غورغييفا: الاقتصاد العالمي يواجه اختبار مرونة جديداً وسط تحولات جذرية

الرسوم الجمركية وصلت إلى مستويات تاريخية

كريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد الدولي خلال مؤتمر «ميلكن» العالمي 2024 في بيفرلي هيلز بكاليفورنيا (رويترز)
كريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد الدولي خلال مؤتمر «ميلكن» العالمي 2024 في بيفرلي هيلز بكاليفورنيا (رويترز)
TT

غورغييفا: الاقتصاد العالمي يواجه اختبار مرونة جديداً وسط تحولات جذرية

كريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد الدولي خلال مؤتمر «ميلكن» العالمي 2024 في بيفرلي هيلز بكاليفورنيا (رويترز)
كريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد الدولي خلال مؤتمر «ميلكن» العالمي 2024 في بيفرلي هيلز بكاليفورنيا (رويترز)

قالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، إن الاقتصاد العالمي يواجه اختباراً جديداً لمرونته وسط تحولات جوهرية تُعيد تشكيل النظام التجاري وتصاعد حالة عدم اليقين.

وذكّرت غورغييفا في كلمة لها قبل افتتاح اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، بما كانت قد طرحته قبل ستة أشهر في الموقع ذاته حول تباطؤ النمو وارتفاع مستويات الدين، مقابل وجود عوامل صمود بفضل أساسيات قوية وسياسات مرنة. وأضافت: «مع تصاعد التوترات التجارية، تراجعت الأسواق رغم بقاء التقييمات مرتفعة، ما يُظهر أننا نعيش في عالم متقلب.

اقتصاد أكثر توازناً لا يزال ممكناً، لكن يتطلب تحركاً واعياً».

ودعت في كلمتها إلى النظر في هذه القضية من خلال ثلاثة أسئلة محورية:

الجزء الأول: ما السياق؟

قالت غورغييفا إن التوترات التجارية العالمية وصلت إلى نقطة الغليان نتيجة تآكل الثقة في النظام الدولي والثقة المتبادلة بين الدول. وأوضحت أن النظام التجاري العالمي يشهد اختلالات واضحة، حيث تراجع الاتجاه نحو خفض الرسوم الجمركية في العقدين الأخيرين، مما يعكس عودة إلى السياسات الحمائية. وأضافت أن هناك زيادة في فرض الحواجز غير الجمركية، مما يعكس تحولاً من التبادل الحر إلى سياسات تدخلية تقيد التجارة.

وأكدت أن هذا الشعور بانعدام العدالة يغذي التوترات التجارية، خصوصاً في ظل اختلالات الميزان التجاري.

كما أن اعتبارات الأمن القومي قد حولت مكان التصنيع إلى عنصر محوري في تحديد الأولويات الاقتصادية، مما يعزز من أهمية التصنيع المحلي للسلع الاستراتيجية. وأشارت إلى أن هذه التحولات تؤدي إلى حالة من عدم اليقين، حيث يُعطى القطاع الصناعي الأولوية على الخدمات، وتغلب المصالح الوطنية على التعاون الدولي.

الجزء الثاني: ما العواقب؟

عدّت غورغييفا أن الرسوم الجمركية الفعلية في الولايات المتحدة وصلت إلى مستويات تاريخية، ما أثر بشكل كبير على الاقتصادات الكبرى، وأدى إلى تصعيد ردود الفعل من دول أخرى. وبالنسبة للاقتصادات الصغيرة، فإن تشديد الأوضاع المالية يجعلها أكثر عرضة للمخاطر التجارية، بينما تواجه الدول منخفضة الدخل تحديات إضافية بسبب تراجع المساعدات الخارجية.

كما أن حالة عدم اليقين الناجمة عن هذه التوترات تزيد التكاليف، إذ يصعب وضع خطط واضحة في ظل تغير الرسوم الجمركية بشكل مفاجئ.

وأضافت أن الحواجز التجارية تقوض النمو بشكل مباشر من خلال زيادة تكاليف المدخلات، وهو ما يؤثر على الأنشطة الاقتصادية. وعدت أن الحمائية تضعف الإنتاجية على المدى الطويل، خصوصاً في الاقتصادات الصغيرة، حيث تضعف المنافسة والابتكار.

