ما هو مستقبل قطاع النفط السوري بعد سقوط الأسد؟

بنية تحتية متهالكة... وإعادة التأهيل تحتاج استثمارات ضخمة تُقدَّر بالمليارات

فقد نظام الأسد السيطرة على معظم حقول النفط في سوريا خلال الحرب الأهلية (د.ب.أ)
فقد نظام الأسد السيطرة على معظم حقول النفط في سوريا خلال الحرب الأهلية (د.ب.أ)
TT

ما هو مستقبل قطاع النفط السوري بعد سقوط الأسد؟

فقد نظام الأسد السيطرة على معظم حقول النفط في سوريا خلال الحرب الأهلية (د.ب.أ)
فقد نظام الأسد السيطرة على معظم حقول النفط في سوريا خلال الحرب الأهلية (د.ب.أ)

تطرح إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد -نهاية الأسبوع الماضي- السؤال حول ما يحمله المستقبل لقطاع النفط الحيوي في البلاد، والذي أصابته الحرب الأهلية المستمرة منذ 13 عاماً بالشلل، ما دفع النظام السوري إلى الاعتماد بشكل كبير على إيران، لتشغيل المصفاتين النفطيتين في حمص وبانياس.

فمنذ أن دخلت العقوبات الغربية أواخر عام 2011، باتت سوريا عاجزة عن تصدير النفط بعدما كانت مصدِّراً صافياً. وكان القطاع يشكل جزءاً كبيراً من إيرادات الحكومة قبل الحرب، وساهم بنحو 35 في المائة من عائدات التصدير الإجمالية.

ومنذ عام 2012، بدأ النظام السوري يخسر حقول النفط وآباره تباعاً (غالبها في شمال شرقي البلاد)، لتؤول السيطرة على غالبية الحقول لصالح «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المكونة في غالبها من مقاتلين أكراد. وباتت هذه الأخيرة تسيطر على أكبر 3 حقول نفطية في سوريا، وهي: السويدية، ورميلان، والعمر، إضافة إلى 10 حقول أخرى تتوزع بين محافظتَي الحسكة ودير الزور.

وذكرت وزارة النفط السورية مطلع العام الحالي، أن خسائر قطاع النفط من عام 2011 حتى بداية 2024، تخطَّت المائة مليار دولار.

وقد دفعت العقوبات بالنظام إلى الاعتماد على واردات الوقود من إيران، من أجل الحفاظ على استمرار إمدادات الطاقة. ففي عام 2024 وحده -وحتى الآن- أرسلت إيران ما يقرب من 19 مليون برميل من النفط الخام إلى سوريا، وفق بيانات شركة «كبلر»، بحيث شملت شحنة إلى 4 شحنات من الناقلات شهرياً إلى ميناء بانياس السوري.

وكانت آخر هذه الشحنات التي كان يفترض أن تزوِّد سوريا بالنفط، ناقلة إيرانية كانت متجهة إلى سوريا في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)؛ لكنها استدارت في البحر الأحمر لتتجه بعيداً عن وجهتها الأصلية بعد سقوط الأسد. ووفقاً لشركة «كبلر»، استدارت ناقلة النفط «السويسماكس لوتس» التي كانت تحمل نحو مليون برميل من النفط الإيراني، قبل قناة السويس في 8 ديسمبر، لتبدأ الإبحار جنوباً في البحر الأحمر. وكانت الناقلة التي ترفع علم إيران والمحملة بالنفط الخام الذي تم تحميله في جزيرة خرج الإيرانية، تبحر جنوباً في البحر الأحمر قبالة مصر، ولم تكن تشير إلى وجهة جديدة، وفقاً لـ«كبلر».

 

تُظهر صورة التقطتها طائرة من دون طيار سيارات في أحد شوارع دمشق بعد إطاحة نظام بشار الأسد (رويترز)

حقائق عن قطاع النفط في سوريا

- منذ أواخر عام 2011، وعند دخول العقوبات الدولية حيز التنفيذ، لم تُصدِّر سوريا النفط؛ بل أصبحت تعتمد على واردات الوقود من إيران للحفاظ على استمرار إمدادات الطاقة.

- قبل فرض العقوبات، كانت سوريا تنتج نحو 383 ألف برميل يومياً من النفط والسوائل، وفقاً لتحليل سابق لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، وفق «رويترز».

