تباطؤ الاقتصاد الروسي يقلص واردات البلاد من الصين

رغم ارتفاع حجم التبادل التجاري الثنائي

حاويات في محطة بميناء يانغشان العميق في شنغهاي بالصين (رويترز)
حاويات في محطة بميناء يانغشان العميق في شنغهاي بالصين (رويترز)
TT

تباطؤ الاقتصاد الروسي يقلص واردات البلاد من الصين

حاويات في محطة بميناء يانغشان العميق في شنغهاي بالصين (رويترز)
حاويات في محطة بميناء يانغشان العميق في شنغهاي بالصين (رويترز)

أظهرت بيانات الجمارك للربع الأول من عام 2025 أن تباطؤ النمو الاقتصادي بروسيا، إلى جانب انخفاض الطلب على السلع المعمرة مثل السيارات، والإلكترونيات، والأجهزة المنزلية، تسببا في تراجع واردات البلاد من الصين، في وقت تواجه فيه بكين تحديات تجارية كبيرة نتيجة الرسوم الجمركية الأميركية.

ورغم ارتفاع حجم التبادل التجاري بين موسكو وبكين بشكل حاد منذ العقوبات الغربية المفروضة على روسيا عقب غزوها لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، التي دفعت بالتجارة الثنائية إلى مستوى قياسي بلغ 1.74 تريليون يوان (239 مليار دولار) في عام 2024، فإن التدفقات التجارية تأثرت بالعقبات المتعلقة بالدفع الناتجة عن العقوبات الغربية.

وبينما ساعد الإنفاق العسكري الزائد روسيا على الخروج من الركود في 2022، فإن ارتفاع أسعار الفائدة، ونقص العمالة، والقيود على الإنتاج خارج القطاع الدفاعي، بدأت تعرقل زخم النمو الاقتصادي.

ووفقاً لحسابات «رويترز»، أنفقت روسيا نحو 22.7 مليار دولار على الواردات من الصين في الربع الأول من 2025 بانخفاض بنسبة 6.9 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. كما سجلت واردات فبراير أدنى مستوى شهري منذ يونيو (حزيران) 2022، بقيمة 5.8 مليار دولار، قبل أن ترتفع في مارس (آذار) بنسبة 1.9 في المائة لتبلغ قرابة 7.8 مليار دولار.

وتعليقاً على هذا التراجع، أشار ثلاثة محللين تحدثوا لـ«رويترز» إلى أن تشبع الأسواق الروسية بالمنتجات الصينية، وتباطؤ الاقتصاد المحلي هما عاملان أساسيان وراء انخفاض الطلب.

وأوضح فلاديسلاف أونيشينكو، رئيس وكالة التحول الاقتصادي والتنمية، أن ذلك يبدو جلياً في قطاع السيارات، حيث باتت شركات صناعة السيارات الصينية تستحوذ على أكثر من 50 في المائة من السوق الروسية، مقارنة بأقل من 10 في المائة قبل الحرب. كما أشار إلى أن الحديث الزائد عن عودة محتملة لشركات السيارات الغربية، إلى جانب تباطؤ نمو الدخل، أسهما في تقليص واردات هذا القطاع.

وأكّد أونيشينكو أن التراجع شمل أيضاً الطلب على الإلكترونيات والأجهزة المنزلية، نتيجة فتور الحماس الذي رافق موجة التحول الأولى نحو المنتجات الصينية.

وفي ظل ارتفاع تكلفة الاقتراض إلى نحو 21 في المائة، باتت الشركات الروسية تُقلص استثماراتها، مما انعكس على انخفاض واردات المعدات الثقيلة مثل الرافعات والحفارات، بحسب أليكسي بودشيكولدين، رئيس رابطة تجار السيارات الروس.

ورغم استمرار النشاط الاستهلاكي نسبياً في فبراير، فإن البنك المركزي الروسي أشار إلى تباطؤ وتيرة نمو مبيعات التجزئة إلى 2.2 في المائة، ويأتي ذلك مدعوماً بشكل رئيس بقطاع الخدمات، مع تراجع الطلب على السلع المستوردة من الصين.

وجاء في تقرير البنك المركزي: «انخفض اهتمام المواطنين بالمشتريات الكبيرة من المنتجات غير الغذائية، مثل السيارات والأجهزة المنزلية والإلكترونيات».

