ارتفاع تكاليف الطاقة تضغط على الاقتصاد الألماني في 2025

نموذج خط أنابيب الغاز الطبيعي والعَلم الألماني (رويترز)
نموذج خط أنابيب الغاز الطبيعي والعَلم الألماني (رويترز)
TT

ارتفاع تكاليف الطاقة تضغط على الاقتصاد الألماني في 2025

نموذج خط أنابيب الغاز الطبيعي والعَلم الألماني (رويترز)
نموذج خط أنابيب الغاز الطبيعي والعَلم الألماني (رويترز)

يواجه الاقتصاد الألماني، الذي تأخر عن نظيره في السنوات الأخيرة، سلسلة من التحديات في عام 2025، تشمل أسعار الطاقة المرتفعة وحالة من عدم اليقين التجاري مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى المنافسة المتزايدة من الصين. في هذا السياق، ستوفر الانتخابات المقررة في فبراير (شباط) فرصة للتعامل مع هذه الصعوبات.

ومن المتوقع أن ينمو أكبر اقتصاد في أوروبا بنسبة 0.3 في المائة في عام 2025، وهو أقل من التوقعات لمنطقة اليورو التي تقدر بنسبة 0.8 في المائة وللمملكة المتحدة بنسبة 1.2 في المائة، وفقاً لتقديرات «غولدمان ساكس». ومن الجدير بالذكر أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل حسب التضخم) للبلاد لم يشهد تغيراً منذ الربع الرابع من عام 2019.

فما هي التحديات الرئيسة التي يواجهها الاقتصاد الألماني:

1. أزمة الطاقة

أثرت أزمة الطاقة بشكل كبير على ألمانيا، ويرجع ذلك إلى الاعتماد الكبير للبلاد على الغاز الروسي الذي كان يُنقل عبر خطوط الأنابيب. وبعد فقدان إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا عقب غزوها أوكرانيا في عام 2022، سارعت حكومة المستشار أولاف شولتس إلى التحول نحو استيراد الغاز الطبيعي المسال؛ مما ساعد في الحفاظ على دفء المنازل وملء الاحتياطيات. لكن هذه الخطوة أدت أيضاً إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 40 في المائة مقارنة بالعام السابق. ورغم ذلك، استمرت الحكومة في تنفيذ خططها لإغلاق آخر مفاعل نووي في البلاد، وفق صحيفة «نيويورك تايمز».

ويشير المحللون إلى أن هذه الاستراتيجيات غير المتسقة تجعل من الصعب على قادة الأعمال التخطيط للاستثمارات أو التنبؤ بالتكاليف المستقبلية. وقد انعكس هذا الإحباط في مستويات قياسية من التشاؤم بين قادة الصناعة في ألمانيا، وفقاً لمسح أجراه معهد «إيفو» في ميونيخ.

ويُعدّ القطاع الصناعي الألماني ضخماً ويعتمد بشكل كبير على استهلاك الطاقة؛ مما يجعل تأثير ارتفاع أسعار الطاقة أكثر وضوحاً في الاقتصاد الألماني مقارنة بالدول الأخرى التي قد تكون أقل تعرضاً لهذا التحدي. وبالتالي، بينما يستعد الألمان لإجراء انتخابات مبكرة بعد انهيار ائتلاف حكومي هش، ستظل إحدى القضايا الأساسية التي تشغل بال الناخبين هي كيفية إعادة الحكومة الجديدة إحياء الاقتصاد الوطني في وقت تواجه فيه البلاد تحديات كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة.

وعليه، ألحق ارتفاع أسعار الطاقة، بالإضافة إلى البيروقراطية المعقدة والبنية التحتية المتقادمة والتطورات الجيوسياسية، ضرراً كبيراً بصناعة التصدير في ألمانيا. كما أن الشلل السياسي الذي شهدته الحكومة السابقة قد أسهم في تفاقم هذه المشاكل، مما جعل الوضع الاقتصادي أكثر تعقيداً.