- انخفض إنتاج النفط والسوائل إلى 40 ألف برميل يومياً في عام 2023، وفقاً لتقديرات منفصلة من معهد الطاقة.

- انخفض إنتاج الغاز الطبيعي من 8.7 مليار متر مكعب في عام 2011 إلى 3 مليارات متر مكعب في عام 2023، وفقاً لتقديرات شركة «بي بي» ومعهد الطاقة.

- كانت «شل» و«توتال إنرجيز» هما شركتا الطاقة الدوليتان الرئيسيتان اللتان تنفِّذان عمليات في البلاد.

- كانت آخر مرة تم فيها استيراد منتجات نظيفة في شهر يونيو (حزيران) بمتوسط 1900 برميل يومياً، وفقاً لبيانات «كبلر». كما كانت روسيا وتركيا من الموردين. ولم تقم سوريا بأي صادرات منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019، عندما شحنت ما متوسطه 33300 برميل يومياً من زيت الوقود، ولم تكن الوجهة معروفة، وفقاً لـ«كبلر».

- تبلغ حصة سوريا من إنتاج النفط الخام المحلي حالياً 31 في المائة، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

- يبلغ متوسط الطلب على النفط السوري حالياً نحو 100 ألف برميل يومياً في المتوسط، نحو 80 في المائة منها من الديزل/ زيت الغاز، والباقي من البنزين ووقود الطائرات، وفقاً لموقع «ستاندرد أند بورز كوموديتيز إنسايت».

- تمتلك سوريا حالياً مصفاتين لتكرير النفط، وهما مصفاة حمص بطاقة 107100 برميل يومياً، ومصفاة بانياس بطاقة 120 ألف برميل يومياً.

مصفاة النفط في حقل الجبسة النفطي في بلدة الشدادة بسوريا (أرشيفية تعود لعام 2020- رويترز)

مَن يسيطر على حقول النفط والغاز؟

- تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) -وهي تحالف بين فصائل مسلحة كردية وعربية، بدعم من الولايات المتحدة وحلفائها- على مناطق كبيرة من الأراضي الواقعة شرقي نهر الفرات في سوريا، بما في ذلك الرقة، عاصمة «داعش» سابقاً، وبعض أكبر حقول النفط في البلاد، بالإضافة إلى بعض الأراضي غربي النهر.

- يخضع حالياً «المربع 26» الذي تديره مجموعة «غلف ساندز بتروليوم» ومقرها المملكة المتحدة، في شمال شرقي سوريا لحالة القوة القاهرة، بسبب العقوبات البريطانية. وقالت شركة «غلف ساندز» إن الأصول لا تزال في «حالة جيدة وملائمة من الناحية التشغيلية»، مضيفة أن «الاستعدادات لإعادة الدخول في مرحلة متقدمة جداً، عندما تسمح العقوبات باستئناف العمليات».

- علَّقت شركة «صنكور إنرجي» الكندية عملياتها في سوريا في عام 2011. وتتمثل أصولها الرئيسية في مشروع «إيبلا» الواقع في حوض الغاز السوري الأوسط الذي يغطي أكثر من نحو 1251 كيلومتراً مربعاً. وكان حقل الغاز ينتج 80 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يومياً. كما كانت تدير مشروع حقل إيبلا النفطي الذي بدأ في إنتاج نحو ألف برميل يومياً من النفط، في ديسمبر 2010.

- في عام 2018، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركة «إيفرو بوليس المحدودة» الروسية التي قالت إنها أبرمت عقداً مع الحكومة السورية لحماية حقول النفط السورية، مقابل حصة 25 في المائة من إنتاج النفط والغاز من الحقول. وقال مصدر مطَّلع في الشرق الأوسط لـ«رويترز» يوم الاثنين، إن حقول إيبلا لا تزال تحت سيطرة الجيش الروسي.

- كانت «إيفرو بوليس» تحت سيطرة يفغيني بريغوجين، الرئيس الراحل لمجموعة «فاغنر» الروسية للمرتزقة، التي كانت تنشط في سوريا والحرب في أوكرانيا. وقال المصدر إن الجيش الروسي تولى السيطرة على الحقول بعد زوال «فاغنر» من سوريا.