الجزء الأخير: ماذا يمكن للدول أن تفعل؟

في عالم يتسم بازدياد عدم اليقين وتكرار الأزمات، يجب على الدول تسريع الإصلاحات الداخلية لتعزيز استقرارها الاقتصادي والمالي وتحقيق إمكانات نمو أكبر. وبحسب غورغييفا، يواجه كثير من الاقتصادات تحديات جديدة، منها ارتفاع مستويات الدين العام، ما يستدعي اتخاذ إجراءات مالية حازمة لتحديد مسارات تدريجية للتكيف، مع التركيز على استدامة الأسعار واستقلالية البنوك المركزية.

كما يجب على الدول العمل على تحسين السياسات الاقتصادية مع تعزيز القدرة على النمو من خلال إصلاحات طموحة في القطاع المصرفي وأسواق رأس المال، والتخلص من الحواجز أمام المشاريع الخاصة والابتكار. وعلى الدول المتقدمة أيضاً أن تسهم في استقرار الاقتصاد العالمي عبر تعزيز التعاون التجاري وفتح أسواقها، مع التركيز على تقليص الفوارق بين الاقتصادات الكبيرة والصغيرة.

سياسات موجهة لتعزيز التوازن والمرونة

قالت غورغييفا إن جميع الدول تستطيع أن تبني سياسات تعزز التوازنات الداخلية والخارجية، وتدعم المرونة الاقتصادية، وتحسن رفاهية الشعوب. وركزت على ثلاث جهات رئيسية:

1. الصين: يجب تحفيز الاستهلاك الخاص من خلال تقليص التدخل الحكومي في القطاع الصناعي، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، وتقديم دعم مالي حاسم لمعالجة مواطن الضعف لقطاع العقارات.

2. الاتحاد الأوروبي: يشمل التوسع المالي في ألمانيا، خصوصاً في الدفاع والبنية التحتية، بالإضافة إلى تعزيز القدرة التنافسية من خلال تعميق السوق الموحدة، واستكمال الاتحاد المصرفي، وإنشاء اتحاد سوق رأس المال، وإزالة القيود المفروضة على التجارة الداخلية في قطاع الخدمات.

3. الولايات المتحدة: التحدي الرئيس هو خفض الدين الفيدرالي عبر تقليص العجز من خلال إصلاحات هيكلية في الإنفاق، ما يعزز مرونة الاقتصاد واستدامته.

أما على المستوى العالمي، فينبغي أن تركز السياسات على تعزيز التعاون بين الدول الكبرى للحفاظ على انفتاح النظام التجاري العالمي، مع تقليص الحواجز الجمركية وغير الجمركية. وتهدف هذه الجهود إلى بناء اقتصاد عالمي أكثر مرونة، يتكيف مع الصدمات المتكررة، مع التركيز على دعم الفئات المتضررة من التغيرات الاقتصادية.


مقالات ذات صلة

صناديق الأسهم العالمية تسجل أكبر نزوح أسبوعي في 6 أسابيع

الاقتصاد متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في نيويورك (أ.ف.ب)

صناديق الأسهم العالمية تسجل أكبر نزوح أسبوعي في 6 أسابيع

سجّلت صناديق الأسهم العالمية أكبر تدفقات خارجة أسبوعية لها في ستة أسابيع، وذلك في ظل تصاعد عوائد سندات الخزانة الأميركية وتنامي المخاوف بشأن عبء الدين العام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد مؤشر الأسهم الألماني «داكس» في بورصة فرانكفورت (رويترز)

«نطير في الظلام»... المستثمرون العالميون يواجهون تحديات غير مسبوقة

يعترف المستثمرون العالميون بأنهم «يطيرون في الظلام» وسط أسواق مضطربة بفعل تصريحات تجارية متقلبة من الولايات المتحدة وتنبؤات اقتصادية فوضوية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد نساء يزرن جناحاً خلال المعرض الدولي الثالث والعشرين للذهب والمجوهرات في أرض المعارض الدولية بالكويت (أ.ف.ب)

الذهب يسجّل أعلى مستوى بأسبوعين مع حذر المستثمرين إزاء مخاوف الديون الأميركية

ارتفعت أسعار الذهب إلى أعلى مستوى في أسبوعين يوم الخميس، مع توجه المستثمرين نحو الملاذ الآمن، وسط مخاوف متزايدة بشأن تنامي ديون الحكومة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ناقلة النفط الخام فلاديمير مونوماخ التي تحمل العلم الروسي والتابعة لشركة «روسنفت» تعبر مضيق البوسفور في إسطنبول (أرشيفية - رويترز)

