوترات الجيوسياسية، مثل الأزمات المالية أو الصراعات، يُعد الذهب مخزناً للقيمة. شراء البنوك المركزية للذهب يرسل إشارة إلى الأسواق بأنها تستعد لحماية اقتصادها من الصدمات المحتملة.
  • تنويع الاحتياطيات: كانت البنوك المركزية تعتمد بشكل كبير على الدولار الأميركي كعملة احتياطي رئيسية. لكن مع تزايد الشكوك حول هيمنة الدولار على المدى الطويل، بالإضافة إلى تزايد العقوبات الاقتصادية، بدأت البنوك المركزية في تنويع احتياطياتها بالذهب لتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على عملة واحدة.
  • التحوط ضد التضخم: الذهب يُعتبر تاريخياً أداة فعالة لمواجهة التضخم. عندما ترتفع الأسعار وتفقد العملات الورقية قيمتها، يميل سعر الذهب للارتفاع، مما يساعد البنوك المركزية على الحفاظ على القوة الشرائية لاحتياطياتها.

الدول الأكثر شراءً للذهب

وفقاً لأحدث التقارير الصادرة عن مجلس الذهب العالمي، فإن البنوك المركزية في الدول الآسيوية وبعض الدول الناشئة كانت الأكثر شراءً للذهب في السنوات الأخيرة.

  • الصين: يُعد البنك المركزي الصيني أحد أكبر المشترين للذهب، حيث يواصل زيادة احتياطياته بشكل شهري تقريباً كجزء من استراتيجية أوسع لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي في التجارة الدولية.
  • الهند: تعتبر الهند مستورداً رئيسياً للذهب، ليس فقط للزينة، ولكن أيضاً كاستثمار استراتيجي من قبل البنك المركزي.
  • تركيا: زاد البنك المركزي التركي من حيازاته من الذهب بشكل ملحوظ كجزء من سياسة تحوط ضد تقلبات عملته المحلية.
  • سنغافورة وبولندا: قامت هاتان الدولتان بزيادات كبيرة في احتياطياتهما من الذهب في السنوات الأخيرة، مدفوعتين برغبتهما في تنويع أصولهما وتعزيز استقرارهما المالي.

مقالات ذات صلة

الذهب يواصل هبوطه وسط تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية

الاقتصاد قطعة على شكل زهرة مصنوعة من الذهب معروضة في معرض الصين الدولي للمجوهرات في بكين (إ.ب.أ)

الذهب يواصل هبوطه وسط تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية

سجل الذهب تراجعاً للجلسة الرابعة على التوالي، يوم الثلاثاء، متأثراً بقوة الدولار وتضاؤل التوقعات بخفض وشيك لأسعار الفائدة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد عرض رقائق الذهب في «غاليري 24» وهو متجر بيع بالتجزئة للذهب مملوك للدولة في سورابايا. جاوة الشرقية (أ.ف.ب)

الذهب مستقر مع تحول التركيز إلى البيانات الأميركية

ارتفعت أسعار الذهب قليلاً يوم الاثنين مع ترقب المستثمرين لسلسلة من البيانات الاقتصادية الأميركية هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبائك ذهبية معروضة في متجر «هاتون غاردن ميتالز» لتجارة المعادن الثمينة في لندن (رويترز)

الذهب يواصل الارتفاع وسط ترقب لبيانات أميركية جديدة

واصلت أسعار الذهب ارتفاعها يوم الجمعة، متجهة نحو تسجيل مكاسب أسبوعية، مدعومة بضعف الدولار، فيما يترقب المستثمرون صدور المزيد من البيانات الاقتصادية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبيكة ذهب وزنها 12.5 كيلوغرام وُضعت على حبيبات ذهب في شركة «أغوسي إيه جي» بفورتسهايم (د.ب.إ)

الذهب يتراجع من أعلى مستوياته في 3 أسابيع ترقباً للبيانات الأميركية

شهد سعر الذهب تراجعاً طفيفاً، صباح اليوم الخميس، متراجعاً من أعلى مستوى له في أكثر من ثلاثة أسابيع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد بائع يعرض أساور ذهبية للبيع في محل ذهب في البازار الكبير في إسطنبول (أ.ف.ب)

الذهب يواصل الصعود لليوم الرابع بفضل ضعف الدولار وآمال خفض الفائدة

واصلت أسعار الذهب ارتفاعها لليوم الرابع على التوالي، يوم الأربعاء، مدعومة بضعف الدولار الأميركي وارتفاع رهانات خفض الفائدة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تراجع أسعار النفط مع استئناف الشحن في مركز روسي

