آمال خفض الفائدة تتلاشى... والمستثمرون يفرّون من السندات الأميركية الطويلة

متداول يعمل في بورصة نيويورك (رويترز)
متداول يعمل في بورصة نيويورك (رويترز)
TT

آمال خفض الفائدة تتلاشى... والمستثمرون يفرّون من السندات الأميركية الطويلة

متداول يعمل في بورصة نيويورك (رويترز)
متداول يعمل في بورصة نيويورك (رويترز)

يتجه مستثمرو السندات، الذين يتوقعون أن يبقي مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة ثابتة هذا الأسبوع، إلى الابتعاد عن سندات الخزانة طويلة الأجل، مخففين بذلك توقعاتهم بشأن تخفيف حاد للسياسة النقدية، في ظل تراجع احتمالات الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة. ويعكس هذا التوجه أيضاً مخاوف تتعلق بمشروع قانون الضرائب والإنفاق الذي طرحه الرئيس دونالد ترمب، والذي يناقشه مجلس الشيوخ الأميركي.

ويتوقع على نطاق واسع أن تبقي لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، المسؤولة عن وضع السياسات في البنك المركزي الأميركي، يوم الأربعاء سعر الفائدة القياسي لليلة واحدة عند نطاق 4.25 في المائة-4.50 في المائة في ختام اجتماعها الذي يستمر يومين، في محاولة للتعامل مع سياسة تجارية متقلبة لإدارة ترمب قد تعزز التضخم في النصف الثاني من العام. غير أن قراءات أسعار المستهلكين والمنتجين الضعيفة لشهر مايو (أيار)، والتي لم تظهر حتى الآن آثار ارتفاع الرسوم الجمركية على التضخم، عززت التوقعات بعودة احتمالية خفض أسعار الفائدة قريباً، وفق «رويترز».

وتشير العقود الآجلة التي تتبع سعر الفائدة الرئيسي لـ«الاحتياطي الفيدرالي» إلى احتمالات أعلى بأن يُجري البنك المركزي تخفيضين متتاليين لأسعار الفائدة بدءاً من سبتمبر (أيلول)، بعد أن كان السوق قد وضع في الحسبان خفضاً في سبتمبر وآخر في ديسمبر (كانون الأول) قبل صدور أحدث أرقام التضخم.

وخفض «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة ثلاث مرات في 2024 قبل أن يوقف دورة التيسير النقدي في وقت مبكر من هذا العام.

وصرحت فيكتوريا فرنانديز، كبيرة استراتيجيي السوق ومديرة محفظة الدخل الثابت في «كروس مارك غلوبال» للاستثمارات في هيوستن: «لا أرغب بالضرورة في الاستثمار طويل الأجل».

بينما يراهن المتداولون على أن تخفيض «الاحتياطي الفيدرالي» التالي لأسعار الفائدة سيحدث في اجتماعات يوليو (تموز) أو سبتمبر، قالت فرنانديز إنها تتوقع ذلك «مع نهاية العام أو حتى العام المقبل».

وتُعبّر المدة، التي تُحسب بعدد السنوات، عن مدى حساسية قيمة السند لتغيرات أسعار الفائدة. فعادةً ما تحقق السندات طويلة الأجل زيادة أكبر في قيمتها عند انخفاض أسعار الفائدة مقارنة بالسندات قصيرة الأجل.

وتتضمن رهانات الأجل الطويل عادةً شراء أصول في نهاية منحنى العائد بناءً على توقعات بانخفاض العائدات. وقال نيل أغراوال، رئيس قسم المنتجات المورقة ومدير المحافظ في شركة «ريمز» لإدارة الأصول في إنديانابوليس: «هناك سبب يدفع عوائد السندات طويلة الأجل (الخزانة لأجل 30 عاماً) نحو 5 في المائة، وهو وجود ضغط كبير على فترة البيع».

