منذ أن شرعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إعادة رسم ملامح السياسة التجارية للولايات المتحدة عبر موجات متصاعدة من الرسوم الجمركية، تصدّرت هذه الإجراءات عناوين النقاش الاقتصادي العالمي، لما لها من انعكاسات مباشرة على سلاسل الإمداد والتجارة الدولية. ففي أبريل (نيسان)، أعلنت واشنطن فرض رسوم جمركية متبادلة على غالبية شركائها التجاريين، شملت طيفاً واسعاً من المنتجات الاستهلاكية، بدءاً من الإلكترونيات والملابس وصولاً إلى السلع الفاخرة.
تمرير التكلفة إلى المستهلك هو السيناريو الأرجح
وبعيداً عن التوترات الجيوسياسية التي أثارتها هذه السياسات، يبرز التأثير الأشد في الداخل الأميركي، حيث يُتوقع أن تُترجم هذه الإجراءات إلى زيادات فعلية في الأسعار، مهددة بذلك إحدى ركائز النمو الاقتصادي الأميركي الأساسية: الاستهلاك المحلي.
الرسوم المفروضة، والتي تتراوح بين 10 في المائة و50 في المائة على سلع مستوردة من دول متعددة، مرشحة للتسبب إما في ارتفاع مباشر في الأسعار النهائية للمستهلك، أو في تقليص هوامش أرباح الشركات، أو في مزيج من كلا التأثيرين. ونظراً لكون معظم هذه السلع لا يُنتج محلياً بكميات كافية لسد الطلب، فإن تمرير تكلفة الرسوم إلى المستهلك يبدو الخيار الأكثر ترجيحاً.
الإنفوغرافيك المرفق يُظهر كيف يمكن أن تؤثر هذه الرسوم الجمركية على أسعار السلع المستوردة في السوق الأميركية، ويستعرض ثلاثة سيناريوهات محتملة: تمرير كامل الرسوم إلى المستهلك، تمرير نصفها، امتصاصها كلياً من قبل الشركات، مع توضيح نسبة الرسوم المفروضة على كل سلعة.
- قبعة مستوردة من بريطانيا (الرسوم 10 في المائة):
سعرها من دون الرسوم هو 99.95 دولار، وإذا تم تمرير نصف الرسوم تصبح 104.95 دولار، بينما إذا تم تمريرها كاملة يصل إلى 109.95 دولار.
- نظارات شمسية مستوردة من إيطاليا (الرسوم 20 في المائة):
سعرها من دون رسوم 374 دولاراً، وإذا تم تمرير نصف الرسوم تصبح 411.40 دولار، أما مع تمرير الرسوم بالكامل فترتفع إلى 448.80 دولار.
- قميص مستورد من بنغلاديش (الرسوم الجمركية 37 في المائة):
سعره من دون رسوم 49.99 دولار، وإذا تم تمرير نصف الرسوم يصبح 52.24 دولار، أما مع تمريرها بالكامل فالسعر يبلغ 68.49 دولار.
- ساعة فاخرة مستوردة من سويسرا (الرسوم الجمركية 31 في المائة):
سعرها من دون الرسوم 3350 دولاراً، وإذا تم تمرير نصف الرسوم تصبح 3869.25 دولار، ومع تمرير كامل الرسوم يرتفع السعر إلى 4388.50 دولار.
- هاتف ذكي مستورد من كوريا الجنوبية (الرسوم الجمركية 25 في المائة):
سعره الأصلي 2019.99 دولار، ومع تمرير نصف الرسوم يصل إلى 2272.49 دولار، أما مع تمريرها بالكامل فالسعر يصبح 2524.99 دولار.
- ساعة منخفضة التكلفة مستوردة من سويسرا (الرسوم الجمركية 31 في المائة):
سعرها من دون رسوم 165 دولاراً، ومع تمرير نصف الرسوم تصبح 190.58 دولار، أما مع تمريرها بالكامل فترتفع إلى 216.15 دولار.