أشخاص يمرون أمام شعار شركة «لوك أويل» خلال معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول في أبوظبي (رويترز)
أشخاص يمرون أمام شعار شركة «لوك أويل» خلال معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول في أبوظبي (رويترز)
TT

تراجع أسعار النفط مع استئناف الشحن في مركز روسي

أشخاص يمرون أمام شعار شركة «لوك أويل» خلال معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول في أبوظبي (رويترز)
أشخاص يمرون أمام شعار شركة «لوك أويل» خلال معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول في أبوظبي (رويترز)

تراجعت أسعار النفط، يوم الثلاثاء، مع انحسار المخاوف المتعلقة بالإمدادات بعد استئناف عمليات الشحن في مركز تصدير روسي، والذي كان قد توقف لفترة وجيزة بسبب ضربة صاروخية وبطائرة مسيرة أوكرانية. ويواصل التجار تقييم التأثير المحتمل للعقوبات الغربية المفروضة على تدفقات النفط الروسية.

وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 46 سنتاً، أو 0.72 في المائة، لتصل إلى 63.74 دولار للبرميل، كما تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 45 سنتاً، أو 0.75 في المائة، لتسجل 59.46 دولار للبرميل، وذلك بدءاً من الساعة 04:20 بتوقيت غرينيتش. وقد استأنف ميناء نوفوروسيسك الروسي تحميل النفط يوم الأحد، بعد توقف دام يومين إثر هجوم أوكراني.

وكتب المحلل توني سيكامور من «آي جي» في مذكرة، أن النفط الخام يتداول أقل «بشكل هامشي»، لأن التقارير تشير إلى استئناف عمليات الشحن «في وقت أبكر مما كان متوقعاً» في نوفوروسيسك.

وتجدر الإشارة إلى أن صادرات نوفوروسيسك ومحطة «اتحاد خطوط أنابيب بحر قزوين» القريبة منه، والتي تمثل معاً نحو 2.2 مليون برميل يومياً، أو ما يقرب من 2 في المائة من الإمدادات العالمية، كانت قد توقفت يوم الجمعة، مما أدى إلى ارتفاع سعر النفط الخام بأكثر من 2 في المائة في ذلك اليوم.

ويُركز التجار الآن على التأثير طويل المدى للعقوبات الغربية على تدفقات النفط الروسية.

وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن العقوبات التي فُرضت في أكتوبر (تشرين الأول) على شركتي «روسنفت» و«لوك أويل»، تضغط بالفعل على عائدات موسكو النفطية، ومن المتوقع أن تحد من أحجام الصادرات الروسية بمرور الوقت.

من جانبها، قالت مؤسسة «إيه إن زد» في مذكرة، إن أسعار الخام الروسي بدأت تتداول بخصم «كبير» مقارنة بالمعايير العالمية.

وقال فيفيك دار، خبير استراتيجيات السلع في بنك الكومنولث الأسترالي، إن «مخاوف السوق تتركز حول تراكم النفط على الناقلات، بينما يقيّم المشترون خطر احتمال انتهاك العقوبات»، لكنه أضاف أن التاريخ أظهر قدرة روسيا على التكيف مع العقوبات. وتابع: «نتوقع أن يكون أي اضطراب ناجم عن العقوبات الأميركية مؤقتاً، حيث ستجد روسيا طرقاً للالتفاف على العقوبات مرة أخرى».

وفي سياق متصل، قال مسؤول كبير في البيت الأبيض، إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، على استعداد للتوقيع على تشريع عقوبات على روسيا ما دام يحتفظ بالسلطة النهائية على تنفيذه. وقال ترمب يوم الأحد، إن الجمهوريين يعدون مشروع قانون لفرض عقوبات على أي دولة تتعامل تجارياً مع روسيا، مضيفاً أن إيران يمكن أن تُدرج أيضاً.

من ناحية أخرى، قالت «غولدمان ساكس» يوم الاثنين، إن أسعار النفط من المتوقع أن تنخفض حتى عام 2026، مشيرة إلى «موجة إمدادات كبيرة» تبقي السوق في حالة فائض. ومع ذلك، أشارت إلى أن خام برنت قد يرتفع فوق 70 دولاراً للبرميل في 2026 - 2027 إذا انخفض الإنتاج الروسي بشكل حاد.