2. تكلفة عدم اليقين السياسي

من المتوقع أن يشهد عام 2025 انتخابات فيدرالية مبكرة في ألمانيا؛ وهو ما قد يخلق حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي في البلاد. ويراقب المستثمرون من كثب لمعرفة ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستستفيد من القوة المالية الكبيرة لألمانيا لتحفيز النمو الاقتصادي.

وتعرضت الشركات الصناعية الألمانية لانكماش في الإنتاج بنسبة تزيد على 12 في المائة منذ عام 2018، ويعزو الكثيرون هذا التراجع إلى غياب الإشارات الواضحة من الحكومة في برلين بشأن التوجهات التي ينبغي أن تتجه إليها الاستثمارات. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، القرار المفاجئ الذي اتخذته الحكومة بإنهاء دعم السيارات الكهربائية في نهاية العام الماضي في محاولة لتقليص الموازنة. وقد أدى هذا القرار إلى تراجع الطلب على السيارات الكهربائية، حيث تخوف العملاء من فقدان الدعم الحكومي وأدى ذلك إلى انخفاض مبيعات هذه المركبات.

كذلك، يواجه قطاع السيارات في ألمانيا، الذي يُعدّ من الأعمدة الرئيسة للاقتصاد، تحديات جسيمة في الحفاظ على قدرته التنافسية عالمياً. وفقدت الشركات الكبرى مثل «فولكس فاغن»، و«بي إم دبليو» و«مرسيدس بنز» حصتها في السوق لصالح الشركات المصنعة الأميركية والصينية. وتطورت الصين من كونها سوقاً تصديرية رئيسة لألمانيا إلى منافس كبير، لا سيما في مجالات مثل المركبات الكهربائية، حيث تخلفت الشركات الألمانية عن الركب. علاوة على ذلك، تضررت صادرات السيارات الألمانية من انخفاض الطلب في الصين بسبب النمو المخيب للآمال في الاقتصاد الصيني، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الطاقة وعدم اليقين بشأن السياسات التجارية.

3. التهديد الوشيك لرسوم ترمب الجمركية

تعد ألمانيا ثالث أكبر دولة مصدرة في العالم، حيث تبيع السيارات والمواد الكيميائية والآلات في جميع أنحاء العالم. ولكن هذه القطاعات الثلاثة تواجه تحديات كبيرة في ظل التحولات الجيوسياسية وسلسلة التوريد التي تعطلت في السنوات الأخيرة، مما أثر على التجارة العالمية.

في العام الماضي، حلّت الولايات المتحدة محل الصين بصفتها أهم شريك تجاري لألمانيا، حيث أرسلت البلاد بضائع بقيمة 157.9 مليار يورو (164.3 مليار دولار) عبر المحيط الأطلسي. لكن مع وعد الرئيس المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية شاملة، وذلك جزء من سياساته الاقتصادية، بما في ذلك فرض رسوم تصل إلى 60 في المائة أو أكثر على السلع الصينية، فإن هذا الرقم قد يشهد انخفاضاً ملحوظاً؛ مما يضر بالاقتصاد الألماني بشكل أكبر.

واستثمرت الكثير من الشركات الألمانية، بما في ذلك «بي إم دبليو»، و«مرسيدس بنز» و«فولكس فاغن»، إضافة إلى العشرات من موردي السيارات، بكثافة في الولايات المتحدة. كما تستثمر الشركات الكيميائية والصيدلانية الكبرى في السوق الأميركية. لكن هذه الشركات أيضاً تصدّر من مصانعها في الولايات المتحدة وقد تتعرض لضغوط كبيرة إذا أدت خطط ترمب إلى إشعال حرب تجارية أوسع بين الولايات المتحدة وألمانيا؛ مما قد يضر بالعلاقات التجارية ويؤثر سلباً على الاقتصاد الألماني.

