مخاوف التضخم في بريطانيا تزداد بعد الموازنة الجديدة وفوز ترمب

محافظ بنك إنجلترا يحذر من المخاطر الجيوسياسية والحمائية على اقتصاد بلاده

العلم البريطاني يرفرف أمام ساعة «بيغ بن» أعلى مبنى البرلمان في وسط لندن (رويترز)
العلم البريطاني يرفرف أمام ساعة «بيغ بن» أعلى مبنى البرلمان في وسط لندن (رويترز)
TT

مخاوف التضخم في بريطانيا تزداد بعد الموازنة الجديدة وفوز ترمب

العلم البريطاني يرفرف أمام ساعة «بيغ بن» أعلى مبنى البرلمان في وسط لندن (رويترز)
العلم البريطاني يرفرف أمام ساعة «بيغ بن» أعلى مبنى البرلمان في وسط لندن (رويترز)

في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا على وشك تجاوز أزمة التضخم، جاء الإعلان عن زيادة الإنفاق الحكومي الكبير من قبل الحكومة الجديدة، متزامناً مع مخاطر اندلاع حرب تجارية عالمية نتيجة خطط التعريفات الجمركية التي طرحها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مما يهدد بتمديد أمد هذه الأزمة.

وبلغ التضخم في بريطانيا ذروته عند أكثر من 11 في المائة قبل عامين إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا، وهو أعلى مستوى بين الدول الكبرى الغنية. لكن تراجع التضخم استغرق وقتاً أطول مقارنة بدول أخرى، ويرجع ذلك جزئياً إلى نقص العمالة الناتج عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفق «رويترز».

ورغم استبعاد عودة التضخم إلى مستويات تتجاوز الـ 10 في المائة، فإن بنك إنجلترا رفع توقعاته للتضخم للأعوام الثلاثة المقبلة بعد إعلان موازنة 30 أكتوبر (تشرين الأول) التي تضمنت زيادة الضرائب على أصحاب العمل، مما ينذر بارتفاع الأسعار والأجور.

وألقى فوز ترمب بظلاله على المشهد الاقتصادي، حيث دفع المستثمرين إلى خفض توقعاتهم بشأن تخفيضات أسعار الفائدة من بنك إنجلترا خلال العام المقبل، ما يضع تحدياً جديداً أمام تعهد رئيس الوزراء كير ستارمر بجعل بريطانيا الاقتصاد الأسرع نمواً بين دول مجموعة السبع.

أثر الموازنة على التضخم

وقالت شركة الاستشارات «بانثيون ماكرو إيكونوميكس» للعملاء في مذكرة يوم الخميس: «نعتقد أن موازنة المملكة المتحدة وانتخاب ترمب سيعززان التضخم ومعدلات الفائدة في المملكة المتحدة».

وتسببت الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام المدرجة في الموازنة، وتأثيرها المتوقع على النمو الاقتصادي، في تقليص توقعات المستثمرين من أربعة تخفيضات في أسعار الفائدة بحلول نهاية 2025 إلى ثلاثة تخفيضات فقط.

لكن مع إعلان ترمب عن تعيينات متشددة لإدارته، تقلصت هذه التوقعات مرة أخرى إلى تخفيضين فقط بنهاية 2025، مقارنة بخمسة تخفيضات متوقعة من البنك المركزي الأوروبي في منطقة اليورو.

التداعيات العالمية للتعريفات الجمركية

توجد سيناريوهات قد تُخفف من التضخم، مثل تأثر صادرات الصين إلى الولايات المتحدة سلباً بسبب تعريفات ترمب، مما قد يخفض أسعارها في الأسواق الأخرى.

ومع ذلك، إذا طالت التعريفات الجمركية بريطانيا ودول أخرى وردت بالمثل، فإن الضرر الذي قد يلحق بسلاسل التوريد العالمية قد يؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم بوتيرة أسرع من المتوقع.

المخاطر التي تواجه البنوك المركزية

قال كبير الاقتصاديين في المملكة المتحدة لدى «بانثيون ماكرو إيكونوميكس»، روب وود: «بنك إنجلترا، كغيره من البنوك المركزية، بالكاد بدأ السيطرة على التضخم ولن يستطيع تجاهل تأثير التعريفات التجارية باعتبارها مجرد صدمة عابرة، خاصة مع استمرار النمو القوي في الأجور».

وأضاف: «لا يمكن للبنك أن يعتبر هذه صدمة مؤقتة. هذا يعني أن تخفيضات أسعار الفائدة ستكون أبطأ من المتوقع».

