اقتصاد سوريا في دوامة سقوط نظام الأسد

الليرة تواجه التغيير... و«المركزي» يتعرض للنهب

أحد مؤيدي المعارضة السورية يرسم علم المعارضة السورية على خده أثناء مشاركته في احتفالات سيطرة الثوار على دمشق (إ.ب.أ)
أحد مؤيدي المعارضة السورية يرسم علم المعارضة السورية على خده أثناء مشاركته في احتفالات سيطرة الثوار على دمشق (إ.ب.أ)
TT

اقتصاد سوريا في دوامة سقوط نظام الأسد

أحد مؤيدي المعارضة السورية يرسم علم المعارضة السورية على خده أثناء مشاركته في احتفالات سيطرة الثوار على دمشق (إ.ب.أ)
أحد مؤيدي المعارضة السورية يرسم علم المعارضة السورية على خده أثناء مشاركته في احتفالات سيطرة الثوار على دمشق (إ.ب.أ)

سيكون الثامن من ديسمبر (كانون الأول) بداية حقبة جديدة في مسيرة سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، ليس سياسياً فقط بل اقتصادياً، وذلك بعد ثلاثة عشر عاماً من الصراعات والأزمات تركت اقتصاد البلاد الواقعة تحت عقوبات أميركية وأوروبية في حالة من الموت السريري، وأعادته عقوداً إلى الوراء من حيث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، وأذابت ناتجها المحلي الإجمالي الذي قد يستغرق إحياؤه عقدين أو أكثر. وفي حين أن إعادة بناء البنية التحتية المادية المدمرة ستكون مهمة ضخمة، فإن إعادة بناء رأس المال البشري والاجتماعي لسوريا سيكون تحدياً أعظم بلا شك.

لقد كان أول انعكاسات إعلان هذا السقوط الانهيار الحاد في الليرة السورية التي تفاوت سعرها بشكل حاد بين المحافظات، مما يعكس حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والتضخم الجامح الذي تشهده البلاد. إذ هوت قيمة العملة السورية مقابل الدولار الأميركي بنسبة 42 في المائة في تداولات مدينة دمشق لتصل إلى قاع غير مسبوق، حيث بات الدولار الواحد يساوي 22 ألف ليرة سورية. وفي مدينة حلب، وصل الدولار إلى 36 ألف ليرة بهبوط نسبته 64 في المائة. كما أن هذه الأسعار تختلف من بائع لآخر ومن مكان لآخر داخل البلدة الواحدة، في مختلف مناطق البلاد.

وزير المالية السوري رياض عبد الرؤوف توقع في تصريحات صحافية، ألا يستمر تدهور سعر صرف الليرة طويلاً، معتبراً أنه تدهور مبني في الأساس على ضعف الحياة السياسية والتقهقر السابق. كما توقع أن تكون معدلات نمو الاقتصاد جيدة خلال 2025، مشدداً على أن السياسة المالية يجب أن يتم وضعها لصالح الشعب السوري. وتوقع أن تقوم الحكومة السورية المقبلة بمراجعة جميع الاتفاقات.

في عام 2023، انخفضت قيمة الليرة السورية انخفاضاً كبيراً بنسبة 141 في المائة مقابل الدولار الأميركي. تشير التقديرات إلى أن تضخم أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 93 في المائة، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب خفض الدعم الذي تقدمه الحكومة، وفق تقرير صادر عن البنك الدولي.

وفي هذا الوقت، أظهرت مقاطع مصورة تداولها ناشطون أشخاصاً يخروجون مسرعين من مصرف سوريا المركزي ومحملين بأكياس قيل إنها مليئة بالنقود، فيما ظهر حاكم مصرف سوريا المركزي، محمد عصام هزيمة، في فيديو من داخل المصرف، أكد فيه أنه تم نهب بعض الأموال، وبعد مجيء قوات المعارضة المسلحة تم استعادة جزء منها، وتم تأمين الوضع الأمني للمصرف. وقال: «بوجود المعارضة المسلحة حالياً (فإن) الوضع الأمني لمصرف سوريا المركزي والأبنية المحيطة به مؤمنة بإحكام بجميع المداخل، وهي تحت رعايتة وولايته». وأوضح أن أموال المصرف المركزي هي أموال لسوريا، وليست تابعةً لأي شخص، وهذه الأموال تستخدم في شراء الدواء والغذاء.