لا بديل عن الولايات المتحدة

ورغم أن روسيا استحوذت على 3.2 في المائة من صادرات الصين في عام 2024، مقارنة بـ2 في المائة في 2021، فإن الولايات المتحدة لا تزال الشريك التجاري الأهم بنسبة 14.7 في المائة، وفقاً لبيانات الجمارك الصينية، وهو ما يُؤكد أن حجم التجارة مع روسيا غير كافٍ لتعويض أي تراجع في الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بسبب رسوم إدارة ترمب.

لكن هذه القيود قد تدفع إلى توثيق العلاقات الاقتصادية بين موسكو وبكين. إذ أعلنت الصين مؤخراً عن نيتها زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال الروسي هذا العام، في وقت توقفت فيه عن استيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة في مارس، رغم أنها كانت تستورد منه 5 في المائة من احتياجاتها في 2024، بحسب بيانات «كبلر» وبورصة لندن للغاز.

كما أدت العقوبات الثانوية المحتملة على الشركات الصينية التي تتعامل مع روسيا، والقيود المفروضة على الدفع، إلى تراجع نسبي في حجم التبادل التجاري، وإن كان ألكسندر غابويف، مدير مركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا، يرى أن تخفيضات إدارة ترمب في عدد الموظفين الحكوميين جعلت تطبيق العقوبات أقل شدة.

وفي هذا السياق، أشار غابويف إلى أن انخفاض الطلب الروسي هو أحد انعكاسات الاقتصاد الروسي المتجه نحو العسكرة، لكنه لفت إلى أن الشركات الصينية قد تجد فرصاً لتعزيز حضورها في السوق الروسية من خلال خفض هوامش الربح أو تقديم خصومات.

وقال: «بالتأكيد لا يمكن لروسيا أن تكون بديلاً عن الولايات المتحدة، لكنها تظل سوقاً كبيرة، ويبدو أن كثيراً من الصينيين يشعرون بأنه ليس لديهم الكثير ليخسروه... وستبقى هناك دائماً فرص».


مقالات ذات صلة

بنك اليابان يدرس خفض مشترياته من السندات الحكومية إلى النصف

الاقتصاد رجل يسير أمام مقر بنك اليابان المركزي في وسط العاصمة طوكيو (رويترز)

بنك اليابان يدرس خفض مشترياته من السندات الحكومية إلى النصف

يدرس بنك اليابان المركزي، خفض مشترياته الفصلية من سندات الحكومة اليابانية إلى النصف لتصل إلى 200 مليار ين (1.4 مليار دولار) اعتباراً من أبريل 2026.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد صالة المغادرة خاوية بمطار بن غوريون في تل أبيب عقب الضربة الإسرائيلية لإيران (أ.ف.ب)

أزمة طيران عالمية بسبب التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران

اضطربت حركة الملاحة الجوية بشكل واسع صباح الجمعة عقب شن إسرائيل هجمات عسكرية على أهداف في إيران.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد شوارع خالية في مدينة تل أبيب عقب الضربة الإسرائيلية على إيران (أ.ب)

إسرائيل تعلن الطوارئ في قطاع الغاز مع إغلاق حقل «ليفياثان»

أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي أن الحكومة قد تتجه إلى إعلان حالة الطوارئ في قطاع الغاز الطبيعي، مع احتمال إغلاق بعض الخزانات بصورة مؤقتة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد صورة لمحطة أصفهان النووية جنوب طهران (أ.ف.ب)

صراع إسرائيل-إيران يهدد نمو الاقتصاد الألماني بفعل مخاطر ارتفاع النفط

أكد المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، يوم الجمعة، أن أي صراع بين إسرائيل وإيران قد يضعف آفاق الاقتصاد الألماني إذا أسفر عن ارتفاع في أسعار النفط.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد متداولون يتابعون حركة الأسهم في جلسة سابقة ببورصة وول ستريت في نيويورك (رويترز)

«مؤشر الخوف» في وول ستريت يقفز 22%

شهدت أسواق المال الأميركية اضطرابات ملحوظة خلال ساعات ما قبل التداول يوم الجمعة بعد التصعيد العسكري الخطير بين إسرائيل وإيران

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«الفيدرالي» يستعد لتثبيت الفائدة مع ترقّب الأسواق لتوجهاته

مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» يستعد لتثبيت الفائدة مع ترقّب الأسواق لتوجهاته

مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

يُتوقع على نطاق واسع أن يُبقي الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير الأسبوع المقبل، بينما يتركّز اهتمام المستثمرين على توقعاته الجديدة، والتي ستُظهر مدى أهمية البيانات الاقتصادية الضعيفة الأخيرة بالنسبة لصناع السياسة، ومدى إدراكهم للمخاطر المرتبطة بقضايا التجارة، والموازنة غير المحسومة بعد.

