حثّ الرئيس الصيني شي جينبينغ، في اجتماعٍ ضمّ رؤساء تنفيذيين من الشركات متعددة الجنسيات، يوم الجمعة، على حماية الصناعة العالمية وسلاسل التوريد، في الوقت الذي تسعى فيه بكين إلى تهدئة مخاوف الشركات الأجنبية بشأن صحة الاقتصاد الصيني وسط تهديدات بفرض مزيد من الرسوم الجمركية الأميركية.
وتسعى بكين جاهدةً لتبديد المخاوف من أن تجدد الحرب التجارية مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيزيد من تقليص نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الذي يكافح للتعافي منذ الجائحة. كما أن القلق المستمر إزاء تشديد اللوائح الصينية، والحملات المفاجئة على الشركات الأجنبية، وعدم تكافؤ الفرص لصالح الشركات الصينية المملوكة للدولة، كلها عوامل تُضعف ثقة الشركات.
وقال شي لقادة الأعمال، ومن بينهم رؤساء شركات «أسترازينيكا»، و«فيديكس»، و«أرامكو السعودية»، و«ستاندرد تشارترد»، و«تويوتا»: «علينا العمل معاً للحفاظ على استقرار الصناعة العالمية وسلاسل التوريد، وهو ضمان مهم للتنمية السليمة للاقتصاد العالمي».
وانضم نحو 40 مديراً تنفيذياً إلى الاجتماع، مثّل معظمهم قطاع الأدوية. وقال مصدر مطلع على خطط الاجتماع إن الاجتماع استمرَّ لأكثر من 90 دقيقة بقليل، ودُعيت 7 شركات للتحدث.
وقال شون شتاين، رئيس مجلس الأعمال الأميركي - الصيني، وهو أحد الحاضرين في الاجتماع: «لقد شعر الرؤساء التنفيذيون الذين تحدَّثت معهم، وتحدَّثت مع كثير منهم، بأن الأمر يستحق العناء». وأضاف: «لم يكتفِ الرئيس بالاعتراف بالتحديات المختلفة التي تواجه الشركات والصناعة، بل تعهد في كثير من الحالات باتخاذ الحكومة إجراءات».
وجلس المسؤولون التنفيذيون في تشكيل حدوة حصان، حيث جلس الرئيس التنفيذي لشركة «مرسيدس-بنز» أولا كالينيوس، وراج سوبرامانيام من «فيديكس»، مباشرةً أمام شي. كما جلس في الصف الأول الرئيس التنفيذي لبنك «إتش إس بي سي» جورج الحديري، والرئيس التنفيذي لشركة «إس كيه هاينكس» كواك نوه جونغ، والرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو السعودية»، أمين الناصر، ورئيس مجلس إدارة شركة «هيتاشي»، توشياكي هيغاشيهارا.
وصرَّح فرنك بورنوا، نائب الرئيس وعميد كلية الأعمال الدولية الصينية الأوروبية في شنغهاي: «يُمثل هذا الاجتماع مثالاً واضحاً على دبلوماسية الأعمال. فالآن لا يقتصر الأمر على الحوار بين الهيئات، وكيانات منظمة التجارة العالمية، والدول، بل يشمل أيضاً دبلوماسية تقودها شركات لا تُمثل نفسها فحسب، بل تُمثل قطاعاتها أيضاً»، مُضيفاً أن نجاحه سيعتمد على الأفعال المستقبلية وليس مجرد الأقوال.
وازدادت وتيرة الاجتماعات بين المسؤولين التنفيذيين الأجانب والمسؤولين الصينيين رفيعي المستوى خلال الشهر الماضي، بعد أن أظهرت البيانات الرسمية انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 27.1 في المائة على أساس سنوي بالعملة المحلية في عام 2024. ويُمثل ذلك أكبر انخفاض في الاستثمار الأجنبي المباشر منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وقال شي: «تسهم الشركات الأجنبية بثلث واردات وصادرات الصين، ورُبع القيمة المضافة الصناعية، وسُبع عائدات الضرائب، مما يخلق أكثر من 30 مليون وظيفة». وأضاف: «في السنوات الأخيرة، تأثر الاستثمار الأجنبي في الصين أيضاً بعوامل جيوسياسية... وكثيراً ما أقول إن إطفاء أضواء الآخرين لا يزيدك إشراقاً».
وأكد شي أن «الصين كانت دائماً وستظل بالتأكيد وجهةً استثماريةً مثاليةً وآمنةً وواعدةً للمستثمرين الأجانب». وما زالت الصين مصدراً رئيسياً للمنتجات إلى دول العالم، وتفخر بسوق محلية تضم 1.4 مليار نسمة. غير أن الإفراط في البناء في قطاع العقارات قد قيَّد تريليونات الدولارات من رؤوس الأموال، مما أضعف ثقة الشركات والمستهلكين وحرم الاقتصاد من حيويته السابقة، بينما تفاقم حرب الرسوم الجمركية التي تشنها الولايات المتحدة هذه المشكلات.
وتحمَّلت الشركات الخاصة، التي توفر حصةً كبيرةً من النمو والوظائف في اقتصاد البلاد الذي تهمين عليه الدولة، كثيراً من العبء بعد سنوات من الحملات التنظيمية الصارمة التي هزَّت ثقة رواد الأعمال والمستثمرين الآخرين.
وجدَّد ترمب حربه التجارية مع الصين منذ توليه منصبه، وأعلن موجة جديدة من التعريفات الجمركية «المتبادلة» ستدخل حيز التنفيذ في 2 أبريل (نيسان)، مستهدفاً الدول التي تفرض حواجز تجارية على المنتجات الأميركية، التي قد تشمل الصين. وفرض ترمب رسوماً جمركية بنسبة 20 في المائة على الصادرات الصينية هذا الشهر، مما دفع الصين للرد بفرض رسوم إضافية على المنتجات الزراعية الأميركية.
وقال شي في الاجتماع: «إن جوهر العلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية - الأميركية هو تحقيق المنفعة المتبادلة، والفوز المشترك».
وكان الزعيم الصيني قد خصَّ قادة الأعمال الأميركيين بلقاء خاص العام الماضي بعد منتدى التنمية الصيني، لكن شتاين، من مجلس الأعمال الأميركي - الصيني، قال إنه من غير المرجح أن تصبح مثل هذه الاجتماعات جزءاً لا يتجزأ من قمة الأعمال السنوية، التي عُقدت هذا العام يومَي 23 و24 مارس (آذار)، موضحاً أن «رسالة الصين هي أنها ليست حدثاً سنوياً، وأنه لا ينبغي للشركات أن تتوقع ذلك».