«ديب سيك» ينافس بقوة... سعر أقل واعتماد زائد ومخاوف تنظيمية في أوروبا

تطبيق «ديب سيك» في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
تطبيق «ديب سيك» في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
TT

«ديب سيك» ينافس بقوة... سعر أقل واعتماد زائد ومخاوف تنظيمية في أوروبا

تطبيق «ديب سيك» في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
تطبيق «ديب سيك» في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

في تحول بارز في مجال الذكاء الاصطناعي، كان هيمانث مانداباتي، رئيس شركة «نوفا إيه آي» الألمانية الناشئة، من أوائل المتبنين لنموذج الذكاء الاصطناعي الصيني «ديب سيك»، متجاوزاً بذلك «تشات جي بي تي» التابع لشركة «أوبن إيه آي».

ووفقاً لمانداباتي، كانت عملية الانتقال إلى «ديب سيك» سلسة للغاية ولم تستغرق سوى دقائق، مما يعكس مرونة نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة، وقدرة الشركات على التنقل بينها بسلاسة، وفق «رويترز».

وفي مقابلة على هامش مؤتمر «غو ويست» لرأس المال الاستثماري في غوتنبرغ بالسويد، أوضح مانداباتي أن تكلفة «ديب سيك» أقل بخمس مرات مقارنة بالنماذج الأخرى، قائلاً: «أنا أوفر كثيراً من المال، دون أن يلاحظ المستخدمون أي فرق في الأداء». ويؤكد عدد من المستثمرين والتنفيذيين أن هذا التحول قد يدفع الشركات الكبرى لتحسين نماذجها وتقليص الأسعار، مما يعيد تشكيل خريطة المنافسة في هذا القطاع سريع النمو.

التكلفة مقابل الكفاءة

لطالما واجهت الشركات الناشئة في أوروبا تحديات في تبني التقنيات الحديثة بسرعة الشركات الأميركية نفسها، التي تتمتع بمرونة أكبر في الوصول إلى التمويل. إلا أن ظهور «ديب سيك» قد يغير قواعد اللعبة، وفقاً للمسؤولين التنفيذيين في القطاع. يقول سينا ريغال، كبير مسؤولي التجارة في شركة «نت مايند دوت إيه آي» البريطانية: «هذا التطور يمثل خطوة مهمة نحو إضفاء الطابع الديمقراطي على الذكاء الاصطناعي، مما يمنح الشركات الناشئة فرصاً أكثر عدالة لمنافسة عمالقة التكنولوجيا».

ويشير تقرير صادر عن «بيرنشتاين» إلى أن أسعار «ديب سيك» أرخص بنحو 20 إلى 40 مرة مقارنة بالنماذج المكافئة من «أوبن إيه آي». على سبيل المثال، تتقاضى «أوبن إيه آي» 2.5 دولار لكل مليون رمز إدخال، بينما تقدم «ديب سيك» الخدمة مقابل 0.014 دولار فقط، مما يجعلها خياراً جذاباً للشركات التي تسعى إلى تقليص تكاليفها التشغيلية.

مخاوف تنظيمية وتساؤلات حول شفافية النموذج

على الرغم من نجاح «ديب سيك» السريع، فقد أثار بعض المخاوف التنظيمية في أوروبا، حيث يخضع للتحقيقات المتعلقة بإمكانية نسخ بيانات «أوبن إيه آي» أو مراقبة الإجابات لتجنب محتوى قد يُسيء تصوير الصين. يقول سانغوت مالحي، الشريك في شركة «نورث زون» لرأس المال الاستثماري: «بينما يصعب التنبؤ بمستقبل (ديب سيك)، فإن تأثيرها الهيكلي على الصناعة يبدو واسع النطاق بالفعل».

التفاوت في الاستثمارات

تشير بيانات «بيتشبوك» إلى أن الاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة بلغ 100 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بنحو 15.8 مليار دولار فقط في أوروبا. على سبيل المثال، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 22 يناير (كانون الثاني) 2025 عن إطلاق مشروع ذكاء اصطناعي ضخم بقيمة 500 مليار دولار تحت اسم «ستارغيت»، وهو مشروع مشترك تدعمه «أوبن إيه آي»، و«سوفت بنك»، و«أوراكل». في المقابل، لا تزال أوروبا متأخرة في هذا السباق، حيث تعد شركة «ميسترال» الفرنسية الاستثناء الوحيد بين الشركات الأوروبية في قائمة أفضل النماذج الأساسية التي تهيمن عليها «أوبن إيه آي»، و«ميتا»، و«أنثروبيك»، و«غوغل».

وفي هذا السياق، برزت «ديب سيك» بعد إعلانها في ورقة بحثية الشهر الماضي أن تدريب نموذجها «ديب سيك في 3» تطلب أقل من 6 ملايين دولار من قوة الحوسبة باستخدام شرائح «إنفيديا إتش 800»، ليصبح التطبيق الأعلى تصنيفاً في متجر تطبيقات «أبل»، ما يعكس إقبالاً زائداً على تقنياتها.

حرب الأسعار تشتعل

مع دخول «ديب سيك» إلى المشهد يبدو أن حرب الأسعار في الذكاء الاصطناعي قد بدأت بالفعل. في خطوة غير مسبوقة، أعلنت «مايكروسوفت» الأسبوع الماضي عن إتاحة نموذج الاستدلال «أو 1» الخاص بـ«أوبن إيه آي» لجميع مستخدمي «كوبايلوت» مجاناً، بعدما كان يتطلب اشتراكاً شهرياً بقيمة 20 دولاراً.

