الصين توقف واردات الغاز المسال من أميركا

في خطوة قد تعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية

مجسم لناقلة غاز طبيعي مسال وخلفها العلم الأميركي (رويترز)
مجسم لناقلة غاز طبيعي مسال وخلفها العلم الأميركي (رويترز)
TT

الصين توقف واردات الغاز المسال من أميركا

مجسم لناقلة غاز طبيعي مسال وخلفها العلم الأميركي (رويترز)
مجسم لناقلة غاز طبيعي مسال وخلفها العلم الأميركي (رويترز)

في خطوة مفاجئة قد تحمل تداعيات اقتصادية وجيوسياسية واسعة، أعلنت شركات الطاقة الصينية وقف استيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، في ظل تصاعد التوترات التجارية والسياسية بين البلدين، وتزايد اعتماد الصين على مصادر بديلة للطاقة.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، يوم الجمعة، فقد توقفت الصين عن استيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة لأكثر من عشرة أسابيع، مما يعكس تصاعد التوترات التجارية بين البلدين وتأثيرها على قطاع الطاقة.

ووفقاً لتقارير إعلامية فقد أوقفت عدة شركات صينية رئيسية، من بينها «سينوبك» و«بتروتشاينا»، مشترياتها من الغاز الأميركي خلال الأشهر الأخيرة، دون إبداء أسباب رسمية، بينما تشير التحليلات إلى أن القرار يأتي نتيجة مزيج من الضغوط التجارية، والاعتبارات الاستراتيجية، والتقلبات في الأسعار العالمية.

وتشير بيانات الشحن إلى أن الصين، التي تُعد من أكبر مستوردي الغاز الطبيعي المسال في العالم، لم تتلقَّ أي شحنات من الولايات المتحدة خلال هذه الفترة، وهو ما يُعد أطول توقف منذ يونيو (حزيران) 2023. ويُعزى هذا التوقف إلى فرض بكين رسوماً جمركية بنسبة 15 في المائة على واردات الغاز الأميركي، رداً على الرسوم التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الصادرات الصينية.

ويبرز التوقف كيف أن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة قد امتدت إلى قطاع الطاقة، مما يدفع الصين إلى البحث عن مصادر بديلة لتلبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال. في المقابل، يُتوقع أن يؤثر هذا التراجع في الطلب الصيني سلباً على صادرات الغاز الأميركية، التي كانت تعتمد على السوق الآسيوية لتعويض التباطؤ في الطلب الأوروبي.

وتعد الصين ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم بعد الاتحاد الأوروبي، وقد شكّلت خلال السنوات الأخيرة سوقاً رئيسية للمنتجين الأميركيين الذين استفادوا من الطفرة في الإنتاج بفضل تقنيات التكسير الهيدروليكي. وشكل الغاز الأميركي نحو 11 في المائة من إجمالي واردات الصين من الغاز المسال خلال عام 2023، إلا أن هذه الحصة تراجعت بشكل حاد في الربع الأول من 2025، لتقترب من الصفر، بحسب بيانات تتبع الشحنات العالمية.

ويرى محللون أن القرار يعكس تحولاً في الاستراتيجية الصينية لتقليص اعتمادها على الولايات المتحدة في سلاسل التوريد الحيوية، لا سيما في ظل النزاعات التجارية المتكررة، واستمرار القيود المفروضة على التكنولوجيا الصينية من جانب واشنطن. وتُفضّل بكين تنويع مصادر وارداتها من الغاز، مع زيادة الاعتماد على روسيا ودول آسيا الوسطى، بالإضافة إلى موردين من الشرق الأوسط مثل قطر والإمارات.

ومن المتوقع أن يؤثر هذا التراجع في الطلب الصيني سلباً على صادرات الغاز الأميركية، التي كانت تعتمد على السوق الآسيوية لتعويض التباطؤ في الطلب الأوروبي بعد أزمة أوكرانيا. وقد تشهد الأسعار العالمية بعض التقلبات نتيجة لإعادة توجيه الشحنات إلى أسواق أخرى، في وقت تشهد فيه آسيا طلباً مرتفعاً على الطاقة استعداداً لفصل الصيف.