وأضاف: «هناك مخاوف قريبة المدى بشأن التقلبات، وفي ظل توقع استمرارها، يصبح من الصعب الاستثمار في السندات طويلة الأجل». ولم تلقَ مزادات سندات الثلاثين عاماً إقبالاً جيداً خلال مبيعات أبريل (نيسان) ومايو، مما زاد من تردد السوق في الاحتفاظ بالديون طويلة الأجل. ورغم ذلك، شهدت السندات طويلة الأجل طلباً قوياً في مزاد الأسبوع الماضي، مدعوماً جزئياً بارتفاع عوائد سندات الثلاثين عاماً وتراجع التقلبات في القطاع.

وأظهرت بيانات تحديد المراكز، استناداً إلى أحدث استطلاع لعملاء سندات الخزانة من «جي بي مورغان» ومؤشرات صناديق السندات النشطة، انخفاض المراكز طويلة الأجل خلال الشهرين الماضيين، ويرى محللون أن جزءاً من هذا التراجع يُعزى إلى تراجع توقعات ركود الاقتصاد الأميركي التي ارتفعت مؤقتاً في أبريل بعد فرض ترمب رسوماً جمركية على الواردات العالمية. ومنذ ذلك الحين، تراجع ترمب عن معظم الرسوم الجمركية مع تأكيد الولايات المتحدة والصين على اتفاق تجاري. على سبيل المثال، خفض «غولدمان ساكس» الأسبوع الماضي توقعاته لاحتمالية ركود الاقتصاد الأميركي خلال الاثني عشر شهراً القادمة من 35 في المائة إلى 30 في المائة، مع انحسار حالة عدم اليقين بشأن السياسات الجمركية لإدارة ترمب.

من الناحية المالية، أظهرت تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس أن مشروع قانون ترمب للضرائب والإنفاق، الذي أقره مجلس النواب ويُناقش في مجلس الشيوخ، من المرجح أن يزيد العجز بمقدار 2.4 تريليون دولار خلال العقد المقبل، في وقت ارتفع فيه الدين الأميركي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد. ومع ذلك، يرى المحللون أن عائدات الرسوم الجمركية قد تعوّض بعضاً من تأثير قانون الضرائب والإنفاق على العجز.

وقد أدى ارتفاع احتمال زيادة العجز إلى مخاوف بشأن انحدار منحنى العائد. وقال داني زيد، مدير المحافظ في شركة «توينتي فور» لإدارة الأصول في نيويورك: «هناك مبرر واضح لتوقع منحنيات عائد أكثر حدة في هذه الدورة».

وأصبحت استراتيجيات «تحفيز منحنى العائد» شائعة في الأسواق منذ أن أطلق «الاحتياطي الفيدرالي» دورة التيسير الكمي في أواخر عام 2024. وتعتمد هذه الاستراتيجيات على بناء مراكز شرائية في سندات الخزانة قصيرة الأجل، مقابل خفض الانكشاف على السندات طويلة الأجل، ما يؤدي إلى ارتفاع عوائد الأخيرة إلى مستويات تفوق نظيراتها قصيرة الأجل.

وقال زيد: «كمستثمرين، يجب أن تطلبوا تعويضات أعلى لتمويل حكومة يبلغ دينها نحو 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بحكومة يبلغ دينها نحو 70 في المائة».

وفي إشارة إلى منحنى العائد بين خمس و30 سنة، قال بريندان مورفي، رئيس قسم الدخل الثابت لأميركا الشمالية في شركة «إنسايت» للاستثمار في بوسطن: «نتوقع أن يزداد انحدار المنحنى». وأضاف: «نُعطي وزناً أكبر لعائدات الأجل، لكن نركز أكثر على المرحلة الأولى مقارنة بالمرحلة الثانية، ونولي أهمية خاصة لفترة الثلاثين عاماً نظراً لحالة عدم اليقين المرتبطة بالتوسع المالي واحتمالية ارتفاع التضخم نتيجة بعض سياسات التعريفات الجمركية».