ويتوقع وود أن يرتفع التضخم في بريطانيا إلى 3 في المائة بحلول الربع الثالث من 2025، متجاوزاً توقعات بنك إنجلترا البالغة 2.8 في المائة.

مستقبل أسعار الفائدة

رغم أن كثيرا من الاقتصاديين يتوقعون أن يخفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة بأكثر مما يتوقعه المستثمرون حالياً، فإن أحمد كايا من «المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية» حذر من أن الارتفاع المتوقع في التعريفات الجمركية قد يدفع البنك إلى اتخاذ موقف متشدد.

وانخفض معدل التضخم الرئيسي في بريطانيا إلى ما دون هدف بنك إنجلترا البالغ 2 في المائة لأول مرة منذ 2021 في سبتمبر (أيلول)، حيث بلغ 1.7 في المائة. لكن مسؤولي البنك يؤكدون أن الضغوط الأساسية ما زالت قوية.

وخفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية فقط من أعلى مستوياتها خلال 16 عاماً عند 5.25 في المائة، في نهج أكثر حذراً مقارنة بمنطقة اليورو والولايات المتحدة.

أسباب التحديات الاقتصادية

قال كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، هو بيل، إن تعافي بريطانيا من تداعيات الجائحة وصدمات أسعار الطاقة أبطأ من دول أخرى. وأضاف أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى خسارة العمالة أثناء الجائحة، أبقيا نمو الأجور عند مستويات مرتفعة لا تتماشى مع أهداف البنك.

من جانبها، أكدت عضوة لجنة السياسة النقدية، كاثرين مان، أن «التطورات السياسية عبر الأطلسي» قد تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي والتضخم في بريطانيا.

ويُعد كل من بيل ومان من بين أكثر المسؤولين تشدداً في بنك إنجلترا، إلا أن المحافظ أندرو بيلي شدد الأسبوع الماضي على أن أسعار الفائدة من المحتمل أن تنخفض بشكل تدريجي، بعد أن كان قد أشار في أكتوبر إلى إمكانية إجراء تخفيضات أسرع.

وفي خطاب ألقاه يوم الخميس، أبدى بيلي قلقه العميق إزاء تصاعد مخاوف الحمائية.

وقال: «الصورة الاقتصادية الحالية غامضة بفعل تأثير الصدمات الجيوسياسية والتفكك الأوسع في الاقتصاد العالمي. وفي ظل الحاجة الملحة إلى اليقظة تجاه التهديدات التي تمس الأمن الاقتصادي، دعونا لا ننسى أهمية الانفتاح على الأسواق والعلاقات التجارية العالمية».


مقالات ذات صلة

الدولار يسجل أكبر مكسب أسبوعي في أكثر من شهر

الاقتصاد رزم من أوراق الدولار الأميركي في متجر لصرف العملات في سيوداد خواريز بالمكسيك (رويترز)

الدولار يسجل أكبر مكسب أسبوعي في أكثر من شهر

سجل الدولار أكبر مكسب أسبوعي له في أكثر من شهر يوم الجمعة بدعم من توقعات بخفض أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول يلقي كلمة في دالاس بولاية تكساس 14 نوفمبر 2024 (رويترز)

رئيس «الفيدرالي»: البنك سيخفض الفائدة بحذر وسط ضغوط التضخم المستمرة

قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يوم الخميس إن البنك المركزي من المرجح أن يخفض سعر الفائدة الرئيسي تدريجياً وبحذر في الأشهر المقبلة.

«الشرق الأوسط» (دالاس)
الاقتصاد مواطن سعودي يشتري الخضراوات من أحد المتاجر في المملكة (رويترز)

الإيجارات السكنية تدفع التضخم السنوي بالسعودية إلى 1.9% في أكتوبر

ارتفع معدل التضخم في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2024 على أساس سنوي، ليسجل أعلى وتيرة منذ 14 شهراً.

آيات نور (الرياض)
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي تُرفرف أمام مقر البنك المركزي في فرنكفورت (رويترز)

«المركزي الأوروبي»: خفض الفائدة خطوة تأمينية وسط انقسام حول مخاطر التضخم

أظهرت حسابات اجتماع البنك المركزي الأوروبي يومي 16 و17 أكتوبر (تشرين الأول) أن خفض أسعار الفائدة الشهر الماضي كان خطوة تأمينية ضد تراجع التضخم بشكل غير متوقع.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

نائب رئيس «المركزي الأوروبي»: التضخم المتراجع يدفع نحو تخفيضات في الفائدة

أعلن نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، لويس دي غيندوس، يوم الخميس، أن البنك في طريقه لخفض أسعار الفائدة بشكل إضافي، في ظل بيانات التضخم الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (مدريد )