- بنطال جينز مستورد من الصين (الرسوم الجمركية 34 في المائة):
السعر دون رسوم هو 48.65 دولار، وإذا تم تمرير نصف الرسوم يصبح 56.92 دولار، أما مع تمريرها بالكامل فالسعر يصل إلى 65.19 دولار.
- حاسوب محمول مستورد من تايوان (الرسوم الجمركية 32 في المائة):
سعره الأصلي 1499.99 دولار، وإذا تم تمرير نصف الرسوم يصبح 1739.99 دولار، أما مع تمرير كامل الرسوم فيصل إلى 1979.99 دولار.
- بنطال جينز مستورد من ليسوتو (الرسوم الجمركية 50 في المائة):
سعره من دون رسوم 99.99 دولار، ومع تمرير نصف الرسوم يبلغ 124.99 دولار، وإذا تم تمرير الرسوم بالكامل يصبح 149.99 دولار.
- حقيبة مستوردة من الصين (الرسوم الجمركية 34 في المائة):
يبلغ سعرها من دون الرسوم 346.87 دولار، ومع تمرير نصف الرسوم يصبح 405.84 دولار، وإذا تم تمرير كامل الرسوم فالسعر يصل إلى 464.84 دولار.
- حذاء رياضي مستورد من فيتنام (الرسوم الجمركية 46 في المائة):
السعر الأصلي 115 دولاراً، ومع تمرير نصف الرسوم يصبح 141.45 دولار، أما مع تمرير كامل الرسوم فالسعر يصل إلى 167.90 دولار.
ضغوط تضخمية وتآكل ثقة
ما يُضاعف من أثر هذه الزيادات أنها لا تقابلها زيادات مماثلة في الدخل أو الإنتاج المحلي، ما يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للمستهلكين. ورغم أن البعض قد يُسرع الشراء تحسباً لارتفاعات قادمة، فإن هذا الأثر سيكون مؤقتاً، ليُستتبع لاحقاً بتباطؤ ملحوظ في نمو الاستهلاك، وهو ما بدأت تظهر بوادره في توقعات عام 2026.
إلى جانب ذلك، تُواجه السياسة النقدية الأميركية تحديات إضافية، إذ إن التضخم الناتج عن ارتفاع التكاليف - وليس نتيجة نشاط اقتصادي متسارع - يُقيد قدرة «الاحتياطي الفيدرالي» على خفض أسعار الفائدة، رغم المؤشرات التي تدل على تباطؤ النمو. وقد يدفع هذا الواقع «الفيدرالي» إلى تبنّي نهج أكثر حذراً، بما يرفع احتمالات الدخول في مرحلة «ركود تضخمي».
يُضاف إلى ذلك أن الضبابية المحيطة بمستقبل السياسة التجارية بدأت تُلقي بظلالها على ثقة المستهلكين والشركات، وهو ما انعكس في تراجع مؤشرات الأسهم الرئيسية وضعف أداء الدولار منذ مطلع عام 2025. وتشير هذه المؤشرات إلى أن تكلفة السياسات الحمائية لن تكون محصورة بالخارج، بل ستمتد بتأثير مباشر إلى الداخل الأميركي.
وتُظهر التجارب أن الرسوم الجمركية، رغم أنها تُستخدم أداة ضغط في المفاوضات التجارية، تنطوي على تكلفة اقتصادية داخلية ملموسة، لا سيما عندما تُطبّق بشكل مفاجئ وعلى نطاق واسع. ومع دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة من التضخم المرتفع غير المدعوم بتحسن الإنتاجية أو الأجور، فإن المستهلك سيكون المتضرر الأول، بينما يُلقى على عاتق صانعي السياسات النقدية والمالية عبء التعامل مع هذه التداعيات، ليس فقط على صعيد الأسعار، بل على مستوى ثقة المواطن في استقرار الاقتصاد الأميركي ذاته.