الذهب يواصل هبوطه وسط تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية

قطعة على شكل زهرة مصنوعة من الذهب معروضة في معرض الصين الدولي للمجوهرات في بكين (إ.ب.أ)
قطعة على شكل زهرة مصنوعة من الذهب معروضة في معرض الصين الدولي للمجوهرات في بكين (إ.ب.أ)
TT

الذهب يواصل هبوطه وسط تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية

قطعة على شكل زهرة مصنوعة من الذهب معروضة في معرض الصين الدولي للمجوهرات في بكين (إ.ب.أ)
قطعة على شكل زهرة مصنوعة من الذهب معروضة في معرض الصين الدولي للمجوهرات في بكين (إ.ب.أ)

سجل الذهب تراجعاً للجلسة الرابعة على التوالي، يوم الثلاثاء، متأثراً بقوة الدولار وتضاؤل التوقعات بخفض وشيك لأسعار الفائدة الأميركية الشهر المقبل. وانخفض سعر الذهب الفوري بنسبة 0.1 في المائة ليصل إلى 4039.19 دولار للأونصة، وتراجعت العقود الآجلة للذهب الأميركي تسليم ديسمبر (كانون الأول) بنسبة 0.9 في المائة لتسجل 4038.60 دولار للأونصة، وذلك بدءاً من الساعة 01:31 بتوقيت غرينيتش.

وعلق إدوارد مئير، المحلل في «ماريكس»، على الوضع قائلاً: «كان الدولار أقوى قليلاً اليوم، كما انخفض بعض المراكز المضاربة الطويلة في الأسبوع الماضي، وسوق الذهب ستشهد مرحلة تماسك في الوقت الحالي». يُذكر أن قوة الدولار تجعل الذهب، الذي يُسعّر بالعملة الأميركية، أكثر تكلفة لحاملي العملات الأخرى.

وقد تراجعت التوقعات بخفض أسعار الفائدة في ديسمبر بشكل حاد، خصوصاً بعد تصريحات نائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، فيليب جيفرسون، يوم الاثنين، بأن البنك المركزي الأميركي بحاجة إلى «المضي ببطء» فيما يتعلق بإجراء مزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة. ويُعد هذا التطور سلبياً للذهب الذي لا يدر عائداً، حيث يميل المعدن الأصفر إلى الأداء الجيد في بيئات أسعار الفائدة المنخفضة، وخلال فترات عدم اليقين الاقتصادي. وكانت التوقعات بخفض الفائدة قد تراجعت بالفعل الأسبوع الماضي، بعد التوصل إلى اتفاق لإنهاء أطول إغلاق حكومي أميركي، حيث أسهم غياب البيانات الاقتصادية الرسمية خلال تلك الفترة في تبديد الآمال بخفض آخر للفائدة.

وهذا الأسبوع، ينصب تركيز المستثمرين على البيانات الاقتصادية الأميركية المرتقبة، ومن أبرزها تقرير الوظائف غير الزراعية لشهر سبتمبر (أيلول) المقرر صدوره يوم الخميس، وذلك للبحث عن مؤشرات حول قوة أكبر اقتصاد في العالم. وفي هذا السياق، أشار بنك «إيه إن زد» في مذكرة، إلى أن «توقعات خفض (الفيدرالي) للفائدة مرة أخرى الشهر المقبل، انخفضت إلى 42 في المائة بين عشية وضحاها، بعد أن كانت تقارب 100 في المائة مباشرة بعد قرار سبتمبر، وقد أثر ذلك على شهية المستثمرين للذهب». ومع ذلك، أضاف البنك أن هناك «رياحاً هيكلية تدعم الذهب على المديين المتوسط والطويل، مثل حالة عدم اليقين الجيوسياسي، والمخاوف بشأن استدامة الديون الأميركية، واتجاهات التخلي عن الدولار، وعمليات شراء البنوك المركزية».

في غضون ذلك، سجلت المعادن النفيسة الأخرى أداءً متبايناً، حيث تراجعت الفضة الفورية 0.4 في المائة إلى 50 دولاراً للأونصة، بينما ارتفع البلاتين 0.3 في المائة إلى 1538.74 دولار، وانخفض البلاديوم 0.5 في المائة إلى 1386.01 دولار.