شخصان يتعانقان خلال مظاهرة للاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد خارج السفارة السورية في مدريد (رويترز)

«سقوط» الناتج المحلي

بدأت الحرب الأهلية في سوريا بعد قمع حركة الاحتجاجات السلمية التي دعت إلى الإطاحة بالأسد في عام 2011. وذكر تقرير للبنك الدولي في مايو (أيار) الماضي أن اقتصاد البلاد، الذي حافظ على وتيرة نمو نشطة قبل الانتفاضة، يعاني منذ ذلك الحين، حيث من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.5 في المائة هذا العام، ليزيد من الانخفاض الذي بلغ 1.2 في المائة في عام 2023.

ووفقاً للإحصاءات الرسمية، انكمش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 54 في المائة بين عامي 2010 و2021. وقال البنك الدولي إن تأثير الصراع قد يكون أكبر من ذلك بكثير.

وقال التقرير: «سيظل الاستهلاك الخاص، وهو المحرك الرئيسي للنمو، ضعيفاً في عام 2024 مع استمرار ارتفاع الأسعار في تآكل القوة الشرائية. ومن المتوقع أن يظل الاستثمار الخاص ضعيفاً وسط وضع أمني متقلب، وحالة كبيرة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي».

واعتباراً من عام 2022، أثر الفقر على 69 في المائة من السكان - أي ما يعادل حوالي 14.5 مليون سوري. وقال البنك الدولي إن الفقر المدقع، الذي كان شبه معدوم قبل النزاع، أثر على أكثر من واحد من كل أربعة سوريين في عام 2022، وربما يكون قد تدهور أكثر بسبب تأثير زلزال فبراير (شباط) 2023.

كما توقع البنك الدولي ارتفاع معدل التضخم إلى 99.7 في المائة في 2024، ما يعني استمرار الأسعار في الارتفاع بشكل كبير، مما يفاقم معاناة السوريين ويزيد من صعوبة تأمين احتياجاتهم الأساسية.

وأثرت الاضطرابات المرتبطة بالصراع تأثيراً شديداً على التجارة الخارجية، وأدى انهيار الإنتاج الصناعي والزراعي المحلي إلى زيادة اعتماد سوريا على الواردات. وزاد الاعتماد على الواردات الغذائية مع نشوب الصراع، وإن كان ذلك قائماً قبل عام 2011.

كما ساهمت عوامل خارجية عديدة، بما في ذلك الأزمة المالية لعام 2019 في لبنان وجائحة «كوفيد - 19» والحرب في أوكرانيا، في زيادة تآكل رفاهية الأسر السورية.

انخفاض في إنتاج النفط

ويشهد قطاع الطاقة في سوريا اضطرابات منذ عام 2011، إذ انخفض إنتاج النفط والغاز الطبيعي بشكل كبير. وقال البنك الدولي إن بيانات حرق الغاز ليلاً أظهرت انخفاضاً في إنتاج النفط بنسبة 3.5 في المائة سنوياً في العام الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بسبب الزلازل والصراع.

وقالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية إن إنتاج البلاد من النفط، الذي بلغ متوسطه أكثر من 400 ألف برميل يومياً بين عامي 2008 و2010، وصل إلى أقل من 25 ألف برميل يومياً بحلول مايو 2015. وبلغ متوسط الإنتاج حوالي 91 ألف برميل برميل يومياً في عام 2023.

وقال البنك الدولي: «بينما كان الإنتاج في انخفاض بالفعل قبل الصراع بسبب تقادم حقول النفط، إلا أن الحرب سرّعت من وتيرة الانخفاض بشكل حاد».

وأوضح البنك الدولي أن اقتصاد سوريا في الوقت الحاضر مدفوع بالكبتاغون، إذ تعد البلاد «منتجاً ومصدرّاً رئيسياً» لهذه المادة.

وتقدر القيمة السوقية الإجمالية لـ«الكبتاغون» سوري المنشأ بما يتراوح بين 1.9 مليار دولار و5.6 مليار دولار سنوياً، وهو ما يعادل تقريباً الناتج المحلي الإجمالي لسوريا الذي قدر بـ6.2 مليار دولار العام الماضي، حسبما ذكر البنك الدولي في تقريره.