ويأتي هذا التطور في وقت تشهد فيه العلاقات الصينية - الأميركية مزيداً من التوتر، خصوصاً مع تصاعد المواجهة حول قضايا التجارة والتكنولوجيا وتايوان، مما يُلقي بظلاله على التعاون الاقتصادي في عدة مجالات.

ويُرجّح أن تتحرك الصين خلال المرحلة المقبلة لتوقيع اتفاقات طويلة الأجل مع دول حليفة لضمان أمنها الطاقي، بينما قد تبحث واشنطن عن أسواق بديلة لتعويض خسارة ثاني أكبر مشترٍ للغاز الأميركي.


مقالات ذات صلة

دونالد ترمب الابن: دول الخليج تمثل فرصة استثمارية مميزة

الاقتصاد دونالد ترمب الابن يتحدث خلال جلسة في «منتدى قطر الاقتصادي» بالدوحة (أ.ف.ب)

دونالد ترمب الابن: دول الخليج تمثل فرصة استثمارية مميزة

قال دونالد ترمب الابن، النجل الأكبر للرئيس الأميركي ونائب الرئيس التنفيذي لمنظمة ترمب، يوم الأربعاء، إن دول الخليج تمثل فرصة استثمارية مميزة.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الاقتصاد رئيس الوزراء الياباني يغادر مؤتمراً صحافياً الأربعاء عقب أزمة وزير الزراعة (رويترز)

«زلة الأرز» تطيح وزير الزراعة الياباني وتهدد مستقبل الحكومة

استقال وزير الزراعة الياباني تاكو إيتو الأربعاء بعد أن أثارت تصريحاته هذا الأسبوع حول الأرز موجة انتقادات من الناخبين والمشرعين

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد مبنى البنك المركزي الإندونيسي في جاكرتا (رويترز)

«المركزي الإندونيسي» يخفض الفائدة لأول مرة منذ يناير

خفّض البنك المركزي الإندونيسي سعر الفائدة الرئيسي يوم الأربعاء، كما كان متوقعاً، مستأنفاً سياسة التيسير النقدي.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
الاقتصاد سياح يلتقطون صوراً تذكارية أمام شعار قمة آسيان في العاصمة الماليزية كوالالمبور (أ.ف.ب)

الصين تكمل اتفاقية التجارة الحرة المحسّنة مع رابطة «آسيان»

استكملت الصين ورابطة دول جنوب شرقي آسيا مفاوضاتهما لتطوير منطقة التجارة الحرة بينهما، لتشمل الاقتصادَيْن «الرقمي» و«الأخضر» وصناعات جديدة أخرى.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد متداولون في غرفة التعاملات الأجنبية بمقر بنك «كيب هانا» في سيول (أ.ب)

الأسهم الآسيوية ترتفع عقب تقرير عن هجوم إسرائيلي محتمل على إيران

شهدت الأسهم الآسيوية ارتفاعاً يوم الأربعاء، في حين قفزت أسعار النفط بأكثر من 1 في المائة بعد تقرير يفيد بأن إسرائيل قد تخطط لهجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ)

«المركزي الأوروبي» يثق باستمرار «الفيدرالي» في توفير الدولارات للخارج

لافتة خارج مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
لافتة خارج مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
TT

«المركزي الأوروبي» يثق باستمرار «الفيدرالي» في توفير الدولارات للخارج

لافتة خارج مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
لافتة خارج مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

أكّد نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، لويس دي غيندوس، يوم الأربعاء، أن البنك يواصل مراقبة مدى تعرّض بنوك منطقة اليورو للدولار الأميركي، لكنه شدد في الوقت ذاته على ثقته بأن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيواصل توفير السيولة في أوقات الأزمات، رغم التحديات السياسية الأخيرة.

وتأتي هذه التصريحات في أعقاب الهجمات المتكررة التي شنّها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على «الاحتياطي الفيدرالي»، والتي أثارت تساؤلات جدية بشأن استقلالية البنك المركزي الأميركي، ومدى التزامه بضمان استمرارية تدفق الدولار إلى البنوك الأجنبية عندما تتعرّض أسواق التمويل للضغوط.