 

هل من تأثير للأحداث على سوق النفط؟

لقد تجاهلت أسواق النفط إطاحة الأسد، بحيث إنها لم تُظهر رد فعل يُذكَر؛ كون سوريا لم تكن سوى منتج متواضع، كما أن الأحداث لم تهدد الصادرات من المنطقة الأوسع نطاقاً. وقال مايك مولر، رئيس شركة «فيتول» في آسيا، في مقابلة مع «غلف إنتليجنس»: «لم يكن لها تأثير كبير؛ لأن المجتمع التجاري سرعان ما استنتج أن التهديد الذي تتعرض له الإمدادات كان محدوداً»، وأن بعض عمليات الإغلاق الأولية في بلاد الشام «لم تستمر طويلاً». وأضاف: «أعتقد أن سوريا تقع في الفئة نفسها»، ومشيراً إلى أن معظم شركات النفط الكبرى خرجت من البلاد منذ سنوات.

 

إعادة تأهيل القطاع

بعد أكثر من عقد من الصراع، أصبحت البنية التحتية النفطية في سوريا بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل. ويتطلب إنعاش القطاع استثمارات كبيرة تقدر بالمليارات، لإصلاح المرافق، وتحديث معدات التنقيب والإنتاج.

ومع ابتعاد الناقلات الإيرانية الآن بعد رحيل الأسد، فمن المتوقع أن يزداد شح وقود النقل في سوريا؛ حيث من المرجح أن تبدأ مخزونات الديزل والبنزين بالبلاد في النفاد خلال المستقبل القريب. وبالتالي، سيكون التحدي اليوم العمل على استبدال مصادر أخرى ببراميل النفط الإيرانية، تحافظ على إمدادات النفط في البلاد.


مقالات ذات صلة

«أديس» السعودية تبرم عقد إيجار لمنصة حفر بحرية في نيجيريا بـ21.8 مليون دولار

الاقتصاد إحدى منصات «أديس» البحرية (موقع الشركة الإلكتروني)

«أديس» السعودية تبرم عقد إيجار لمنصة حفر بحرية في نيجيريا بـ21.8 مليون دولار

أعلنت شركة «أديس القابضة» السعودية فوز منصتها البحرية المرفوعة «أدمارين 504» بعقد حفر مع شركة «بريتانيا-يو» في نيجيريا بنحو 81.8 مليون ريال (21.8 مليون دولار).

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد خزانات تخزين النفط الخام في منشأة «إينبريدج» في شيروود بارك في أفق مدينة إدمونتون في كندا (رويترز)

الزيادة الكبيرة في مخزونات الوقود الأميركية تخفّض أسعار النفط

انخفضت أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي، يوم الخميس، بعد زيادة كبيرة في مخزونات الوقود في الولايات المتحدة أكبر مستخدم للنفط في العالم.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد العلم الإيراني مع نموذج مصغر لرافعة مضخة للنفط (أرشيفية- رويترز)

«رويترز»: إيران تضغط على الصين لبيع نفط عالق بقيمة 1.7 مليار دولار

قالت مصادر مطلعة، 3 منها إيرانية وأحدها صيني، إن طهران تسعى لاستعادة 25 مليون برميل من النفط عالقة في ميناءين بالصين منذ 6 سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شعار «شل» خلال المؤتمر والمعرض الأوروبي لطيران رجال الأعمال في جنيف (رويترز)

«شل» تحذر من ضعف تداول الغاز الطبيعي المسال والنفط في الربع الأخير من العام

قلّصت شركة شل توقعاتها لإنتاج الغاز الطبيعي المُسال للربع الأخير وقالت إن نتائج تداول النفط والغاز من المتوقع أن تكون أقل بكثير من الأشهر الـ3 الماضية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سفن الشحن راسية قبالة الساحل وتتقاسم المساحة مع منصات النفط قبل التوجه إلى ميناء لوس أنجليس (أرشيفية - أ.ب)

النفط يرتفع بدعم تراجع المخزونات الأميركية

ارتفعت أسعار النفط، يوم الأربعاء، مع تقلص الإمدادات من روسيا وأعضاء منظمة «أوبك»، وبعد أن أشار تقرير إلى انخفاض آخر بمخزونات النفط الأميركية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)

قالت الصين الخميس إن تحقيقاتها في ممارسات الاتحاد الأوروبي وجدت أن بروكسل فرضت «حواجز تجارية واستثمارية» غير عادلة على بكين، مما أضاف إلى التوترات التجارية طويلة الأمد.