يقول يواكيم شيلد من «سكيل كابيتال»: «أسعار الذكاء الاصطناعي في انخفاض، مما يعني أن المستقبل قد يتجه نحو الشفافية، حيث تصبح النماذج مفتوحة المصدر الخيار الأكثر جاذبية، حتى وإن كانت من الصين».

التحديات المستقبلية

على الرغم من هذه التغيرات، فلا تزال الشركات الكبرى، مثل «نوكيا» الفنلندية، و«ساب» الألمانية، أكثر تحفظاً بشأن اعتماد نماذج جديدة. ويؤكد ألكساندرو فويكا، رئيس الشركات في «سينثيزيا» البريطانية، التي تقدر قيمتها حالياً بـ2.1 مليار دولار: «التكلفة ليست العامل الوحيد. يجب أخذ عدة عوامل في الاعتبار، مثل شهادات الأمان، والأطر التنظيمية، والنظام البيئي البرمجي الذي يسمح للشركات بالتكامل مع هذه المنصات».

وفي ظل هذا التحول السريع، يبدو أن المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي ستشهد إعادة تشكيل للقوى الفاعلة، حيث تصبح العوامل الرئيسة مثل السعر، والأمان، والشفافية في غاية الأهمية لتحديد الفائزين في المستقبل الرقمي.


مقالات ذات صلة

ما أفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي على الهواتف الذكية؟

تكنولوجيا شهدت تطبيقات الذكاء الاصطناعي قفزة هائلة في السنوات الأخيرة (رويترز)

ما أفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي على الهواتف الذكية؟

شهدت تطبيقات الذكاء الاصطناعي قفزة هائلة في السنوات الأخيرة، فبعد أن كانت مقتصرة على أجهزة الحاسوب المكتبي عام 2022، أصبحت اليوم جزءاً أساسياً من تجربة الهواتف.

شادي عبد الساتر (بيروت)
تكنولوجيا يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورةً جذرية في القطاع الطبي (رويترز)

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدث ثورة بالمجالات الطبية؟

يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورةً جذرية بالقطاع الطبي ويغطي في مجال الرعاية الصحية نطاقاً واسعاً من التطبيقات.

إبراهيم محمود (القاهرة)
تكنولوجيا انتشر الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة بشكل سريع وكبير وبات يُشكل جزءاً رئيسياً من حياتنا اليومية (أ.ف.ب)

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يغير حياتنا؟

انتشر الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة بشكل سريع وقوي بين الناس، وبات يُشكل جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية.

تمارا جمال الدين (بيروت)
تكنولوجيا يلجأ الكثير من الأشخاص في عالمنا اليوم إلى أدوات الذكاء الاصطناعي لتعلّم مهارات جديدة (أ.ف.ب)

هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يتعلم أشياء جديدة؟

يعتقد العديد من المستخدمين أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تعرف كل شيء بالفعل، ولا تُخطئ بأي معلومات، ولديها القدرة على التعلّم المستمر.

تمارا جمال الدين (بيروت)
تكنولوجيا أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وشيئاً فشئياً، غيّر الذكاء الاصطناعي طريقة عملنا وتواصلنا مع العالم من حولنا (أ.ف.ب)

تحولات الذكاء الاصطناعي: مخاطر وفوائد هذه التقنية سريعة التطور

سرعان ما أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وشيئاً فشئياً، غيَّر الذكاء الاصطناعي طريقة عملنا وتواصلنا مع العالم من حولنا.

لينا صالح (بيروت)

للمرة الأولى في تاريخها... «بتكوين» تتجاوز حاجز الـ120 ألف دولار

صورة لعملة «بتكوين» (أ.ب)
صورة لعملة «بتكوين» (أ.ب)
TT

للمرة الأولى في تاريخها... «بتكوين» تتجاوز حاجز الـ120 ألف دولار

صورة لعملة «بتكوين» (أ.ب)
صورة لعملة «بتكوين» (أ.ب)

سجلت «بتكوين» مستوى جديداً غير مسبوق اليوم (الاثنين) حيث تجاوزت 120 ألف دولار للمرة الأولى، في مؤشر على زيادة الثقة والاستثمار في أكبر عملة مشفرة في العالم وسط توقعات المستثمرين بتحقيق مكاسب سياسية طال انتظارها للصناعة هذا الأسبوع.

ويبدأ مجلس النواب الأميركي اليوم مناقشة سلسلة من القوانين لتوفير الإطار التنظيمي لصناعة الأصول الرقمية، وهو مطلب طال انتظاره من قبل الشركات والمستثمرين في القطاع.

ولاقت هذه المطالب صدى لدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي يصف نفسه بأنه «رئيس العملات المشفرة»، وحثَّ صانعي السياسات على تحديث القواعد بما يخدم القطاع.

وشهدت «بتكوين» ارتفاعاً بنسبة 29 في المائة هذا العام حتى الآن، مما أثار انتعاشاً أوسع في العملات المشفرة الأخرى خلال الأسابيع الماضية على الرغم من التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب، وأثارت الكثير من الفوضى.

أما «إيثر»، ثاني أكبر العملات المشفرة في العالم، فقد قفزت أيضاً إلى أعلى مستوى لها خلال أكثر من خمسة أشهر عند 3048.23 دولار، ووصلت في أحدث التداول إلى 3036.24 دولار، وفق ما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء.

ووصلت القيمة السوقية الإجمالية للقطاع إلى نحو 3.78 تريليون دولار، حسب بيانات موقع «كوين ماركت كاب» المتخصص في تتبع سوق العملات الرقمية.