مسؤولون أميركيون: الرياض وواشنطن تؤسسان لاتزان إقليمي وتدفقات اقتصادية

العلمان السعودي والأميركي يرفرفان في العاصمة الرياض أثناء زيارة ترمب للمملكة في مايو الماضي (بشير صالح)
العلمان السعودي والأميركي يرفرفان في العاصمة الرياض أثناء زيارة ترمب للمملكة في مايو الماضي (بشير صالح)
TT

مسؤولون أميركيون: الرياض وواشنطن تؤسسان لاتزان إقليمي وتدفقات اقتصادية

العلمان السعودي والأميركي يرفرفان في العاصمة الرياض أثناء زيارة ترمب للمملكة في مايو الماضي (بشير صالح)
العلمان السعودي والأميركي يرفرفان في العاصمة الرياض أثناء زيارة ترمب للمملكة في مايو الماضي (بشير صالح)

توقع مسؤولون أميركيون سابقون أن تشهد المباحثات السعودية المرتقبة في البيت الأبيض ثلاثة محاور تؤسس لخلق اتزان إقليمي وتحفيز التدفقات الاقتصادية.

أول تلك المحاور وفق سكوت برويت، وهو مدير وكالة حماية البيئة الأميركي السابق، يتمثل في الأمن والبنية الإقليمية.

ثاني المحاور يشمل قطاعي الطاقة والمعادن المستقبلية، خاصة الهيدروجين والأمونيا والمعادن الأساسية التي ستغذي الجيل القادم من الصناعات، ويرى برويت الذي تحدثت معه «الشرق الأوسط» حول المحادثات أن التعاون في المعادن الحرجة يمثل ركيزة مهمة للتحالف.

أما الثالث فيتمحور حول الاستثمار والتكنولوجيا، مع العمل على تحويل مذكرات التفاهم الحالية إلى مشروعات ملموسة في مجالات الدفاع والفضاء والذكاء الاصطناعي والطاقة والتصنيع المتقدم، فضلا عن توطين حقيقي في السعودية وخلق فرص عمل في الولايات المتحدة.

يتزامن ذلك مع زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، إلى الولايات المتحدة، التي تكتسب أهمية بوصفها نقطة محورية لإعادة ضبط شاملة للعلاقات الثنائية.

خريطة الشراكة

يؤكد مدير وكالة حماية البيئة الأميركي السابق، أن العلاقات الأميركية السعودية باتت محور التحولات العالمية في قطاعات الطاقة والأمن والتكنولوجيا، مشدداً على أن الزيارة سترسم «خريطة جديدة» للشراكة الأعمق التي تنسجم مع تطلعات «رؤية 2030».
في حين يرى بريان د. بالارد، رئيس ومؤسس شركة «بالارد بارتنرز» خلال حديث مع «الشرق الأوسط» أن الزيارة تؤكد على «القوة المتجددة والرؤية المشتركة للعلاقات».

بينما أشار إدوارد ميرميلشتاين، مبعوث عمدة نيويورك للشؤون الدولية السابق، إلى إعادة «رؤية 2030» صياغة الحوار في الولايات المتحدة، وأن العلاقات الاقتصادية وصلت إلى «آفاق جديدة» وتستهدف «تسريع الأفعال» في الشراكة السعودية الأميركية.

التحول الجوهري في العلاقة

شدد المسؤولون الأميركيون السابقون على أن العلاقة الثنائية شهدت تحولاً «جوهرياً»، حيث أكد برويت أن العلاقة تحولت من «تبادلية إلى استراتيجية»، وهي شراكة شاملة تؤثر على كيفية عمل الأسواق العالمية.

مدير وكالة حماية البيئة الأميركي السابق سكوت برويت (غيتي)

يعود برويت للحديث عن شمولية الأجندة تتضمن التعاون الدفاعي والاستخباراتي، وتعزيز الاستثمار والتنويع من خلال دمج التكنولوجيا والمعرفة الأميركية مع رأس المال السعودي وإصلاحات رؤية المملكة 2030. كما أكد أن العلاقة لم تعد محدودة بقضية واحدة، بل هي شراكة استراتيجية تؤثر على كيفية عمل الأسواق العالمية، وأن التعاون أصبح «أعمق وأكثر تنوعاً وتطلعاً للمستقبل» من أي وقت مضى، خاصة بعدما فتحت إصلاحات «رؤية 2030» قطاعات جديدة كالسياحة والترفيه والخدمات اللوجستية التي تعد الشركات الأميركية شركاء طبيعيين فيها.

