تشهد السوق العقارية السكنية في السعودية نمواً مزدهراً يعكس أساسيات النمو القوية ويستند إلى قاعدة سكانية شابة تزيد عن 35 مليون نسمة. ويستمر عدد الوحدات السكنية الجديدة وقروض الرهن العقاري في الارتفاع، بما يتماشى مع هدف البلاد بزيادة نسبة ملكية المنازل.
ووفق التقرير الصادر عن «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغز»، والذي حمل عنوان «العقارات السكنية في السعودية: السوق تشهد ازدهاراً»، فقد شهدت مدينتا الرياض وجدة ارتفاعاً في أسعار المبيعات السنوية بنسبتيْ 10 و5 في المائة على التوالي، خلال النصف الأول من عام 2024، وفقاً لتقرير «ديناميكيات سوق السعودية للنصف الأول من عام 2024»، الصادر عن شركة الاستشارات العقارية «جيه إل إل». كما ظلت العائدات الإيجارية مرتفعة، مسجلة نمواً سنوياً بنسبة 9 في المائة بالرياض، و4 في المائة بجدة.
وارتفع إجمالي عدد المعاملات العقارية عبر فئات الأصول بنسبة 38 في المائة، ليصل إلى أكثر من 106.7 ألف معاملة، خلال النصف الأول من عام 2024، في حين زادت قيمتها بنسبة 50 في المائة لتبلغ 127.3 مليار ريال (33.89 مليار دولار)، وفق تقرير «مراجعة سوق العقارات السكنية في السعودية - صيف 2024»، الصادر عن شركة «نايت فرنك» العالمية.
ومن منظور وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغز»، يُتوقع أن تبقى المؤشرات الاقتصادية في السعودية ونمو السكان قوية. وقامت الوكالة مؤخراً بمراجعة النظرة المستقبلية للتصنيفات السيادية للمملكة إلى إيجابية، بعد أن كانت مستقرة؛ انعكاساً للتوقعات القوية للنمو في القطاع غير النفطي ومرونة الاقتصاد أمام تقلبات أسعار النفط.
ويُتوقع أن يستمر الطلب على العقارات السكنية في الارتفاع، خصوصاً في الرياض وجدة؛ بفضل النمو السكاني القوي بمعدل 3.3 في المائة في المتوسط، خلال الفترة بين 2024 و2027، مدعوماً جزئياً بتدفقات العمالة الأجنبية.
ووفق التقرير، لم تشهد السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تأثيراً كبيراً من الصراع في الشرق الأوسط، حيث بقيت عائدات الديون مستقرة، واستمرت تدفقات السياحة بقوة. ومع ذلك، إذا تصاعدت التوترات، فقد يكون هناك ارتفاع في علاوة المخاطر على الديون، وتراجع في السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر، وتدفقات رأس المال، إلى جانب ضغوط إضافية على الإنفاق الدفاعي.
عدد الرهون العقارية السكنية سيستمر في الارتفاع
وسيستمر الطلب على الرهون العقارية السكنية في النمو، بفضل تشكيل الأُسر الجديدة وانخفاض أسعار الفائدة. كما ستُواصل السعودية جهودها في مجال التحرير الاجتماعي والنمو الاقتصادي، بما يتماشى مع احتياجات وتطلعات الفئة السكانية الشابة التي تشكل نسبة كبيرة من السكان. ولهذا تتوقع الوكالة أن يظل تشكيل الأسر الجديدة في نمو مستمر، مع انتقال مزيد من العائلات السعودية الشابة إلى المدن الكبرى، بحثاً عن فرص العمل.
وتستهدف «رؤية 2030» تحقيق معدل تملُّك للمنازل يبلغ 70 في المائة بحلول عام 2030، والمملكة في طريقها لتحقيق هذا الهدف، حيث بلغ معدل التملك 63.7 في المائة بنهاية عام 2023، وفقاً لوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان. كما تدعم الحكومة السعودية القطاع العقاري عبر عدة مبادرات مهمة؛ من أبرزها برنامج «سكني»، التابع للوزارة، الذي يسهم في تلبية الطلب على الرهون العقارية من المواطنين السعوديين، بالإضافة إلى صندوق التنمية العقارية الذي يوفر رهوناً عقارية دون فوائد، وبضمانات ميسَّرة.