ويقدّر معهد «كيل» أن التعريفات الجمركية المحتملة التي قد تفرضها الإدارة الأميركية قد تؤدي إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة تصل إلى 0.6 في المائة في سيناريو أساسي، وبنسبة تصل إلى 1.2 في المائة في حال فرضت تعريفات جمركية أوسع على سلع الاتحاد الأوروبي.

4. الركود الاقتصادي وضعف سوق العمل

قال البنك المركزي الألماني، الثلاثاء، إن الاقتصاد لم يكن في حالة جيدة خلال العام الحالي، ومن غير المرجح أن يشهد عام 2025 تحسناً كبيراً. وخفض المركزي توقعاته للنمو للعام المقبل إلى 0.2 في المائة، بعد أن كانت 1.1 في المائة في يونيو (حزيران). كما أعلن أنه يتوقع انكماش الاقتصاد قليلاً هذا العام بنسبة 0.2 في المائة، بعد أن كان يتوقع سابقاً نمواً بنسبة 0.3 في المائة.

وفي تعليق له، قال رئيس البنك المركزي الألماني، يواكيم ناغل، إن الاقتصاد الألماني يعاني تحديات مستمرة، مشيراً إلى أن «الاقتصاد الألماني لا يعاني فقط الرياح الاقتصادية المعاكسة المستمرة، لكن أيضاً المشاكل الهيكلية». وأكد ناغل أن الاقتصاد، الذي يعتمد بشكل كبير على التصدير، يواجه تهديداً خاصاً نتيجة تزايد الحماية الاقتصادية على مستوى العالم.

وأشار «المركزي الألماني» إلى أن سوق العمل، الذي كان يُتوقع أن يساهم في دعم التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا، بدأ يظهِر علامات ضعف واضحة. فقد وصل معدل البطالة إلى أعلى مستوياته في أربع سنوات، حيث بلغ 6.1 في المائة من القوى العاملة. كما أثارت موجة من إعلانات التسريح في قطاع التصنيع، خصوصاً في شركة «فولكس فاغن» لصناعة السيارات، قلق الطبقة السياسية وأدت إلى تزعزع ثقة المستهلكين.

وقال البنك المركزي في تقريره: «بعد سنوات عدّة من أرقام سوق العمل المواتية للغاية، يبدو هذا التدهور ملحوظاً بشكل خاص»، متوقعاً المزيد من الانخفاض في التوظيف خلال فصل الشتاء.


مقالات ذات صلة

ارتفاع أسعار التأمين على السفن في 2024 مع استمرار هجمات البحر الأحمر

الاقتصاد سفينة غارقة وأخريات تبحر في البحر الأحمر قرب ميناء الحديدة باليمن (أ.ف.ب)

ارتفاع أسعار التأمين على السفن في 2024 مع استمرار هجمات البحر الأحمر

أسفرت هجمات جماعة الحوثي اليمنية في البحر الأحمر عن اضطرابات واسعة النطاق في حركة الملاحة العالمية وتكبُّد شركات التأمين خسائر كبيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد موقع للإسكان تحت التأسيس في مقاطعة غوانغدونغ الصينية (رويترز)

الصناعة الصينية في أسوأ عام منذ عقود

من المتوقع أن يكون الانخفاض السنوي في الأرباح الصناعية الصينية هذا العام هو الأسوأ منذ أكثر من عقدين بسبب الاستهلاك المحلي الضعيف

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد حقل نفطي بحري في بحر الشمال بالنرويج (رويترز)

«التحفيز الصيني» و«المخزونات الأميركية» يدعمان أسواق النفط

ارتفعت أسعار النفط، يوم الجمعة، واتجهت لتسجيل مكاسب أسبوعية، مدعومة بتوقعات بانتعاش اقتصادي في الصين نتيجة التحفيزات وتكهنات بتراجع مخزونات الخام الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد بائعة تنتظر المشترين في أحد متاجر اللحوم بمقاطعة قينغداو الصينية (أ.ف.ب)