لقد ساعد صدور سلسلة من قراءات التضخم في تبديد المخاوف من أن تؤدي الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب إلى ارتفاع سريع في الأسعار، في حين أظهر تقرير الوظائف الشهري الأخير تباطؤاً في نمو التوظيف، وهو مزيج من العوامل قد يدفع الفيدرالي، نظرياً، نحو استئناف خفض أسعار الفائدة، وفق «رويترز».

وكان ترمب طالب البنك المركزي الأميركي بخفض سعر الفائدة القياسي لليلة واحدة فوراً بمقدار «نقطة مئوية كاملة»، وهي خطوة جذرية تمثّل رهاناً كبيراً من قبل الاحتياطي الفيدرالي على أن التضخم سيتراجع إلى هدفه البالغ 2 في المائة، ويبقى عنده، بغض النظر عما تقوم به الإدارة، أو مع تيسير كبير في الأوضاع المالية.

ومع ذلك، لا تزال جهود الرئيس لإعادة صياغة قواعد التجارة العالمية قيد التنفيذ. فمنذ الاجتماع الأخير للفيدرالي في مايو (أيار)، أجّلت الإدارة حتى الشهر المقبل جولة جديدة من الرسوم الجمركية العالمية التي يخشى مسؤولو البنك المركزي من أن تؤدي إلى ارتفاع التضخم، وتباطؤ النمو إذا طُبقت؛ كما أن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين هدأت لكنها لم تُحل؛ ولا تزال شروط مشروع الموازنة والضرائب الضخم قيد الدراسة في الكونغرس بعيدة عن الحسم.

باول يتحدث في مؤتمر لقسم المالية الدولية بمجلس الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (أ.ب)

وعندما أصدر الفيدرالي مجموعته الأخيرة من التوقعات الفصلية في مارس (آذار)، وتوقّع خفضين في سعر الفائدة هذا العام، أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه الجمود في أوقات الغموض الشديد، قائلاً: «قد تكتفي بالقول (ربما أبقى حيث أنا)، وهو شعور قد يستمر ما دامت مناقشات الرسوم الجمركية دون حل».

كتب غريغوري داكو، كبير الاقتصاديين في شركة «إرنست آند يونغ بارثينون»، قبيل اجتماع الفيدرالي المقرر في 17-18 يونيو (حزيران): «أكدت التصريحات الأخيرة للفيدرالي على نهج الانتظار والترقب، إذ أشار المسؤولون إلى عدم وجود استعجال في تعديل السياسة وسط ازدياد الغموض بشأن التوقعات الاقتصادية».

وتوقّع داكو أن تُظهر توقعات أسعار الفائدة المتوسطة بين أعضاء الفيدرالي الـ19 خفضين في الفائدة خلال 2025، مع نبرة عامة تتسم بـ«الصبر الحذر» وتقديم «القليل من التوجيه المستقبلي»، نظراً لحالة عدم اليقين التي تؤثر على الأسر، والشركات.

وينسجم هذا الرأي بشكل عام مع ما يتوقعه المستثمرون في العقود المرتبطة بسعر الفائدة، على الرغم من أن التسعير اتجه هذا الأسبوع نحو احتمال خفض ثالث بعد أن أظهرت البيانات أن أسعار المستهلكين والمنتجين ارتفعت أقل من المتوقع في مايو. وبينما يبلغ معدل التضخم السنوي وفق مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (المفضل للفيدرالي) نحو نصف نقطة مئوية فوق هدف البنك المركزي، تُظهر البيانات الأخيرة أنه بلغ نحو 2 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الماضية عند استبعاد مكونات الغذاء والطاقة الأكثر تقلباً. أما معدل البطالة، فقد استقر عند 4.2 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