وسيركز المستثمرون يوم الأربعاء أيضاً على إصدار التوقعات الاقتصادية الفصلية المحدثة من صانعي السياسة في «الاحتياطي الفيدرالي»، بما في ذلك توقعات أسعار الفائدة، والتي تُعرض في مخطط النقاط الذي يعكس مقدار التيسير المتوقع. وأظهرت نقاط مارس توقع سعر فائدة يتراوح بين 3.75 في المائة و4 في المائة بحلول نهاية 2025، أي خفضين بمقدار ربع نقطة مئوية. ولا يتوقع مستثمرو السندات أي تغييرات في توقعات أسعار الفائدة التي يصدرها «الاحتياطي الفيدرالي».


مقالات ذات صلة

الأسهم الأوروبية ترتفع بعد 4 جلسات من الخسائر

الاقتصاد رسم بياني لمؤشر أسعار الأسهم الألماني «داكس» في بورصة فرانكفورت (رويترز)

الأسهم الأوروبية ترتفع بعد 4 جلسات من الخسائر

ارتفعت الأسهم الأوروبية يوم الخميس بعد أربع جلسات متتالية من الخسائر، مدفوعة بنتائج فصلية قوية من شركة «إيه بي بي» السويسرية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رجل يحمل حزمة عملات من الدولار الأميركي واليوان الصيني في محل صرافة في العاصمة الإندونيسية جاكارتا (أ.ف.ب)

الصين تُطلق أول صندوق نقدي لليوان الرقمي المستقر في العالم

أطلقت شركة إدارة أصول صينية كبرى أول صندوق نقدي مُرمّز باليوان في العالم

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد متداولو العملات يراقبون شاشات مؤشر «كوسبي» في غرفة تداول «بنك هانا» في سيول (أ.ب)

الأسهم الآسيوية ترتفع بعد تصريحات ترمب حول باول

سجلت معظم الأسهم الآسيوية مكاسب يوم الخميس، بينما تراجعت العقود الآجلة للأسهم الأميركية.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
الاقتصاد علم الولايات المتحدة الأميركية على مكتب في قاعة بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

«وول ستريت» تستجيب بإيجابية لبيانات التضخم بالجملة

سجّلت مؤشرات الأسهم الأميركية ارتفاعاً، الأربعاء، مدفوعةً بتقرير إيجابي فاق التوقعات بشأن التضخم بالجملة، ما عزّز التفاؤل في الأسواق.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شاشة تعرض شعار شركة «غولدمان ساكس» في بورصة نيويورك (رويترز)

أرباح قوية لـ «غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي» وسط تقلبات السوق

ارتفعت أرباح بنك «غولدمان ساكس» بنسبة 22 في المائة في الربع الثاني من العام، مدفوعة باضطرابات الأسواق التي دفعت إيرادات تداول الأسهم إلى مستوى قياسي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

برلين لشراكة مع الرياض في «إكسبو 2030» والتعاون المناخي والهيدروجين

علما السعودية وألمانيا (الشرق الأوسط)
علما السعودية وألمانيا (الشرق الأوسط)
TT

برلين لشراكة مع الرياض في «إكسبو 2030» والتعاون المناخي والهيدروجين

علما السعودية وألمانيا (الشرق الأوسط)
علما السعودية وألمانيا (الشرق الأوسط)

شدَّد مسؤول ألماني على أن بلاده ماضية في تعزيز تعاونها مع السعودية في مختلف المجالات، مبيناً أن العلاقات التجارية الثنائية، مستمرة في النمو بثبات، حيث وصل حجم التبادل التجاري إلى نحو 7 مليارات يورو.