تفاعل في مصر مع تدشين «سوق اليوم الواحد» لمواجهة الغلاء

جانب من السلع في «سوق اليوم الواحد» (وزارة التموين)
جانب من السلع في «سوق اليوم الواحد» (وزارة التموين)
TT

تفاعل في مصر مع تدشين «سوق اليوم الواحد» لمواجهة الغلاء

جانب من السلع في «سوق اليوم الواحد» (وزارة التموين)
جانب من السلع في «سوق اليوم الواحد» (وزارة التموين)

أثار تدشين «سوق اليوم الواحد» في مصر لمواجهة الغلاء، تفاعلاً سوشيالياً، الجمعة، مع افتتاحها في ضاحية مدينة نصر (شرق القاهرة) لبيع السلع من المنتج إلى المستهلك مباشرة. وأكدت الحكومة المصرية أنه «يهدف إلى توفير السلع بأسعار مخفضة».

وافتتح وزير التموين المصري، شريف فاروق، السوق، بالتعاون مع أكثر من 50 شركة تمثل الحكومة والقطاع الخاص، بخصومات تصل إلى 25 في المائة، بحسب بيان رسمي لـ«التموين».

وأكد فاروق أن «سوق اليوم الواحد» تأتي في إطار زيادة جهود «القضاء على الحلقات الوسيطة، بما يساهم في وصول السلع للمواطنين بأسعار مناسبة»، مشدداً على أهمية التوسع في إقامة المزيد من منافذ ومعارض بيع السلع في ربوع البلاد.

ولقي تدشين «السوق» تفاعلاً على منصات «التواصل»، وبينما عدّ مغردون أنه «سيؤدي للحد من ارتفاع الأسعار مع إجبار التجار على بيع السلع بأسعار مناسبة».

ورأى آخرون أن «السوق» «محاولة للتفكير في حلول قابلة للتطبيق على أرض الواقع خصوصاً مع تطبيقها في أوروبا من قبل». أيضاً طالب فريق ثالث بـ«سرعة تعميم التجربة في مختلف الأحياء وليس على المحافظات، وذلك لمواجهة الغلاء المتصاعد في البلاد».

في مقابل ذلك، قلل مغردون من «السوق»، بقولهم إن «هذه التحركات لن تحد من الغلاء في البلاد، وإنه لابد من تفعيل الرقابة على الأسواق كافة حتى تستقر أسعار السلع».

رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» في مصر (مؤسسة مدنية)، محمود العسقلاني، يرى أن دعم الحكومة لهذا التحرك «يأتي في إطار محاولة مصالحة المواطنين الذين واجهوا خلال الفترة الماضية، موجات من الغلاء»، مشيراً إلى أن «(سوق اليوم الواحد) سوف تحد من الحلقات الوسيطة التي تؤدي إلى زيادة أسعار السلع الأساسية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «سرعة تطبيق (السوق الواحد) في مختلف المحافظات، وإقبال المواطنون على الشراء، من الأمور التي ستجعل التجربة تنجح على المدى القريب، مع وجود أماكن متاحة يمكن تنفيذ السوق بها في قلب المدن الرئيسية».

الحكومة المصرية تسعى لتوفير السلع بأسعار مخفضة (وزارة التموين)

إلا أن عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، النائبة سميرة الجزار، حذرت من «عدم قدرة الحكومة على الاحتفاظ بتخفيضات أسعار السلع»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أن «(سوق اليوم الواحد) حل (وقتي) مقبول؛ لكن هناك ضرورة لوضع منظومة عمل طويلة الأمد تضمن استمرار الأسعار في متناول المواطنين».

وأوضحت أن فكرة البيع من المنتج للمستهلك مباشرة «تخفض قليلاً من الأسعار»، لكن في النهاية «هناك تكلفة عمالة ونقل وتخزين يتم حسابها على أسعار السلع»، لافتة إلى ضرورة التزام الحكومة بـ«ثبات أسعار الخدمات المقدمة سواء في الطاقة أو المحروقات بما يدعم الحد من زيادة الأسعار».

مسؤولون مصريون خلال تدشين «سوق اليوم الواحد» في القاهرة (محافظة القاهرة)

وتواصل ارتفاع أسعار السلع في مصر خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وارتفع معدل التضخم السنوي في مدن مصر هامشياً إلى 26.5 في المائة في أكتوبر، من 26.4 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي.

عودة إلى رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» الذي أكد أهمية التعامل مع «سوق اليوم الواحد» بجدية في ظل انطباعات إيجابية لدى المواطنين، وضرورة عدم السماح بـ«تحويل الفكرة إلى مسألة ربحية».