وشدد المسؤول السابق على أن الزيارات على هذا المستوى تحمل عادة نتيجتين أساسيتين: «تحديد التوجهات، وتقليل المخاطر»، موضحا أن المخرجات توفر دعماً سياسياً للانتقال من نقاط الحوار إلى جداول الشروط، ووضع «قواعد الطريق» لقطاعي الطاقة والتكنولوجيا الجديدين معاً، واعتبر أن ترسيخ الإطار الاستراتيجي المشترك سيعود بالنفع على كلا البلدين لعقود قادمة، مما يرسخ شراكة أقوى وأكثر مرونة من أي وقت مضى في تاريخها.

الصناعات الاستراتيجية

يعتقد بريان د. بالارد إن زيارة ولي العهد في هذا التوقيت تؤكد على «القوة المتجددة والرؤية المشتركة للعلاقات السعودية الأميركية بقيادة الرئيس ترمب». وتوقع أن يركز ترمب وولي العهد على تعميق التعاون في مجالات الدفاع والتجارة والطاقة، معتبراً إياها «ركائز شراكة تُواصل دفع عجلة الرخاء والاستقرار في كلا البلدين».

رئيس ومؤسس شركة العلاقات الحكومية «بالارد بارتنرز» بريان د. بالارد (الشرق الأوسط)

وأضاف بالارد أن العلاقات وصلت إلى آفاق جديدة قائمة على الاحترام المتبادل والفرص الاقتصادية الواعدة، حيث شهدت زخماً استثنائياً في نقل التكنولوجيا وتنويع مصادر الطاقة ومشاركة القطاع الخاص بما يتماشى مع «رؤية 2030». وشدد على أن الزيارة ستوسع آفاق التعاون في الصناعات الاستراتيجية، من الدفاع والفضاء إلى الطاقة المتجددة والهيدروجين، مما يرسخ الشراكة كواحدة من أهم التحالفات التي تُشكّل مستقبل العالم.

التقنيات الناشئة

تتمتع الزيارة بإمكانية «تسريع التعاون في قطاعات حيوية»، لا سيما في ظل تطور السعودية على صعيد «أكثر مشاريع الطاقة الخضراء طموحاً في العالم»، وفقاً لميرميلشتاين. وفي هذا الإطار، توقع أن تركز المحادثات الأكثر استشرافاً للمستقبل على التقنيات الناشئة، ومرونة سلاسل التوريد، والتصنيع المتقدم، مشيراً إلى أن الأمن والطاقة سيظلان ركيزتين أساسيتين، لكن البوصلة تتجه نحو البنية التحتية الرقمية، والوقود النظيف، واستكشاف الفضاء.

مبعوث عمدة نيويورك للشؤون الدولية السابق إدوارد ميرميلشتاين (الشرق الأوسط)

كما أشار ميرميلشتاين إلى اهتمام سعودي كبير بريادة نيويورك في مجالات الذكاء الاصطناعي وعلوم الحياة، مقابل انجذاب الشركات الأميركية إلى حجم وطموح المشروعات الجارية في المملكة. وأكد أن تعزيز العلاقة الفيدرالية سيسرّع ما يحدث بالفعل على مستوى المدينة، وأن نيويورك والرياض شريكان طبيعيان في إنشاء منظومات تكنولوجية. وتوقع أن تضيف الزيارة دعماً سياسياً لجهود الشراكة القائمة بين المؤسسات السعودية والجامعات الأميركية وشركات التكنولوجيا، مما يسرّع حركة رؤوس الأموال والمواهب، مشدداً على أن هذه الشراكات تعزز العلاقة الوطنية، بينما تحدد الحكومات الفيدرالية الاتجاه العام.

وقال مبعوث العمدة إن الزيارة تأتي في وقت يتطلع فيه البلدان إلى تعميق التعاون بما يُحقق نتائج عملية، مشيراً إلى أن «رؤية 2030» أعادت صياغة الحوار في الولايات المتحدة. وأكد أن الزيارة ستعزز هذا التقدم على المستوى الوطني، وتشير إلى استعداد الحكومتين لترجمة الطموحات المشتركة إلى أفعال، مما يتيح فرصاً جديدة لمدن رئيسية مثل نيويورك والرياض لتوسيع التعاون في مجالات التكنولوجيا والاستثمار والتعليم والتنمية المستدامة والتبادل الثقافي والتنمية المستدامة.