متداولون يعملون في قاعة بورصة نيويورك (رويترز)

وتم تحديد سعر الفائدة الأساسي للفيدرالي في نطاق 4.25-4.50 في المائة في ديسمبر (كانون الأول)، عندما خفّضه البنك بمقدار ربع نقطة مئوية في إطار ما كان يُتوقع آنذاك أن يكون سلسلة ثابتة من تخفيضات تكلفة الاقتراض، مدفوعة بتباطؤ التضخم. غير أن السياسة التجارية التي انتهجها ترمب بعد عودته إلى الرئاسة في 20 يناير (كانون الثاني) رفعت من مخاطر ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو، وهو وضع قد يضع الفيدرالي أمام خيار صعب بين التركيز على إبقاء التضخم عند هدفه البالغ 2 في المائة، أو دعم الاقتصاد، والحفاظ على انخفاض البطالة.

وقد تراجعت مخاطر هذا السيناريو السلبي المزدوج منذ أوائل الربيع، حينما تسببت حزمة الرسوم الجمركية العالمية التي أعلنها ترمب تحت شعار «يوم التحرير» في رد فعل عنيف من الأسواق، وتوقعات واسعة النطاق بحدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، قبل أن يتراجع الرئيس عن موقفه. وفي أحدث تحليل لها، خفّضت «غولدمان ساكس» تقديراتها لاحتمال حدوث ركود إلى نحو 30 في المائة، مشيرة إلى توقعات بتراجع طفيف في التضخم، وزيادة طفيفة في النمو هذا العام. ومع ذلك، لم يؤدِ هذا التحليل إلى تغيير في توقعات البنك الاستثماري بشأن الفيدرالي، والتي تفترض أن ارتفاع التضخم خلال الصيف سيبقي البنك المركزي على الهامش حتى ديسمبر.

وقد يرى الفيدرالي نفسه يخفض توقعاته لأسعار الفائدة إلى خفض وحيد بمقدار ربع نقطة هذا العام، فقط بسبب مرور الوقت، بحسب تيم دوي، كبير الاقتصاديين الأميركيين في شركة «إس جي إتش ماكرو أدفايزرز». فمع تبقي ثلاثة أشهر أقل في العام لإجراء تغييرات في السياسة، وبقاء العديد من القضايا الرئيسة دون حل، «إذا حافظ الفيدرالي على توقع خفضين... فستكون لديه ثقة أكبر بهما مقارنة بمارس»، كتب دوي. «لكن المشاركين باتت لديهم ثقة أقل في خفض الفائدة منذ (يوم التحرير)، ويجب أن ينعكس ذلك في التوقعات الجديدة».

وقد يؤدي تغير رأي مسؤولين اثنين فقط إلى تغيير توقعات الفيدرالي نحو تأجيل خفض الفائدة إلى العام المقبل. وهناك سيناريو آخر محتمل، يتمثل في أن ضعف انتقال تأثير الرسوم الجمركية إلى التضخم ناتج عن ضعف الطلب، حيث يقلص المستهلكون إنفاقهم على الخدمات لتعويض ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وهي ديناميكية قد تكون بدأت بالفعل. ومن المقرر صدور تقرير مبيعات التجزئة لشهر مايو الأسبوع المقبل، قبل اجتماع الفيدرالي، وقد يوفر نظرة أعمق على هذه القضية.

لكن اقتصاديي «سيتي» يرون أن ضعف الطلب سيبقي التضخم منخفضاً، ويؤدي إلى ارتفاع البطالة، ويدفع البنك المركزي إلى خفض الفائدة بوتيرة أسرع من المتوقع، بدءاً من سبتمبر، واستمراراً في كل اجتماع حتى 2026. وكتب محللو «سيتي»: «قد تؤدي الرسوم الجمركية في النهاية إلى رفع أسعار بعض السلع، لكن التباطؤ الواسع في تضخم خدمات القطاع الأساسي سيجعل من ذلك ارتفاعاً مؤقتاً في الأسعار». وأضافوا: «لم تستوعب الأسواق بعد أن ضعف الطلب سيؤدي إلى تباطؤ التضخم، لكن أيضاً إلى ارتفاع البطالة... مسار خفض الفائدة من قبل الفيدرالي بات يتضح بشكل متزايد».