وأعلنت بكين عن التحقيق في يوليو (تموز)، بعدما أطلق الاتحاد تحقيقات حول ما إذا كانت إعانات الحكومة الصينية تقوض المنافسة الأوروبية. ونفت بكين باستمرار أن تكون سياساتها الصناعية غير عادلة، وهددت باتخاذ إجراءات ضد الاتحاد الأوروبي لحماية الحقوق والمصالح القانونية للشركات الصينية.

وقالت وزارة التجارة، الخميس، إن تنفيذ الاتحاد الأوروبي للوائح الدعم الأجنبي (FSR) كان تمييزاً ضد الشركات الصينية، و«يشكل حواجز تجارية واستثمارية». ووفق الوزارة، فإن «التطبيق الانتقائي» للتدابير أدى إلى «معاملة المنتجات الصينية بشكل غير موات أثناء عملية التصدير إلى الاتحاد الأوروبي مقارنة بالمنتجات من دول أخرى».

وأضافت بكين أن النظام لديه معايير «غامضة» للتحقيق في الإعانات الأجنبية، ويفرض «عبئاً ثقيلاً» على الشركات المستهدفة، ولديه إجراءات غامضة أنشأت «حالة من عدم اليقين هائلة». ورأت أن تدابير التكتل، مثل عمليات التفتيش المفاجئة «تجاوزت بوضوح الحدود الضرورية»، في حين كان المحققون «غير موضوعيين وتعسفيين» في قضايا، مثل خلل الأسواق.

وأوضحت وزارة التجارة الصينية أن الشركات التي عدّت أنها لم تمتثل للتحقيقات واجهت أيضاً «عقوبات شديدة»، الأمر الذي فرض «ضغوطاً هائلة» على الشركات الصينية. وأكدت أن تحقيقات نظام الخدمة المالية أجبرت الشركات الصينية على التخلي عن مشاريع أو تقليصها، ما تسبب في خسائر تجاوزت 15 مليار يوان (2,05 مليار دولار).

وفي سياق منفصل، تباطأ التضخم في أسعار المستهلكين في الصين خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فيما واصلت أسعار المنتجين الانكماش وسط ضعف الطلب الاقتصادي.

وألقت عوامل، تتضمن غياب الأمن الوظيفي، وأزمة قطاع العقارات المستمرة منذ فترة طويلة، وارتفاع الديون، وتهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، بظلالها على الطلب رغم جهود بكين المكثفة لتحفيز القطاع الاستهلاكي.

وأظهرت بيانات من المكتب الوطني للإحصاء، الخميس، أن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع 0.1 في المائة الشهر الماضي على أساس سنوي، بعد صعوده 0.2 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) السابق عليه، مسجلاً أضعف وتيرة منذ أبريل (نيسان) الماضي. وجاءت البيانات متسقة مع توقعات الخبراء في استطلاع أجرته «رويترز».

وظل مؤشر أسعار المستهلكين ثابتاً على أساس شهري، مقابل انخفاض بواقع 0.6 في المائة في نوفمبر، وهو ما يتوافق أيضاً مع التوقعات. وارتفع التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والوقود المتقلبة، 0.4 في المائة الشهر الماضي، مقارنة مع 0.3 في المائة في نوفمبر، وهو أعلى مستوى في خمسة أشهر.

وبالنسبة للعام ككل، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين 0.2 في المائة بما يتماشى مع وتيرة العام السابق، لكنه أقل من المستوى الذي تستهدفه السلطات عند نحو ثلاثة في المائة للعام الماضي، مما يعني أن التضخم أخفق في تحقيق الهدف السنوي للعام الثالث عشر على التوالي.

وانخفض مؤشر أسعار المنتجين 2.3 في المائة على أساس سنوي في ديسمبر، مقابل هبوط بواقع 2.5 في المائة في نوفمبر، فيما كانت التوقعات تشير إلى انخفاض بنسبة 2.4 في المائة. وبذلك انخفضت الأسعار عند بوابات المصانع للشهر السابع والعشرين على التوالي.

ورفع البنك الدولي في أواخر ديسمبر الماضي توقعاته للنمو الاقتصادي في الصين في عامي 2024 و2025، لكنه حذر من أن أموراً تتضمن ضعف ثقة الأسر والشركات، إلى جانب الرياح المعاكسة في قطاع العقارات، ستظل تشكل عائقاً.