النفط شبه مستقر في ظل استمرار حذر المستثمرين مع ترقب لمحادثات إيران وأميركا

لم تشهد أسعار النفط تغيراً يُذكر يوم الخميس، إذ ظلّ المستثمرون حذرين، مُركزين على تجدد المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد مدينة بانف في وادي بوه حيث سيُعقد اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لـ«مجموعة السبع»... (موقع المجموعة على إكس)

«رسوم ترمب» و«التباطؤ الاقتصادي» يهيمنان على اجتماعات «مجموعة السبع» في كندا

خيّمت «مخاوف التباطؤ الاقتصادي» و«التضخم» و«حرب رسوم ترمب الجمركية» على اجتماعات وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لـ«مجموعة السبع» في بانف بكندا.

هبة القدسي (واشنطن)

صندوق النقد الدولي يجري المراجعة التمويلية لباكستان في النصف الثاني من العام

متسوقون يشترون المكسرات المجففة بإحدى الأسواق في كراتشي (رويترز)
متسوقون يشترون المكسرات المجففة بإحدى الأسواق في كراتشي (رويترز)
TT

صندوق النقد الدولي يجري المراجعة التمويلية لباكستان في النصف الثاني من العام

متسوقون يشترون المكسرات المجففة بإحدى الأسواق في كراتشي (رويترز)
متسوقون يشترون المكسرات المجففة بإحدى الأسواق في كراتشي (رويترز)

أكدت باكستان مجدداً التزامها بتعزيز أوضاع المالية العامة، بينما أعلن صندوق النقد الدولي إجراء مراجعته التمويلية التالية للبلاد، خلال النصف الثاني من العام الجاري.

وقال الصندوق في بيان، السبت، إن السلطات الباكستانية تهدف إلى تحقيق فائض أولي بنسبة 1.6 في المائة في إجمالي الناتج المحلي، خلال السنة المالية 2026، وفق «بلومبرغ».

وأضاف الصندوق، في البيان الصادر عقب زيارة وفد لإسلام آباد: «لا يزال الحفاظ على سياسة نقدية متشددة على نحو مناسب، وتعتمد على البيانات، أولوية لضمان تثبيت معدل التضخم في النطاق الذي يستهدفه البنك المركزي الباكستاني على المدى المتوسط، بما يتراوح بين 5 و7 في المائة».

ووافق المجلس التنفيذي للصندوق في وقت سابق من الشهر الجاري على تقديم قرض لباكستان بقيمة نحو مليار دولار.

ويأتي القرض -وهو ضروري كي تتمكن باكستان من تعزيز احتياطي النقد الأجنبي لديها ودعم اقتصادها الهش- رغم معارضة الهند، في ظل التوتر السائد على الحدود بين الدولتين.

وشدد صندوق النقد الدولي شروط القرض المقدم لباكستان من أجل عمليات التمويل المستقبلي، وحذَّر من المخاطر التي يتعرض لها اقتصاد البلاد، جرَّاء سياسات الرسوم الجمركية الأميركية، وتصاعد حدة التوتر مع الهند.

وقال الصندوق إن المناقشات مع إسلام آباد ركزت على إجراءات تعزيز الإيرادات وتحديد أولويات الإنفاق، مضيفاً أنهما سوف يواصلان المحادثات عبر الموقع الإلكتروني خلال الأيام المقبلة، من أجل التوصل إلى «اتفاق» بشأن الموازنة العامة للبلاد.

كما ناقش الصندوق وباكستان الإصلاحات الهيكلية التي تهدف إلى تطوير مجال أكثر ملاءمة للأعمال والاستثمار.

وأوضح الصندوق أن إعادة تكوين احتياطي النقد الأجنبي في باكستان، والحفاظ على سوق للنقد الأجنبي، يعمل بشكل كامل، مع السماح بمرونة أكبر في سعر الصرف، كل ذلك يشكل أمراً بالغ الأهمية لتعزيز القدرة على الصمود أمام الصدمات الخارجية التي تتعرض لها البلاد.