وأضاف التقرير أن «الجهات الفاعلة المتمركزة في سوريا، أو المرتبطة بها، تحقق أرباحاً من بيع (الكبتاغون) تصل إلى 1.8 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل تقريباً ضعف الإيرادات المتأتية من جميع الصادرات السورية المشروعة في عام 2023».

وتقدّر المملكة المتحدة قيمة التجارة العالمية في «الكبتاغون» بحوالي 57 مليار دولار، إذ يتم إنتاج 80 في المائة من الإمدادات العالمية في سوريا.

والسؤال اليوم: ماذا ينتظر الاقتصاد السوري بعد سقوط نظام الأسد؟


مقالات ذات صلة

سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

خاص أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)

سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

يتردد سوريون مقيمون بألمانيا في اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد، وعلى وجه خاص بات أبناء جيل اللجوء أمام قرار صعب بعد اندماجهم في المجتمع.

راغدة بهنام (برلين)
المشرق العربي وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (يسار) يرحب بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن في مقر الخارجية الفرنسية قبل اجتماعهما بعد ظهر الأربعاء (أ.ف.ب)

الأوروبيون يتقدمون خطوة خطوة في الملف السوري

قاعدة مزدوجة تتحكم في تعامل المسؤولين الأوروبيين مع الملف السوري: البراغماتية من جهة و«التدرجية» من جهة أخرى.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا طائرة عسكرية روسية تقترب من قاعدة حميميم الجوية على ساحل اللاذقية بسوريا في 14 ديسمبر 2024 (رويترز)

روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها بعد سقوط حليفها الأسد

أدى سقوط بشار الأسد في سوريا إلى عرقلة مشاريع روسيا في أفريقيا، وأرغمها على البحث عن نقطة إسناد بديلة في حوض البحر المتوسط، متطلعة في هذا السياق إلى ليبيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي مقاتلان من الفصائل الموالية لتركيا في جنوب منبج (أ.ف.ب)

تحذيرات تركية من سيناريوهات لتقسيم سوريا إلى 4 دويلات

تتصاعد التحذيرات والمخاوف في تركيا من احتمالات تقسيم سوريا بعد سقوط نظام الأسد في الوقت الذي تستمر فيه الاشتباكات بين الفصائل و«قسد» في شرق حلب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
ثقافة وفنون هاني نديم

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري.

رشا أحمد ( القاهرة)

نمو الوظائف الأميركية يفوق التوقعات والبطالة تتراجع إلى 4.1 %

شخص يقف بالقرب من نصب واشنطن التذكاري في واشنطن (رويترز)
شخص يقف بالقرب من نصب واشنطن التذكاري في واشنطن (رويترز)
TT

نمو الوظائف الأميركية يفوق التوقعات والبطالة تتراجع إلى 4.1 %

شخص يقف بالقرب من نصب واشنطن التذكاري في واشنطن (رويترز)
شخص يقف بالقرب من نصب واشنطن التذكاري في واشنطن (رويترز)

تسارع نمو الوظائف في الولايات المتحدة بشكل غير متوقع في ديسمبر (كانون الأول)، بينما انخفض معدل البطالة إلى 4.1 في المائة، مما يعكس قوة سوق العمل في نهاية العام ويعزز النهج الحذر الذي يتبعه بنك الاحتياطي الفيدرالي، فيما يتعلق بتخفيض أسعار الفائدة هذا العام.

وقالت وزارة العمل في تقريرها الخاص بالتوظيف، يوم الجمعة، إن الوظائف غير الزراعية زادت بنحو 256 ألف وظيفة في ديسمبر، بعد زيادة بنحو 212 ألف وظيفة في نوفمبر (تشرين الثاني). وكان خبراء اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا زيادة في الوظائف بنحو 160 ألف وظيفة، بعد إضافة 227 ألف وظيفة في نوفمبر. وتراوحت التوقعات لعدد الوظائف في ديسمبر بين 120 ألفاً و200 ألف.