وقال دي غيندوس: «لا أشك مطلقاً في أن الاتفاقية المبرمة مع (الاحتياطي الفيدرالي) ستظل ركيزة أساسية للاستقرار المالي العالمي»، مضيفاً أن ما يُعرف بـ«خطوط المبادلة» بين «الاحتياطي الفيدرالي» والبنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها البنك المركزي الأوروبي، «أثبتت فائدتها لكلا الطرفين، وأسهمت بفاعلية في تعزيز الاستقرار المالي على ضفتي الأطلسي».

وكانت وكالة «رويترز» قد كشفت الأسبوع الماضي، بشكل حصري، عن أن الجهات الرقابية في البنك المركزي الأوروبي طلبت من بعض البنوك تقييم مدى حاجتها المحتملة إلى التمويل بالدولار الأميركي في أوقات الأزمات، تحسباً لاحتمال سحب «الاحتياطي الفيدرالي» تلك الخطوط الحيوية.

ورغم هذه المخاوف، ظلّت أسواق تمويل البنوك، مثل اتفاقيات إعادة الشراء (الريبو) ومقايضات العملات الأجنبية، مستقرة حتى الآن، ولم تُظهر مؤشرات على وجود ضغوط أو شُح في السيولة.

كما حذّر البنك المركزي الأوروبي من أن الانتعاش القوي الذي تشهده أسواق الأسهم والائتمان لا ينسجم مع بيئة عالمية تتسم بتصاعد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية، مشيراً إلى اتساع الفجوة بين مستويات تقييم الأصول المالية والواقع الفعلي للاقتصاد.

جاء هذا التحذير في إطار مراجعة الاستقرار المالي نصف السنوية التي يُجريها البنك، والتي ترصد مجموعة من المخاطر الهيكلية والناشئة، بما في ذلك تراجع السيولة لدى الصناديق الاستثمارية، والمبالغة في تقييم أسعار العقارات، وارتفاع معدلات الديون السيادية في الكثير من الدول الأوروبية، وفق «رويترز».

وأوضح التقرير أن الأسواق قد تكون متفائلة أكثر من اللازم، في ظل استهانة واضحة من جانب المستثمرين بالمخاطر المحتملة، سواء من حيث تباطؤ الاقتصاد العالمي، أو تصاعد التوترات التجارية، أو احتمال إخفاق البنوك المركزية في تنفيذ التيسير النقدي المنتظر.

وأكد دي غيندوس أن هناك تناقضاً واضحاً بين الأداء القوي للأسواق المالية والمؤشرات الأساسية للاقتصاد. وقال: «رغم بعض التراجعات الأخيرة، لا تزال تقييمات الأسهم مرتفعة، في وقت لا تعكس فيه فروق العائدات في أسواق السندات مستويات المخاطر الائتمانية بشكل دقيق».

وعدّ التقرير أن الرسوم الجمركية تشكّل «خطراً تراجعياً رئيسياً»، لافتاً إلى أن ارتفاعاً بمقدار انحراف معياري واحد في مؤشر يقيس درجة عدم اليقين في السياسات التجارية قد يؤدي إلى خفض توقعات النمو الاقتصادي بنسبة 0.15 نقطة مئوية خلال أربعة أرباع فقط.

كما أشار إلى أن تصاعد حالة عدم اليقين هذه يؤدي إلى تراجع أسعار أسهم البنوك الأوروبية بنسبة تتجاوز 10 في المائة خلال ستة أشهر، وزيادة تكلفة اقتراضها في أسواق السندات بمقدار 7 نقاط أساس.

وسلّط البنك الضوء على عدد من التهديدات الأخرى، مثل تزايد الهجمات الإلكترونية، وتركّز الاستثمارات في الأسواق الخاصة دون رقابة تنظيمية كافية، بالإضافة إلى تنامي الروابط -وإن كانت لا تزال ضعيفة- بين الأصول المشفّرة والقطاع المالي التقليدي.

كما نبّه دي غيندوس إلى أن الهدوء الظاهر في الأسواق الأوروبية قد يكون خادعاً، محذراً من حالة «الرضا الزائد عن النفس» التي تطغى على المستثمرين، ولا سيما فيما يتعلّق بارتفاع مستويات الديون.

وقال: «الوضع الراهن قد لا يدوم طويلاً، والأسواق ستُجبر قريباً على إعادة النظر في استدامة الأوضاع المالية، وهو ما قد يقود إلى تصحيحات مؤلمة إذا ما تراجعت الثقة».