وقال ميشال كيندسغراب، السفير الألماني، لدى السعودية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن القطاعات التي تقود هذا النمو، مثل الكيماويات، والآلات، والنقل، تعكس الروابط الصناعية القوية التي تجمعنا، حيث إن هذه هي المجالات التي تقدم فيها الخبرة الألمانية إسهاماً مهماً في عملية التطور بالسعودية».

وأضاف: «بالنظر إلى المستقبل، هناك كثير لنتطلع إليه، حيث يمثل (إكسبو 2030)، فرصةً هائلةً بالنسبة لنا لتعميق تعاوننا بشكل أكبر، ولعرض أفضل ما لدى البلدين، ولإلهام الأجيال القادمة للاستمرار في بناء هذه الشراكة الرائعة».

ميشال كيندسغراب السفير الألماني لدى السعودية (الشرق الأوسط)

الطاقة المتجددة

وعلى صعيد التعاون المناخي، قال السفير الألماني لدى السعودية: «أطلقنا أخيراً دراسة مهمة حول سوق العمل السعودية في قطاع الطاقة المتجددة، حيث تمت مراجعتها من قبل (المرصد الوطني للعمل)، وناقشها خبراء من مراكز ومؤسسات سعودية عدة».

وتابع: «من بين هذه المؤسسات والمراكز، مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك)، ومن مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، وجامعة الأمير سلطان. وهذا يعد مثالاً رائعاً على شراكتنا الوثيقة والمثمرة، حيث إننا نتعامل مع تحديات اليوم، ولا نغفل في الوقت نفسه عن آفاق المستقبل».

ازدهار العلاقات

وقال كيندسغراب: «العلاقات السعودية - الألمانية تزدهر حقاً، وأنا فخور لرؤية شراكتنا تصبح أكثر عمقاً وقوةً في كثير من المجالات. من وجهة نظر شخصية، فإنه من الملهم أن أرى الروابط المتنامية بين بلدينا. هذه الروابط تمتد إلى مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك الطاقة، والنقل، والعمارة، والصحة، والتعليم، والثقافة، ما يُشكِّل أساساً قوياً للمستقبل».

وأضاف المسؤول الألماني: «إن أحد الجوانب المثيرة في تعاوننا هو مجال التحول الطاقي، حيث إن الابتكار الألماني يتصدر مشروعات الهيدروجين الأخضر في نيوم، وتلعب شركة (ثيسنكروب نوكيرا) دوراً تقنياً مهماً في جعل رؤية خفض الانبعاثات الكربونية في الصناعة واقعاً».

وتابع: «بخلاف قطاع الطاقة، نرى أيضاً تقدماً كبيراً في مجال النقل، حيث إن عربات المترو التي سلمتها شركة (سيمنز)، ساعدت على تشكيل البنية التحتية الحديثة للمدن السعودية. ولا ننسى تأثير العمارة الألمانية في المشروعات الكبرى مثل (حديقة الملك سلمان) أو تصميم (إكسبو 2030)، الذي أعتقد أنه سيكون حدثاً مميزاً لكلا البلدين».

وزاد كيندسغراب: «في قطاع الصحة، يعد التعاون مع مستشفى (شارتيه) في برلين مثالاً آخر على كيفية تعاون بلدينا لتحسين حياة الناس».

تسارع التعاون الثقافي

وأضاف السفير الألماني لدى السعودية «الآن متحمس بشكل خاص لرؤية تسارع التعاون الثقافي، مثل المبادرة المتحفية التي أُطلقت أخيراً بين هيئة المتاحف بالمملكة، ومؤسسة التراث الثقافي البروسية في ألمانيا». وزاد: «هذا التعاون جاء في إطار جهودنا المشتركة لتعزيز الروابط بين الشعوب، وسيلعب دوراً مهماً يكون بمثابة إثراء للعلاقات الثقافية، حيث يشتمل التعاون على برنامج إقراض للأعمال الفنية، والإشراف المشترك، وبرامج تدريبية لدعم تطوير المواهب».