وعلى الرغم من تباطؤ التوظيف بعد رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأميركي في 2022 و2023، فإن مرونة سوق العمل، التي تعكس في الغالب مستويات تسريح العمال المنخفضة تاريخياً، تستمر في دعم الاقتصاد من خلال تحفيز الإنفاق الاستهلاكي عبر الأجور الأعلى.

ويتوسع الاقتصاد بمعدل أعلى بكثير من وتيرة النمو غير التضخمي التي يبلغ 1.8 في المائة، وهي النسبة التي يعتبرها مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي الحد الأقصى للنمو المستدام. ومع ذلك، تتزايد المخاوف من أن تعهدات الرئيس المنتخب دونالد ترمب بفرض أو زيادة التعريفات الجمركية على الواردات وترحيل ملايين المهاجرين غير المسجلين قد تؤدي إلى عرقلة هذا الزخم.

وتجلى هذا القلق في محضر اجتماع السياسة الأخير لبنك الاحتياطي الفيدرالي في 17 و18 ديسمبر، الذي نُشر يوم الأربعاء؛ حيث أشار معظم المشاركين إلى أنه «يمكن للجنة تبني نهج حذر في النظر» في المزيد من التخفيضات.

وارتفع متوسط الدخل بالساعة بنسبة 0.3 في المائة خلال ديسمبر بعد زيادة بنسبة 0.4 في المائة في نوفمبر، فيما ارتفعت الأجور بنسبة 3.9 في المائة على مدار الـ12 شهراً حتى ديسمبر، مقارنة بزيادة قدرها 4 في المائة في نوفمبر.

ورغم تحسن معنويات الأعمال بعد فوز ترمب بالانتخابات في نوفمبر، وذلك بسبب التوقعات بتخفيضات ضريبية وبيئة تنظيمية أكثر مرونة، لا يتوقع الخبراء الاقتصاديون زيادة كبيرة في التوظيف على المدى القريب، ولم تظهر استطلاعات الأعمال أي مؤشرات على أن الشركات تخطط لزيادة أعداد الموظفين.

وقد انخفض معدل البطالة إلى 4.1 في المائة خلال ديسمبر، من 4.2 في المائة خلال نوفمبر. كما تم مراجعة بيانات مسح الأسر المعدلة موسمياً، التي يُشتق منها معدل البطالة، على مدار السنوات الخمس الماضية.

وقد تم تأكيد تخفيف ظروف سوق العمل من خلال الارتفاع التدريجي في عدد الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بشكل دائم، إلى جانب زيادة مدة البطالة التي وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 3 سنوات تقريباً؛ حيث بلغ متوسط مدة البطالة 10.5 أسبوع في نوفمبر.

ويتماشى هذا مع مسح الوظائف الشاغرة ودوران العمالة، الذي يُظهر أن معدل التوظيف يتراجع إلى المستويات التي كانت سائدة في وقت مبكر من جائحة كوفيد-19.

وفي هذا السياق، خفض الفيدرالي في الشهر الماضي سعر الفائدة القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية أخرى إلى نطاق 4.25 في المائة -4.50 في المائة، ليصل إجمالي التخفيضات منذ بدء دورة التيسير في سبتمبر (أيلول) إلى 100 نقطة أساس. لكنه أشار إلى أنه يتوقع خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية مرتين فقط هذا العام مقارنة بالـ4 التي كانت متوقعة في سبتمبر، وذلك في ضوء قدرة الاقتصاد على التحمل واستمرار التضخم المرتفع. وكان البنك قد رفع سعر الفائدة بمقدار 5.25 نقطة مئوية في عامي 2022 و2023.

وفي رد فعل على البيانات، ارتفع الدولار بنسبة 0.5 في المائة مقابل الين ليصل إلى 158.765 ين، في حين انخفض اليورو إلى أدنى مستوياته منذ نوفمبر 2022 مقابل الدولار الأميركي، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 0.6 في المائة ليصل إلى 1.024 دولار.

كما قفزت عوائد سندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ نوفمبر 2023. وارتفعت عوائد سندات الخزانة القياسية لأجل 10 سنوات إلى 4.786 في المائة، بينما قفزت عوائد سندات الـ30 عاماً إلى 5.005 في المائة، مسجلتين أعلى مستوى لهما منذ نوفمبر 2023.