وشهد الإقراض العقاري نمواً بنسبة 5.3 في المائة، خلال النصف الأول من عام 2024 حتى 30 يونيو (حزيران)، وهي النسبة نفسها التي سجلها العام الماضي. ومن المتوقع أن يتسارع هذا النمو مع استمرار انخفاض أسعار الفائدة.
وتتوقع الوكالة أن تنخفض أسعار الفائدة بمقدار 225 نقطة أساس، بحلول نهاية عام 2025، بما في ذلك خفض بنسبة 50 نقطة أساس في سبتمبر (أيلول) 2024. ومن المرجح أن يساعد هذا الانخفاضُ في أسعار الفائدة البنوكَ على جمع الأموال من أسواق رأس المال الدولية بشكل أكثر كفاءة، وتصفية بعض الرهون العقارية من ميزانياتها العمومية بشكل أسرع. وهذا سيعزز قدرة البنوك على توسيع محفظتها الائتمانية. كما تتوقع أن يظل نمو الإقراض العقاري في حدود الـ9 في المائة، خلال الفترة من 2024 إلى 2025، مع تركيز الجزء الأكبر من هذا النمو على المشاريع الكبرى المرتبطة بـ«رؤية 2030».
السوق السعودية مليئة بالتحديات
يواجه قطاع العقارات السكنية في السعودية عدداً من التحديات؛ أبرزها ارتفاع تكاليف الأراضي والإنشاءات والمواد، بالإضافة إلى القيود المفروضة على القدرة الإنشائية، والمنافسة الشديدة على التمويل مع مشاريع «رؤية 2030» الأخرى. علاوة على ذلك، قد يواجه المطورون الجدد صعوبة في الوصول إلى سوق رأس المال الديناميكي والمتطور، وفق تقرير «ستاندرد آند بورز».
ومع ذلك يشهد المخزون الإجمالي من الوحدات السكنية نمواً مستمراً، ففي الرياض بلغ عدد الوحدات السكنية 1.5 مليون وحدة، بعد تسليم 16.2 ألف وحدة، خلال النصف الأول من عام 2024. أما في جدة فقد وصل عدد الوحدات إلى 891 ألف وحدة، بعد تسليم 11.3 ألف وحدة، وفقاً لتقرير ديناميكيات السوق من «جيه إل إل»، للنصف الأول من 2024. ومن المتوقع أن يرتفع العدد بمقدار 16 ألف وحدة إضافية في كلتا المدينتين، خلال النصف الثاني من العام. وستستمر الهجرة الداخلية إلى المدن الكبرى في تعزيز نقص العقارات بهذه المناطق، مما يسهم في استمرار الطلب القوي على الوحدات السكنية.
الاستثمار الأجنبي في العقار لا يزال محدوداً
تسعى السعودية لجذب 100 مليار دولار (نحو 375 مليار ريال) من الاستثمار الأجنبي المباشر ضمن «رؤية 2030»؛ أي ما يعادل نحو 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. ومع ذلك فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوية لم تتجاوز متوسط 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على مدار السنوات الثلاث الماضية. ومن العوامل التي تحدُّ من تدفق هذه الاستثمارات، القوانين والأنظمة التي، على الرغم من الإصلاحات المستمرة، قد تظل معقدة ومرهِقة للمستثمرين الأجانب، وفق ما جاء في التقرير.
من جهة أخرى، يُعد تعزيز الاستثمارات الأجنبية بقطاع العقارات، خاصة في العقارات السكنية، طريقة سريعة نسبياً وبسيطة لزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر؛ بشرط أن تتمكن الحكومة وشركات العقارات من توفير الفرص المناسبة للمستثمرين الدوليين.
ومن الممكن أن تسهم إصلاحات سياسة التأشيرات والتغييرات التنظيمية في تسريع تدفق الاستثمار الأجنبي إلى قطاع العقارات.
وقالت محللة التصنيف الائتماني لدى «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغز»، سابنا جاغتياني: «نعتقد أن المؤشرات الاقتصادية ونمو السكان في السعودية سيظلان قويين، وأن تكوين الأسر الجديدة وتراجع معدلات الفائدة سيسهمان في دعم الطلب على الرهون العقارية السكنية». وأضافت جاغتياني: «نتوقع أن يظل الطلب على العقارات السكنية مرتفعاً، ولا سيما في الرياض وجدة؛ بفضل النمو السكاني القوي بمعدل 3.3 في المائة في المتوسط، خلال الفترة 2024-2027؛ مدفوعاً بالهجرة الداخلية وتدفقات الوافدين».