الصين تفتح تحقيقاً بشأن واردات اللحم البقري بعد تضرر السوق المحلية

قالت وزارة التجارة الصينية يوم الجمعة إنها ستبدأ تحقيقا بشأن واردات لحوم الأبقار مع زيادة المعروض بشكل فائق مما دفع الأسعار المحلية إلى أدنى مستوياتها في سنوات

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد متسوقون يابانيون يتزاحمون في سوق شعبية بالعاصمة طوكيو لشراء مستلزمات العام الجديد (إ.ب.أ)

اليابان تقرّ ميزانية قياسية لمواجهة شيخوخة السكان وتحديات الدفاع

أقرّت الحكومة اليابانية، الجمعة، ميزانية قياسية للعام المالي المقبل، تضمّنت زيادة في الإنفاق العسكري وتعزيز مخصّصات الضمان الاجتماعي

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

في تحول تاريخي... إعادة هيكلة «أوابك» إلى «المنظمة العربية للطاقة»

منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) (كونا)
منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) (كونا)
TT

في تحول تاريخي... إعادة هيكلة «أوابك» إلى «المنظمة العربية للطاقة»

منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) (كونا)
منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) (كونا)

يشهد قطاع الطاقة العربي نقطة تحول غير مسبوقة مع إعلان إعادة هيكلة «منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول» (أوابك)، وتغيير اسمها إلى «المنظمة العربية للطاقة» (AEO)؛ حيث جاء هذا القرار الاستراتيجي، الذي اقترحته السعودية، خلال الاجتماع الوزاري الـ113 للمنظمة الذي عُقد مؤخراً في الكويت.

وحسب المعلومات الصادرة، يمثّل هذا التحول خطوة تطويرية رئيسية تهدف إلى مواكبة التغيرات السريعة التي يشهدها قطاع الطاقة إقليمياً وعالمياً، وتعزيز التعاون العربي لمواجهة التحديات المستقبلية. كما يوسع القرار نطاق العضوية ليشمل جميع الدول العربية، وليس فقط الدول البترولية، مما يعزز الشراكات ويتيح فرصاً جديدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

أسباب ودوافع التغيير

وترجع الأسباب إلى أن قطاع الطاقة شهد تطورات هائلة خلال السنوات الأخيرة، مما دفع السعودية إلى اقتراح مراجعة اتفاقية إنشاء المنظمة بموجب المادة الـ36 من نظامها الأساسي؛ حيث تتيح هذه المادة تعديل أحكام الاتفاقية إذا ما طلب ذلك نصف الأعضاء، وجاء الاقتراح انطلاقاً من رؤية استراتيجية تهدف إلى تمكين الدول الأعضاء من استغلال الفرص الناشئة عن التحولات في قطاع الطاقة، مع التركيز على تحقيق التوازن بين تنمية القطاع ومواجهة تحديات التغير المناخي.

أهداف الهيكلة الجديدة

وتتمثل أهداف الهيكلة الجديدة في توسيع نطاق عمل المنظمة ليشمل جميع مجالات الطاقة، وتعزيز حضور الدول الأعضاء في المجتمع الدولي، وتطوير شراكات استراتيجية لدعم الاقتصاد الدائري للكربون، وتعزيز التعاون الإقليمي لتحقيق المزيج الأمثل للطاقة.

تغييرات واضحة

ومع إعادة صياغة الاتفاقية، تتاح الفرصة لجميع الدول العربية للانضمام إلى المنظمة، ما يجعلها منصة شاملة لتبادل الخبرات وبناء الشراكات في قطاع الطاقة، كما تأتي إعادة تسمية المنظمة إلى «المنظمة العربية للطاقة» كجزء من هذه الخطوة التطويرية لتأكيد شمولية أهدافها وارتباطها بجميع مصادر الطاقة، وبهذا التوجه الجديد، تدخل «المنظمة العربية للطاقة» حقبة جديدة من التعاون العربي في قطاع حيوي، متطلعة إلى مستقبل أكثر استدامة وابتكاراً، وفقاً لما صدر اليوم.